عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 22-02-2020, 04:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,053
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسباب كثرة غريب الحديث



ومن ذلك:
قال أبو عبيد: في حديثه صلى الله عليه وسلم في صفة أهل الجنة: "ومَجَامِرُهم الأُلُوَّة"[44]
قال الأصمعي: هو العود الذي يُتبخّر به ; وأراها كلمة فارسية عُرّبت...[45]
وقد ذكر الجواليقي هذه الكلمة من المعرب (ص19) اعتمادًا على ما ذكره الأصمعي ونقله عنه أبو عبيد، وقال أدِّي شِير (الأَلْوَة، والأُلُوّة، والأُلُو) العود الذي يتبخر به. قال الأصمعي: "هو فارسي معرب. قلت: وفارسيته (ألوا)، قال أنستاس الكرملي: إنه تعريب عن اليونانية.[46]
يقول أحد المحدثين: "ويترجح لدينا الاحتمال الأخير[47] حيث انتقلت هذه الكلمة أيضاً إلى لغات أوربية عديدة كاللاتينية والإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، كما يترجح أيضاً أن كُلاًّ من الفارسية والعربية قد استعارتا هذه الكلمة عن طريق الآرامية، بدليل الألف الأخيرة التي هي علامة التعريب في الآرمية".[48]


والخلاصة: أن أصل هذه الكلمة (الألوة) يوناني، انتقلت منه إلى الآرمية وعنها إلى العربية والفارسية.
قال ابن قتيبة في حديث مبعث النبي صلى الله عليه وسلم:" بينا هو وجبريل عليهما الصلاة والسلام يَتحادثان تَغَيَّر وجْهُ جبريل عليه السلام حتى عاد كأنه كُرْكُمة".[49]
والكركمة هي واحدة الكُرْكُم وهو الزعفران. وأحسبه فارسي معرّب.[50]
قال ابن الأثير في هذا اللفظ: كركمة هي واحدة الكُرْكُم وهو الزعفران. وقيل: العُصْفُر. وقيل: شيء كالوَرْس. وهو فارسي معرّب.[51]

وذكر الجواليقي في المعرب (ص339) فقال: الكركم أعجمي معرب، وهو الزعفران.
قال الحربي: أن عثمان سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَنْ قَوْلَهَ: ﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ (الزمر/ 63، والشورى/ 12) قوله: ﴿ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مفاتيح بالفارسية.[52]
ذكر الجواليقي أنها كلمة معربة، فقال: والمقليد المفتاح. فارسي معرب.[53]
قال الخطابي في حديث زياد بن أبي سفيان: "أنه لما ولي البصرة أمر بهدم المواخير"[54]
ثم ذكر أن المواخير بيوت الخمارين، وأصله فارسي، كأنه قيل: مَيْ خُور، فعُرِّب وجُمِع، قال جرير:[55] (الطويل)
فَما في كِتابِ اللَهِ تَهديمُ دارِنا بِتَهديمِ ماخورٍ خَبيثٍ مَداخِلُه[56]
وقد ذكر الزمخشري الكلام نفسه الذي ذكره الخطابي[57]
كما ذكر الشهاب الخفاجي هذا اللفظ، فقال: مواخير (جمع ماخور)، بيوت الخمارين، وهو تعريب ميخور.[58]
فهذه الألفاظ وأمثالها من الألفاظ المعربة عُدًّت غريبة، ولاشك أن لهذا التعريب دخل في غرابة اللفظ.

د‌- الاستعمال المجازي:
المجاز ضد الحقيقة، أو كل كلمة أريد بها غير ما وقعت له في وضع واضعها لملاحظة بين الثانى والأول فهو مجاز.[59] من جاز يجوز، وإذا عدل باللفظ عما يوجهه أصل اللغة، وصف بأنه مجاز، على معنى أنهم جاوزوا به موضعه الأصلى، أو جاز هو مكانه الذى وضع فيه أولا.[60]


ولاشك أن بعض الكلمات عندما تتعلق بغيرها، يعترى معانيها في السياق نوع من الغموض، يحتاج إلى تفسير وبيان، ويحدث ذلك عندما يُضَمُّ لفظ إلى لفظ بحيث يكون أحد اللفظين لا يتطلب الآخر، وإنما يتطلب سواه. وذلك كأن يسند الفعل "نام" – مثلاً " إلى من لا يصح منه نوم، فإذا أُسْنِد إلى ما لا يجوز ذلك في حقه؛ كان في ذلك نوع من الغرابة. كأن يقال: ليل نائم، والليل لا ينام، إنما يكون النوم فيه لا منه.
وقد وردت كثير من هذه المجازات في كتب غريب الحديث – موضوع البحث- حتى إن بعض الكتب التي ألفت في المجازات النبوية خاصة أخذت منها مادتها العلمية واستقتها.[61]


