عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 26-02-2020, 03:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,180
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم

الحفاظ على النظام العام:
ومن أجل الحفاظ على النِّظام العام، وضَمَان أمْن المُجتمع واستقراره، شَرَعَ القرآن الكريم حدَّ الحرابة في قوله سبحانه: ï´؟ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ï´¾ [41]؛ والمُحاربُون لله ورسولِه، هم الذين بارزوه بالعداوة، وأفسدوا في الأرض بالكُفر والقتل، وأخْذِ الأموال، وإخافة السبيل.

والمشْهُور أنَّ هذه الآية الكريمة في أحكام قُطَّاع الطَّريق، الذين يعرضون للنَّاس في القرى والبَوَادي، فيغصبونهم أموالهم، ويقتلونهم، ويُخيفونَهم، فيمتنع النَّاس من سُلُوك الطَّريق التي هم بها، فتنقطع بذلك؛ فأخبر الله أن جزاءهم ونكالهم - عند إقامة الحدِّ عليهم - أنْ يُفعلَ بِهم واحدٌ من هذه الأمور.

واختلفَ المُفسِّرون: هل ذلك على التَّخيِير، وأنَّ كلَّ قاطع طريق يَفعلُ به الإمامُ أو نائبُه ما رآه المصلحة من هذه الأُمُور المذكورة؟ وهذا ظاهرُ اللفظ، أو أن عقوبتهم تكون بحسب جرائمهم، فكلُّ جريمة لها قسط يُقابلُها؛ كما تدل عليه الآية بحكمتها وموافقتها لحكمة الله تعالى وأنَّهم إن قَتَلوا وأَخَذوا مالاً تَحتَّم قتلهم وصلبهم، حتَّى يشتهروا ويختزوا ويرتدع غيرهم.

وإن قتلوا ولم يأخذوا مالاً تَحتَّم قتلُهم فقط، وإن أخذوا مالاً ولم يقتلوا تَحتَّم أن تقطع أيديهم وأرجلُهم من خلاف: اليد اليمنى، والرجل اليسرى.

وإن أخافوا النَّاس ولم يَقتلوا ولا أخذوا المال، نُفُوا من الأرض، فلا يُترَكُون يأوُون في بلد حتَّى تظهر توبَتُهم؛ وهذا قولُ ابن عباس - رضي الله عنه - وكثيرٌ من الأئمة، على اختلافٍ في بعض التفاصيل.

ï´؟ ذَلِكَ ï´¾ [المائدة: 33]: النَّكال، ï´؟ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ï´¾ [المائدة: 33]؛ أيْ: فضيحة وعار، ï´؟ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ï´¾ [المائدة: 33]؛ فدلَّ هذا على أنَّ قطع الطَّريق من أعظم الذُّنوب، موجبٌ لفضيحة الدُّنيا وعذاب الآخرة، وأنَّ فاعله مُحارِب لله ولرسوله.

وإذا كان هذا شأن عظم هذه الجريمة، عُلم أنَّ تطهيرَ الأرض من المُفسدين، وتأمين السُّبل والطُّرق عن القَتل، وأخذ الأموال، وإخافة النَّاس - مِنْ أعظم الحسنات وأجَلِّ الطاعات، وأنه إصلاحٌ في الأرض، كما أنَّ ضده إفسادٌ في الأرض[42].


السعة والمرونة

إذا كان التَّشريعُ القُرآني يَمتازُ بالشُّمول، وأعني به الشُّمول الزَّماني، والشمول المكاني، والشمول الموضوعي، أيْ: إنَّه يشمل مَجالات الحياة كافَّة على اختلافها وتنوُّعها؛ فإنه - أيضًا - يَمتازُ بخاصية أخرى، هي السعة والمرونة التي تسع الجميع من الفُقهاء والمُجتهدين.

هذه السعة التي تتيح الاختلاف المشروع بين الفُقُهاء، وهو اختلافُ تنوع، لا اختلاف تضاد، واختلاف في الفُرُوع، لا في الأصول، والقرآن المجيد في كل هذا لا يتبدَّل، ولا يتناقض؛ ï´؟ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ï´¾ [43]؛ فأدلة الأحكام في القرآن مُترددة بين القطع أو الظن[44]، بخلاف أدلَّة العقيدة، فهي يقينيَّة قطعيَّة لا مَجال فيها للظَّن، وهي كما ذكر الإمام الشَّاطبي في "المُوافقات": على طريقة البُرهان العقلي، ويُستدلُّ بها على المخالفين"[45].

