عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 14-03-2020, 04:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,905
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضان مدرسة الأخلاق


عن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ألا أخبركم بمن يحرم على النّار أو بمن تحرم عليه النّار: على كلّ قريب هيّن سهل حسن الخلق يصلح ما بين الإنسان وبين النّاس .
عن أبي هريرة- رضي الله عنه "أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله و حسن الخلق و أكثر ما يدخل الناس النار"

عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "والّذي نفسي بيده لا يسلم عبد حتّى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتّى يأمن جاره بوائقه»، قالوا: وما بوائقه يا نبيّ اللّه! قال: «غشمه وظلمه، ولا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدّق به فيقبل منه، ولا يترك خلف ظهره إلّا كان زاده إلى النّار. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- لا يمحو السّيّء بالسّيّء ولكن يمحو السّيّء بالحسن، إنّ الخبيث لا يمحو الخبيث»







رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل الناس خلقا

وحسن الخلق لا يؤسس فى المجتمع بالتعاليم المرسلة ? أو الأوامر والنواهى المجردة ? إذ لا يكفى فى طبع النفوس على الفضائل أن يقول المعلم لغيره : فعل كذا ? أو لا تفعل كذا . فالتأديب المثمر يحتاج إلى تربية طويلة ? ويتطلب تعهدا مستمرا. ولن تصلح تربية إلا إذا اعتمدت على الأسوة الحسنة ? فالرجل السيئ لا يترك فى نفوس من حوله أثراً طيبا. وإنما يتوقع الأثر الطيب ممن تمتد العيون إلى شخصه ? فيروعها أدبه ? ويسببها نبله ? وتقتبس بالإعجاب المحض من خلاله ? وتمشى بالمحبة الخالصة فى آثاره. بل لابد ليحصل التابع على قدر كبير من الفضل أن يكون فى متبوعه قدر أكبر ? وقسط أجل.


وقد كان رسول الإسلام بين أصحابه مثلاً أعلى للخلق الذى يدعو إليه ? فهو يغرس بين أصحابه هذا الخلق السامى ? بسيرته العاطرة ? قبل أن يغرسه بما يقول من حكم وعظات. روى أحمد بسنده عن أبي عبد الله الجدلي، قال قلت لعائشة: كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله ؟ قالت: " كان أحسن الناس خلقا، لم يكن فاحشا ، ولا متفحشا ، ولا سخابا بالأسواق، ولا يجزئ بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح"




ففي الرفق والتواضع واللين، نجد :

حرصه على أن يكون واحدًا كآحاد الناس، ما روته عائشة قالت: قلت: يا رسول الله! كل -جعلني الله فداك- متكئا؛ فإنه أهون عليك. فأحنى رأسه حتى كاد أن تصيب جبهته الأرض وقال: آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد فإنما أنا عبد.

ومما جاء من مشاركته أصحابه في معايشهم، ما جاء عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال : كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزاة، فأبطأ بي جملي وأعيا، فأتى على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "جابر". فقلت: نعم. قال: "ما شأنك". قلت: أبطأ عليَّ جملي وأعيا، فتخلفت. فنزل يحجنه بمحجنه، ثم قال: "اركب.

وقد كان -صلى الله عليه وسلم- سهلا لينا، يمكن لأي أحد أن يسأله ما يشاء حتى لو كانت حاجته صغيرة؛ فعن أنس بن مالك قال كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتنطلق به حيث شاءت.

وفي كظمه غيظه ، نجد - عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنت أمشى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: مر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه، فضحك ثم أمر له بعطاء.

وفي الصحيحين أن أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقسم قسمًا أتاه ذو الخويصرة -وهو رجل من بني تميم- فقال: يا رسول الله اعدل. فقال: "ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل".

وفي سهولته ولين عريكته وتسامحه، نجد في صحيحي البخاري ومسلم: "استأذن عمر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن، فلما استأذن عمر، قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله. قال: "عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب". قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن. ثم قال: أي عدوات أنفسهن، أتهبنني ولا تهبن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قلن: نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

وعن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا , فأرسلني يوما لحاجة , فقلت: والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قبض بقفاي من ورائي قال: فنظرت إليه وهو يضحك فقال: "يا أنيس ذهبت حيث أمرتك؟". قلت: نعم أنا أذهب يا رسول الله. رواه مسلم.
وفي صحيح مسلم أيضا، قال أنس بن مالك: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي أف قط ولا قال لي لشيء لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟.

