الموضوع: النفاق
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-02-2020, 03:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: النفاق



وهذا الحديث ليس فيه - بحمْد الله تعالى - إشكال، ولكن اختلف العلماء في معناه، فالذي قاله المحقِّقون والأكثرون - وهو الصحيح المختار -: أنَّ معناه أنَّ هذه الخِصال خصالُ نفاق، وصاحبها شبيهٌ بالمنافق في هذه الخِصال، ومتخلِّق بأخلاقهم، فإنَّ النِّفاق هو إظهار ما يُبطِن خلافَه، وهذا المعنى موجودٌ في صاحِب هذه الخصال، ويكون نفاقه في حقِّ مَن حدَّثه، ووعَدَه، وائتَمَنه، وخاصَمَه، وعاهَدَه مِن الناس، لا أنَّه منافق في الإسلام، فيظهره وهو يبطن الكفر.

ولم يُرِد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بهذا أنه منافقٌ نفاقَ الكفَّار المخلَّدين في الدَّرْك الأسفل من النار"؛ ا.هـ.

قال القرطبي[11]: "ولَمَّا استحال حملُ الحديث على ظاهرِه على مذهب أهل السُّنة، اختلف العلماءُ فيه على أقوال:
أحدها: أنَّ هذا النِّفاق هو نفاقُ العَمَل الذي سأل عنه عمرُ حذيفةَ لَمَّا قال له: هل تعلم فيَّ شيئًا مِن النفاق؟ أي: مِن صفات المنافقين الفعلية.
ووجه هذا: أنَّ مَن كانت فيه هذه الخِصال المذكورة كان ساترًا لها، ومظهِرًا لنقائضها، فصدَق عليه اسمُ منافق.

وثانيها: أنَّه محمولٌ على مَن غلبتْ عليه هذه الخِصال، واتَّخذها عادة، ولم يبالِ بها تهاونًا، واستِخْفافًا بأمرها، فأي مَن كان هكذا كان فاسِدَ الاعتقاد غالبًا، فيكون منافقًا خالصًا.

وثالثها: أنَّ تلك الخِصال كانتْ علامةَ المنافقين في زمانه، فإنَّ أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كانوا متجنِّبين لتلك الخِصال، بحيث لا تقَع منهم، ولا تعرف فيما بينهم، وبهذا قال ابن عبَّاس وابن عمر، ورُوي عنهما في ذلك حديث، وهو أنَّهما أتيَا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسألاه عن هذا الحديث، فضحِك النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال: ((ما لكم ولهنَّ؟! إنَّما خصصت بهنَّ المنافقين، أنتم مِن ذلك براء))، وذكر الحديث بطوله القاضي عياض، وقال: وإلى هذا صار كثيرٌ من التابعين والأئمَّة"؛ا.هـ.

ومِن صفاتهم كذلك:
♦ التخلُّف عنِ الصلاة، وخصوصًا صلاة الفجْر والعشاء؛ فقد أخرج البخاريُّ في كتاب الأذان، باب فضل العشاء في الجماعة برقم (656) من حديث أبي هريرة، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ليس صلاةٌ أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأَتَوْهما ولو حبوًا))... الحديث.

♦ ملاقاةُ النَّاس بوجَهين؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((تَجِدون الناسَ معادن، خيارُهم في الجاهلية خيارُهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خيرَ الناس في هذا الشأن أشدَّ له كراهية، وتجدون شرَّ الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، ويأتي هؤلاء بوجه))[12].

♦ نَقْر الصلاة وإخراجها عن وقتِها؛ لِمَا رواه مسلم في كتاب الصلاة، باب استحباب التبكير بالعصر، رقم (622) من حديث العلاء بن عبدالرحمن: أنه دخَل على أنس بن مالك في دارٍ بالبصرة، حين انصرَف مِنَ الظهر، وداره بجَنْب المسجِد، فلمَّا دخلْنا عليه، قال: أصليتُم العصر؟ فقلنا له: إنما انصرفْنا الساعة من الظُّهر، قال: فصلوا العصر، فقمنا فصلَّيْنا، فلمَّا انصرفْنا قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((تلك صلاة المنافِق، يجلس يرقُب الشمس، حتى إذا كانتْ بيْن قَرْنَي الشيطان، قام فنَقَرها أربعًا، لا يذكر الله فيها إلاَّ قليلاً)).