ومن هذه المجازات ما يأتي:
قال أبو عبيد: في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: بُلّوا أرحامكم ولو بالسلام.[62]
قال أبو عمرو وغيره: يقال: بَلَلْتُ رحمي أبُلّها بَلاًّ وبِلاَلاً إذا وصلتها ونَدَّيتها بالصلة; وإنما شبهت قطيعة الرحم بالحرارة تُطْفأ بالبرد، كما قالوا: سقيته شربة بردتُّ بها عطشه ; يقال: كأن الصَلة هي البرد والحرارة هي القطيعة.[63]


قال الشريف الرضى في قوله: بلوا أرحامكم: وهذه استعارة، لأن المراد: صلوا أرحامكم ولو بالسلام، أى: جددوا المودة بينكم وبين أقربائكم ولو بالتسليم عليهم تشبيها ببل السقاء اليابس لأنه لايتبلل إلا بملاء الماء، فَيَتَنَّدى قَاحِلُهُ، فشبهوا بل الأرحام بذلك، لأن في حسن المخالقة تجديدا لمخلقها، وإحكاما لما وَهَي من علايقها.[64]
قال ابن قتيبة في حديث النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ذات يوم: (كيف أنتم إذا مرج الدين).[65]
قوله: مرج الدين، يعنى: فسد، وأصل المرج: أن يقلق الشيء فلا يستقر..[66] فالمجاز في قوله (مرج) حيث إن أصله -كما ذكر- القلق والاضطراب.


قال الشريف الرضى: وفي هذا القول مجاز لأن أصل قولهم: مرج الشيء مأخوذ من القلق والاضطراب والمجيء والذهاب، فكأنه عليه السلام وصف دين الناس على ذلك العهد بالتكفى والمَرَجَان واضطراب الأركان.[67]
قال الحربي في حديث النبى صلى الله عليه وسلم للأنصار: (يا معشر الأنصار، أنتم الشعار والناس الدثار).[68]
قوله: (أنتم الشعار) الشعار الثوب يلزمه الرجل يجلده، يقول: أنتم في القرب منه بمنزلة الشعار من الرجل، (والناس دثار) والدثار: مالبسه فوق الشعار، أى فأنتم أقرب منهم.[69]
قال الشريف الرضى: وهذا مجاز لأنه صلى الله عليه وسلم أراد أنكم أقرب الناس منى، وأشدهم اشتمالا على، فأنتم لى كالشعار، وهو الثوب الذى يلى البدن، والناس الدثار لأنه أبعد منى، وأنتم بينهم وبينى...[70]
قال السرقسطى في حديث النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا دخل الكنيف، يقول: (اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث).[71]
قوله: (إذا دخل الكنيف) يعنى به إذا أراد أن يدخل الكنيف، قال هذا القول لأن الحَشَّ لا ينبغى لأحد أن يذكر الله تعالى فيه بلسانه، لأنه جائز في كلام العرب أن يقول: إذا فعل، ومعناه: إذا كاد يفعل قال الله تعالى في المطلقات: ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2] يريد - والله أعلم - إذا قاربن بلوغ أجلهن، لأنه ليس له بعد الأجل إمساك ولاتسريح.[72]


ويؤكد هذا المعنى ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: يكره أن يذكر الله تعالى على حالتين: على خلائه، والرجل يواقع امرأته، لأنه ذو الجلال والاكرام يجل عن ذلك.[73]
إن المقصود بالمجاز هاهنا أعم من أن يكون استعارة أومجازا عقليا أو لغويا.
يقول ابن جنى: ومن المجاز كثير في باب الشجاعة في اللغه من الحذوف، والزيادات، والتقديم، والتأخير، والحمل على المعنى، والتحريف.[74]
قال الخطابى في حديث النبى صلى الله عليه وسلم: "ويل لأقماع القول".[75]
شبه آذنهم بالأقماع يُصِبُّ فيها الكلام صب الماء في الإناء.[76]
قال الشريف الرضى: وفي هذا الكلام مجاز واستعارة، لأنه عليه السلام عنى به الذين يكثرون استماع الأقوال واختلاف الكلام، فشبه عليه السلام آذانهم بالأقماع التي يفرغ فيها ضروب القول إفراغ المايعات...[77]
واستعمال الأقماع هنا دقيق لأن الأقماع لاتفرق بين أنواع المائعات، كذلك الآذان التي تكثرالاستماع لاتفرق بين القول والقول..[78]
من هذه الأمثلة يمكن القول بأن الاستعمال المجازى لهذه الألفاظ هو المسئول عن اعتبارها غريبة.