وعن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ أعرابيّا بال في المسجد، فثار إليه النّاس ليقعوا به، فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء أو سجلا من ماء فإنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين»)

وعن عائشة- رضي اللّه عنها- أنّ يهود أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: السّام عليكم. فقالت عائشة: عليكم، ولعنكم اللّه وغضب اللّه عليكم.
قال: «مهلا يا عائشة عليك بالرّفق، وإيّاك والعنف والفحش». قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: «أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في"

وعن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- قال: ما رأيت رجلا التقم أذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فينحّي رأسه حتّى يكون الرّجل هو الّذي ينحّي رأسه، وما رأيت رجلا أخذ بيده فترك يده، حتّى يكون الرّجل هو الّذي يدع يده.
وفي رواية التّرمذيّ: قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا استقبله الرّجل فصافحه لا ينزع يده من يده، حتّى يكون الرّجل الّذي ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتّى يكون الرّجل هو الّذي يصرفه، ولم ير مقدّما ركبتيه بين يدي جليس له.






هل الأخلاق قابلة للاكتساب

قال ابن قدامة المقدسي في مختصر منهاج القاصدين:
زعم بعض من غلبت عليه البطالة فاستثقل الرياضة، أن الأخلاق لا يتصور تغييرها، كما لا يتصور تغيير صورة الظاهر .
والجواب : أنه لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى، وكيف تنكر تغيير الأخلاق ونحن نرى الصيد الوحشي يستأنس، والكلب يعلم ترك الأكل، والفرس تعلم حسن المشي وجودة الانقياد، إلا أن بعض الطباع سريعة القبول للصلاح، وبعضها مستصعبة . وأما خيال من اعتقد أن ما في الجبلة لا يتغير، فاعلم أنه ليس المقصود قمع هذه الصفات بالكلية، وإنما المطلوب من الرياضة رد الشهوة إلى الاعتدال الذي هو وسط بين الإفراط والتفريط، وأما قمعها بالكلية فلا، كيف والشهوة إنما خلقت لفائدة ضرورية في الجبلة، ولو انقطعت شهوة الطعام لهلك الإنسان، أو شهوة الوقاع لانقطع النسل، ولو انعدم الغضب بالكلية، لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه، وقد قال الله تعالى : { أشداء على الكفار } [ الفتح : 29 ] ولا تصدر الشدة إلا عن الغضب، ولو بطل الغضب لامتنع جهاد الكفار، وقال تعالى : { والكاظمين الغيظ } [ آل عمران : 134 ] ولم يقل : الفاقدين الغيظ . وكذلك المطلوب في شهوة الطعام الاعتدال دون الشره والتقلل : قال الله تعالى : { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } [ الأعراف : 31 ] إلا أن الشيخ المرشد للمريد إذا رأى له ميلاً إلى الغضب أو الشهوة، حسن أن يبالغ في ذمها على الطلاق ليرده إلى التوسط، ومما يدل على أن المراد من الرياضة الاعتدال أن السخاء خلق مطلوب شرعاً وهو وسط بين طرفي التقتير والتبذير وقد أثنى الله عليه بقوله : { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } [ الفرقان : 67 ] .


واعلم : أن هذا الاعتدال . تارة يحصل بكمال الفطرة منحة من الخلق، فكم من صبى يخلق صادقاً سخياً حليماً، وتارة يحصل بالاكتساب، وذلك بالرياضة، وهى حمل النفس على الأعمال الجالبة للخلق المطلوب ، فمن أراد تحصيل خلق الجود فليتكلف فعل الجود من البذل ليصير ذلك طبعاً له . وكذلك من أراد التواضع تكلف أفعال المتواضعين، وكذلك جميع الأخلاق المحمودة فإن للعادة أثراً في ذلك، كما أن من أراد أن يكون كاتباً تعاطى فعل الكتابة، أو فقيهاً تعاطى فعل الفقهاء من التكرار، حتى ينعطف على قلبه صفة الفقه، إلا أنه لا ينبغي أن يطلب تأثير ذلك في يومين أو ثلاثة، وإنما يؤثر مع الدوام، كما لا يطلب في النمو علو القامة في يومين أو ثلاثة، وللدوام تأثير عظيم . وكما لا ينبغي أن يستهان بقليل الطاعات، فإن دوامها يؤثر، وكذلك لا يستهان بقليل من الذنوب . كما أن تعاطى أسباب الفضائل يؤثر في النفس ويغير طبعها، فكذلك مساكنة الكسل أيضاً يصير عادة، فيحرم بسببه كل خير . وقد تكتسب الأخلاق الحسنة بمصاحبة أهل الخير، فإن الطبع لص يسرق الخير والشر . قلت : ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " .


الطريق إلى تهذيب الأخلاق :
قد عرفت أن الاعتدال في الأخلاق هو الصحة في النفس، والميل عن الاعتدال سقم ومرض، فاعلم أن مثال النفس في علاجها كالبدن في علاجه، فكما أن البدن لا يخلق كاملاً، وإنما يكمل بالتربية والغذاء، كذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتزكية وتهذيب الأخلاق، والتغذية بالعلم . وكما أن البدن إذا كان صحيحاً، فشأن الطبيب العمل على حفظ الصحة، وإن كان مريضاً، فشأنه جلب الصحة إليه، كذلك النفس إذا كانت زكية طاهرة مهذبة الخلاق، فينبغي أن يسعى بحفظها وجلب مزيد القوة إليها، وإن كانت عديمة الكمال، فينبغي أن يسعى بجلب ذلك إليه . وكما أن العلة الموجبة لمرض البدن لا تعالج إلا بضدها، إن كانت من حرارة فبالبرودة وإن كانت من البرودة فبالحرارة، فكذلك الأخلاق الرذيلة التي هي من مرض القلب، علاجها بضدها، فيعالج مرض الجهل بالعلم، ومرض البخل بالسخاء، ومرض الكبر بالتواضع، ومرض الشره بالكف عن المشتهى . وكما أنه لابد من احتمال مرارة الدواء، وشدة الصبر عن المشتهيات لصلاح الأبدان المريضة، فكذلك لابد من احتمال المجاهدة، والصبر على مداومة مرض القلب بل أولى، فإن مرض البدن يخلص منه بالموت، ومرض القلب عذاب يدوم بعد الموت أبداً وينبغى للذي يطبُّ نفوس المريدين أن لا يهجم عليهم بالرياضة في فن مخصوص، حتى يعرف أخلاقهم وأمراضهم، إذ ليس علاج كل مريض واحداً، فإذا رأى جاهلاً بالشرع علمه، وإذا رأى متكبراً حمله على ما يوجب التواضع، أو شديد الغضب ألزمه الحلم . وأشد حاجة الرائض لنفسه، قوة العزم، فمتى كان متردداً بعد فلاحه، ومتى أحس من نفسه ضعف العزم تصبر، فإذا انقضت عزيمتها عاقبها لئلا تعاود، كما قال رجل لنفسه : تتكلمين فيما لا يعنيك ؟ لأعاقبنك بصوم سنة .







الحدود على الجرائم الخلقية

الإكراه على الفضيلة لا يصنع الإنسان الفاضل ? كما أن الإكراه على الإيمان لا يصنع الإنسان المؤمن؟ فالحرية النفسية والعقلية أساس المسئولية. والإسلام يقدر هذه الحقيقة ويحترمها ? وهو يبنى صرح الأخلاق. ولماذا يلجأ إلى القسر فى تعريف الإنسان معنى الخير ? أو توجيه سلوكه إليه ? وهو يحسن الظن بالفطرة الإنسانية ? ويرى أن إزاحة العوائق من أمامها كافية لإيجاد جيل فاضل؟

