
19-02-2020, 03:15 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة :
|
|
معالم في ترجمة ابن سعدي رحمه الله
معالم في ترجمة ابن سعدي رحمه الله
د. عبدالرحمن بن معلا اللويحق
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
فإن الله - عز وجل - امتن على هذه الأمة ببعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران:164].
فكانت نعمة بعث محمد- صلى الله عليه وسلم - أعظم النعم على الأمة وأجلها.
وإن من تمام هذه النعمة توريث الله - عز وجل- العلماء علوم هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - فكان العلماء هم ورثتة القائمين في أمته بمهام البلاغ والتعليم والتوجيه، وبيان حدود الحلال والحرام.
ولم يزل العلماء في الأمة، فالأمة ولود، كلما مات منها سيد قام سيد.
فالحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم.
ولئن كانت المنة على الأمة بعامة منة عظمى، فالمنة على هذه البلاد أخص، بل على هذه البلدة المباركة أخص أيضاً.
إذ لا يزال تأريخها حافلاً بعلماء أفذاذ نقلوا العلم كابراً عن كابر.
وهذه الندوة المباركة معقودة لتدارس موضوع شامل، هو ( حقيقة السلفية: الشيخ ابن سعدي أنموذجاً ).
وأحب أن أبتدئ بذكر أن السلفية في حقيقتها هي السنة، والسنة هي الإسلام، فلا يقوم إسلام بلا سنة، ولا لزوم للسنة إلا بلزوم منهج السلف.
وحقيقة مذهب السلف مبنية على معرفة السلف الذين هم الصحابة الكرام، وأعيان التابعين، وأئمة الإسلام ممن عرفوا بعظيم الشأن في الدين.
دون من رمي ببدعة أو شهر بلقب غير مرضٍ كالخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، والجهمية، والمعتزلة، والكرامية ونحوهم.
وإذ كان الأمر كذلك فإن لزوم مذهب السلف هو لزوم لحقيقة الدين الذي جاء به سيد المرسلين- صلى الله عليه وسلم - وإذا تأملنا مذهب السلف وقارناه بضده- مذاهب أهل البدعة- وجدنا أن حقيقة السلفية أنها:
♦ منهج اعتقادي: باعتقاد الحق بتوحيد الله - عز وجل - في العبادة والأسماء والصفات، والإيمان بما أخبر الله - عز وجل- به في جملة أخرى من أصول الاعتقاد المقررة.
♦ منهج عملي: وخلاصة ذلك: أن يكون العمل خالصاً لله، موافقاً لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
♦ منهج حكم على الخلق: وهذا المنهج قائم كما يقول بعض أهل العلم على رحمة الخلق، ومعرفة الحق، ومسائل الإيمان، والأسماء، والأحكام أي: المسلم والكافر، والفاسق والمنافق، أو الحكم بالكفر، والفسوق، والنفاق، ليس ثمَّ مذهب أعدل فيها من مذاهب المبتدعة الذي نزع بعضهم إلى تكفير أهل الإسلام وقتلهم كالخوارج، ونزع آخرون إلى تمييع الدين، فسلبوه خاصته الحكم على الناس الخارجين عنه إلى الكفر، وهم المرجئة.
♦ وهو منهج تعامل: فهو منهج أخلاقي عادل في التعامل، لم ينزع منزع الغلظة، ولم يتميع، بل جاء بالولاء والبراء ببغض الاعتقاد الفاسد، ومن قام به الاعتقاد الفاسد.
كما جاء بالعدل والإحسان ولو مع المخالف أو إليه، وجعل لكل شيء من ألوان التعامل وقتاً وقدراً في عدلٍ عدم نظيره في الأديان والمذاهب.
وهذا المذهب مذهب السلف، ليس معنى يقوم بذاته، وإنما قيامه بحملته من أهل العلم، ورؤوس العدول من هذه الأمة.
ولم تزل الأمة على مر تأريخها يتتابع فيها الأئمة الهداة، فقاموا بالدين، وأقاموه في الخلق وأقاموا الخلق عليه، فاهتدوا وبالحق هدوا الخلق ودلوهم.
وأحسب أن الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي - رحمه الله - ) من رؤوس أولئك.
ولست هنا بصدد أن أترجم له، ترجمة جامدة بالمولد والتأريخ، ولكني سأجتهد في الوقوف عند بعض المعالم من سيرته؛ لتكون المعالم مغرية لطلاب العلم بسلوك سبيله في طلب العلم والارتقاء في مدارجه؛ ليصبحوا من الراسخين الذين وهبهم الله الحكمة، فإن امرءاً ينظر في فضائل العلماء ودرجتهم من الدين وما منَّ الله عليهم به، لا يملك إلا الدعاء أن يسلكه الله في سلكهم، ومن ثم يستمر في الطلب، ويجد في التعلم.
ففي التعريف بالعالم دعوة للاقتداء به ومحبته، ومحبة صفات الخير التي ظهرت عليه.
ولكني أمهد لذلك بعرض مجمل لسيرته.
اسمه ونسبه ومولده:
هو الشيخ العلامة الفقيه الأصولي المفسر المحقق عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي التميمي، ويتصل من جهة أمه بأخواله من آل عثيمين.
