عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01-03-2020, 06:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة : Egypt
افتراضي رد: هكذا ربى القرآن أمهات المؤمنين

هكذا ربى القرآن أمهات المؤمنين
خالد بن عثمان السبت


وقال ابن مسعود -رضي الله - تعالى -عنه- أيضاً: "النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس فيستشرفها الشيطان، فيقول: إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبته، وإن المرأة لتلبس ثيابها، فيقال: أين تريدين؟ فتقول: أعود مريضاً، أو أشهد جنازة، أو أصلي في مسجد، وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها"[13] وإسناده حسن عند الطبراني.
وثبت عنه مرفوعاً كما عند أبي داود وابن خزيمة: ((صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها))[14]. صلاتها في مَخدعها ويقال: مُخدَعها، ما المراد به؟
البيوت قديماً كانت غرفة المرأة فيها غرفة صغيرة يوضع فيها نفيس المتاع، فهذا هو مخدعها، بمعنى أنها تصلي في غرفة بداخل غرفتها، فهذا أفضل من صلاتها في بيتها، والمراد بـ(بيتها) في هذا الحديث -والله أعلم- أي في غرفتها -ما نسميه اليوم غرفة المرأة- فصلاتها في ذلك المكان في داخل الغرفة أفضل من صلاتها في الغرفة التي في بيتها.
((وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها)): والمراد بالحجرة في الحديث -والله - تعالى -أعلم- ما نسميه اليوم بالصالة، وهو المكان الذي تطل عليه الأبواب أي أبواب الغرف.
فالمقصود أن المراتب بهذا الشكل، صلاتها في تلك الغرفة التي داخل غرفتها، أفضل من صلاتها في غرفتها -التي هي بيتها هنا- وصلاتها في غرفتها -أي في بيتها- أفضل من صلاتها في حجرتها أي في الصالة- ((وصلاتها في حجرتها أفضل من صلاتها في دارها)): والمقصود بدارها يعني في البيت والذي نسميه الآن المنـزل فنائه وبنائه، كل ذلك يقال له: دار، فانظر هذا التقسيم داخل المنـزل، كم هي مراتبه؟
مخدعها وبيتها وحجرتها ودراها، أربع مراتب في المنـزل، ثم يلي ذلك مسجد الحي، ثم يلي ذلك جامع الحي، ثم يلي ذلك الصلاة في المسجد الحرام أو مع النبي - عليه الصلاة والسلام - هذا في عبادة، فكيف إذا كان الخروج للأسواق أو للمنتزهات التي فيها الاختلاط والسفور وألوان الردى تتبعها أنظار من لا يخافون الله - عز وجل - ولا يتقونه يتمتعون بالنظر إليها، وهذا الذي قصده الشارع في تربية المرأة المسلمة.
وقد رأى ابن مسعود -رضي الله - تعالى -عنه- النساء في المسجد الجامع، فكان يخرجهن من المسجد يوم الجمعة، ويقول: "اخرجن إلى بيوتكن خير لكن"[15] وعلى كل حال فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن منع النساء من شهود الصلاة في المساجد.
وفي زماننا قد تحتاج المرأة المسلمة فيه إلى حضور مجالس الخير والذكر والعلم، وألوان من الأنشطة الموثوقة الطيبة، ولا بأس إذا كانت المرأة فقيرة أو محتاجة أن تعمل، وإلا فالأصل أن تعطى من بيت مال المسلمين ما يكفيها، وخاصة إذا كانت أرملة فقيرة فينبغي أن تكفى فلا تحتاج إلى الخروج؛ لكن ما هي نسبة هؤلاء بالنسبة إلى عموم النساء؟
لا شك أنهن قلة، لذلك لا داعي لأن تخرج الغنية والفقيرة من النساء للبحث عن الأعمال بطريقة مسعورة، حتى صارت النظرة إلى المرأة التي لا تعمل نظرة انتقاص؛ وهذا انتكاس في المفاهيم والعياذ بالله.