♦ مخالفة العلماء لكتاب الله - جلَّ وعلا - فقد جاء عن عبدالله بن عمرو أنه قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((أكثرُ منافقي أمَّتي قُرَّاؤها))[13].

6- خوف السلف - رضي الله عنهم - من النفاق:
إنَّ مِن عقائد أهل السُّنة والجماعة أنَّه لا يأمن حيٌّ على نفسه الفِتنة، فإذا كان الأمرُ كذلك، فإنَّ المؤمن يجب أن يعبدَ اللهَ بيْن الرجاء والخوف، راجيًا رحمة ربِّه، خائفًا مِن عذابه، وخائفًا من أن يختمَ له بنفاق، وقد ضرَب السلفُ - رضي الله عنهم - أروعَ الأمثلة في ذلك:

♦ قال إبراهيم التَّيْمي: ما عرضتُ قولي على عمَلي إلا خشيتُ أن أكونَ مكذِّبًا.

♦ وقال ابن أبي مُلَيْكة: أدركتُ ثلاثين مِن أصحاب النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كلُّهم يخاف النِّفاقَ على نفسه، ما منهم أحدٌ يقول: إنَّه على إيمان جبريل وميكائيل.

♦ ويُذْكر عن الحسن: ما خافَه إلاَّ مؤمن، ولا أَمِنه إلا منافِق، وما يحذر مِن الإصرار على النِّفاق والعصيان من غيْر توبة؛ لقول الله تعالى: ï´؟ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ï´¾ [آل عمران: 135][14].

وأخرج مسلم[15] مِن حديث حنظلة الأسيدي - وكان مِن كتَّاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: لَقِيني أبو بكر، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافَق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلتُ: نكون عندَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُذكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنَّا رأي عيْن، فإذا خرجْنَا من عند رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عافسْنا الأزواج والأولاد والضَّيْعات، فنَسِينا كثيرًا، قال أبو بكر: فواللهِ، إنا لنلقَى مثل هذا! فانطلقتُ أنا وأبو بكر، حتى دخلْنا على رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قلت: نافَق حنظلة يا رسول الله! فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وما ذاك؟)) قلت: يا رسولَ الله، نكون عندَك، تُذكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنَّا رأي عين، فإذا خرجْنا من عندَك، عافسْنا الأزواج والأولاد والضَّيْعات، نَسِينا كثيرًا، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((والذي نفسي بيده، إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكر، لصافحتْكم الملائكة على فُرُشكم وفي طُرقكم، ولكن يا حنظلة، ساعةً وساعةً - ثلاث مرات)).

وجاء في "جامع العلوم والحِكم"[16] بتصرُّف يسير: "وقال الحسن أيضًا: من النِّفاق اختلافُ القلْب واللسان، واختلاف السِّرِّ والعَلانية، واختلاف الدخول والخروج".

وقال طائفةٌ من السَّلف: خشوعُ النِّفاق أنْ ترَى الجسدَ خاشعًا، والقلْب ليس بخاشِع، وقد رُوي معنى ذلك عن عمر، ورُوي عنه أنَّه قال على المنبر: إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم المنافِق العليم، قالوا: كيف يكون المنافِق عليمًا؟! قال: يتكلَّم بالحِكمةِ، ويعمل بالجَوْر، أو قال: المنكَر، وسُئل حذيفةُ عن المنافق، فقال: الذي يَصِف الإيمان ولا يعمل به.

وفي "صحيح البخاري" عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنَّه قيل له: إنا نَدخُلُ على سُلطاننا، فنقول لهم بخِلاف ما نتكلَّمُ إذا خرجْنا من عندهم، قال: كُنَّا نعدُّ هذا نِفاقًا.

