
26-02-2020, 03:34 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,024
الدولة :
|
|
إثبات صفة الصورة لله جل وعلا
إثبات صفة الصورة لله جل وعلا
عبدالجليل مبرور
الحمد لله ربِّ العالَمين، والصلاة والسَّلام على النبيِّ الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
فممَّا لا شك فيه أنَّ مِن تمام إيمانِ المرْءِ انقيادَه وتسليمَه لأوامر ربِّه، والإيمانَ بها بدون تردُّد أو شكٍّ؛ فإنَّ الخير كلَّ الخير في الخضوع لله ربِّ السَّموات والأرض العليِّ الكبير، وإنَّ الشرَّ كلَّ الشرِّ في التنطُّعِ والتعمُّق والتكلُّف في تكذيب كتاب الله، وسُنَّةِ نبيِّه، وفَهْمِ السَّلف الصالح؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((دَعُوني ما تركْتُكم، فإنَّما هلَكَ مَن كان قبْلَكم بِسُؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهَيْتُكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتُكم بشيء فأْتُوا منه ما استطعتم))؛ أخرجه البخاري (7288).
فلذا كان لِزَامًا على المؤْمن أن ينقاد إلى ربِّه مطيعًا خاضعًا ذليلاً، ومحبًّا ومعظِّمًا له في ربوبيته وألوهيَّته، وأسمائه وصفاته، وهذا ما ميَّز أهْلَ السُّنة والجماعة عن سائر فِرَق المسلمين، وخصوصًا في باب الأسماء والصِّفات؛ حيثُ إنَّ مذْهبَهم هو إثْبات ما أثبَتَه الله لِنَفسه أو أثْبتَه له رسولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تَكْييف ولا تمثيل.
وقد جاء في شرح أصول اعتقاد أهل السُّنة والجماعة (875) عن الوليد بن مسلم أنه قال: "سألتُ الأوزاعيَّ وسُفْيان الثَّوري ومالكَ بن أنس والليثَ بن سعْد عن هذه الأحاديث التي فيها الرُّؤْية، فقالوا: أَمِرُّوها بلا كيف".
وجاء في الفقه الأكْبر لأبي حنيفة - نقلاً عن "اعتقاد الأئمة الأربعة" ص 9 -: "لا يُوصَف الله - تعالى - بصِفَات المخلوقين، وغضَبُه ورضاه صِفَتان من صفاته بلا كيف، وهو قول أهل السُّنة والجماعة، وهو يَغْضب ويَرضى، ولا يُقال: غضَبُه عقُوبتُه، ورِضاه ثوابُه، ونَصِفُه كما وصَف نفْسَه؛ أحَدٌ صمَدٌ، لم يلد ولم يُولَد، ولم يكن له كفُؤًا أحد، حيٌّ قادر، سميع بصير، عالم، يَدُ الله فوق أيديهم ليست كأيدي خلْقِه، ووَجْهه ليس كوجوه خلقه".
وقال - أيضا -: "لا ينبغي لأحد أن يَنطق في ذات الله بشيء، بل يَصِفُه بما وصَفَ به نفْسَه، ولا يقول فيه برأْيه شيئًا، تبارك الله وتَعالى ربُّ العالمين".
وأخرج الهروِيُّ عن أشهب بن عبدالعزيز قال: "سمعتُ مالكًا يقول: إيَّاكم والبدعَ، قيل: يا أبا عبدالله، وما البِدَع؟ قال: أهل البدع الذين يتكَلَّمون في أسْماء الله وصفاته، وكلامِه وعلْمِه وقدرته، ولا يسكتون عمَّا سكَتَ عنه الصحابة والتَّابعون لهم بإحسان"؛ "ذم الكلام".
وقال الشَّافعي: "أنْ يَبْتَلي اللهُ المرْءَ بما نهَى عنه خَلا الشِّرْك بالله - خيرٌ من أن يبتليه بالكلام"؛ "ذمُّ الكلام"، وقال الإمام أحمد: "لم يزل الله - عزَّ وجلَّ - متكلِّمًا، والقرآن كلام الله - عزَّ وجلَّ - غير مخلوق وعلى كلّ جهة، ولا يوصف الله بشيء أكثر مما وصَفَ به نفسه - عزَّ وجلَّ"؛ كتاب "المحنة" ص 68.
