عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 24-02-2020, 07:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي الرد العلمي على من ينكر وجود الله

الرد العلمي على من ينكر وجود الله













الشيخ صلاح نجيب الدق







المقدمة:

الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:



فإننا نعيش في زمانٍ كثرت فيه الفتن، ومن أخطر هذه الفتن: ظهور طائفة من الناس في الدول الإسلامية ينكرون وجود الله تعالى، ويسندون ما يحدث في هذا الكون إلى الطبيعة، أو إلى الصدفة، ويجهرون بذكر أدلتهم الواهية الباطلة على إنكار وجود الخالق العظيم في وسائل الإعلام، مستغلِّين ضعفَ عقيدة توحيد الله تعالى عند بعض المسلمين.



لقد رأى الملحدون الكثيرَ من آيات الله تعالى في الكون، وفي أنفسهم؛ من إحكامٍ ودقة في الخَلق؛ ما يشهد بوجوده، وأنه هو الخالق الحكيم؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53]، ولكنهم آثروا الإنكار والجحود، مع يقينهم بوجود هذا الخالق العظيم؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل: 14]، فكان ذلك الجحود والإنكار نتيجة كِبرهم واستعلائهم، وسيطرة أهوائهم وشهواتهم على عقولهم وأفعالهم.



إننا لنعجَب ممن تجرأ على الله تعالى، وأنكر وجوده، بل وصار مبارزًا ومحاربًا له سبحانه بدعوته إلى مثل ذلك الاعتقاد الفاسد، ولو نظر ذلك الجاحد لوجود الله تعالى في نفسه، لعلم ضعف قوته، وحاجته إلى خالقه سبحانه، وخاصة وقت مرضه؛ من أجل ذلك أصبح من الواجب على أهل العلم التصدي، بكل قوة وحزم، لهذه الفرقة الضالة من الملحدين، الذين يريدون أن يشككوا المسلمين في عقيدتهم، وقد قمت في هذه الرسالة بالرد على الملحدين، الذين ينكرون وجود الله تعالى، بطريقة وأدلة عقلية علمية، أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

صلاح نـجيب الدق

• • •



تعريف الإلحاد:

الإلحاد: يعني إنكار وجود الله تعالى، والقول بأن هذا الكون وُجِد صدفة، وبلا خالق، وأن المادة أزلية أبدية، وتغيرات الكون قد تمت بالمصادفة، أو بمقتضى طبيعة المادة وقوانينها، وسينتهي الكون كما بدأ، ولا توجد حياة بعد الموت؛ (الموسوعة الميسرة في الأديان جـ2 صـ803).



ويطلِق القرآن الكريم على المنكرين لوجود الله تعالى اسم (الدَّهْريَّة)، وفيهم قال الله تعالى: ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية: 24].



قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): يخبر تعالى عن قول الدَّهريَّة من الكفار ومَن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد: ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ [الجاثية: 24]؛ أي: ما ثَم إلا هذه الدار، يموت قومٌ ويعيش آخرون، وما ثَم معادٌ ولا قيامةٌ، وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون للمعاد، ويقوله الفلاسفة الإلهيون منهم، وهم ينكرون البداءة والرجعة، ويقوله الفلاسفة الدَّهريَّة الدورية المنكرون للصانع، المعتقدون أن في كل ستةٍ وثلاثين ألف سنةٍ يعود كل شيءٍ إلى ما كان عليه، وزعموا أن هذا قد تكرر مراتٍ لا تتناهى، فكابَروا المعقول، وكذبوا المنقول؛ ولهذا قالوا: ﴿ وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ﴾ [الجاثية: 24]، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية: 24]؛ أي: يتوهَّمون ويتخيَّلون؛ (تفسير ابن كثير جـ 12 صـ 363).



تعريف الدَّهريَّة:

جاء في (موسوعة المفاهيم) للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية:

الدَّهريَّة: مذهب كل من اعتقد في قِدَم الزمان والمادة والكون، وأنكر الألوهية والخَلْق، والعناية والبعث والحساب، كما يرون أن الموجب للحياة والموت هو طبائع الأشياء، وحركات الأفلاك، وهؤلاء الدَّهريَّة المنكرون للألوهية هم أقرب الكافرين من الملاحدة المعاصرين، كما يخبرنا القرآن الكريم عما سيدعيه بعض الدهريين بعد أربعة عشر قرنًا عن خلق الكون والإنسان من عدم، فيقول الحق عز وجل: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾ [الطور: 35]؛ (وهم الإلحاد ـ للدكتور عمرو شريف صـ: 17).



