مختصر الكلام على بلوغ المرام(51)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
(باب الإِيلاءِ والظِّهَارِ وَالْكَفَّارَةِ)
1048- عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "آلى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نِسَائِهِ وَحَرَّمَ، فَجَعَلَ الْحَرَامَ حَلالًا، وَجَعَلَ لِلْيمينِ كَفّارَةً" رَوَاهُ التِّرْمِذيُّ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
الحديث دليل على جواز حلف الرجل من زوجته، وقولها وحرّم: أي مارية أو العسل، وفي حديث أنس: "آلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نسائه وكانت انفكت رجله فأقام في مشربة له تسعًا وعشرين، ثم نزل فقالوا: يا رسول الله آليت شهرًا، فقال: الشهر تسع وعشرون".
1049- وَعَنِ ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قالَ: "إذا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَقَفَ المُوْلي حَتى يُطلِّقَ، وَلا يَقَعُ عَلَيْهِ الطّلاقُ حَتى يُطَلِّقَ" أَخْرَجَهُ البُخَاريُّ.
الحديث كالتفسير لقوله تعالى: ï´؟ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ï´¾ [البقرة: 226، 227]، نزلت لإبطال ما كان عليه أهل الجاهلية من إطالة مدة الإيلاء، فإنه كان الرجل يولي من امرأته سنة وسنتين، فأبطل الله تعالى ذلك وأنظر المولي أربعة أشهر، فإما أن يفيء، وإما أن يطلق.
1050- وَعَنْ سُلَيْمانَ بنِ يَسَارٍ - رضي الله عنه - قالَ: "أدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ رجلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كُلُّهُمْ يَقِفُونَ المُوْلي"؛ رواهُ الشافعِيُّ.
إيقاف المولي مطالبته إما بالفيء وإما بالطلاق، ولا يقع الطلاق بمجرد مضي المدة، وهو مذهب الجمهور.
1051- وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: "كَانَ إيلاءُ الجَاهِلِيّةِ السّنَةَ والسّنَتَيْنِ، فَوَقّتَ اللهُ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ، فإنْ كانَ أَقَلَّ منْ أَرْبَعَةِ أشْهُر فَلَيْس بإيلاءٍ" أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقيُّ.
الحديث دليل على أن أقل ما ينعقد به الإيلاء أربعة أشهر، قال في الاختيارات: وإذا حلف الرجل على ترك الوطء، وغيا بغاية لا يغلب على الظن خلو المدة منها فخلت منها فعلى روايتين مأخذهما، هل يشترط العلم بالغاية وقت اليمين أو يكفي ثبوتها في نفس الأمر، وإذا لم يفيء وطلق بعد المدة أو طلق عليه الحاكم لم يقع إلا طلقة رجعية، وهو الذي يدل عليه القرآن، ورواية عن أحمد: فإذا رجع فعليه أن يطأ عقب هذه الرجعة إذا طلبت ذلك منه، ولا يمكن من الرجعة إلا بهذا الشرط، ولأن الله إنما جعل الرجعة لمن أراد إصلاحًا بقوله: ï´؟ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا ï´¾ [البقرة: 228]، انتهى.
1052- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - أنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنَ امْرَأَتِهِ ثمَّ وَقَعَ عَلَيْها فَأَتَى النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنِّي وَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ؟ قَالَ: "فَلا تَقْرَبْهَا حَتى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللهُ بِهِ" رَوَاهُ الأرْبَعَةُ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، ورَجَّحَ النَّسَائِيُّ إِرْسَالَهُ، وَرَوَاهُ البَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، وزَادَ فِيهِ: "كَفِّرْ وَلا تَعُدْ".
أجمع العلماء على تحريم الظهار وإثم فاعله كما قال تعالى: ï´؟ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا ï´¾ [المجادلة: 2]، والحديث دليل على أنه يحرم وطء الزوجة التي ظاهر منها قبل التكفير، وهو مجمع عليه لقوله تعالى: ï´؟ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ï´¾ [المجادلة: 3]، فلو وطئ لم يسقط التكفير ولا يتضاعف، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (حتى تفعل ما أمرك الله به) قال الصلت بن دينار: سألت عشرة من الفقهاء عن المظاهر يجامع قبل التكفير، فقالوا: كفارة واحدة، وهو قول الفقهاء الأربعة.
1053- وَعَنْ سَلَمَةَ بنِ صَخْرٍ - رضي الله عنه - قالَ: دَخَلَ رَمَضَانُ فَخِفْتُ أَنْ أُصِيبَ امْرَأَتي فَظَاهَرْتُ مِنْهَا فَانْكَشَفَ لي منها شَيءٌ لَيْلَةً فَوَقَعْتُ عَلَيْهَ، فَقَالَ لي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "حَرِّرْ رَقَبَةً" فَقُلْتُ: مَا أَمْلِكُ إلا رَقَبَتي، قَالَ: "فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَينِ"قُلْتُ: وهَلْ أَصَبْتُ الذي أَصَبْتُ إلا مِنَ الصِّيّام؟ قَالَ: "أطْعِمْ فَرَقًا مِنْ تَمْرٍ سِتِّينَ مِسْكينًا" أَخْرَجَهُ أحمد والأرْبَعَةُ إلا النسائيَّ، وصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وابْنُ الجَارُودِ.
الحديث دلّ على ما دلت عليه الآية من ترتيب خصال الكفارة، وفيه دليل على أن الظهار المؤقت كالظهار المطلق، فإن وطئ في تلك المدة لزمته الكفارة، وإن لم يقربها فلا شيء عليه، وهو قول أكثر أهل العلم. قال في المغني: ويصح الظاهر مؤقتًا، مثل أن يقول: أنت عليّ كظهر أمي شهرًا، أو حتى ينسلخ شهر رمضان، فإذا مضى الوقت زال الظهار، وحلت المرأة بلا كفارة، وقال مالك: يسقط التأقيت ويكون ظهارًا مطلقًا، قال الشوكاني: وإذا كان الظهار مؤقتًا فلا يرفعه إلا انقضاء الوقت، وإذا وطئ قبل انقضاء الوقت أو قبل التكفير كف حتى يكفر في المطلق أو ينقضي وقت المؤقت.