مختصر الكلام على بلوغ المرام(61)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
(كتاب الأطعمة)
الأصل في الأطعمة الحل. قال الله تعالى: ï´؟ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ï´¾ [البقرة: 29]، وقال: ï´؟ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ï´¾ [الأعراف: 157].
1268- عَنْ أَبي هُرَيْرةَ - رضي الله عنه - عن النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "كلُّ ذي ناب مِنَ السبِّاع فَأَكْلُهُ حَرَامٌ" رواهُ مسلمٌ، وأخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: "نَهى" وَزَادَ: "وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيرِ".
الحديث دليل على تحريم السباع المفترسة كالأسد والذئب والنمر ونحوها، وقال أبو حنيفة: كل ما أكل اللحم فهو سبع حتى الفيل والضبع والسنور، وقال الشافعي: يحرم من السباع ما يعدو على الناس دون الضبع والثعلب لأنهما لا يعدوان، وفيه دليل على تحريم ما يصيد بمخلبه من الطيور، وهو قول الجمهور، وقال مالك: يكره كل ذي مخلب من الطير ولا يحرم.
1269- وعن جابر - رضي الله عنه - قال: "نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهلِيَّةِ، وأَذِنَ في لُحُومِ الخَيْلِ". متفق عليه، وفي لفظ للبخاري: "ورخَّص".
الحديث دليل على تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية، وفيه دليل على حل أكل لحوم الخيل.
1270- وعَنْ ابنِ أَبي أَوْفى - رضي الله عنهما - قال: "غَزَوْنَا مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - سَبْعَ غزواتٍ نأكُلُ الجرادَ" مُتفقٌ عَلَيْهِ.
الحديث دليل على حل الجراد، قال النووي: وهو إجماع، وقال ابن العربي: إن جراد الأندلس لا يؤكل لأنه ضرر محض، قال الحافظ: إذا ثبت ما قاله فتحريمها لأجل الضرر كما تحرم السموم ونحوها.
1271- وَعَنْ أَنس - رضي الله عنه - في قِصَّةِ الأرنَبِ قال: "فَذبحها فبعث بِوَرِكِهَا إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقبِلَهُ" مُتّفقٌ عليهِ.
الحديث دليل على حل أكل الأرنب.
1272- وعنِ ابن عَبّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: "نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَتْلِ أربعٍ مِنَ الدَّوابِّ: النّمْلَةِ والنّحْلةِ والهُدْهُدِ والصُّرَدِ" رواهُ أَحْمَدُ وأَبُو داودَ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
الحديث دليل على تحريم قتل ما ذكر، ويؤخذ منه تحريم أكلها، وهو قول الجمهور.
1273- وعن ابن أبي عَمّار - رضي الله عنه - قالَ: "قُلْتُ لجابرٍ: الضَّبْعُ صيدٌ هُوَ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: قَالَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نَعَمْ" رواهُ أَحْمَدُ والأربعَةُ وصحّحهُ البخاري وابْنُ حِبَّانَ.
الحديث دليل على حل أكل الضبع، فهو مخصص من حديث تحريم كل ذي ناب من السباع.
1274- وعنْ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنّه سُئِل عنِ القُنْفُذِ فقال: ï´؟ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ ï´¾، فقال شَيْخٌ عِنْدَهُ: سمِعْتُ أبا هُريرةَ يقُولُ: ذُكِرَ عِنْدَ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَال: "إِنَّها خبيثةٌ من الخبائثِ" فقال ابن عمر: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال هذا فهو كما قال. أخْرجهُ أحمد وأَبوداودَ وإسنادُهُ ضعيفٌ.
اختلف العلماء في القنفذ، فقال أبو حنيفة وأحمد: يحرم أكله، وقال مالك والشافعي: يباح أكله، قال في المقنع: وفي الثعلب والوبر وسنور البر واليربوع روايتان.
1275- وعن ابنِ عُمر - رضي الله عنهما - قالَ: "نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجَلَّالَةِ وأَلبانِهَا" أخرجهُ الأربعةُ إلاّ النسائيَّ وحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
الجلَّالة: هي التي تأكل العذرة والنجاسات، وفي حديث عبدالله بن عمرو بن العاص نحوه، وقال: "حتى تعلف أربعين ليلة"، ولأبي داود: "أن يركب عليها، وأن يشرب ألبانها"، والحديث دليل على تحريم الجلالة سواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم أو الدجاج، وكان ابن عمر يحبس الدجاجة ثلاثة أيام، ولم ير مالك بأكلها بأساً من غير حبس، وحمل الجمهور النهي على التنزيه، قال في الإفصاح: واختلفوا في أكل لحم الجلالة وشرب لبنها وأكل بيضها، فقال أبوحنيفة ومالك والشافعي: يباح ذلك وإن لم تحبس مع استحبابهم حبسها وكراهتهم لأكلها دون حبسها، وقال أحمد: يحرم إلا أن يحبس الطير ثلاثة أيام رواية واحدة عنه، واختلفت الرواية عنه في الإبل والبقر والغنم، فروي عنه ثلاثة أيام كالطير، وهو الأظهر، والثانية أربعون يوماً انتهى. قال في الاختيارات: وما يأكل الجيف فيه روايتا الجلالة، وعامة أجوبة أحمد ليس فيها تحريم.
1276- وعَنْ أَبي قَتَادةَ - رضي الله عنه - في قِصَّةِ الحمارِ الوَحْشيِّ: "فَأَكلَ منهُ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -" مُتَّفَقٌ عَلَيه.
الحديث دليل على حِل الحمار الوحشي، وهو إجماع.
1277- وعَنْ أَسْماءَ بنت أَبي بكْر - رضي الله عنهما - قالتْ: "نحرنا على عهدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فرساً فأَكَلْنَاهُ" مُتّفقٌ عليه.
وفي رواية الدارقطني "ذبحنا" والحديث دليل على حل أكل لحم الخيل. قال ابن التين: الأصل في الإبل النحر وفي غيرها الذبح، وجاء في القرآن في البقرة: ï´؟ فَذَبَحُوهَا ï´¾ [البقرة: 71]، وفي السنة: نحرها، وقد اختلف العلماء في نحر ما يذبح وذبح ما ينحر، فأجازه الجمهور.
1278- وعن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - قال: "أُكِلَ الضَّبُّ على مائدةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -" متفقٌ عليه.
الحديث دليل على حل أكل الضب، وعليه الجمهور.
1279- وعَنْ عبدِ الرَّحمن بن عثمان القُرشيِّ - رضي الله عنه -: "أَنَّ طبيباً سأَل رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عن الضِّفدعِ يجْعَلُها في دواءٍ فنهى عنْ قتلِها" أَخرجهُ أحمد وصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وأخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنَّسَائِيُّ.
الحديث دليل على تحريم قتل الضفادع، ويؤخذ منه تحريم أكلها، والله أعلم.