إن المرأة التي تحتاج إلى العمل لا مانع أن تعمل بحشمة فيما يلائمها، فتكتسب إن لم يوجد من يعولها؛ لكن للأسف الشديد من الذي أصبح يتنافس على الوظائف من النساء؟
الأغنياء منهن ذلك أنك تجد المرأة غنية، وأهلها أغنياء، وتجد أنها تذهب إلى عملها ربما مئات الأميال أحياناً عن بيتها مع سائق، ولربما في أماكن داخل الصحراء تتعرض للأخطار والحوادث وهي غنية، بل لربما كان أهلها من الأثرياء، ومع ذلك فهي تحتج أنها درست سبع عشرة سنة، ثم تبقى في بيتها، وهذا لا يليق ولا يصح من وجهة نظرها!
لا بأس إن كان لديها فضل وقت فتذهب مع الأخوات الصالحات في أنشطة تبني ولا تهدم، فهكذا علمنا القرآن، وهكذا أدبنا القرآن، ونحن يجب علينا أن نستجيب لأمر الله - عز وجل -؛ لأن هذا هو مقتضى الإيمان. والنبي - صلى الله عليه وسلم - ماذا قال لأزواجه في حجته -حجة الوداع- قال: ((هذه ثم ظهور الحصر))[16]: ما معنى هذه ثم ظهور الحصر؟ المعنى أي والزمن الحصير ملازمة، بمعنى أنها لا تخرج لا لحج ولا لعمرة، ولا لغيره.
وقد قيل لسودة -رضي الله عنها- لم لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك؟ فقالت: "قد حججت واعتمرت، وأمرني الله أن أقر في بيتي، فو الله لا أخرج من بيتي حتى أموت"، يقول الراوي: "فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها": هؤلاء أمهات المؤمنين المستجيبات لأمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ليس على النساء غضاضة في أن تكون مكفية، بل هذا هو منتهى الإكرام للمرأة، والعرب في أشعارهم يمدحون المرأة التي يسمونها نؤوم الضحى؛ لأنها امرأة مترفة في نظرهم، ويوصفون المرأة بأنها لم ترها الشمس، ويضربون المثل للحياء الشديد بالعذراء في خدرها، ما رآها رجل، وما رأت رجلاً، وما كلمت رجلاً أجنبياً، تكون درة مصونة محفوظة لا يتمتع بالنظر إليها كل آسر وكاسر.
إن العاقل من وعظ بغيره، انظروا إلى العالم من حولكم، الذين يكتبون في الصحف ويطالبون ويقولون: إن قيادة المرأة للسيارة يغنيها عن مآسٍ كثيرة، فلا تحتاج إلى السائق، وهذا له تكاليف باهظة.. الخ، وهذا كذب؛ ففي البلاد التي من حولنا صار النساء يقدن السيارات أليس كذلك؟ هل استغنوا عن السائقين؟
أبداً، وإنما كانت النتائج عكسية، حينما يقولون: إن خروج المرأة ينعش الاقتصاد، إذا خرجت للعمل، والحقيقة أن الإحصاءات العالمية التي أخرجتها الأمم المتحدة أثبتوا أن المجتمعات التي تعمل فيها النساء أجيرات يكلف اقتصاد تلك البلاد ما يقارب ثلاثين بالمائة يكون عبئاً على الاقتصاد.
الذين يقولون: إن التقدم لا يمكن إلا بخروج المرأة تعمل جنباً إلى جنب مع الرجل، وخرجت تلك النساء، هل صاروا في مصاف الدول المتقدمة؟ هل صاروا من الأمم المتحضرة؟ أبداً.
