ما يستقبل به رمضان
[مجموع فتاوى ابن باز 15/ 9]
س: هل هناك أمور خاصة مشروعة يستقبل بها المسلم رمضان؟ (1)
ج: شهر رمضان هو أفضل شهور العام؛ لأن الله سبحانه وتعالى اختصه بأن جعل صيامه فريضة وركنا رابعا من أركان الإسلام، وشرع للمسلمين قيام ليله؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت (2) » . متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (3) » . متفق عليه.
ولا أعلم شيئا معينا لاستقبال رمضان سوى أن يستقبله المسلم بالفرح والسرور والاغتباط وشكر الله أن بلغه رمضان، ووفقه فجعله من الأحياء الذين يتنافسون في صالح العمل، فإن بلوغ رمضان نعمة عظيمة من الله. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان مبينا فضائله وما أعد الله فيه للصائمين والقائمين من الثواب العظيم. ويشرع للمسلم استقبال هذا الشهر الكريم بالتوبة النصوح والاستعداد لصيامه وقيامه بنية صالحة وعزيمة صادقة.
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1284) في 5 \ 9 \ 1411 هـ.
(2) رواه البخاري في (الإيمان) باب بني الإسلام على خمس برقم (8) ، ومسلم في (الإيمان) باب أركان الإسلام برقم (16) .
(3) رواه البخاري في (صلاة التراويح) باب فضل ليلة القدر برقم (2014) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) وقصرها باب الترغيب في قيام رمضان برقم (760) .
ثبوت الشهر برؤية الهلال أو إكمال العدة والعدد المطلوب في الشهود وحكم شهادة المرأة
[مجموع فتاوى ابن باز 15/ 59]
س: بم يثبت دخول شهر رمضان وكيف يعرف الهلال؟ (1)
ج: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
بعده: يثبت هلال رمضان بالرؤية عند جميع أهل العلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين (2) » . وفي اللفظ الآخر: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين (3) » . وفي اللفظ الآخر: «فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما (4) » .
والمقصود أنه يصام بالرؤية ويفطر بالرؤية، فإن لم ير وجب إكمال شعبان ثلاثين ثم يصومون، ويجب إكمال رمضان ثلاثين ثم يفطرون، إذا لم تحصل الرؤية، أما إذا ثبتت الرؤية فالحمد لله.
فالواجب أن يصوم المسلمون بالرؤية رؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان ويصير شعبان ناقصا ويصومون، وهكذا لو رأوا الهلال ليلة الثلاثين من رمضان أفطروا لتسع وعشرين، أما إذا لم يروا الهلال كملوا شعبان ثلاثين يوما، وكملوا رمضان ثلاثين؛ عملا بالأحاديث «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة (1) » . وهذا النص يعم شعبان ويعم رمضان، وفي اللفظ الآخر: «فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين (2) » .
والهلال يثبت بشاهد واحد في دخول رمضان، شاهد عدل عند جمهور أهل العلم؛ لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام وأمر الناس بالصيام (3) » ، ولما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم «أن أعرابيا شهد عنده بأنه رأى الهلال، فقال صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله. قال: نعم، فأمر بالصيام (4) » .
فالهلال إذا رآه عدل في الدخول وجب الصيام به، أما الخروج فلا بد من شاهدين عدلين، وهكذا بقية الشهور لا تثبت إلا بشهادة عدلين؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا (1) » . وثبت عن الحارث بن حاطب رضي الله عنه أنه قال: «عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما (2) » .
والمقصود أن شهادة العدلين لا بد منها في الخروج وفي جميع الشهور، أما رمضان في الدخول فيكتفى فيه بشهادة واحد عدل للحديثين السابقين.
واختلف العلماء في المرأة هل تقبل شهادتها في الدخول كالرجل؟ على قولين:
منهم من قبلها كما تقبل روايتها في الحديث الشريف إذا كانت ثقة، ومنهم من لم يقبلها. والأرجح عدم قبولها في هذا الباب؛ لأن هذا المقام من مقام الرجال، ومما يختص به الرجال ويشاهده الرجال، ولأنهم أعلم بهذا الأمر وأعرف به.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب)
(2) رواه مسلم في (الصيام) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤيته برقم (1081) ، والنسائي في (الصيام) باب ذكر الاختلاف على عمر بن دينار برقم (2124) واللفظ له
(3) رواه ابن حبان في صحيحه باب ذكر البيان بأن رؤية هلال شوال إذا غم على الناس كان عليهم إتمام رمضان ثلاثين يوما
(4) رواه البخاري في (الصوم) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الهلال فصوموا. برقم (1909) .
