واحتجوا بقوله تعالى: ï´؟ مِنْ نِسَائِهِمْ ï´¾ وليست الأمة من النساء، واحتجوا أيضًا بقول ابن عباس: إن الظِّهار كان طلاقًا ثم أحل بالكفارة، فكما لا حظَّ للأمة في الطلاق لا حظ لها في الظِّهار، ويحتمل أن يكون المنقول عن عكرمة في الأمة المزوّجة، فلا يكون بين قوليه اختلاف.
قوله: "وفي العربية: لما قالوا أي: فيما قالوا" أي: يستعمل في كلام العرب عاد لكذا بمعنى: أعاد فيه وأبطله.
قوله: "وفي نقض ما قالوا" كذا للأكثر بنون وقاف، وفي رواية الأصيلي والكُشميهني (بعض) بموحدة ثم مهملة، والأول أصح.
والمعنى: أنه يأتي بفعل ينقض قوله الأول، وقد اختلف العلماء هل يشترط الفعل، فلا يجوز له وطؤها إلا بعد أن يكفر، أو يكفي العزم على وطئها، أو العزم على إمساكها وتَرْك فراقها؟
والأول: قول الليث.
والثاني: قول الحنفية[75] ومالك[76]، وحُكي عنه: أنه الوطء بعينه بشرط أن يقدم عليه الكفارة، وحُكي عنه العزم على الإمساك والوطء معًا، وعليه أكثر أصحابه.
والثالث: قول الشافعي[77] ومن تبعه.
وثمَّ قول رابع سنذكره هنا.
قوله: "وهذا أولى؛ لأن الله تعالى لم يَدُل على المنكر وقول الزور".
هذا كلام البخاري، ومراده الرد على من زعم أن شرط العود هنا أن يقع بالقول، وهو إعادة لفظ الظِّهار، فأشار إلى هذا القول، وجزم بأنه مرجوح، وإن كان هو ظاهر الآية، وهو قول أهل الظاهر[78]، وقد روي ذلك عن أبي العالية وبكير بن الأشج من التابعين، وبه قال الفراء النحوي.
ومعنى قوله: ï´؟ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا ï´¾ أي: إلى قول ما قالوا، وقد بالغ ابن العربي في إنكاره، ونسب قائله إلى الجهل؛ لأن الله تعالى وصفه بأنه منكر من القول وزور، فكيف يُقال: إذا أعاد القول المحرم المنكر يجب عليه أن يكفر ثم تحل له المرأة؟
قال الحافظ: وإلى هذا أشار البخاري بقوله: لأن الله لم يَدُل على المنكر والزور.
وقال إسماعيل القاضي: لما وقع بعد قوله: ï´؟ ثُمَّ يَعُودُونَ ï´¾ ï´؟ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ï´¾ دل على أن المراد: وقوع ضد ما وقع منه من المظاهرة، فإن رجلًا لو قال: إذا أردت أن تمس فأعتق رقبة من قبل أن تمس، لكان كلامًا صحيحًا بخلاف ما لو قال: إذا لم ترد أن تمس فأعتق رقبة قبل أن تمس، وقد جرى بحث بين أبي العباس بن سريج ومحمد بن داود الظاهري، فاحتج عليه ابن سريج بالإجماع، فأنكره ابن داود، وقال: الذين خالفوا ظاهر القرآن لا أعد خلافهم خلافًا، وأنكر ابن العربي[79] أن يصح عن بكير بن الأشج.
واختلف المعربون في معنى اللام في قوله: ï´؟ لِمَا قَالُوا ï´¾ فقيل معناها: ثم يعودون إلى الجماع، فتحرير رقبة لما قالوا، أي: فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوا، فادعوا أن اللام في قوله: ï´؟ لِمَا قَالُوا ï´¾ متعلق بالمحذوف، وهو قوله: عليهم، قاله الأخفش.
وقيل: المعنى: الذين كانوا يظاهرون في الجاهلية ثم يعودون لما قالوا، أي: إلى المظاهرة في الإسلام.
وقيل: اللام بمعنى عن، أي: يرجعون عن قولهم، وهذا موافق قول من يوجب الكفارة بمجرد وقوع كلمة الظِّهار.
وقال ابن بطال[80]: يشبه أن تكون (ما) بمعنى (مَن)، أي: اللواتي قالوا لهن: أنتن علينا كظهور أمهاتنا، قال: ويجوز أن يكون (قالوا) بتقدير المصدر، أي: يعودون للقول، فسُمي المقول فيهن باسم المصدر وهو القول، كما قالوا: درهم ضرب الأمير، وهو مضروب الأمير، والله أعلم"[81].