النساء التي خرجن وزاحمن الرجال في كل مكان، هل حصلن الرفعة والشرف والمكانة، أم أن الواحدة منهن تقول: ارجعوني إلى أنوثتي، ارجعوني إلى بيتي، أريد أن أكون ملكة كملكات الشرق -تعني المرأة المسلمة- أليس كذلك؟
ألم تصبح المرأة في مجتمعاتهم سلعة يعبث بها الرجال، وتشعر أنها مهددة في كل لحظة ولا تشعر بالأمان، وتبحث عن رجل يأخذ عفتها وشرفها ويستمتع بها، ثم يلفظها ثم يكون ملجؤها إذا ذهب جمالها وشبابها إلى دور العجزة، أليس هذا هو واقع النساء هناك؟
المرأة عندنا يقوم على شؤونها أبوها وأخوها ووليها ومحرمها، وينفق عليها وجوباً ويحفظها، ويوفر لها ما تحتاج إليه بكل احترام وتقدير؛ فهي أمنا أو أختنا أو زوجتنا أو قريبتنا، هكذا تمثل المرأة، فنحن نحترمها غاية الاحترام؛ لأنها تمثل لنا هذه الوشيجة، وهذا أمر ينبغي أن نفهمه جيداً؛ لئلا نخدع، لئلا تستزل قدم بعد ثبوتها، ثم نندم، ولا ينفع الندم عندئذ.
ثم يقول الله - عز وجل -: ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا): هذا ما تشتغل به المرأة المسلمة في بيتها، إقام الصلاة إيتاء الزكاة، طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى): اذكرن بقلوبكن، واذكرن بألسنتكن بالتلاوة، واذكرن أيضاً- بالحال والفعل والعمل بالقيام بوظائف العبودية، فكل هذا من الذكر.
( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ): ولم يقل: ما يتلوه جبريل - صلى الله عليه وسلم - أو ما تتلوه الواحدة منكن، أو ما يتلوه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ليعم ذلك جميعاً.
( مَا يُتْلَىَ): وما قال: ما ينزل؛ لأن بعض القرآن نزل في غير بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -. ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ): من القرآن والسنة فتشتغل بذلك تعلماً وتفهماً وتدبراً وتلاوة وحفظاً وعملاً.
( إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا): اللطيف: هو الذي يعلم دقائق الأشياء، فيعلم خلجات النفوس، وما تنطوي عليه القلوب، ويعلم المرأة التي تخضع لأمر الله وتستجيب، والمرأة التي تتمرد وتقول: لماذا تكون المرأة محكومة بهذه الأحكام؟ ويعلم ما تفعله المرأة وهي داخل دارها -في بيتها- من حلال وحرام.
( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا): والمعنى الآخر للطيف من اللطف، أي أن هذه الأحكام من لطف الله - عز وجل - ورأفته ورحمته بالمرأة المسلمة؛ لئلا يلحقها العنت، لئلا تشقى.
والخبير: هو الذي يعلم بواطن الأشياء، فالله - عز وجل - يعلم دقائق الأشياء، ويعلم بواطنها ولا يخفى عليه شيء، فلا يجوز لأحد أن يستدرك على الله - عز وجل - ويقول: إن هذه الأحكام لا تصلح لهذا القرن في هذا الزمان، أو الزمان قد تغير، أو المرأة ينبغي أن تقتحم جميع المجالات، وتثبت جدارتها ووجودها، والحقيقة والصواب أن تثبت المرأة جدارتها ووجودها بتربية الأجيال.
ثم قال - جل وعلا -: ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ) [(35) سورة الأحزاب]: بدأ بالتدرج من الأدنى إلى الأعلى، الإسلام هو إسلام الظاهر، تلتزم المرأة بالحجاب، تلتزم بالحشمة، تلتزم بشرائع الدين الظاهرة.
(وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ): فيكون ذلك مع خضوع الباطن، وانقياد القلب وتسليمه وإقراره واعتقاده، تكون مقتنعة منقادة بقلبها، لا لأن أباها أو أن زوجها يفرض عليها هذه الأمور، فلا تستطيع أن تتهتك وتلبس عباءة مخصرة، أو تتعرى بصورة من الصور، بل عن قناعة وإيمان تعتز بهذه الأمور.
( وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ) القنوت بجميع استعمالاته ومعانيه -كما قرر الشيخ تقي الدين ابن تيمية في رسالة مستقلة في معنى القنوت- أن القنوت هو دوام الطاعة، فلا تلتزم بالقفازات والحجاب وأحكام الإسلام أسابيع ثم ترجع عن ذلك، يكون ذلك طفرة، ثم بعد ذلك يحصل لها الضعف والتراجع والانتكاس، بل القنوت هو دوام الطاعة حتى تلقى الله - عز وجل -، أن تبقى بالحشمة والحجاب والعمل الصالح والإيمان والكف عما لا يليق مما حرمه الله - عز وجل - وتدوم على ذلك حتى تلقى ربها.
(وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ): الصدق في الاعتقاد، الصدق صدق الباطن بأن يكون الإنسان على حال مرضية في باطنه، يعتقد الحق ويؤمن به وينقاد له، ويكون الصدق أيضاً بالقول فيتكلم بالحق وينطق به ولا يتكلم بالباطل ويلبس على الناس، أو يعترض على أحكام الله - عز وجل - بل تلتزم الصدق.
(وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ): ويكون الصدق أيضاً بالعمل والظاهر، فلا تظهر عملاً باطنها يخالفه، ويكون الصدق بالحال فلا تكون في حال غير متوافقة مع مكنونات نفسها.
(وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ): صدق الحال، وصدق المقال، وصدق العمل، وصدق الظاهر، وصدق الباطن، كل هذا من الصدق.
(وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ): هذه الأمور تحتاج إلى صبر، تحتاج إلى صبر في سماعها؛ لأن النفوس قد مزجت فيها الأهواء وركبت معها تركيباً يمازجها.
والشريعة كما قال الشاطبي - رحمه الله -: "قد وضعت على خلاف وزان داعية الهوى"، فالهوى يجلبك من جهة، والشريعة تريد أن ترفعك من الهوى، فسماع الحق أحياناً يتأذى منه الإنسان، المرأة التي عندها هوى حينما تسمع هذه القضايا والأحكام تتأذى وتتألم كأنها سهام توجه إليها.
إن الإنسان يحتاج إلى صبر لتفهم هذه الأمور، ويحتاج إلى صبر في العمل والتطبيق؛ لأنه يعاب وينتقد وينتقص ويذم ويجد من يحرضه إلى الباطل والمنكر، والنفس تدعوه إلى الإخلاد إلى الشهوات والراحة والدعة، فيحتاج إلى صبر على طاعة الله - عز وجل - ويحتاج إلى صبر عن معصيته.
(وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ): والخشوع يكون بالتذلل والخضوع والاستكانة لله رب العالمين، كل هذا بالتدرج، والإنسان لا يصل إلى مرتبة الخشوع إلا إذا ارتاض باطنه بالإيمان، وأصبح مطوعاً لنفسه بألوان المجاهدات، كما قال بعض السلف: "كابدت الصلاة عشرين سنة، وتلذذت بها عشرين سنة"، وآخر يقول: "كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت لي"، فالقضية تحتاج إلى مزيد من بذل الجهد، فكلما تزداد مجاهدة كلما تتمكن من النفس، فإذا استقامت النفس وخضعت حصل الخشوع، فإذا رأيته ذكرت الله - عز وجل - وإذا وقعت عينك عليه أحببته، وهذه مراتب عالية في الإيمان.
ثم بعد ذلك يبرهن على إيمانه، (وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ): كلمة صدق تدل على قوة وثبوت في الشيء، الصداق -صداق المرأة- لماذا قيل له صداق؟ لأنه حق ثابت لها، الصدقة لماذا قيل لها: صدقة؟
النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((والصدقة برهان))[17]: أي تبرهن على صدق دعوى الإيمان، كما أن بذل النفس في سبيل الله - عز وجل - يقال له: شهادة، المال حبيب إلى النفوس، وإخراجه يحتاج إلى مجاهدة:
لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يفقر والإقدام قتالُ
(وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ): والصوم والصبر متلازمان، وهو عبادة لا يطلع عليها أحد، فلا يدخلها الرياء، إلا إذا تصنع أمراً ظاهراً صحبه، ولذلك كان من شرف الصوم أنه لا يدخله الريا، وهكذا الأعمال القلبية أيضاً، لا يدخلها الريا؛ لأن الريا متعلق بالنظر والرؤية، لكن يدخله السمعة، يتحدث أنه صام.
