عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23-02-2020, 04:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,827
الدولة : Egypt
افتراضي الكفارات في الفقه

الكفارات في الفقه
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك






قوله: "ولا يجزئ في الكفارات كلها إلا رقبة مؤمنة سليمة من عيب يضر بالعمل ضررًا بينًا..." إلى قوله: "ولا يجزئ من البُرِّ أقل من مد، ولا من غيره أقل من مدين، وإن غدَّى المساكين أو عشَّاهم لم يجزئه"[1].




قال في "المقنع": "والمخرج في الكفَّارة ما يجزئ في الفِطرة وفي الخبز روايتان[2]، فإن كان قوت بلده غير ذلك أجزأه منه؛ لقول الله تعالى: ï´؟ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ï´¾ [المائدة: 89].




وقال القاضي: لا يجزئه، ولا يجزئ من البُر أقل من مُدٍّ، ولا من غيره أقل من مدين، ولا من الخبز أقل من رطلين بالعراقي إلا أن يعلم أنه مد، وإن أخرج القيمة أو غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه[3]، وعنه[4]: يجزئه"[5].




قال في "الحاشية": "قوله: "والمخرج في الكفارة ما يجزئ في الفطرة" وهو البر والشعير والتمر والزبيب ونحوها، سواء كان قوت بلده أو لم يكن، وإخراج الحب[6] أفضل عند المصنف، والمذهب[7] أن التمر أفضل.




قوله: "وفي الخبز روايتان".

إحداهما[8]: لا يجزئ وهو المذهب، وبه قال الشافعي[9]؛ لأنه خرج عن الكمال والادخار أشبه الهريسة.

والثانية[10]: يجزئ، اختاره الخرقي، والقاضي وأصحابه، والمصنف.

قال في "الإنصاف"[11]: وهو الصواب؛ لقوله تعالى: ï´؟ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ï´¾، والخبز من أوسط ما يطعم أهله.




فائدتان:

الأولى: السويق كالخبز خلافًا ومذهبًا.

الثانية: لا تجزئ الهريسة ونحوها؛ لخروجها عن الاقتيات المعتاد إلى حيز الإدام.




قوله: "فإن كان قوت بلده غير ذلك أجزأه منه؛ لقول الله تعالى: ï´؟ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ï´¾، وبه قال الشافعي[12]، واختاره ابو الخطاب. والمصنف، قال في "الإنصاف": وهو الصواب[13].

وقال القاضي: لا يجزئه وهو المذهب[14]؛ لأن الخبر ورد بإخراج هذه الأصناف في الفطرة، فلم يجز غيره.

قوله: "ولا يجزئ من البر أقل من مد..." إلى آخره، هذا المذهب[15].




وممن قال: مدُّ بُر: زيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر[16] رواه عنهم الأثرم، وعن عطاء، وسليمان بن موسى، وقال سليمان بن يسار: أدركتُ الناس إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مُدًا من الحنطة بالمد الأصغر مُد النبي صلى الله عليه وسلم[17].




وقال أبو هريرة: يطعم مدًا من أي الأنواع كان، وبه قال عطاء، والأوزاعي، والشافعي[18]؛ لما روى أبو داود بإسناده عن أوس ابن أخي عبادة بن الصامت: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه - يعني المظاهر - خمسة عشر صاعًا من شعير إطعام ستين مسكينًا[19].




وقال مالك[20]: لكل مسكين مُدان من جميع الأنواع.

وممن قال: مُدَّان من قمح: مجاهد[21]، وعكرمة، والشعبي[22]، والنخعي[23].

وقال الثوري وأصحاب الرأي[24]: من القمح مُدَّان، ومن التمر والشعير صاع لكل مسكين؛ لقوله عليه السلام في حديث سلمة بن صخر: "فأطعم وسقًا من تمر" رواه أحمد وأبو داود وغيرهما[25].




وعن ابن عباس قال: كفَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر، وأمر الناس، فمن لم يجد فنصف صاع من بُر. رواه ابن ماجه[26].




ولنا ما روى أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب عن أبي يزيد المدني قال: جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمظاهر: "أطعم هذا؛ فإن مدي شعير مكان مدِّ بُر"[27]، وهذا مرسل؛ لأن أبا يزيد تابعي، ولأنه قول زيد وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة، ولم نعرف لهم من الصحابة مخالفًا فكان إجماعًا.




وعلى أنه نصف صاع من التمر والشعير ما في حديث أوس بن الصامت أنه عليه السلام قال: "إني سأعينه بعرق من تمر"، قلت: يا رسول الله، فإني سأعينه بعرق آخر، قال: "أحسنت، اذهبي فأطعمي عنه ستين مسكينًا، وارجعي إلى ابن عمك"[28].




روى أبو داود عن أبي سلمة أنه قال: العرق زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعًا، فالعرقان ثلاثون صاعًا، لكل مسكين نصف صاع[29].

وأوجب الشيخ تقي الدين أوسطه قدرًا ونوعًا مطلقًا بلا تقدير.