إن فطرة الإنسان خيرة وليس معنى هذا أنه ملاك لا يحسن إلا الخير ? بل معنى هذا أن الخير يتواءم مع طبيعته الأصيلة ? وأنه يُؤثر اعتناقه والعمل به كما يُؤثر الطير التحليق ? إذا تخلص من قيوده وأثقاله. فالعمل الصحيح فى نظر الإسلام هو تحطيم القيود وإزالة الأثقال أولا ? فإذا جثم الإنسان على الأرض بعدئذ ? ولم يستطع سموا ? نُظر إليه على أنه مريض ? ثم يُسرت له أسباب الشفاء. ولن يصدر الإسلام حكما يعزل هذا الإنسان عن المجتمع إلا يوم يكون بقاؤه فيه مثار شر على الآخرين. فى حدود هذه الدائرة يحارب الإسلام الجرائم الخلقية ? فهو يفترض ابتداء أن الإنسان يحيا أن يعيش من طريق شريف ? وأن يحيا على ثمرات كفاحه وجهده الخاص أى أنه لا يبنى كيانه على السرقة. ما الذى يحمله على السرقة؟ احتياجه إلى ما يقيم أوده؟ فليوفر له من الضرورات والمرفهات ما يغنيه عن ذلك. وتلك فريضة على المجتمع ? إن قصر فيها فألجأ فردا إلى السرقة ? فالجريمة هنا يقع وزرها على المجتمع المفرط ? لا على الفرد المضيع. فإن كفلت للفرد ضروراته ثم مد بعد ذلك يده ? محصت حالته جيدا قبل إيقاع العقوبة عليه ? فلعل هناك شبهة تثبت أن فيه عرقا ينبض بالخير ? والإبطاء فى العقاب مطلوب دينا .




فإذا تبين من تتبيع أحوال الشخص أن فطرته الْتَاثَتْ ? وأنه أصبح مصدر عدوان على البيئة التى كلفته وآوته ? وأنه قبال عطفها وعنايتها ? بتعكير صفوها وإقلاق أمنها ? فلا ملام على هذه البيئة إذا حدت من عدوان أحد أفرادها ? فكسرت السلاح الذى يؤذى به غيره. وقد وصف القرآن اللصوصية التى تستحق قطع اليد ? بأنها لصوصية الظلم والإفساد ? وقال فى هذا السارق المعاقب: "فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم". فالحد الذى شرعه الإسلام ? هو وقاية للجماعة العادلة المصلحة ? من ضراوة عضو فيها ? يقابل عدالتها بالظلم ? ويقابل إصلاحها بالفساد.

ذلك مثل نسوقه لنبين به أن الحدود على الجرائم الخلقية لم تشرع إكراها على الفضيلة ? وإلجاء للناس بطريق القسوة إلى اتخاذ المسلك الحسنة. فالطريقة المثلى لدى الإسلام هى خطاب القلب الإنسانى ? واستثارة أشواقه الكامنة إلى السمو والكمال ? ورجعه إلى الله بارئه الأعلى ? بأسلوب من الإقناع والمحبة ? وتعليقه بالفضائل الجليلة على أنها الثمرة الطبيعية لهذا كله.. ويجب التحكم فى ظروف البيئة ? التى تكتنف الإنسان حتى يُعين على إنضاج المواهب والسجايا الحسنة.

ولا حرج من خلع الطفيليات التى لا فائدة منها ? فنحن فى حقول الزراعات المختلفة نوفر النماء للمحاصيل الرئيسية ? باقتلاع كثير من الحشائش والأعشاب وليست المحافظة على مصلحة الإنسانية العامة بأقل من ذلك خطرا فلا وجه لاستنكار الحدود التى أقرها الإسلام وسبقت بها التوراة ? واعتبرت شريعة الأديان السماوية عامة.

والإسلام يُحمل البيئة قسطا كبيرا من تبعة التوجيه إلى الخير أو الشر ? وإشاعة الرذائل أوالفضائل. واتجاهه إلى تولى مقاليد الحكم يعود ? فيما يعود إليه من أسباب ? إلى الرغبة فى تشكيل المجتمع على نحو يعين على العفاف والاستقامة. وقد روى النبى عليه الصلاة والسلام قصة القاتل الذى يبتغى التوبة من جرائمه ? وأنه "سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم. فقال له: إنه قتل مائة نفس ? فهل له من توبة؟ فقال: نعم ? من يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا ? فإن بها أناسا يعبدون الله ? فاعبد الله معهم ? ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء".