أمَّا أدلة الأحكام من حيثُ الدلالة - أي: دلالة اللفظ على معناه - فهي مُتردِّدة بين القطع والظن، والقرينة هي التي تُعيِّن المعنى المراد؛ قال الإمام فخر الدين الرَّازي في تفسيره: "المسألة الخمسون: دلالة الألفاظ على معانيها ظَنِّيَّة؛ لأنَّها موقوفة على نقل اللُّغات، ونقل الإعراب، والتَّصاريف، مع أنَّ أحوال النَّاقلين أنَّهم كانوا آحادًا، ورواية الآحاد لا تفيد إلاَّ الظَّن، وأيضًا فتلك الدَّلائل موقوفة على عدم الاشتراك، وعدم المجاز، وعدم الإجمال، وعدم التخصيص، وعدم المعارض العقلي، فإنَّه بتقدير حُصُوله، يَجبُ صرف اللَّفظ إلى المجاز". اهـ[46].

ومثالُ ذلك: اللَّفظ المُشترك[47]، في قوله تعالى: ï´؟ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ ï´¾ [48]؛ ذلك أنَّ لفظَ القُرْء من الألفاظ المُشتركة؛ لأنَّه يدلُّ بالتَّساوي على مَعنيين اثنين، هما الحيض والطُّهر، وهُنا يأتي دورُ الفقيه أو المُجتهد في تَعيين المَعنى المُراد، والقَرينة هي التي تُحدد ذلك، ومثال ذلك أيضًا: قوله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ï´¾ [49]؛ حيثُ اختلف في المُراد بقوله سبحانه: ï´؟ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ï´¾ [المائدة: 6]

فأخذ الإمام مالك بالاحتياط، وأوْجَب الاستيعابَ؛ أي: استيعاب كُل الرَّأس بالمسح، وأمَّا الشافعي، فقد أَوْجَب أقل ما يقع عليه اسم المسح، وأخذ الأحناف ببيان الرَّسول صلَّى الله عليه وسلم حيثُ ورد أنه قد مسح على ناصيته، وقدروها بربع الرأس[50].


موافقة الفطرة

يُخاطب القُرآن الكريم الإنسان بجانبيه: جانب الرُّوح، وجانب المادة، ويُعطي لكلِّ جانب منهما ما يُناسبُه ويُرضيه، والتشريع القرآني يُوافقُ الفِطرة الإنسانيَّة التي فطر الله النَّاس عليها؛ ï´؟ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ï´¾ [51]، وقوله تعالى: ï´؟ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ï´¾ [52].

فلا يُكلِّف التشريع القرآني الإنسانَ ما هو فوق طاقته، ولا يُحمِّله ما لا يتحمله، ومن هنا جاء قوله تعالى: ï´؟ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ï´¾ [53]، وقوله سبحانه: ï´؟ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ ï´¾ [54].

وفي التَّشريع القُرآني الرُّخص التي رخَّص فيها الشَّارع لرفع الحرج أو عند الاضطرار، فعَلَى سبيل المثال لا الحصر، فرض الله الصيام، ورخص في الفطر للمريض والمسافر؛ ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ï´¾ [55]، ومن ذلك أيضًا أنه سبحانه وتعالى ذَكَر المحرمات من الميتة والدَّم ولحم الخنزير وغير ذلك، ثم بيَّن سبحانه أنه لا إثم على المضطر؛ فقال تعالى: ï´؟ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ï´¾ [56].

وهكذا فالتشريع القرآني مُوافق للفطرة التي فَطَر الله الناسَ عليها مما يجعلُهم مُنقادين إليه، طائعين غير مَجبورين عن قناعة وثقة؛ يقول الأستاذ مالك بن نبي: "وفي ضوء القُرآن يبدو الدِّين ظاهرة كونيَّة تحكم فكر الإنسان وحضارته، كما تحكم الجاذبيَّة المادة وتتحكَّم في تطوُّرها". اهـ[57].


إعجاز الإيجاز في آيات الأحكام

وقد جاءت آياتُ الأحكام غاية في الإيجاز البليغ، مع شُمُولها كلَّ جوانب الأحكام التي تتناولها؛ فهي مُوجزة وشاملة، والجمعُ بين الشُّمول والإيجاز لون من الإعجاز.