قوله: "وإن أخرج القيمة..." إلى آخره، فيه مسألتان:

الأولى: إذا أخرج القيمة لم يجزئه وهو المذهب[30]، وبه قال مالك[31]، والشافعي[32]، وابن المنذر[33]، وهو الظاهر من قول عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهما.

وأجازه الأوزاعي وأصحاب الرأي[34]، والأول المذهب[35] للآية، ومن أخرج القيمة لم يطعمهم.




الثانية: إذا غدَّى المساكين أو عشاهم لم يجزئه، وهو المذهب[36] سواء فعل ذلك بالقدر الواجب أو أقل أو أكثر، ولو غدى كل واحد بمُد لم يجزئه إلا أن يُملكه إياه، وهذا مذهب الشافعي[37].

وعن أحمد[38]: يجزئه إذا أطعمهم القدر الواجب لهم، وهو قول النخعي وأبي حنيفة[39]، واختاره الشيخ تقي الدين[40] إلا أنه لم يعتبر القدر الواجب، وأطعم أنس في فدية الصيام.




قال أحمد: أطعِم شيئًا كثيرًا وضع الجفان، وذلك لقول الله تعالى ï´؟ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ï´¾، وهذا قد أطعمهم، فينبغي أن يجزئه كما لو ملكهم[41]" .




وقال ابن رشد: "والنظر في كفارة الظهار في أشياء:

منها: في عدد أنواع الكفارة وترتيبها وشروط كل نوع منها - أعني: الشروط المصححة- ومتى تجب كفارة واحدة؟ ومتى تجب أكثر من واحدة؟




فأما أنواعها: فإنهم أجمعوا على أنها ثلاثة أنواع: إعتاق رقبة، أو صيام شهرين، أو إطعام ستين مسكينًا[42].

وأنها على الترتيب، فالإعتاق أولًا، فإن لم يكن فالصيام، فإن لم يكن فالإطعام، هذا في الحُرِّ.




واختلفوا في العبد: هل يكفر بالعتق أو الإطعام؟ بعد اتفاقهم أن الذي يبدأ به الصيام -أعني: إذا عجز عن الصيام- فأجاز للعبد العتق إن أذن له سيده: أبو ثور وداود[43]، وأبى ذلك سائر العلماء.

وأما الإطعام فأجازه له مالك[44] إن أطعم بإذن سيده، ولم يجز ذلك أبو حنيفة[45] والشافعي[46].




ومبنى الخلاف في هذه المسألة: هل يملك العبد أو لا يملك؟

وأما اختلافهم في الشروط المصححة فمنها: اختلافهم إذا وطئ في صيام الشهرين، هل عليه استئناف الصيام أم لا؟

فقال مالك[47] وأبو حنيفة[48]: يستأنف الصيام إلا أن أبا حنيفة شرط في ذلك العمد، ولم يفرق مالك بين العمد في ذلك والنسيان.

وقال الشافعي[49]: لا يستأنف على حال.




وسبب الخلاف: تشبيه كفارة الظهار بكفارة اليمين، والشرط الذي ورد في كفارة الظهار -أعني: أن تكون قبل المسيس- فمن اعتبر هذا الشرط قال: يستأنف الصوم، ومن شبهه بكفارة اليمين قال: لا يستأنف؛ لأن الكفارة في اليمين ترفع الحنث بعد وقوعه باتفاق[50].




ومنها: هل من شرط الرقبة أن تكون مؤمنة أم لا؟

فذهب مالك[51] والشافعي[52]: إلى أن ذلك شرط في الإجزاء.

وقال أبو حنيفة[53]: يجزئ في ذلك رقبة الكافر، ولا يجزئ عندهم إعتاق الوثنية والمرتدة.




دليل الفريق الأول: أنه إعتاق على وجه القربة، فوجب أن تكون مسلمة، وأصله الإعتاق في كفارة القتل.

وربما قالوا: إن هذا [ليس] من باب القياس، وإنما هو من باب حمل المطلق على المقيد، وذلك أنه قيَّد الرقبة بالإيمان في كفارة القتل، وأطلقها في كفارة الظِّهار، فيجب صرف المطلق إلى المقيد، وهذا النوع من حمل المطلق على المقيد فيه خلاف، والحنفية لا يجيزونه، وذلك أن الأسباب في القضيتين مختلفة.

وأما حجة أبي حنيفة: فهو ظاهر العموم، ولا معارضة عنده بين المطلق والمقيد، فوجب عنده أن يحمل كل على لفظه.

وأما حجة أبي حنيفة: فهو ظاهر العموم، ولا معارضة عنده بين المطلق والمقيد، فوجب عنده أن يحمل كل على لفظه.




ومنها: اختلافهم هل من شرط الرقبة أن تكون سالمة من العيوب أم لا؟ ثم إن كانت سليمة، فمِن أي العيوب تشترط سلامتها؟

فالذي عليه الجمهور[54] أن للعيوب تأثيرًا في منع إجزاء العتق.

وذهب قوم إلى أنها ليس لها تأثير في ذلك.