من هنا يرى الإسلام أن ملاحظة البيئة وتقدير آثارها فى تكوين الخُلُق ? عاملٌ ينضم إلى ما سبق تقريره من حراسة الفطرة السليمة ? وتهذيب الأهواء الطائشة. وتظن أن فى العناية بهذه النواحى جميعا ضمانا لإيجاد مجتمع نقى يزخر بأزكى الصفات وأعف السير.






دائرة الأخلاق تشمل المسلم وغير المسلم

قد تكون لكل دين شعائر خاصة به ? تعتبر سمات مميزة له. ولا شك أن فى الإسلام طاعات معينة ? ألزم بها أتباعه ? وتعتبر فيما بينهم أمورا مقررة لا صلة لغيرهم بها.
غير أن التعاليم الخلقية ليست من هذا القبيل " فالمسلم مكلف أن يلقى أهل الأرض قاطبة بفضائل لا ترقى إليها شبهة ? فالصدق واجب على المسلم مع المسلم وغيره ? والسماحة والوفاء والمروءة والتعاون والكرم.. الخ. وقد أمر القرآن الكريم ألا نتورط مع اليهود أو النصارى فى مجادلات تهيج الخصومات ولا تجدى الأديان شيئا. قال الله تعالى : " وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت/46]". واستغرب من أتباع موسى وعيسى أن يشتبكوا مع المسلمين فى منازعات من هذا النوع الحاد :

" قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ [البقرة/139]".

وقد أمر الإسلام بالعدل ولو مع فاجر أو كافر. قال عليه الصلاة والسلام: "دعوة المظلوم مُستجابة ? وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه ". وقال: "دعوة المظلوم
وإن كان كافرا ليسن دونها حجاب ?
وبهذه النصوص ? مَنع الإسلام أبناءه أن يقترفوا أية إساءة نحو مخالفيهم فى الدين. ومن آيات حسن الخلق مع أهل الأديان الأخرى ما ورد عن ابن عمر: أنه ذبحت له شاة فى أهله ? فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودى؟

أهديتم لجارنا اليهودى؟. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. "

وكذلك أمر الإسلام أن يصل الإنسان رحمه ? ولو كفروا بدينه الذى اعتنقه ? فإن التزامه للحق لا يعنى المجافاة للأهل : " وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان/15]".

ذلك من الناحية الشخصية. أما من الناحية العامة ? فقد قرر الإسلام أن بقاء
الأمم وازدهار حضارتها ? واستدامة منعتها ? إنما يُكفل لها ? إذا ضمنت حياة الأخلاق فيها ? فإذا سقطت الخلق سقطت الدولة معه. وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ويؤكد هذه الحقيقة حديث الرسول لقومه وعشيرته ? فقد رشحتهم مكانتهم فى جزيرة العرب لسيادتها ? وتولى مقاليد الحكم بها. ولكن النبى أفهمهم ألا دوام لملكهم إلا بالخلق وحده. فعن أنس بن مالك قال: "كنا فى بيت فيه نفر من المهاجرين والأنصار ? فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ? فجعل كل رجل يوسع رجاء أن يجلس إلى جنبه.. ثم قام إلى الباب فأخذ بعضادتيه ? فقال: الأئمة من قريش ? ولى عليكم حق عظيم ? ولهم ذلك ما فعلوا ثلاثا: إذا استُرْحموا رَحموا ? وإذا حكموا عد لوا ? وإذا عاهدوا وفوا ? فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " .

هذا الحديث حاسم فى أنه لا مكانة لأمة ولا لدولة ولا لأسرة إلا بمقدار ما تمثل فى العالم من صفات عالية ? وما تحقق من أهداف كريمة. فلو أن حكما حمل طابع الإسلام والقرآن ? ثم نظر الناس إليه فوجدوه لا يعدل فى قضية ? ولا يرحم فى حاجة ? ولا يوفى فى معاهدة ? فهو باسم الإسلام والقرآن قد انسلخ عن مقوماته الفضالة ? وأصبح أهلا لأن يعن فى فجاج الأرض وآفاق السماء.

ومن أقوال الإمام ابن تيمية: "إن الله يقيم الدولة العادلة ? وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة ? وإن كانت مسلمة" . إن الخلق فى منابع الإسلام الأولى من كتاب وسنة هو الدين كله ? وهو الدنيا كلها ? فإن نقصت أمة حظا من رفعة فى صلتها بالله ? أو فى مكانتها بين الناس فبقدر نقصان فضائلها وانهزام خلقها.










