
18-02-2020, 02:13 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة :
|
|
باب معرفة طريق الرؤية
باب معرفة طريق الرؤية
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ نَاساً قَالُوا لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟" قَالُوا: لاَ. يَا رَسُولَ اللّهِ! قَالَ: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟" قَالُوا: لاَ. يَا رَسُولَ اللّهِ! قَالَ: "فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ. يَجْمَعُ الله النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئاً فَلْيَتَّبِعْهُ. فَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ. وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ. وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّواغِيتَ الطَّوَاغِيتَ. وَتَبْقَى هٰذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا. فَيَأْتِيهِمُ الله، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فِي صُورَةٍ غيرِ صورتِهِ التي يَعْرِفُونَ. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِالله مِنْكَ. هٰذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا. فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ. فَيَأْتِيهِمُ الله تَعَالَى فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا. فَيَتَّبِعُونَهُ. وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ. فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ. وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ الرُّسُلُ. وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ! سَلِّمْ، سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ. هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعْدَانَ؟" قَالُوا: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللّهِ! قَالَ: "فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ. غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلاَّ الله. تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ. فَمِنْهُمُ الْمُومن يَقِيَ بِعَمَلِهِ. وَمِنْهُمُ الْمُجَازَى حَتَّى يُنَجَّى. حَتَّى إِذَا فَرَغَ الله مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لاَ يُشْرِكُ بِالله شَيْئاً، مِمَّنْ أَرَادَ الله تَعَالَى أَنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَقُولُ: لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله. فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ. يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ. تَأْكُلُ النَّارُ مِنِ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ أَثَرَ السُّجُودِ. حَرَّمَ الله عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ. فَيُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ وَقَدِ امْتَحَشُوا. فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ. فَيَنْبُتُونَ مِنْهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ. ثُمَّ يَفْرُغُ الله تَعَالَى مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ. وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ. وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: أَيْ! رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ. فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا. فَيَدْعُو الله مَا شَاءَ الله أَنْ يَدْعُوَهُ. ثُمَّ يَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ ذٰلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ! فَيَقُولُ: لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ. وَيُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ الله. فَيَصْرِفُ الله وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ. فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ الله أَنْ يَسْكُتَ. ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ قَدِّمْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ الله لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ لاَ تَسْأَلُنِي غَيْرَ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ. وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! وَيَدْعُو الله حَتَّى يَقُولَ لَهُ: فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذٰلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ فَيَقُولُ: لاَ. وَعِزَّتِكَ فَيُعطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ الله مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ. فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ. فَإِذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ. فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ وَالسُّرُورِ. فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ الله أَنْ يَسْكُتَ. ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ! أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عَهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ. وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ! مَا أَغْدَرَكَ! فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! لاَ أَكُونُ أَشْقىٰ خَلْقِكَ. فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو الله حَتَّى يَضْحَكَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ. فَإِذَا ضَحِكَ الله مِنْهُ، قَالَ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ الله لَهُ: تَمَنَّهْ. فَيَسْأَلُ رَبَّهُ وَيَتَمَنَّى. حَتَّى إِنَّ الله لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ. قَالَ الله تَعَالَى: ذٰلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ. يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةُ: مَا حَفِظْتُ إِلاَّ قَوْلَهُ: "ذٰلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ قَوْلَهُ: ذٰلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذٰلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ.
• وفي رواية لمسلم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلاَّ كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا. قَالَ: فَيَلْقَىٰ الْعَبْدَ فَيَقُولُ: أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَىٰ. قَالَ فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاَقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لاَ. فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي. ثُمَّ يَلْقَىٰ الثَّانِي فَيَقُولُ: أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ، وَالإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَىٰ. أَيْ رَبِّ فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاَقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لاَ. فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي. ثُمَّ يَلْقَىٰ الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذٰلِكَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرُسُلِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ. وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ. فَيَقُولُ: هَـٰهُنَا إِذاً. قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: الآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ. وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلَىٰ فِيهِ. وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ: انْطِقِي. فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ. وَذٰلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ. وَذٰلِكَ الْمُنَافِقُ. وَذٰلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللّهُ عَلَيْهِ".
• وفي رواية لمسلم من حديث جابر رضي الله عنه: "فَيَقُولُونَ: نَنْظُرُ رَبَّنَا. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيْكَ. فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يضْحَكُ. قَالَ فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ وَيَتَّبِعُونَهُ. وَيُعْطَىٰ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ، مُنَافِقٍ أَوْ مُؤْمِنٍ، نُوراً. ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ. وَعَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ وَحَسَكٌ. تَأْخُذُ مَنْ شَاءَ الله. ثُمَّ يُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ. ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ".
• وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ نَاساً فِي زَمَنِ رَسُولِ اللّهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ". قَالَ: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْواً لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ؟ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْواً لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟" قَالُوا: لاَ. يَا رَسُولَ اللّهِ! قَالَ: "مَا تُضَارَّونَ فِي رُؤْيَةِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا. إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ: لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. فَلاَ يَبْقَىٰ أَحَدٌ، كَانَ يَعبُدُ غَيْرَ الله سُبْحَانَهُ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَنْصَابِ، إِلاَّ يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ. وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ. فَيُدْعَى الْيَهُودُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللّهِ. فَيُقَالَ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ. فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ قَالُوا: عَطِشْنَا. يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا. فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ: أَلاَ تَردُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضَاً. فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. ثُمَّ يُدْعَىٰ النَّصَارَى. فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ بْنَ اللّهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ. مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ. فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ. مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ. فَيُقَالَ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ: عَطِشْنَا. يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا. قَالَ فَيُشَارُ إِلَيَهِمْ: أَلاَّ تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضَاً، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللّهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ فِي أَدْنَىٰ صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا. قَالَ: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتَ تَعْبُدُ. قَالُوا: يَا رَبَّنَا! فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللّهِ مِنْكَ. لاَ نُشْرِكُ بِاللّهِ شَيْئَاً (مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَاً) حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ. فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعْمْ. فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ. فَلاَ يَبْقَىٰ مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلاَّ أَذِنَ اللّهُ لَهُ بِالسُّجُودِ. وَلاَ يَبْقَىٰ مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلاَّ جَعَلَ اللّهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً. كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ. ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ، وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ. فَقَالَ: أَنَّا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا. ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ. وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ. وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: "دَحْضٌ مَزلَّةٌ. فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ وَحَسَكٌ. تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ. فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ. فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ. وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ. وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لله فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لله يَوْمَ الْقِيَامَةِ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ يَقُولُونَ: رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ. فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كثيراً قد أَخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا! مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ. فَيَقُولُ: ارْجِعُوا. فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً. ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا! لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَداً مِمَّنْ أَمَرْتَنَا. ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا. فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا! لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَداً. ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا. فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْراً". وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ: إِنْ لَمْ تُصَدِّقونِي بِهٰذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40] "فَيَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلاَئِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْماً لَمْ يَعْمَلُوا خَيْراً قَطُّ. قَدْ عَادُوا حُمماً فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهْرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهْرُ الْحَيَاةِ. فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ. أَلاَ تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الْحَجَرِ أَوْ إِلَى الشَّجَرِ. مَا يَكُونُ إِلَى الشَّمْسِ أُصَيْفِرُ وَأُخَيْضِرُ. وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ؟" فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ! كَأَنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بِالْبَادِيَةِ. قَالَ: "فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِمُ. يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ. هٰؤُلاَءِ عُتَقَاءُ الله الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ الله الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلاَ خَيْرٍ قَدَّمُوهُ. ثُمَّ يَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ. فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ. فَيَقُولُ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هٰذَا. فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا! أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هٰذَا؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ. فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَداً".
ولمسلم: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: بَلَغَنِي أَنَّ الْجِسْرَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعَرَةِ وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَإِنَّهُمْ لاَ يَمُوتُونَ فِيهَا وَلاَ يَحْيَوْنَ. وَلٰكِنْ قَوْمٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ (أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ) فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً. حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْماً. أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ. فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ. فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ. ثُمَّ قِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ. فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيل السَّيْلِ" فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: كَأَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَانَ بِالْبَادِيَةِ. رواه مسلم
ترجمة راويي الأحاديث:
• أبو هريرة رضي الله عنه تقدمت ترجمته في الحديث الأول من كتاب الإيمان.
• أبو سعيد الخدري رضي الله عنه تقدمت ترجمته في الحديث السابع من كتاب الإيمان.
تخريج الأحاديث:
• حديث أبوهريرة رضي الله عنه أخرجه مسلم حديث (182)، وأخرجه البخاري في " كتاب التوحيد" " باب قول الله تعالى: ﴿ وُجُوْهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [سورة القيامة: 23]، حديث (7437)، وأخرجه النسائي في كتاب التطبيق " باب موضع السجود " حديث (1139)
• وأما حديث أبي سعيد رضي الله عنه فأخرجه مسلم حديث (183)، وأخرجه البخاري في "كتاب التفسير""باب"إن الله لا يظلم مثقال ذرة " حديث (4581).