وسأشير هنا إلى آيتين مُتتاليتين في سورة النِّساء، وآية ثالثة، في آخر السُّورة نفسها، هذه الآيات الثَّلاث جَمَعَت قواعدَ علم الميراث، الذي شرحه الفُقهاء في صَفَحات وصفحات:

1- الآيتان المتتاليتان هما قوله تعالى: ï´؟ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ï´¾ [58].

2- أما الآية الثالثة، فهي الآية الأخيرة من سورة النساء، وهي قوله تعالى: ï´؟ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ï´¾ [59].



التشريع القرآني والتشريع الوضعي في الميزان

ليس من شكٍّ في أنَّه لا تصلح المُقارنة أو المُوازنة، بين التَّشريع القُرآني وبين القَوانين الوضعية؛ لأنَّ الذي يُوازن بينهما كأنَّما يُوازن بين الخالق والمخلوق، لكنَّنا نأخذ مثالاً واحدًا على الأَثَر العملي في الواقع للتَّشريع القُرآني في مُشكلةٍ لا تزال المجتمعات غيرُ المسلمة تُعاني منها إلى اليوم، هي مُشكلة الخمر.

فقد عالج التَّشريع القرآني هذه المُشكلة على مراحل ثلاث، بطريقة حَسَمَتْها في النِّهاية:

1- ï´؟ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ï´¾ [60].
2- ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ï´¾ [61].
3- ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ï´¾ [62].

هذا هو التَّحريم القاطع، الذي حَسَمَ المشكلة، وفي المُقابل - كما يذكر الأستاذ/ مالك بن نبي في كتاب "الظَّاهرة القرآنية" - أثارت المُشكلة بعد ذلك بثلاثةَ عَشَرَ قرنًا من الزَّمان، أثارت اهتمامَ المُشرعين في أمَّة لعلَّها أرقى الأمم حضارةً، وهي الولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة، في عام 1919م، ثارت المُشكلة في الرَّأي العام الأمريكي، وفي العام نفسه أُدخل في الدستور الأمريكي تعديلٌ تحت عُنوان "التعديل الثَّامنَ عَشَرَ"، ويتضمن هذا التعديل أمرًا بحظر الخمر، أطلِق عليه وقتها قانون "فولستد" (ACTE Velstead).

وقد أُعِدت لتنفيذ هذا التَّحريم داخل الأراضي الأمريكيَّة وسائلُ هي:

1- الأسطول البحري لمراقبة الشواطئ.
2- الطيران لمراقبة الجو.
3- المراقبة العلميَّة.

وفي النهاية، كانت النَّتيجة هي الفشل الذَّريع، وسُقُوط قرَّرَه التعديل الحادي والعشرون، الذي صدَّق عليه الكونجرس في عام 1933م. اهـ، بتصرف[63].

وفي الختام:

هذا هو الفَرقُ بين التَّشريع القُرآني، وبين القانون الوضعي، في أمَّة من أرقى الأمم في عالمنا المعاصر، ولسوف يظلُّ الإعجازُ التَّشريعي في القُرآن أحد وجوه الإعجاز فيه إلى جانب الإعجاز البياني، والإعجاز العلمي، والإعجاز بالأخبار الماضية والمستقبلة.

والله أسألُ أن يتقبل عملي، وأن يهديني سواء السبيل.


أهم المراجع:

القرآن الكريم.
"إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم"، لأبي السُّعود، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده.
"الإتقان في علوم القرآن"، للسيوطي، دار الفكر، بيروت.
"البرهان في علوم القرآن"، للزركشي، مطبعة عيسى البابي الحلبي.
"الجامع لأحكام القرآن"، للقرطبي، دار الكتاب العربي للطباعة.
"الظاهرة القرآنية"، مالك بن نبي، ترجمة د/ عبد الصَّبور شاهين، دار الفكر طرابلس، لبنان.
"المعجزة والإعجاز في القرآن"، د/ سعد الدين صالح، دار المعارف.
"المفردات في غريب القرآن"، للراغب الأصفهاني، مطبعة مصطفى الحلبي.
"الموافقات"، للشاطبي، مطبعة المدني بالقاهرة.
"الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع"، عبد الفتاح القاضي، مكتبة الدار، المدينة المنورة.
"أنوار التنزيل وأسرار التأويل"، للبيضاوي، دار الجبل.
"بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز"، للفيروز آبادي، مطبعة نهضة مصر.
"تفسير القرآن العظيم"، لابن كثير، مكتبة التراث الإسلامي.
"تفسير مفاتح الغيب"، الرَّازي، دار إحياء التراث العربي.
"تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، للسعدي، دار المثنى، جدَّة.
"جامع البيان في تفسير القرآن"، للطبري، دار الريان للتراث.
"روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني"، للألوسي، دار الفكر، بيروت.
"سنن الترمذي"، دار الفكر، بيروت.
"صحيح البخاري"، فتح الباري، المكتبة السلفية.
"صحيح مسلم بشرح النووي"، مطبعة المكتب الثَّقافي، دار الفتح الإسلامي بالإسكندرية.
"مباحث في علوم القرآن"، د/ مناع القطان، مطبعة مؤسسة الرسالة.
"مُختار الصحاح"، محمد بن أبي بكر الرازي، الطبعة الأميرية بالقاهرة.