(5) رواه مسلم في (الصيام) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤيته برقم (1081) ، والنسائي في (الصيام) باب ذكر الاختلاف على عمر بن دينار برقم (2124) واللفظ له
(6) رواه ابن حبان في صحيحه باب ذكر البيان بأن رؤية هلال شوال إذا غم على الناس كان عليهم إتمام رمضان ثلاثين يوما.
(7) رواه أبو داود في (الصوم) باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان برقم (2342) .
(8) رواه الترمذي في (الصوم) باب ما جاء في الصوم بالشهادة برقم (691) .
(9) رواه أحمد في (مسند الكوفيين) حديث أصحاب رسول الله برقم (18416) ، والنسائي في (الصيام) باب قبول شهادة الرجل الواحد على شهر رمضان برقم (2116) .
(10) رواه أبو داود في (الصوم) باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال برقم (2338) .
من لا يجب عليه الصوم
[مجموع فتاوى ابن باز 15/ 175]
س: من الذي لا صوم عليه؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: المجنون، وفاقد العقل، والصبي، والصبية قبل البلوغ، أما الحائض والنفساء فيجب عليهما الصوم، ولكن لا يجوز لهما الصوم في رمضان وغيره حال الحيض والنفاس، وعليهما القضاء لما أفطرا من أيام رمضان، أما المريض والمسافر فيجوز لهما الصوم والفطر في رمضان، والفطر أفضل، وعليهما القضاء إذا أفطرا في رمضان؛ لقول الله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2) لكن إذا كان المريض لا يرجى برؤه بشهادة الأطباء الثقات فلا يلزمه الصوم ولا القضاء، وعليه أن يطعم مسكينا عن كل يوم، وهو نصف صاع بالصاع النبوي من قوت البلد ومقداره كيلو ونصف تقريبا، وهكذا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة اللذان لا يستطيعان الصوم يطعمان عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد، ولا صوم عليهما ولا قضاء. ويجوز دفع الكفارة عن جميع رمضان دفعة واحدة في أول الشهر أو آخره، أو في أثنائه لفقير واحد أو أكثر، وهكذا حال الحامل والمرضع إذا شق عليهما الصيام تفطران وعليهما القضاء كالمريض.
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1527) بتاريخ 5\9\1416 هـ.
(2) سورة البقرة الآية 185
علامة ليلة القدر
[مجموع فتاوى ابن باز 15/ 432]
س: ما علامة ليلة القدر وما الواجب على المسلم فيها؟ (1) .
ج: السنة قيام ليلة القدر وهي تختص بالعشر الأواخر من رمضان، وأوتارها آكد من غيرها، وأرجاها ليلة سبع وعشرين، والمشروع الاجتهاد في طاعة الله جل وعلا في أيام العشر ولياليها، وليس قيام الليل واجبا وإنما هو مستحب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأخيرة شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله (2) » ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (3) » والأحاديث في ذلك كثيرة والله ولي التوفيق.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2) رواه البخاري في (صلاة التراويح) باب العمل في العشر الأواخر من رمضان برقم (1884) ، ومسلم في (الاعتكاف) باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان برقم (2008) .
(3) رواه البخاري في (الصوم) باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا برقم (1768) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) باب الترغيب في قيام رمضان برقم (1268) .