ولد في بلدة عنيزة في: 12/ محرم/ 1307هـ
توفيت والدته وله من العمر أربع سنين، ثم لحق بها والده وله من العمر سبع سنين، لتكفله زوجة أبيه، التي وجد عندها العناية والرعاية.
في أثناء حمل أمه به رأت رؤيا مفادها: كأنها تبول في محراب المسجد الجامع، فقصت رؤياها على زوجها فقال لها: إن صدقت رؤياك فإنك ستلدين غلاماً يكون إماماً في محراب المسجد الجامع، وكان الأمر كما ذكر.
نشأته:
لما شب صار في كفالة أخيه الأكبر ( حمد بن ناصر السعدي المتوفى سنة 1388هـ ).
حفظ القرآن ولم يتجاوز الثانية عشر من عمره، واشتغل بالعلم على علماء بلده ومن يأتيها من العلماء وطلبة العلم.
حبه للعلم جعله ينقطع له فكانت جل أوقاته منصبة تجاه التحصيل العلمي، فانقطع للعلم انقطاعاً لا يكاد يرى إلا في من مضى من سيرة علماء السلف.
ولشدة تفوقه ونبوغه صار أقرانه وأصدقائه يأخذون العلم عنه.
وبعد تمكنه من مذهبه الحنبلي صار يكثر الإطلاع على كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، لينتقل من خلالهما إلى مرحلة الترجيح بين الأقوال.
ويلاحظ عليه أنه في أغلب اختياراته لا يخرج عن اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية.
لقد اشتهر - رحمه الله - بأنه كان شديد الحرص على نشر العلم والقيام بواجب التوجيه والإرشاد، حتى اجتمع عليه الطلبة من البلاد المجاورة لبلده لاشتهاره بسعة العلم وحسن الإفادة وطيب المعشر، وحسن الخلق.
بدأ بالتدريس عند بلوغه الثالثة والعشرين من عمره، وهذا يدل على علو كعبه بالعلم.
ورغم انشغاله بالتعليم والتحصيل إلا أن نفعه كان عاماً وخاصاً، فقد صار مرجعاً لأهل بلده في جميع شؤونهم فهو: المعلم، والواعظ، والخطيب، والمفتي، وكاتب الوثائق والأوقاف، وعاقد الأنكحة.
كما أنه رحمه الله امتاز بأنه رجل اجتماعي فكان يخالط الأهل والأصحاب والجيران ويشارك الجميع في أفراحهم وأتراحهم، لقد أعطى كل ذي حق حقه.
أبزر مشايخه:
1- الشيخ محمد العبد الكريم بن صالح الشبل. أخذ عنه الفقه، وأصوله، وعلوم اللغة.
2- الشيخ عبد الله بن عائض، أخذ عنه الفقه وأصوله، وهما أول مشايخه.
3- الشيخ صعب التويجري. أخذ عنه الفقه وأصوله.
4- الشيخ علي بن محمد السناني. أخذ عنه التوحيد.
5- الشيخ علي بن ناصر أبو وادي أخذ عنه الحديث، أخذ عنه إجازة بالكتب الستة.
6- الشيخ محمد الأمين محمود الشنقيطي. أخذ عنه العربية وفنونها.
7- الشيخ صالح بن عثمان آل قاضي، وهو أكثر من لازمه وتأثر به.
8- الشيخ محمد عبد العزيز المانع، وأخذ عنه العربية.
9- الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى.
طريقته في التعليم:
طريقة واضحة مرتبة مستقيمة تصلح للطالب المُدرك، والطالب المبتدئ، ليستفيد الجميع.
فكان يقرأ العبارة، ثم يوضح معناها توضيحاً تاماً، ثم يصورها، ثم يذكر دليلها مع حكمة تشريعها، فإن كان يراها أقرها، وإلا ذكر القول الذي يختاره بنفس الأسلوب، ثم يقوم بنصرة القول المختار بالأدلة المناسبة، مع توهين القول المرجوح.
وكان أحياناً يغلط نفسه قصداً؛ ليرى حضور ذهن الطلبة من الشارد منهم، ثم يبين لهم الصواب.
وكان يجمع الطلبة على كتاب واحد، وبعد الفراغ يطلب من بعضهم إعادة ما فهموه من شرحه الذي ألقاه عليهم.
كم كان يشجع على العلم بإعطاء الجوائز على حفظ المتون والإجابة على الأسئلة التي يوردها على الطلبة.
مؤلفاته:
تنوعت مؤلفاته في أنواع العلوم الشرعية فهي تربو على أربعين مؤلفاً منها:
1- تفسيره الشهير ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ).
2- القواعد الحسان لتفسير القرآن.
3- التوضيح والبيان لشجرة الإيمان.
4- توضيح الكافية الشافية.
5- منهج السالكين.
6- الإرشاد إلى معرفة الأحكام.
7- طريق الوصول إلى العلم المأمول.
8- منظومة في قواعد فقهية.
9- القواعد والأصول الجامعة.
10- الوسائل المفيدة للحياة السعيدة.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|