هـ) كون اللفظ مرتجلا من كلامه صلى الله عليه وسلم:
هناك ألفاظ وعبارات ارتجلها النبى صلى الله عليه وسلم ولم تسمع من أحد قبله، وقد سبق ذكر ذلك في أسباب التطور الدلالى (الأسباب الاجتماعية والثقافية).
ومن ذلك قوله: (مات حقق أنفه)، و(الآن حمي الوطيس) وغير ذلك.[79]
وهذا الارتجال سبب من أسباب الغرابة في اللفظ، وخاصة إذا ذكر اللفظ أو ذكرت العبارة بمعزل عن سياقها التي قيلت فيه.

ثانيا: الأسباب الخارجية:
وهى تلك الاسباب التي تؤدى إلى غرابة في معنى اللفظ دون أن يكون لها تعلق باللفظ ذاته، وإنما ترجع إلى تغير في ظروف استخدامه سواء أكانت هذه الظروف اجتماعية أم تاريخية أم بيئية.[80] ومن هذه الأسباب:
1- ظهور الإسلام وتأثيره في اللغة:
وقد كان لهذ التأثير مظاهر أهمها:
أ) إكساب الألفاظ معانى جديدة بتوسيع مدلولاتها.
ب) نقل الألفاظ من معانيها اللغوية إلى معان شرعية، أو ما يسمى بالألفاظ الإسلامية.
ج) إهمال الألفاظ بالقضاء على المفاهيم التي كانت تدل عليها أو ما يسمى بالألفاظ الجاهلية.

ولكل واحد من هذه المظاهر أثر في وجود الغرابة في الألفاظ أو التراكيب وبيان ذلك كما يأتي:
أ‌- إكساب الألفاظ معاني جديدة:
ولقد سبق ذكر لذلك عند الحديث عن الأسباب الاجتماعية الثقافية للتطور الدلالى فأغنى عن تكراره مرة أخرى.


ب) الألفاظ الإسلامية:
أو الأسباب الإسلامية، هذا ما اصطلح عليه علماء اللغة من المسلمين، إقرارا منهم بالثورة التي أحدثها الإسلام في المجتمع الجاهلى، وتأثيره فيه سواء على المستوى الاجتماعى أوالدينى أو حتى على مستوى اللغة التي يتحدثون بها.
فقد نقل الإسلام دلالات كثير من الألفاظ إلى دلالات أخرى جديدة لم تكن العرب تعهدها من قبل وهو ما عرف بالألفاظ الإسلامية، ومن ذلك لفظ الإسلام، والصلاة، والركوع، والسجود.. إلخ، لم تعرفها العرب إلا على أصولها عندهم، وكذلك المنافق، والكافر، والمؤمن، والفاسق، لم تكن العرب تعرفها لأن الإسلام والإيمان والنفاق والكفر ظهر على عهد النبى صلى الله عليه وسلم وإنما كانت العرب تعرف الكافر كافر نعمة لاتعرفه من معنى الكفر بالله.
قال الشاعر[81] (الطويل):
فَلا تَحْسَبَنِّي كَافِرًا لكَ نِعْمَةً
وقال آخر [82] (الكامل):
والكُفْرُ مخبَثَة ٌ لنفْس المُنْعِمِ
وكانت تعرف المؤمن من جهة الأمان، قال الشاعر:[83] (البسيط)
والمؤمنِ العائِذاتِ الطّير يمسَحُها ركبانُ مكة َ بينَ الغيلِ والسندِ
أما المنافق فلا ذكر له في كلام العرب.[84]
والمنافق حقًّا لاذكر له في كلام العرب من جهه الدلالة الجديدة للفظ، أما من جهة الدلالة القديمة المأخوذة من نافقاء اليربوع فهى عندهم معروفة.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]