الإفطار مضطرا في رمضان
[فتاوى اللجنة الدائمة - 2 9/ 274]
س: ما حكم الشرع في الذي أفطر مضطرا في رمضان ونسي أن يقضي ذلك اليوم، وتذكر بعد مرور حوالي 4 سنوات فكيف يكون القضاء هنا وفي هذه الحالة؟
ج: يجب على من أفطر في رمضان معذورا أن يقضي عدد الأيام التي أفطرها ولو مضى على ذلك سنوات، ولكنه يكفر عن التأخير بإطعام مسكين عن كل يوم إن كان التأخير بغير عذر، ومقداره نصف صاع عن كل يوم من بر أو أرز ونحوهما من قوت البلد.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
تلاوة القرآن أم حفظه في رمضان
[فتاوى نور على الدرب للعثيمين 5/ 2]
يقول السائل أيهما أفضل تلاوة القرآن نظراً في رمضان أو محاولة ترديد سور منه لأجل الحفظ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأولى أن يقرأ القرآن كله نظراً، وأن يحافظ على ما كان حفظه عن ظهر قلب لئلا ينساه، وذلك لأن القرآن كله قراءته مفيدة للإنسان لأنه يمر به كل كلام الله عز وجل وينتفع بما في آياته من الأحكام والأخبار، وهذا يفوته إذا اقتصر على سور معينة كان حفظها عن ظهر قلب، وإذا لازم السور المعينة التي كان يحفظها عن ظهر قلب استفاد منها ليرتبط بها، ولكن هذا لا يفوته إذا حرص على هذه السور التي حفظها في وقت آخر، لأن السور المحفوظة يمكن للإنسان أن يقرأها سواء في بيته أو في المسجد أو في أي مكان، فالأولى أن يحافظ على قراءة القرآن كله، ثم يزيد بعناية ما كان يحفظه عن ظهر قلب.
***
معنى قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ )
[فتاوى نور على الدرب للعثيمين 5/ 2]
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أفيدونا بذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية الكريمة يتبين معناها بمعرفة مانزلت فيه وذلك أنهم كانوا أول ما فرض الصيام إذا نام الإنسان منهم أو صلى صلاة العشاء حرم عليه الأكل والشرب والجماع حتى تغرب الشمس من اليوم التالي ثم منّ الله تعالى على عباده فأحل لهم الأكل والشرب والجماع حتى يتبين الفجر فقال جل ذكره (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) إي الإفضاء إليهنّ وهذا يعني الجماع ثم بين الله سبحانه وتعالى أن المرأة لباس لزوجها وأن زوجها لباس لها لأن كل واحد منهما يحصل به تحصين فرج صاحبه وحمايته وحفظه (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ) أي باشروا نساءكم بالجماع (وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لكم) من الولد الصالح والعمل الصالح في هذه الليلة التي أبيح لكم فيها الجماع بحيث لا يلهيكم الجماع عن طاعة الله عز وجل ولا تريدوا بالجماع مجرد التلذذ والشهوة أو مجرد التلذذ وإدراك الشهوة فباشروهنّ بالجماع مبتغين ما كتب الله لكم من الأعمال الصالحة والولد الصالح (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) أي حتى يظهر لكم بياض النهار من سواد الليل (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) أي إلى غروب الشمس لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أقبل الليل من هاهنا -يعني المشرق- وأدبر النهار من هاهنا -يعني المغرب- وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) ثم لما كان إحلال المرأة ليلة الصيام عاماً شاملاًَ استثنى الله تعالى أو خص الله سبحانه وتعالى زمن الاعتكاف فإنه لا يحل للزوج أن يباشر زوجته وهو معتكف فقال (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) والاعتكاف هو التعبد لله سبحانه وتعالى بلزوم المساجد للتفرغ لطاعته وقد (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله واعتكف أزواجه من بعده) ثم بين الله سبحانه وتعالى أن هذه الأحكام المشتملة على المنهيات وعلى الأوامر بأنها حدود الله ونهى عن قربانها والنهي عن القربان يختص بالحدود المحرمة والنهي عن الاعتداء يختص بالحدود الواجبة فإذا قال الله سبحانه وتعالى تلك حدود الله فلا تعتدوها أي لا تتجاوزوها فالمراد بها الواجبات وإذا قال تلك حدود الله فلا تقربوها فالمراد بها المحرمات وهنا يقول عز وجل (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي مثل هذا البيان يبين الله سبحانه وتعالى آياته الشرعية للناس حتى يعلموها وتقوم عليهم الحجة بها وفي آخر الآية دليل على أن الله عز وجل قد بين لعباده كل ما يحتاجون إليه في أمور الشريعة إما في كتاب الله وإما في سنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم لكن هذا البيان قد يخفى على بعض الناس إما لقصوره وإما لتقصيره وإلا فإن القرآن كما وصفه الله عز وجل بقوله (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) فهذا هو معنى الآية الكريمة.
***
يتبع