إسلام العبادات لا يفيد الآخرين شيئا، فنفعه مقصور على صاحبه

قال ابن القيّم- رحمه اللّه-: «جمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بين تقوى اللّه وحسن الخلق، لأنّ تقوى اللّه تصلح ما بين العبد وبين ربّه وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه. فتقوى اللّه توجب له محبّة اللّه وحسن الخلق يدعو النّاس إلى محبّته"

قال الماورديّ- رحمه اللّه-: «اذا حسنت أخلاق الإنسان كثر مصافوه، وقلّ معادوه، فتسهلّت عليه الامور الصّعاب، ولانت له القلوب الغضاب)

المسلم مهما يأتي من أبواب العبادات والقرب المحضة ، من صلاة وصيام وذكر ودعاء، فهو لا ينفع إلا نفسه بذلك، ولا يشعر من حوله ولا يستفيد بنسكه شيئا، فإذا أثمرت هذه العبادات سلوكا من الرحمة واللين وخدمة إخوانه وقضاء مصالحهم والبشاشة في وجوههم شعروا بإسلامه، وكان سلو كه هذا دعوة إلى الإسلام، كما حدث مع المسلمين التجار في فتح غرب إفريقيا.




من فوائد حسن الخلق

(1) حسن الخلق من أفضل ما يقرّب العبد إلى اللّه تعالى.
(2) إذا أحسن العبد خلقه مع النّاس أحبّه اللّه والنّاس.
(3) حسن الخلق يألف النّاس ويألفه النّاس.
(4) لا يكرّم العبد نفسه بمثل حسن الخلق ولا يهينها بمثل سوئه.
(5) حسن الخلق سبب في رفع الدّرجات وعلوّ الهمم.
(6) حسن الخلق سبب في حبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والقرب منه يوم القيامة.
(7) حسن الخلق يدلّ على سماحة النّفس وكرم الطّبع.
(8) حسن الخلق يحوّل العدوّ إلى الصّديق ، قال الله تعالى : " وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت/33-35]
(9) حسن الخلق سبب لعفو اللّه وجالب لغفرانه ، عن حذيفة بن اليمان- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أتي اللّه بعبد من عباده آتاه اللّه مالا، فقال له: ماذا عملت في الدّنيا؟ قال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً قال: يا ربّ آتيتني مالك، فكنت أبايع النّاس، وكان من خلقي الجواز، فكنت أتيسّر على الموسر وأنظر المعسر. فقال اللّه: أنا أحقّ بذا منك، تجاوزوا عن عبدي»)
(10) يمحو اللّه بحسن الخلق السّيئات ، عن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه تعالى قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإنّ اللّه عزّ وجلّ- يعطي الدّنيا من يحبّ ومن لا يحبّ، ولا يعطي الدّين إلّا لمن أحبّ، فمن أعطاه اللّه الدّين فقد أحبّه، والّذي نفسي بيده لا يسلم عبد حتّى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتّى يأمن جاره بوائقه»، قالوا: وما بوائقه يا نبيّ اللّه! قال: «غشمه وظلمه، ولا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدّق به فيقبل منه، ولا يترك خلف ظهره إلّا كان زاده إلى النّار. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- لا يمحو السّيّء بالسّيّء ولكن يمحو السّيّء بالحسن، إنّ الخبيث لا يمحو الخبيث»

(11) يدرك المرء بحسن خلقه درجة الصّائم القائم .
(12) حسن الخلق من أكثر ما يدخل النّاس الجنّة ، لحديث أبي هريرة: " أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله و حسن الخلق و أكثر ما يدخل الناس النار"
(13) حسن الخلق يجعل صاحبه ممّن ثقلت موازينه يوم القيامة ، (عن أبي الدّرداء- رضي اللّه عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق وإنّ صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصّوم والصّلاة)

(14) حسن الخلق يحرّم جسد صاحبه على النّار ، لحديث عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ألا أخبركم بمن يحرم على النّار أو بمن تحرم عليه النّار: على كلّ قريب هيّن سهل حسن الخلق يصلح ما بين الإنسان وبين النّاس .
منقول



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.86%)]