[1] الإسراء: 88.
[2] فصلت: 53 - 54.
[3] مختار الصحاح (ع. ج. ز)، (ص:413).
[4] المفردات، للراغب، كتاب العين، (ص:322).
[5] الحج: 5.
[6] هذه قراءة ابن كثير وأبو عمرو.
[7] العنكبوت: 4.
[8] الأعراف: 45، وورد في مواضع أخر.
[9] بصائر ذوي التمييز، الفيروز آبادي (4/22).
[10] كتاب الشين، للراغب، (ص: 258).
[11] فصلت: 42.
[12] المعجزة والإعجاز في القرآن، د/سعد الدين صالح، (ص: 219 - 220).
[13] مباحث في علوم القرآن، د/ مناع القطان، (ص: 278).
[14] الروم: 21.
[15] تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، (3/429).
[16] النساء: 79.
[17] تفسير مفاتح الغيب، الرازي، (9/12).
[18] البقرة: 228.
[19] صحابي أسلم بعد فتح مكة، أحد وجوه ثقيف، كان شاعرًا محسنًا، توفي في آخر خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه، انظر: أسد الغابة، (43/44).
[20] أخرجه الترمذي في سننه في كتاب النِّكاح، باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده عشرة نسوة، (4/92).
[21] النساء: 135.
[22] الحجرات: 13.
[23] آل عمران: 159.
[24] الشورى: 38.
[25] النساء: 58.
[26] النساء: 29.
[27] البقرة: 179.
[28] النساء: 92.
[29] الإسراء: 70.
[30] المائدة: 45.
[31] النساء: 90.
[32] البقرة: 219.
[33] النساء: 43.
[34] الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، (4/2283).
[35] النور: 2.
[36] صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الحدود، باب حد الزِّنا، (5/267).
[37] النور: 4.
[38] النور: 31.
[39] المائدة: 38.
[40] أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السُّلطان، (12/87 - رقم الحديث: 6788)، فتح الباري.
[41] المائدة: 33.
[42] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، (29/230).
[43] النساء: 82.
[44] القطعي: هو الذي لا يحتمل إلا معنًى واحدًا، والظني: هو الذي يحتمل أكثر من معنى، هذا من حيث الدلالة، أي: دلالة اللفظ على معناه، أمَّا من حيث الثبوت، فالقرآن كلُّه قطعي الثبوت بالنسبة إلى الله تعالى.
[45] الموافقات، للشاطبي، (3/32).
[46] تفسير مفاتح الغيب، للرازي، (1/28).
[47] اللفظ المشترك: هو الذي يدل على أكثر من معنى بالتساوي.
[48] البقرة: 228.
[49] المائدة: 6.
[50] عَنِ ابنِ المغيرَة عَن أبيه - رضي الله عنه -: أَنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - مَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ، ومُقَدَّم رأسه، وعلى عِمامتِه"؛ صحيح مسلم شرح النووي، كتاب الطهارة، باب جواز المسح على الخفين، (2/69).
[51] الروم: 30.
[52] القصص: 77.
[53] البقرة: 286.
[54] الحج: 78.
[55] البقرة: 185.
[56] المائدة: 3.
[57] الظاهرة القرآنية، مالك بن نبي، (ص: 284)، ترجمة: د/ عبد الصبور شاهين.

[58] النساء: 11، 12.
[59] النساء: 176.
[60] البقرة: 219.
[61] النساء: 43.
[62] المائدة: 90.
[63] الظاهرة القرآنية مالك بن نبي، ترجمة الدكتور/ عبد الصبور شاهين، ص284.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.60%)]