وفي "المسند" عن حُذيفة، قال: إنَّكم لتكلِّمون كلامًا إنْ كُنَّا لنعدُّه على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - النِّفاق، وفي رواية قال: إنْ كان الرجلُ ليتكلَّمُ بالكلمة على عهْد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيصير بها منافقًا، وإنِّي لَأسمعُها مِن أحدِكم في اليوم في المجلس عشر مِرارٍ.

قال بلالُ بنُ سعْد: المنافِق يقولُ ما يَعرِفُ، ويعمل ما يُنكِرُ.

ومِن هنا كان الصحابةُ يخافون النِّفاقَ على أنفسهم، وكان عمرُ يسأل حُذيفةَ عن نفسه.

وسُئِل أبو رجاء العطاردي: هل أدركتَ مَن أدركتَ من أصحاب رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يخشَوْن النفاقَ؟ فقال: نَعَمْ، إنِّي أدركتُ منهم - بحمد الله - صدرًا حسنًا، نعم شديدًا، نعم شديدًا.

ويُذكر عن الحسن قال: ما خافه إلاَّ مؤمِنٌ، ولا أَمِنه إلاَّ منافق؛ انتهى.

ورُوي عن الحسن أنَّه حلف: ما مضَى مؤمِنٌ قطُّ ولا بقِي إلاَّ وهو من النِّفاق مُشفِق، ولا مضَى منافق قط ولا بقِي إلا وهو من النِّفاق آمِن، وكان يقول: مَن لَمْ يَخَفِ النفاق، فهو منافِق.

وسَمِعَ رجلٌ أبا الدرداء يتعوَّذُ من النِّفاق في صلاته، فلمَّا سلَّم، قال له: ما شأنك وشأن النِّفاق؟ فقال: اللهمَّ غُفرًا - ثلاثًا - لا تأمَنِ البلاءَ، واللهِ إنَّ الرجل ليُفتَنُ في ساعةٍ واحدة، فينقلِبُ عن دِينه.

والآثار عن السَّلف في هذا كثيرةٌ جدًّا، قال سفيان الثوري: خلافُ ما بيْنَنا وبيْن المرجئة ثلاث، فذَكر منها قال: نحن نقول: النِّفاق، وهم يقولون: لا نِفاق.

وقال الأوزاعي: قد خاف عمرُ النفاقَ على نفسه، قيل له: إنَّهم يقولون: إنَّ عمر لم يَخَفْ أنْ يكونَ يومئذٍ منافقًا حتى سألَ حُذيفة، ولكن خاف أنْ يُبتلى بذلك قبل أنْ يموت، قال: هذا قولُ أهلِ البِدع، يشير إلى أنَّ عمرَ كان يخاف.

وسُئِلَ الإمامُ أحمد: ما تقولُ فيمَن لا يخاف على نفسِه النفاق؟ فقال: ومَن يأمنُ على نفسه النِّفاق؟! وكان الحسن يُسمِّي من ظَهرت منه أوصافُ النِّفاق العملي منافقًا، ورُوي نحوه عن حذيفة.

وقال الشعبي: مَن كذَب، فهو منافق.

وقد وصَف الله المنافقين بالمخادَعة، وأحسن أبو العتاهية في قوله:
لَيْسَ دُنْيَا إِلاَّ بِدِينٍ وَلَيْسَ الدْ
دِينُ إِلاَّ مَكَارِمَ الْأَخْلاَقِ

إنَّمَا المَكْرُ وَالخَدِيعَةُ فِي النَّا
رِ هُمَا مِنْ خِصَالِ أَهْلِ النِّفَاقِ".ا.ه.



وفي "تذكرة الحفَّاظ"[17]: "أنَّ عبدالله بن عمرو لَمَّا حضرتْه الوفاة خطَب إليه رجلٌ ابنتَه، فقال: إني قد قلتُ فيه قولاً شبيهًا بالعدة، وإني أكْرَه أن ألْقَى الله بثُلُث النِّفاق".