قوله سبحانه: ﴿ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ﴾ [الطور: 35] هنا تعني: من غير مادة ومن غير سبب، كما تعني ﴿ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾ [الطور: 35] أن الشيء يخلق ذاته، وقد ادعى الملاحدة المعاصرون وقوع هاتين الفرضيتين المستحيلتين؛ (وهم الإلحاد ـ للدكتور عمرو شريف صـ: 18).



معنى الطبيعة:

الطبيعة: هي القوة الموجودة في الشيء، فتجري بها كيفيات ذلك الشيء على ما هي عليه؛ (الفصل في الملل لابن حزم جـ1 صـ20).



كيف دخل الإلحاد بلاد المسلمين؟

يمكن أن نوجز أسباب دخول ظاهرة الإلحاد إلى كثير من بلاد المسلمين فيما يلي:

(1) انحراف كثير من المسلمين عن دينهم، ونسيانهم حظًّا مما ذُكِّروا به، وإلا فإن الصبر والتقوى كفيلان بردِّ كل باطل.



(2) هزيمة العالم الإسلامي أمام غزو الدول الأوروبية، فما كاد الأوروبيون يمتلكون القوة المادية، ويستخدمون الآلة، ويبنون المصانع - حتى اتجهوا إلى الدول الإسلامية؛ بحثًا عن الأسواق لبيع منتجاتهم الصناعية، وجلبًا للمواد الخام اللازمة للصناعة، ولما كان العالم الإسلامي في غاية الضعف - اقتصاديًّا وعسكريًّا - لم يصمد أمام تلك الهجمة، وكان للهزيمة العسكرية أثرها في زعزعة العقيدة، ووجود الشعور بالنقص، وتقليد الأوروبيين، والتشبُّه بأخلاقهم؛ ظنًّا من بعض المسلمين ـ لشدة جهلهم ـ أن أوروبا لم تتطور إلا عندما أبعدت الدين عن الحياة.



(3) احتلال الدول الغربية لكثير من بلاد المسلمين؛ فلقد عانى المسلمون من الاستعمار وويلاته؛ حيث امتصت الدول الغربية دماء المسلمين، وخيراتهم، وأوطانهم.



(4) تركيز الدول الأوروبية على إفساد التعليم، والإعلام، والمرأة، وتشويه صورة علماء المسلمين، مع الحرص على نشر الفوضى الخُلقية، والإباحية؛ حيث غرق كثير من الشباب في هذا المستنقع الآسن، والإلحاد لا يظهر إلا في مثل هذا الجو.



(5) انتشار الجهل بدين الإسلام، وانتشار الخرافات بين المسلمين؛ فاستغل الملاحدة ذلك، ودخلوا من خلاله إلى الطعن في الدِّين.



(6) إرسال كثير من أبناء المسلمين إلى الدول الأوروبية لطلب العلوم المختلفة، وهم غير محصنين بالعقيدة الصحيحة، فعاشوا في تلك البلاد، وتأثروا بما فيها من أفكار وأخلاق، وربما رجعوا بشهادة الدكتوراه بعد أن يفقدوا شهادة: لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله.



(7) تقصير علماء المسلمين في جانب الدعوة إلى الله تعالى، وخاصة في جانب ترسيخ عقيدة توحيد الله تعالى.



(8) سقوط الخلافة الإسلامية.



(9) اهتمام كثير من المسلمين بملذات الدنيا، والركون إلى الراحة.

(رسائل محمد بن إبراهيم الحمد في العقيدة ـ صـ31: 29).



الآثار المترتبة على انتشار ظاهرة الإلحاد:

للإلحاد آثارٌ سيئةٌ على الأفراد والجماعات، يمكن أن نوجزها في الأمور التالية:

(1) كثرة انتشار القلق النفسي، والاضطراب، والحرمان من طمأنينة القلب وسكون النفس؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].



