عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17-03-2020, 03:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الخليل بن أحمد الفراهيدي: غني بعلمه عن العالمين



ولنتأمل ذلك الخبر:
قال الحسن بن علي المهلبي: كان الخليل منقطعًا إلى الليث بن رافع بن نصر بن سيار، وكان الليث مِن أكتب الناس في زمانه، بارع الأدب، بصيرًا بالشعر والغريب والنحو، وكان كاتبًا للبرامكة، وكانوا معجبين به، فارتحل إليه الخليل وعاشره، فوجده بحرًا فأغناه، وأحب الخليل أن يهدي إليه هدية تشبهه، فاجتهد الخليل في تصنيف (كتاب العين)، فصنَّفه له وخصه به دون الناس، وحبره وأهداه إليه، فوقع منه موقعًا عظيمًا وسُرَّ به، وعوَّضه عنه مائة ألف درهم واعتذر إليه، وأقبل الليث ينظر فيه ليلًا ونهارًا لا يمل النظر فيه حتى حفِظ نصفه[10].
أرأيت إلى عبارة: "وعوَّضه عنه مائة ألف درهم واعتذر إليه"، إنها تكفي لبيان ما احتل الخليل في نفس الليث من مكانة.

إن ما فعله الخليل مع سليمان والليث هو فهمٌ أصيل لمكانة العلم ومنزلة العلماء، إنه تحقيق لرجحان المنصب الجدير بأن يثقُل في الميزان وتطيش أمامه كلُّ الإغراءات والتهديدات، وهذا الفهم المبكر لأهمية حرية استقلال العالم عن كافة القيود المؤثرة على مساره واختياراته وآرائه - هو نموذج يجب أن يُعمَّم على كافة أصعدة العلم، وأن يحتذى مِن جميع العلماء بمختلف المستويات.

ولله در أبي الحسن الجُرجاني؛ إذ يصوِّر لنا صورة كاشفة عن عزة العالم بعلمه في أبياته الرقيقة التي يقول فيها:
يقولون لي: فيك انقباضٌ وإنما
رأَوا رجلًا عن موقف الذلِّ أحجَمَا

أرى الناسَ مَن داناهمُ هان عندهمْ
ومَن أكرمَتْه عزةُ النفس أُكرِمَا

ولم أقضِ حقَّ العلم إن كان كلَّما
بدا طمعٌ صيَّرته ليَ سُلَّمَا

وما زلتُ منحازًا بعرضيَ جانبًا
مِن الذلِّ أعتَدُّ الصيانةَ مَغنمَا

إذا قيل: هذا منهلٌ، قلتُ: قد أرى
ولكنَّ نفس الحُرِّ تَحتمل الظَّمَا

أنزِّهُها عن بعض ما لا يَشِينُها
مخافةَ أقوالِ العدا فيمَ أو لِمَا

فأصبح عن عيبِ اللئيم مسلَّمًا
وقد رحتُ في نفس الكريم معظَّمَا

وإنِّي إذا ما فاتني الأمرُ لم أَبِتْ
أقلِّب فكري إثرَه متندِّمَا

ولكنه إن جاء عفوًا قبِلتُه
وإن مال لم أُتْبعه هلَّا ولَيتمَا

وأقبض خطوي عن حظوظٍ كثيرةٍ
إذا لم أنَلها وافرَ العِرض مكْرمَا

وأُكرم نفسي أن أُضاحِكَ عابسًا
وأن أتلقى بالمديح مذمَّمَا

وكم طالبٍ رقِّي بنعماه لم يصل
إليه وإن كان الرئيس المعظَّمَا

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.49%)]