وقال البخاري أيضًا: "باب إذا قال لامرأته وهو مُكره: هذه أختي، فلا شيء عليه".
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قال إبراهيم لسارة: هذه أختي، وذلك في ذات الله عز وجل"[82].
"قال ابن بطال[83]: أراد بذلك رد من كره أن يقول لامرأته: يا أختي، وقد روى عبد الرزاق من طريق أبي تميمة الهميجي: مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل وهو يقول لامرأته: يا أُخية، فزجره[84].
قال ابن بطال[85]: ومن ثم قال جماعة من العلماء: يصير بذلك مظاهرًا إذا قصد ذلك، فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى اجتناب اللفظ المشكل[86]".
[1] الروض المربع ص 439.
[2] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 23/ 240 - 241، وشرح منتهى الإرادات 5/ 539، وكشاف القناع 12/ 473 - 474.
[3] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 23/ 253.
[4] شرح منتهى الإرادات 5/ 540 - 541، وكشاف القناع 12/ 476.
[5] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 23/ 255.
[6] المقنع 3/ 239 - 242.
[7] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 23/ 241.
[8] الشرح الصغير 1/ 485، وحاشية الدسوقي 2/ 444.
[9] فتح القدير 3/ 196 - 197، وحاشية ابن عابدين 3/ 455.
[10] تحفة المحتاج 8/ 182، ونهاية المحتاج 7/ 85.
[11] فتح القدير 3/ 229، وحاشية ابن عابدين 3/ 491. والشرح الصغير 1/ 483، وحاشية الدسوقي 2/ 452. والأم 5/ 295، وتحفة الحبيب 4/ 13.
[12] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 23/ 252.
[13] شرح منتهى الإرادات 5/ 540، وكشاف القناع 12/ 476.
[14] سعيد بن منصور 2/ 19 1848، والدارقطني 3/ 319 271.
[15] شرح منتهى الإرادات 5/ 540، وكشاف القناع 12/ 476.
[16] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 23/ 256.
[17] شرح منتهى الإرادات 5/ 540، وكشاف القناع 12/ 476.
[18] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 23/ 255.
[19] شرح منتهى الإرادات 5/ 542، وكشاف القناع 12/ 477.
[20] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 23/ 258.
[21] حاشية المقنع 3/ 239 - 242، وانظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 23/ 240 - 260.
[22] فتح القدير 3/ 196 - 197، وحاشية ابن عابدين 3/ 455.
[23] الشرح الصغير 1/ 485، وحاشية الدسوقي 2/ 444.
[24] تحفة المحتاج 8/ 182، ونهاية المحتاج 7/ 85.
[25] شرح منتهى الإرادات 5/ 539، وكشاف القناع 12/ 473.
[26] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 23/ 241.
[27] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 23/ 242.
[28] فتح القدير 3/ 229، وحاشية ابن عابدين 3/ 491.
[29] الشرح الصغير 1/ 483، وحاشية الدسوقي 2/ 380.
[30] الأم 5/ 295، وتحفة الحبيب 4/ 13.
[31] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 23/ 255.
[32] شرح منتهى الإرادات 5/ 541، وكشاف القناع 12/ 476.
[33] الإفصاح 3/ 240 - 241.
[34] فتح القدير 3/ 225، وحاشية ابن عابدين 3/ 490. والشرح الصغير 1/ 483، وحاشية الدسوقي 2/ 439. وتحفة المحتاج 8/ 177، ونهاية المحتاج 7/ 81. وشرح منتهى الإرادات 5/ 537، وكشاف القناع 12/ 469.
[35] الشرح الصغير 1/ 483، وحاشية الدسوقي 2/ 439.
[36] تحفة المحتاج 8/ 178، ونهاية المحتاج 7/ 82.
[37] فتح القدير 3/ 232، وحاشية ابن عابدين 3/ 490.
[38] شرح منتهى الإرادات 5/ 542، وكشاف القناع 12/ 475 - 476.
[39] في الأصل: "يطأ" والمثبت من بداية المجتهد.
[40] الشرح الصغير 1/ 487، وحاشية الدسوقي 2/ 446.
[41] فتح القدير 3/ 194 - 195، وحاشية ابن عابدين 3/ 444.
[42] تحفة المحتاج 8/ 179، ونهاية المحتاج 7/ 82.
[43] المحلى 10/ 57.