• وأما حديث أبي سعيد رضي الله عنه الذي يليه فأخرجه مسلم حديث (185) وانفرد به عن البخاري، وأخرجه ابن ماجه في " كتاب الزهد " " باب ذكر الشفاعة " حديث (4309).
شرح ألفاظ الأحاديث:
• "هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟": في تقييد السؤال بيوم القيامة إشارة إلى أن السؤال لم يقع عن الرؤية في الدنيا، لأنه لاخلاف في عدمها، وإنما السؤال والبحث في رؤيته جل وعلا في الآخرة.
• " هَلْ تُضَارُّونَ ": روي بضم التاء وتشديد الراء، من الضر والمعنى: هل تضرون غيركم، أو يضركم أحد في حالة الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية؟ والإستفهام إنكاري بمعنى النفي، أي لا يحصل ذلك كما لا يحصل عند رؤيتكم القمر ليلة البدر.
وروي بضم التاء وتخفيف الراء، من الضير، أي هل يلحقكم في رؤيته ضر؟ وفي الرواية الأخرى "هل تضامون في رؤيته" روي بفتح التاء وتشديد الميم، والمعنى هل ينضم بعضكم إلى بعض عند رؤيته، وروي بضم التاء وتخفيف الميم من الضيم، والمعنى هل يلحقكم ضيم ومشقة وتعب [انظر شرح النووي (3 / 20) والمفهم (1/ 414)].
• "فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ ": المراد تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح وزوال الشك ورفع المشقة، لا تشبيه المرئي بالمرئي تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وإنما كاف التشبيه للرؤية التي هي فعل الرائي.
• " الصِّرَاطُ ": جسر على متن جهنم.
• " كَلاَلِيبُ": جمع كلوب بفتح الكاف وضم اللام المشددة وهي حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم.
• " مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ": السعدان بفتح السين وسكون العين وهو نبات ذو شوك، شوكته من جميع الجوانب، مثل الحسك، وتشبيه الكلاليب بشوك السعدان لسرعة اختطافها وكثرة الانتشاب فيها ولتقريب الصورة ضرب لهم مثلاً بما عرفوه وألفوه في الدنيا، وحتى لا يتوهم أن حجمها صغير كشوك السعدان قال صلى الله عليه وسلم:" غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلاَّ الله."
• "فَيُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ وَقَدِ امْتَحَشُوا": بفتح التاء والحاء أي احترقوا.
• " مَاءُ الْحَيَاةِ":أي هو الماء الذي من يشربه أو يتطهر به لم يمت أبداً.
• " كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ": "الْحِبَّةُ ": بكسر الحاء وتشديد الباء بذر البقول والعشب،" حَمِيلِ السَّيْلِ": بفتح الحاء وهو مايحمله السيل ويجيء به من طين أو غثاء، والمراد التشبيه في سرعة النبات وحسنه وطراوته. [انظر شرح النووي (3/ 24)].
• " فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا": بفتح القاف والشين المخففة أي آذاني وأهلكني وغير جلدي.
• " وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا": أي لهيبها وشدة وهجها.
• " انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ": بفتح الفاء والهاء والقاف أي انفتحت.
• " تَمَنَّهْ": الهاء هنا للسكت، والأصل تمنَّ، وهاء السكت يؤتى بها في آخر الكلمة ووردت في القرآن الكريم كما في سورة الحاقة كلمة (كتابي، وحسابي، ومالي، وسلطاني) قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴾ [سورة الحاقة من25-29].
• " وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ": بضم الغين وفتح الباء المشددة جمع غابر أي بقايا أهل الكتاب، أبقاهم الله تعالى لأنهم يعبدون بشراً صالحاً فاليهود يعبدون عزيزاً والنصارى المسيح، فلايُذهب بمعبوداتهم إلى النار بخلاف الأنصاب فيبقيهم ليوبخهم توبيخاً خاصاً.
• " كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضَاً": السراب هو الذي يتراءى للناس في الأرض والقاع المستوي وسط النهار في الحر الشديد لامعاً مثل الماء، فالكفار يأتون جهنم عطاشاً يحسبونها ماء فيتساقطون فيها يحطم بعضها بعض لشدة اتقادها.
• " فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ.": مقصودهم التضرع إلى الله في كشف هذه الشدة، وأنهم لزموا طاعة الله في الدنيا مفارقين أقاربهم الضالين مع حاجتهم للتعايش معهم لكنهم فارقوهم ولم يصاحبوهم وقدموا رضا الله عليهم.
• " إِلاَّ جَعَلَ اللّهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً":الطبق فقار الظهر أي صار فقاره واحدة كالصفحة لا يستطيع ثنيها ليسجد.
• " ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ": الجسر بفتح الجيم وكسرها لغتان مشهورتان وهو الصراط
• " دَحْضٌ مَزلَّةٌ ":" دَحْضٌ بدال مفتوحة وحاء ساكنة، و"مَزلَّةٌ " بفتح الميم وفي الزاي الفتح والكسر، والدحض والمزلة بمعنى واحد وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر.
• " فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ وَحَسَكٌ": الخطاطيف جمع خطاف بضم الخاء وهي بمعنى الكلاليب وتقدم بيانه، والحسك: بفتح الحاء والسين، نبات ذو شوك من جميع الجهات يتعلق بأصواف الغنم، ويتخذ مثله في الشكل من الحديد آلة حرب.
• " فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ": "نَاج "من النجاة سالم، "مَخْدُوشٌ "من أصابه خدش ثم أرسل أي خلص ونجا بعدما خدش وأصابه ما أصابه.
• " وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ": ومنه تكدست الدواب في سيرها إذا ركب بعضها بعضاً، والمعنى أنهم ثلاثة أقسام: قسم يسلم وينجو بلا ضرر، وقسم ينجو بعدما يخدش، وقسم مكدوس ويُلقى في جهنم.
• " رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْراً": أي صاحب خير.
• " فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْماً لَمْ يَعْمَلُوا خَيْراً قَطُّ. قَدْ عَادُوا حُمماً": أي صاروا حمماً بضم الحاء وفتح الميم الأولى المخففة أي فحماً والواحدة حممة.
• " فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهْرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ": أفواه جمع فوهة وهي أول الشيء.
• "فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ ": أي في التلألؤ والنضارة والصفاء.
• " فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِمُ": قال النووي رحمه الله:" قال صاحب التحرير: المراد بالخواتم هنا أشياء من ذهب أو غير ذلك تعلق في أعناقهم علامة يعرفون بها" [شرح مسلم (3/ 33)].
• "أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لاَ يَمُوتُونَ فِيهَا وَلاَ يَحْيَوْنَ ": أي أهل النار المستحقون للخلود فيها فهم لا يموتون ولا يحيون حياة تنفعهم كما قال تعالى: ﴿ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ﴾ [ فاطر:35].
• "ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ": الضبائر الجماعات.
من فوائد الأحاديث:
• الفائدة الأولى: في الأحاديث ما يدل على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة بلا تزاحم ولا مضارة، واستدل بحديثي أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما من قال برؤية المنافق لله تعالى يوم القيامة، وتقدم الكلام عن هذه المسألة ومسألة الرؤية بالتفصيل في الحديث السابق.
• الفائدة الثانية: في الأحاديث ما يدل على إثبات عدة صفات لله تعالى:
أولاً: صفة الإتيان لله تعالى:
لقوله " فيأتيهم الله تبارك وتعالى..."، وتحت صفة المجيء والإتيان عدة مباحث:
• المبحث الأول: معتقد أهل السنة والجماعة في هاتين الصفتين
أهل السنة والجماعة يثبتون صفتي المجيء والإتيان لله تعالى وأنه يجيء ويأتي بنفسه سبحانه،من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل وهما من الصفات الفعلية الخبرية، والصفات الفعلية هي التي يتصف بها الله تعالى إذا شاء وليس على الدوام، بل يتصف بها سبحانه في وقت دون وقت.
• المبحث الثاني: صفتا المجيء والإتيان ثابتتان بالكتاب والسنة والإجماع
• فمن الكتاب: قوله تعالى: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَاَلْمَلَكُ صَفَاً صَفَاً ﴾، وقوله تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُوْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ اَلَلَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ اَلْغَمَامِ وَاَلْمَلاَئِكَةُ وَقُضِيِ اَلْأَمْرُ ﴾.
• ومن السنة: أحاديث الباب، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: قال الله تعالى:"...وإن تقرب إلي ذراعاً، تقترب إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة" متفق عليه، وفي رواية لمسلم "وإذا تلقاني بباع، جئته (وفي رواية): أتيته بأسرع".