وفي "نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء"[18]: "الوليد بن مزيد: سمعتُ الأوزاعي يقول: إنَّ المؤمن يقول قليلاً ويعمل كثيرًا، وإنَّ المنافق يتكلَّم كثيرًا ويعمل قليلاً".
وفيه[19]: "مثَل المؤمن مثَل مَن غرَس نخلةً يخاف أن تحمِلَ شوكًا، ومثل المنافق مثل مَن زَرَع شوكًا يطمع أن يحمل تمرًا، هيهات!".
وفيه[20]: "عن خالدِ بن معْدان، عن عمرو بن الأسود العنسي، أنه كان إذا خرَج من المسجد قبَض بيمينه على شِماله، فسُئِل عن ذلك، فقال: مخافةَ أن تنافقَ يدي".

قال الشاعر:
خَلِّ النِّفَاقَ لِأَهْلِهِ
وَعَلَيْكَ فَالْتَمِسِ الطَّرِيقَا

وَارْغَبْ بِنَفْسِكَ أَنْ تُرَى
إِلاَّ عَدُوًّا أَوْ صَدِيقَا



وقال آخر:
وَكَمْ مِنْ صَدِيقٍ وُدُّهُ بِلِسَانِهِ
خَؤُونٌ بِظَهْرِ الْغَيْبِ لاَ يَتَذَمَّمُ

يُضَاحِكُنِي عُجْبًا إِذَا مَا لَقِيتُهُ
وَيَقْذَعُنِي مِنْهُ إِذَا غِبْتُ أَسْهُمُ



كَذَلِكَ ذُو الوَجْهَيْنِ يُرْضِيكَ شَاهِدًا
وَفِي غَيْبِهِ إِنْ غَابَ صَابٌ وَعَلْقَمُ



9- أسباب النفاق:
إنَّ مِن أهمِّ أسباب النِّفاق:
♦ ضَعْف اليقين في الله - عزَّ وجلَّ - وما عندَه، فآثَر المنافِقُ الدنيا العاجلة؛ لأنَّها ملموسةٌ، وترَك الآخرة.

♦ خوْف الناس وخوْف ملامتهم، فهو يخاف أنْ يعاديَه المؤمن والكافر، فصار السبيل عندَه للخلاص هو إعطاء كلٍّ منهما وجهًا يناسبه، لكن هو قلْبُه مع الكفَّار، فصار معولَ هدمٍ في صفوف المؤمنين؛ لذلك صار خطرُه أشدَّ وأنْكى بالمؤمنين مِن الكفَّار الظاهرين؛ لأنَّه لا يُدرَى متى يَغْدِر.

♦ حِقْده على المسلمين؛ ونظرًا لأنَّه ليس في موقِف قوة، فإنَّه آثرَ العمل في الخَفاء، كعبدِالله بن أُبيِّ بن سلول.

♦ خُلو قلْبِه منَ الإيمان بالله، فصار قلبُه خربًا خاليًا من ذِكْر الله، وأصبح بيئةً خصبة للنفاق.

♦ كُرْهُه للدِّين الإسلامي؛ لأنَّه حرَمَهم من الظلم الذي كان يمارَس على الضعفاء بغير وجهِ حقٍّ؛ لأنَّ الدين الإسلامي ساوى بيْن الغني والفقير، بين القوي والضعيف، وحَفِظ حقوقَ البشر كلهم.

10- السبيل إلى الخلاص من النفاق:
1- الاعتصام بحبْل الله - جلَّ وعلا - واتِّباع أوامره، واجتناب نواهيه.
2- سؤال الله الهداية، فمَن هداه الله، فلا مضلَّ له، ومَن أضلَّه الله فلا هاديَ له.
3- الإيمان الجازِم الذي لا يساوره شكٌّ في أنَّ ما عند الله باقٍ، والدنيا فانية.
4- حبُّ المؤمنين الصالحين ومخالطتهم، فمَن أحبَّ قومًا صار منهم.
5- إعلاء شرْع الله - جلَّ وعلا - والعمل به، والانقياد لتعاليمه.
6- الحِفاظ على عُروةِ الإسلام الوُثقَى؛ الصلاة.
7- تجنُّب الخِصال التي ذكَرَها الله في كتابه ونبيُّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سُنته.
8- الصلاة بخشوع وفي جماعة.
9- الانكباب على دِين الله تعلمًا وتعليمًا وعملاً.
10- النظر إلى الدنيا بعَيْن الزوال، وأنَّها فانيةٌ لا محالة، فيذوب الجليدُ القاسي الذي تجمَّع فوق القلْب.
11- تنقية القلْب مِن أدران الشِّرْك، فالنفاق شرْك، فهو جعل حبّ الدنيا فوقَ حبِّ الله.
12- الوفاء بالعهْد، وعدم الغدر، وأداء الأمانة وحُسْن الخلق.
13- التخلُّق بأخلاق الإسلام.
14- تجنُّب موجِبات اللعنة مِنَ المعاصي.