والله يقول: ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [(10) سورة الزمر]: والله يعطي الصائم أجره غير منقوص كما في الحديث القدسي: ((إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به))[18].
وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ: انظر إلى هذا الترتيب كيف ذكر الصوم والصبر والخشوع، ثم ذكر حفظ الفرج، من كان بهذه المثابة فهل يقارف ما لا يليق؟ أبداً.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء))[19]: فالصوم والمقصود إكثاره وإدمانه -كما قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - يورث كسر الشهوة، وهو كسر مؤقت، يورث كسر الشهوة إذا داوم الإنسان عليه وأكثر منه، وأدمن على الصيام، لا من يصوم يوم ويفطر أسبوع، هذا قد لا يؤثر فيه كسر هذه الشهوة.
( وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ): يحفظ فرجه عن مقارفة ما لا يليق، كما قال الله - عز وجل -: ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [(5-7) سورة المؤمنون]: كل مقارفة ببذل الشهوة في غير الزوجة وملك اليمين فهي محرمة، سواء كانت بالزنا أو ما دونه بنص كتاب الله - عز وجل -.
وحفظ الفرج يشمل حفظ العورات، فلا تبدى أمام الناظرين، كما قال الله - عز وجل - في سورة النور: ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) [(30) سورة النــور]: والذي عليه عامة المفسرين، وهو قول كبير المفسرين -ابن جرير الطبري - رحمه الله - والآية تشمل المعنيين والله أعلم- أن قوله في سورة النور: ( وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ): أي عن إبدائها للأنظار، يغضوا من أبصارهم فلا ينظرون إلى عورات الآخرين، ويحفظوا فروجهم فلا يبدونها للناظرين، ويشمل حفظها أيضاً عما لا يليق من مقارفة ما لا يحل. ( وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ): حفظها بسترها وحفظها عن المقارفة المحرمة.
( وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا): لا توجد عبادة في كتاب الله - عز وجل - قرنت بالكثرة كالذكر، ( اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [(41-42) سورة الأحزاب] ( فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) [(103) سورة النساء]، لماذا؟
لأن الذكر خفيف على اللسان، لا يحتاج إلى هيئة معينة أن تذكر وأنت قائم أو مستقبل القبلة أو قاعد، وأنت قائم وأنت على جنب بل في كل الأحوال، ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحواله - صلى الله عليه وسلم -[20].
فذكر الله لا يتطلب مشقة، وله أجر عظيم عند الله - عز وجل - ولهذا إذا أمر الله به غالباً يقرنه بالكثرة، فهنا قال: ( وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا): ووصف المنافقين بأنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً، وذكر الله الكثير يشمل ذكره باللسان، وذكره بالقلب بطرح الغفلة، فلا يكون غافلاً مضيعاً مفرطاً، ويشمل ذكره أيضاً بالعمل، وهو من أجلِّ الذكر بالقيام والقعود في طاعة الله - عز وجل - والمشي إلى المساجد وما إلى ذلك، ويشمل ذكره بالحال، كل هذا من ذكره تبارك وتعالى.
( وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ): هذه اللفظة أَعَدَّ تدل على عناية بالمعَدّ، أعد الله لهم ماذا؟
مغفرة: ونكَّرها هنا، تعظيماً لها، فإن التنكير يأتي في كثير من الأحيان للتعظيم، مغفرة: أي عظيمة، وإذا قلت: رب اغفر لي فا المراد؟
هذا يشمل شيئين اثنين الأول: الستر، والثاني: الوقاية، ومنه المغفر الذي يضعه المقاتل من الحديد فوق رأسه كالقبعة؛ لأنه يقيه ضرب الحديد ويستر رأسه، أي يغطيه، فأنت إذا قلت: يا رب اغفر لي، اللهم اغفر لي، فأنت تسأل شيئين اثنين: الأول: أن تستر فلا تفتضح، أي يسترك الله في الدنيا والآخرة، والأمر الثاني: وهو أن يقيك الله - عز وجل - التبعة -تبعة الذنب والمعصية- فلا تؤاخذ بها، فالستر والوقاية، أن توقى شؤم الذنوب وتبعات المعاصي والمخالفات.
والأجر العظيم كما أخبر الله - عز وجل - أنه يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وقد دل على ذلك نصوص كثيرة من كتاب الله - عز وجل -.
والكلام في هذه الآيات كلام يطول به المجلس، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، وكان المقصود هو المذاكرة والعيش مع كتاب الله - عز وجل - في هذا الوقت الذي نحتاج فيه إلى مثل هذه الذكرى، فأسأل الله - عز وجل - أن يغفر لي ولكم أجمعين...
ـــــــــــــــــــــــ
1- رواه ابن حبان في صحيحه برفم (5601) (12/415) والبيهقي في شعب الإيمان برقم (7823) (6/174) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (5425).
2- ثبت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلفظ: ((أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا)) انظر صحيح مسلم رقم (671) باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح وفضل المساجد (1/463).
3- صحيح مسلم (2451) باب من فضائل أم سلمة أم المؤمنين - رضي الله عنها - (4/1906)
4- أخرجه أحمد (27135) (6/371) وابن خزيمة (1689) (3/95) ابن حبان (2217) (5/595) وقال الألباني: "حسن لغيره" انظر صحيح الترغيب والترهيب (340) (1/ 82).
5- المصدر السابق نفسه
6- أخرجه أحمد (26584) (6/297) وابن خزيمة (1683) (3/92) والحاكم (756) (1/327) والطبراني في الكبير (709) (23/313) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم: (3327).
7- أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (9101) (9/48) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (342) إلا أنه قال في آخره: (وصلاتها في دراها خير من صلاتها في مسجد قومها).
8- أخرجه أبو داود في باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد (567) (1/210) وصححه الألباني في تحقيق سنن أبي داود (530).
9- أخرجه الترمذي (1173) باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات (3/473) والطبراني في الأوسط (8096) (8/101) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6690).
10- المصدر السابق نفسه.
11- أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط بهذا اللفظ (8096) (8/101) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2688).
12- أخرجه البيهقي في الكبرى (5145) (3/131) وذكره الألباني في ضعيف الجامع برقم (11872).
13- أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8914) (9/185) وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب(ج 1 / ص 84) صحيح موقوف.
14- أخرجه أبو داود(570) باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد - باب التشديد في ذلك (1/211)وصححه الألباني في صحيح الجامع (3833).
15- أخرجه الطبراني في الكبير برقم (9475) (9/294) وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (349) (1/84): صحيح لغيره موقوف".
16- أخرجه أبو داود (1722) في كتاب المناسك باب فرض الحج (1/538) وأحمد (9764) (2/446) وابن حبان (3706) (9/20) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم: (7008).
17- أخرجه مسلم (223) في كتاب الطهارة باب فضل الوضوء(1/203)
18- أخرجه البخاري (1805) في كتاب الصوم باب: هل يقول إني صائم إذا شتم (2/673) ومسلم (1151) في كتاب الصيام باب فضل الصيام (2/806).
19- أخرجه البخاري (4779) في كتاب النكاح باب باب من لم يستطغ الباءة فليصم (4/1929) ومسلم (1400) في كتاب النكاح باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم (2/1016).
20- رواه البخاري معلقاً في الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- كتاب الأذان -باب هل يتبع المؤذن فاه ههنا وههنا وهل يلتفت في الأذان (1/227)
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.12 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.92%)]