• وإجماع السلف على ذلك: قال أبو حسن الأشعري:" وأجمعوا على أنه عز وجل يجيء يوم القيامة والملك صفاً صفاً " [انظر رسالته لأهل الثغر من (227)].
• المبحث الثالث: المخالفون لأهل السنة
المخالفون لأهل السنة والجماعة من المعطلة كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة يؤولون المجيء والإتيان لله فيقدِّرون محذوفاً، ويقولون: (جاء أمر ربك، وأتى أمر ربك) فلا يثبتون المجيء والإتيان لله بنفسه، ويقولون في قوله تعالى: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ ﴾ أي أمر ربك، وفي قوله " أو يأتي ربك " أي أمر ربك، مستدلين بقوله تعالى: ﴿ أَتَى أَمْرُ اَللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوْهُ ﴾ وهذا تأويل باطل وصرف للنص عن ظاهره.
والرد عليهم:.
1- أن هذا التأويل مخالف لطريقة السلف رحمهم الله.
2- أن تأويلكم هذا مخالف لظاهر النصوص، ولا دليل على هذا التأويل.
3- أن قولكم بأن المراد جاء أمر الله وأتى أمر الله) واستدلالكم بقوله تعالى: ﴿ أَتَى أَمْرُ اَللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوْهُ ﴾ هو استدلال عليكم لا لكم، لأن فيه بياناً بأن الله عز وجل لو أراد هذا المعنى لذكره في بقيه الآيات كما ذكره هنا، بل أصرح من ذلك أن الله تعالى في آية واحدة بيَّن صفة الإتيان لنفسه، والإتيان لغيره فقال تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُوْنَ إِلاَّأَنْ تَأْتِيَهُمُ اَلْمَلاَئِكَةُ أَوْ يَأْتِيْ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِي بَعْضُ ءاَيَاتِ رَبِّك ﴾ وهذا التقسيم والبيان لإتيان الملائكة وإتيانه سبحانه وإتيان بعض آياته تقسيم يبعد معه التقدير لأنه لو أراد أمره سبحانه كما تزعمون لذكره في هذه الآية فليس هناك ما يمنع ذكره.
تنبيه:
بعض المفسرين المتأثرين بمذهب الأشاعرة في إثبات بعض الصفات، ينقلون إجماعاً وكلاماً عن السلف لا يصح، فمما نقلوه ونسبوه للسلف هو تنزيه الله تعالى عن صفتي المجيء والإتيان، وأن السلف كانوا يسكتون ولا يعتقدون أن لله تعالى مجيئاً حقيقياً، بل يقولون لا نتكلم ولا ندري ما معناها ولا نبحث في دلالتها، وهذا القول نسبته للسلف غير صحيحة بل السلف رحمهم الله يثبتون صفتي المجيء والإتيان لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته سبحانه ولا يبحثون عن كيفيه مجيئه وإتيانه سبحانه كما يثبتونها من غير تكييف ولا تحريف ومن غير تعطيل ولا تمثيل. [انظر شرح اللمعة للشيخ عبدالرحمن المحمود ص (128- 129)].
الصفة الثانية: صفة الصورة لله تعالى
لقوله: "فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون.."، وأهل السنة والجماعة يثبتون صفة الصورة لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تمثيل ولا تكييف، ويدل عليها:
1- حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد في الباب، ففي حديث أبي هريرة:" فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون" وفي حديث أبي سعيد: "وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة"
2- حديث ابن عباس رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:" رأيت ربي في أحسن صورة " رواه الترمذي، والحديث مروي عن جمع من الصحابة وصححه البخاري والترمذي ومن المتأخرين أحمد شاكر والألباني رحم الله الجميع.
إشكال وجوابه: في حديث أبي هريرة في الباب "فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون".
قال شيخنا ابن عثيمين: " وهل الناس يعرفون صورة الله؟ يعرفون: أنه ليس كمثله شيء، فيأتيهم على صورة على غير هذا الوصف، أو هل المعنى: أنه يتغير، أو أن يتغير نظر الناس، بمعنى: يخيل إليهم على أنه بصورة غير صورته؟ الظاهر أن المراد الثاني، وإن كان هذا خلاف ظاهر اللفظ؛ لكن لأن الله تعالى لا يتغير فيحمل على هذا، والحاصل أنهم يرونه على صورة معينة في أول الأمر ثم على صورته التي هي عليه عز وجل" [التعليق على مسلم 1/ 623].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|