هذا، وخير ما نختم به كلامُ سيِّد المرسَلين، حيث ضرَب مثَلاً للمؤمن والمنافق، لعلَّ ذلك يكون مبشِّرًا للمؤمن، ونذارةً للمنافق، حين قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَثَل المؤمن كالخامةِ مِن الزرع، تُفَيِّئُها الرِّيح مرة، وتعدلها مرَّة، ومثل المنافق كالأُرزة، لا تَزال حتى يكون انجعافُها مرةً واحدة)) [21].

وفي "المسند"[22]، عن أبي سعيد الخُدري قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((القلوب أربعة: قلب أجْرَد، فيه مِثْل السِّراج يُزهرُ، وقلْب أغْلَف مربوط على غلافه، وقلْب مَنْكُوس، وقلْب مُصْفَح: فأمَّا القلب الأجْرَد، فقلْبُ المؤمن، سراجه فيه نوره، وأما القلب الأغْلف فقلب الكافر، وأما القلْب المنكوس فقلب المنافِق، عَرَفَ ثم أنكر، وأما القلب المصفح فقلْبٌ فيه إيمان ونفاق، ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يَمُدُّها الماء الطيِّب، ومثل النِّفاق فيه كمثل القُرْحة يَمُدَّها القيح والدم، فأي المادتَيْن غلبَتْ على الأُخرى غلبَتْ عليه))؛ قال ابن كثير: إسناده جيد.

وعن ابن عمران أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مثَل المنافق كمَثَل الشاةِ العائرة بيْن الغَنمَيْن، تعير في هذه مرة وفي هذه مرة، لا تدري أيها تَتَّبع))[23].

وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على سيِّدنا محمد، وعلى آله وصحْبه أجمعين.



[1] في "مدارج السالكين" (ص: 347).

[2] في "جامع العلوم والحكم" (ص: 447).

[3] (1/64).

[4] في تفسيره (1/42).

[5] "المفهم" (1/249).

[6] رواه أحمد (1/22، 44).

[7] "جامع العلوم والحكم" (ص: 451) .

[8] في الفتن، باب: إذا قال عندَ قوم شيئًا ثم خرَج، فقال بخلافه (7113).

[9] في صفات المنافقين، رقم (2779).

[10] "شرح مسلم"؛ للنووي (2/46).

[11] في "المفهم" (1/249 -250).

[12] أخرجَه البخاري في كتاب المناقب، باب: قول الله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ï´¾ [الحجرات: 13]، وقوله: ï´؟ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ï´¾ [النساء: 1]، وما ينهى عن دعوى الجاهلية، برقم (3304) ومسلم في فضائل الصحابة، باب خيار الناس رقم (2526).

[13] المسند (6637).

[14] أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر.

[15] في كتاب التوبة - باب فضل دوام الذِّكْر والفِكْر في أمور الآخرة، والمراقبة، وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات، والاشتغال بالدنيا (2750).

[16] (ص: 450).

[17] (2/434).

[18] (ص: 572).

[19] (ص: 711).

[20] (ص: 336).


[21] البخاري كتاب المرضَى، باب: ما جاء في كفارة المرْضى (5319).

[22] (3/17).

[23] مسلم في صفات المنافقين رقم (2784)، و النسائي كتاب الإيمان وشرائعه، باب الفرار بالدِّين من الفتن (8/124).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.25 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.57%)]