وحجة الجمهور: تشبيهها بالأضاحي والهدايا؛ لكون القُربة تجمعها.




وحجة الفريق الثاني: إطلاق اللفظ في الآية، فسبب الخلاف: معارضة الظاهر لقياس الشبه.

والذين قالوا: إن للعيوب تأثيرًا في مَنع الإجزاء، اختلفوا في عيب عيب مما يعتبر في الإجزاء أو عدمه.

أما العمى وقطع اليدين أو الرِّجلين فلا خلاف عندهم في أنه مانع للإجزاء، واختلفوا فيما دون ذلك، فمنها: هل يجوز قطع اليد الواحدة؟

أجازه أبو حنيفة[55]. ومنعه مالك[56] والشافعي[57].




وأما الأعور:

فقال مالك[58]: لا يجزئ.

وقال عبد الملك: يجزئ.




وأما الأقطع الأذن:

فقال مالك[59]: لا يجزئ.

وقال أصحاب الشافعي[60]: يجزئ.

وأما الأصم: فاختلف فيه في مذهب مالك، فقيل[61]: يجزئ، وقيل[62]: لا يجزئ.

وأما الأخرس: فلا يجزئ عند مالك[63]، وعن الشافعي في ذلك قولان[64].

أما المجنون: فلا يجزئ.

أما الخصي: فقال ابن القاسم[65]: لا يعجبني الخصي.

وقال غيره: لا يجزئ.

وقال الشافعي[66]: يجزئ.

وإعتاق الصغير جائز في قول عامة فقهاء الأمصار، وحُكي عن بعض المتقدمين منعه.

والعرج الخفيف في المذهب[67] يجزئ.

وأما البيِّن العرج فلا.




والسبب في اختلافهم: اختلافهم في قدر النقص المؤثر في القربة، وليس له أصل في الشرع إلا الضحايا، وكذلك لا يجزئ في المذهب[68] ما فيه شركة أو طرف حرية كالكتابة والتدبير؛ لقوله تعالى: ï´؟ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ï´¾ [المجادلة: 3] والتحرير هو ابتداء الإعتاق، وإذا كان فيه عقد من عقود الحرية كالكتابة كان تنجيزًا لا إعتاقًا، وكذلك الشركة؛ لأن بعض الرقبة ليس برقبة.

وقال أبو حنيفة[69]: إن كان المكاتب أدَّى شيئًا من مال الكتابة لم يجز، وإن كان لم يؤد جاز.




واختلفوا هل يجزئه عتق مدبره؟.

فقال مالك[70]: لا يجزئه، تشبيهًا بالكتابة؛ لأنه عقد ليس حله.

وقال الشافعي[71]: يجزئه.




ولا يجزئ عند مالك[72] إعتاق أم ولده، ولا المعتق إلى أجل مسمى. أما عتق أم الولد؛ فلأن عقدها آكد من عقد الكتابة والتدبير بدليل أنهما قد يطرأ عليهما الفسخ، أما في الكتابة: فمن العجز عن أداء النجوم.

وأما في التدبير: فإذا ضاق عنه الثلث.

وأما العتق إلى أجل: فإنه عقد عتق لا سبيل إلى حلّه.




واختلف مالك والشافعي مع أبي حنيفة في إجزاء عتق من يعتق عليه بالنسب:

فقال مالك[73] والشافعي[74]: لا يجزئ عنه.

وقال أبو حنيفة[75]: إذا نوى به عتقه عن ظِهار أجزأ.

فأبو حنيفة شبهه بالرقبة التي لا يجب عتقها، وذلك أن كل واحدة من رقبتين غير واجب عليه شراؤها، وبذل القيمة فيها على وجه العتق، فإذا نوى بذلك التكفير جاز.

والمالكيةُ والشافعيةُ رأت أنه إذا اشترى من يعتق عليه عتق عليه من غير قصد إلى إعتاقه فلا يجزئه.




فأبو حنيفة أقام القصد للشراء مقام العتق، وهؤلاء قالوا: لا بُد أن يكون قاصدًا للعتق نفسه، فكلاهما يسمى معتقًا باختياره، ولكن أحدهما معتق بالاختيار الأول، والآخر معتق بلازم الاختيار، فكأنه معتق على القصد الثاني، ومشترٍ على القصد الأول، والآخر بالعكس.




واختلف مالك والشافعي في من أعتق نصفي عبدين:

فقال مالك[76]: لا يجوز ذلك.

وقال الشافعي[77]: يجوز؛ لأنه في معنى الواحد.

ومالك تمسك بظاهر دلالة اللفظ، فهذا ما اختلفوا فيه من شروط الرقبة المعتقة.

وأما شروط الإطعام: فإنهم اختلفوا من ذلك في القدر الذي يجزئ لمسكين مسكين من الستين مسكينًا الذين وقع عليهم النص.




عن مالك[78] في ذلك روايتان:

أشهرهما: أن ذلك مُد بمُد هشام لكل واحد، وذلك مُدَّان بمُدِّ النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قيل: هو أقل، وقد قيل: هو مُد وثلث.


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.45%)]