وقال الإمام البربهاري في "شرح السنة" ص56: "وكل ما سمعتَ من الآثار ممَّا لم يَبْلغه عقْلُك نحْوُ قولِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قلُوبُ العباد بين إصْبعَيْن من أصابع الرَّحْمن - عزَّ وجلَّ -))، وقولِه: ((إنَّ الله - تبارك وتعالى - يَنْزِل إلى سماء الدنيا))، و((يَنْزل يوم عرَفَة))، و((ينزل يوم القيامة))، و((جهنم لا يزال يطرح فيها، حتَّى يضعَ عليها قَدَمه - جلَّ ثناؤُه -))، وقول الله للعبد: ((إنَّ الله خلق آدم على صورته))، وقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((رأيت ربِّي في أحْسن صورة)) وأشباه هذه الأحاديث، فعليك بالتَّسْليم والتصديق والتفويض والرِّضا، لا تفسِّرْ شيئًا من هذه بِهَواك؛ فإنَّ الإيمان بهذا واجب، فمَن فسَّر شيئًا من هذا بهواه، أو رَدَّه فهو جهْمِي".
وفي ذلك يقول ابن تيميَّة - رحمه الله -: "إنَّ الأئمَّة المشْهورين كلّهم يُثْبِتون الصِّفات لله - تعالى - ويقولون: إنَّ القرآن كلام الله ليس بمخلوق، ويقولون: إنَّ الله يُرَى في الآخِرَة، هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم، وهذا مذهب الأئمَّة المتْبُوعين، مثل مالك بن أنس والثَّوْري والليث بن سعْد والأوزاعي وأبي حنيفة والشَّافعي وأحْمد..."؛ "منهاج السنة" (2/106).
ولعلَّ مِن أهمِّ المسائل التي كَثر الحديث عنها ما بيْنَ مثْبِت ونافٍ، هي صِفَة الصُّورة، وعلى الخصوص خَلْق آدم على صورة الرَّحْمن، فهذا بحْثٌ بسيط حول هذه المسألة، نحاول من خلاله الوقوفَ على القول الحقِّ الذي هو قول أهْل السُّنة والجماعة الذين يُثْبِتون هذه الصفة، خلافًا لغيرهم من الجهمية ومن تابَعَهم من أشاعرة وغيرهم.
وقد جعلتُه من مقدِّمة، وسبعة مباحث، وخاتمة:
♦ المقدمة.
♦ إثبات صفة الصورة لله - جل وعلا.
♦ معنى الصورة لغة.
♦ سبب الخلاف بين العلماء.
♦ حجة من ضعَّف الحديث من العلماء.
♦ حجَّة من صحَّحه.
♦ الخلاف الحاصل حول ضمير على صورته.
♦ فَهْم السَّلف للحديث.
♦ خاتمة.
إثبات صفة الصورة لله جل وعلا
أخرج البخاري (6573) ومسلم (182) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ ناسًا قالوا لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: يا رسول الله، هل نَرَى ربَّنا يوم القيامة؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((هل تضَارون في رؤْية القمر ليلةَ البدْر؟)) قالوا: لا يا رسول الله... وفيه: ((يجمع الله الناسَ يوم القيامة، فيقول: مَن كان يعبد شيئًا فلْيتبعه، فيَتبع مَن كان يعبد الشمسَ الشمسَ، ويتبع من كان يعبد القمرَ القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيتَ الطواغيت، وتَبقى هذه الأمَّة فيها منافقوها، فيأتيهم الله - تبارك وتعالى - في صورة غير صورته التي يَعْرفون، فيقول: أنا ربُّكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا يأتينا ربُّنا، فإذا جاء ربُّنا عرفناه، فيأتيهم الله - تعالى - في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربُّكم، فيقولون: أنت ربنا، فيتبعونه...)) الحديث.
وأخرج البخاري (3326) ومسلم (2841) وغيرهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعًا...)) الحديث
وحديث ((رأيتُ ربِّي في أحْسن صورة))؛ رواه الترمذي (3235) وأحمد (2580).