كيف لا يصيب الملاحدةَ الحزن والهم والقلق وفي داخل كل إنسان منهم أسئلة محيرة؟ مَن خلَق الحياة؟ وما نهايتها؟ وما سر هذه الروح التي لو خرجت لأصبح الإنسان جمادًا؟ مَن يجيب عن تلك التساؤلات؟!



وهذه الأسئلة قد تهدأ في بعض الأحيان بسبب مشاغل الحياة، إلا أنها ما تلبث أن تعود، وما نراه اليوم من كثرة إدمان المخدِّرات دليلٌ على ذلك.



(2) الأنانية والفردية؛ نظرًا لاشتغال كل فرد بنفسه؛ فلا رحمة ولا شفقة، ولا عطف ولا حنان، أين ذلك كلُّه من الرحمة في الإسلام؟



روى الشيخانِ عن أنس بن مالكٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسِه))؛ (البخاري حديث: 13/ مسلم حديث: 45).



(3) حب الجريمة، وهذا لا يحتاج إلى دليل؛ فواقع الحياة في الغرب، ومعدَّلات السرقة والخطف - شاهدٌ على ذلك.



(4) هدم نظام الأسرة؛ وذلك أن الأسرة الملحدة تعيش في تفكُّك وضياع، وهذا يؤدي إلى فساد المجتمع.



(5) الرغبة في الانتحار؛ تخلُّصًا من الحياة، والغريب في الأمر أن أكثرية المنتحرين ليسوا من الفقراء حتى يقال بسبب فقرهم، بل من الأغنياء المترفين، ومن الأطباء، بل ومن الأطباء النفسانيين الذين يظن بهم أنهم يجلبون السعادة للناس!



والغريب أن الانتحار في بعض بلدان الغرب له مؤيِّدون، وهناك كتب تُعِين الذين يريدون الانتحار، وتبين لهم الطرق المناسبة!



(6) إرادة الانتقام، والظمأ النفسي للتشفِّي من كل موجود، وانتشار الكراهية والبغضاء بين أفراد المجتمع.



(7) انعدام الثقة بين الناس؛ فكل شخصٍ يخاف مِن أقرب الناس إليه.

(الإلحاد ـ عبدالرحمن عبدالخالق صـ31: 18).

(رسائل محمد بن إبراهيم الحمد في العقيدة ـ: صـ33: 31).



أسباب انتشار الإلحاد في المجتمع المسلم:

(1) نشأة الشخص في بيتٍ خالٍ من آداب الإسلام ومبادئ هدايته، فلا يرى فيمن يقوم على أمر تربيته - مِن نحو: والدٍ أو أمٍّ أو أخ - استقامةً، ولا يتلقى عنه ما يطبعه على حب الدين، ويجعله على بصيرة من حكمته؛ فأقل شبهة تمس ذهن هذا الناشئ تنحدر به في هاوية الضلال.



(2) اتصال المسلم الضعيف النفس بملحدٍ يكون أقوى منه نفسًا وأبرع لسانًا، فيأخذه ببراعته إلى سوء العقيدة، ويفسد عليه أمر دينه، ومن هنا نرى الآباء الذين يُعنَوْن بتربية أبنائهم، تربيةَ الناصح الأمين، يحُولون بينهم وبين مخالطة فاسدي العقيدة، يخشَون أن تتنقل إليهم العدوى من تلك النفوس الخبيثة، فتخبث عقائدهم وأخلاقهم.



(3) قراءة الناشئ بعضًا من مؤلَّفات الملحدين وقد دسوا فيها سمومًا من الشبهات تحت ألفاظ براقة، فتضعف نفسه أمام هذه الألفاظ المنمقة، والشبهات المبهرجة، فلا يلبث أن يدخل في زمرة الملاحدة.



(4) تغلب الشهوات على نفس الرجل، فتريه أن المصلحة في إباحتها، وأن تحريم الله تعالى لهذه الشهوات خالٍ من كل حكمة، فيخرج من هذا الباب إلى الإلحاد؛ (الإلحاد ـ لشيخ الأزهر السابق/ محمد الخضر حسين ـ صـ11).
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.03 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.27%)]