[44] أبو داود 2190، والترمذي 1181.
قال الترمذي: حسنٌ صحيح، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب.
وقال الخطابي في معالم السنن 3/ 241: حديث حسن.
وقال ابن الملقن في تحفة المحتاج لأدلة المنهاج 2/ 206 1184: إسناده صحيح.
[45] الشرح الصغير 1/ 483، وحاشية الدسوقي 2/ 452.
[46] الأم 5/ 295، وتحفة الحبيب 4/ 13.
[47] بداية المجتهد 2/ 100 - 101.
[48] فتح الباري 9/ 432.
[49] تحفة المحتاج 8/ 179، ونهاية المحتاج 7/ 83.
[50] المهذب 2/ 143.
[51] أبو داود 2214، وأحمد 6/ 410.
[52] تحفة المحتاج 8/ 179، ونهاية المحتاج 7/ 83.
[53] فتح القدير 3/ 228، وحاشية ابن عابدين 3/ 492. والشرح الصغير 1/ 485، وحاشية الدسوقي 2/ 442. وشرح منتهى الإرادات 5/ 537، وكشاف القناع 12/ 469.
[54] تحفة المحتاج 8/ 179، نهاية المحتاج 7/ 83.
[55] الشرح الصغير 1/ 485، وحاشية الدسوقي 2/ 442.
[56] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 23/ 239، وشرح منتهى الإرادات 5/ 537، وكشاف القناع 12/ 473.
[57] فتح القدير 3/ 229، وحاشية ابن عابدين 3/ 490. والشرح الصغير 1/ 485، وحاشية العدوي 2/ 104. وتحفة المحتاج 8/ 179، ونهاية المحتاج 7/ 83. وشرح منتهى الإرادات 5/ 540، وكشاف القناع 12/ 473.
[58] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 23/ 238.
[59] فتح القدير 3/ 233. والشرح الصغير 1/ 487، وحاشية الدسوقي 2/ 446. وتحفة المحتاج 8/ 183، ونهاية المحتاج 7/ 86. وشرح منتهى الإرادات 5/ 544، وكشاف القناع 12/ 481.
[60] البخاري قبل الحديث 7386.
[61] الطبراني 11/ 265 11689.
قال الهيثمي في المجمع 5/ 7: فيه أبو حمزة الثمالي وهو ضعيف.
[62] الأم 5/ 294.
[63] أخرجه أبو داود 2213، والترمذي 1200، وابن ماجه 2062.
قال الترمذي: هذا حديث حسنٌ.
[64] كذا في الأصل، وهو من رواية الترمذي والنسائي.
[65] أخرجه الترمذي 1199، وابن ماجه 2065.
قال الترمذي: حسنٌ صحيح.
وأخرجه أبو داود 2223، والنسائي 6/ 167، من حديث عكرمة مولى ابن عباس مرسلًا.
قال ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 222 1615: رجاله ثقات؛ لكن أعله أبو حاتم والنسائي بالإرسال، وقال ابن حزم: رواته ثقات.
[66] سعيد بن منصور 2/ 44 1854.
[67] 3/ 1034 2221.
[68] الشرح الصغير 1/ 483، وحاشية الدسوقي 2/ 439.
[69] سعيد بن منصور 2/ 44 1855.
[70] سنن سعيد بن منصور 3/ 990 457.
[71] رواه عبد الرزاق 6/ 442 11590.
[72] فتح القدير 3/ 225، وحاشية ابن عابدين 3/ 490.
[73] تحفة المحتاج 8/ 178، ونهاية المحتاج 7/ 82.
[74] الشرح الصغير 1/ 483، وحاشية الدسوقي 2/ 439. وشرح منتهى الإرادات 5/ 542، وكشاف القناع 12/ 475.
[75] فتح القدير 3/ 233، وحاشية ابن عابدين 3/ 496.
[76] الشرح الصغير 1/ 487، وحاشية الدسوقي 2/ 446 - 447.
[77] تحفة المحتاج 8/ 183، ونهاية المحتاج 7/ 86 - 87.
[78] المحلى 10/ 49 - 50.
[79] أحكام القرآن لابن العربي 4/ 161.
[80] شرح صحيح البخاري 7/ 454.
[81] فتح الباري 9/ 432 - 435، بتصرف.
[82] فتح الباري 9/ 387.
[83] شرح صحيح البخاري 7/ 409.
[84] رواه عبد الرزاق 7/ 152 12595.
[85] شرح صحيح البخاري 7/ 409.
[86] فتح الباري 9/ 387.