فهذه الأحاديث قد تضافَرَت في إثبات صفة الصُّورة لله - تعالى - على ما يَلِيق بجلال وجْهه وعظيم سُلْطانه؛ فهي صفة ذاتية لله، خلافًا لِمَن أنكَرَها من الجهميَّة ومَن تابعهم، فبهذه الأحاديث قد أثبَتَ أهْلُ السُّنة والجماعة صفةَ الصُّورة.
ويقول ابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث": "والَّذي عندي - والله تعالى أعلم - أنَّ الصُّورة ليست بأعْجَب من اليدَين والأصابع والعين، وإنَّما وقَع الإِلْف لتلك؛ لِمَجيئها في القرآن، ووقعَت الوَحْشة من هذه؛ لأنَّها لم تأتِ في القرآن، ونحن نؤْمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حدٍّ".
معنى الصورة لغة
قال ابن الأثير: "الصُّورة تَرِد في كلام العرب على ظاهرها، وعلى معْنَى حقيقة الشيء وهيئته، وعلى معنى صفته"؛ "النهاية" 3/59.
قال شيخ الإسلام: "لفظ الصورة في الحديث كسائر ما ورد من الأسماء والصفات التي قد يُسمَّى المخْلوق بها على وجْه التقْييد، وإذا أُطلِقت على الله اختصَّت به، مثل العليم، والقدير، والرحيم، والسميع، والبصير، ومثل خَلْقِه بيديه، واستوائِه على العرش، ونحو ذلك"؛ "نقض التَّأْسيس" 3/396.
سبب الخلاف بين العلماء
اتَّفق أهْلُ السُّنة والجماعة على إثبات صفة الصُّورة لله - جل وعلا - على ما يليق بِجَلاله وعظيم سلطانه، والخلاف بينهم محْصُور في مسألة "خَلْق آدم على صورة الرَّحْمن" فحَسْب، فمن صحَّحه أثْبتَ مُقْتَضاه، ومن ضعَّفه لم يجعله محَلاًّ لإثْباتها، ومَن افْترض صحَّته من الفِرَق الأخرى منهم أوَّلَه مشْيًا على قاعدتهم:
وَكُلُّ نَصٍّ أَوْهَمَ التَّشْبِيهَا 
فَوِّضْهُ أَوْ أَوِّلْ وَرُمْ تَنْزِيهَا 
والحديث رواه عبدالله بن أحمد في "السُّنة" 498، وابن أبي عاصم في "السنة" 529، وابن خزيمة في "التوحيد" 1/85، والدارقطني في "الصفات" 45، 48، وغيرهم من طريق جَرِير عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عَطَاء، عن ابن عمر مرفوعا: ((لا تقبِّحوا الوجْه؛ فإنَّ الله خلَقَ آدم على صورة الرَّحمن)).
حُجَّة من ضعَّف الحديث
عُمْدة مَن ضعَّف هذا الحديث هو ابن خزيمة - رحمه الله - في كتاب "التوحيد" 1/87 وقد أعلَّه بثلاث عِلَل:
الأُولى: أنَّ الثَّوري قد خالف الأعْمش في إسناده فأرسَلَه.
الثانية: عنعَنةُ الأعمش، وهي مردودة؛ لأنَّه مدلِّس ما لم يصرِّح بالسَّماع من حبيب بن أبي ثابت.
الثالثة: لا يُعلَم لحبيب بن أبي ثابت سمَاعٌ من عطاء.
ثم أضاف الشيخ الألباني - رحمه الله - علَّة رابعة، وهي تغَيُّر جرير بن عبدالحميد وسُوء حِفْظه، وقد اضْطَربت روايته برواية لفْظ ((على صورته)) عند ابن أبي عاصم 530، واللالكائي 716.
وقد قوَّى الشيخُ طارق عوض الله هذه العلَّة في حاشيته على "المنتخب من العلل" للخلاَّل بذِكْر الإمام الدارقطني لتفرُّد جرير بن عبدالحميد عن الأعْمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء؛ انظر "المنتخب من علل الخلال" لابن قدامة ص 269.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|