أحاديث تخليل اللحية رواية ودراية
عبدالله السيد حسين العتابي
(11) حديث أبي أمامة الباهلي:
أخْرجه ابنُ أبي شيبة (1/13112)، وابن جرير في التفسير (6/121)، والطبراني في الكبير (8/2788070)، والقاسم بن سلاَّم في الطهور (317) مِن طريق زيد بن الحباب عن عمرَ بن سُليم الباهلي عن أبي غالب عن أبي أمامة: "كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا توضَّأ خلل لحيتَه".
أبو غالب: سعيد بن الحزور أو حزور صدوق يُخطئ؛ قاله الحافظ في "التقريب"، وأقوال أهل العلم فيه بيْن موثِّق ومجرح، أما مَن جرحه فهم:
ابن سعد والنَّسائي فقد ضعَّفاه، وقال أبو حاتم: ليس بالقَوِي.
وقال الدارقطني: ثِقة، وكلك موسى بن هارون، وحسَّن له الترمذي في موضع، وفي آخر قال: حسن صحيح، وقال يحيى: صالح الحديث، وقال ابنُ عدي: أرْجو أنَّه لابأسَ به.
وقال ابن حبَّان لا يجوز الاحتجاجُ به إلا فيما وافَق الثِّقات، منكَر الحديث.
فهو صدوقٌ يُعتبر بما وافَق الثِّقات، وقدِ انفرد بهذا الحديثِ، فإسناده ضعيف، وشاهد لأحاديثِ التخليل.
(12) حديث ابن عباس:
وله لفظان:
الأول: ((رَحِم الله المتخلِّلين والمتخللات))؛ أخرجه البيهقى في "شعب الإيمان" (6054)- أخبرَنا أبو الحسن العلوي، أنَا أبو حامد ابن الشرقي، ثَنا أبو أحمد محمَّد بن عبدالوهاب الفرَّاء، أنا قُدامَة بن محمَّد، حدَّثَني إسماعيلُ بن شيْبة، عن ابنِ جُرَيج، عن عطاء، عن ابن عبَّاس قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((رَحِم الله المتخلِّلين والمتخلِّلات)).
قال ابن حبَّان:
إسماعيل بن شَيبة الطائفي: شيخٌ يَروي عن ابن جُريج، روى قدامة بن محمَّد الخشرمي عنه، يُتَّقى حديثه مِن رواية قُدامة عنه.
قال النسائي:
إسماعيل بن شيبة الطائفي يَروي عن ابن جريج، منكَر الحديث، روى عنه قُدامةُ بن محمَّد.
قال ابنُ عدي:
يروي عنِ ابن جُريج ما لا يَرويه غيرُه.
وقال: عن قدامة عن إسماعيل، عن ابن جُرَيج، عن عطاء، عن ابن عبَّاس، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بخمسةِ أحاديثَ غير محفوظة بهذا الإسناد، والذي أمليتُه أيضًا غير محفوظ.
وقال: وإسماعيل بن إبراهيم هذا، لا أعلمُ له روايةً عن غير ابن جُرَيج، وأحاديثه عن ابن جريج فيها نظَر.
قلت: هو منكر.
الثاني:
أخْرَجه الطبرانيُّ في الأوسط (2277) والعقيلي (4/285) وتمَّام في فوائدِه (1775) قال الطبراني:
حدَّثَنا أحمدُ بن إسماعيل الوساوسي البصْري، قال: نا شَيبان بن فرُّوخ، قال: نا نافعٌ أبو هرمز، عن عطاء، عن ابن عبَّاس قال: دخلتُ على رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يتطهَّر، وبيْن يديه إناءٌ قدْر المُد، وإنْ زاد فقلَّ ما يزيد، وإنْ نقص فقلَّ ما ينقص، فغسل يديه، ومضمض واستنشق ثًلاثا ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وخلَّل لحيته، وغسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه وأُذنيه مرَّتين مرَّتين، وغسل رجليه حتى أنقاهما، فقلت: يا رسولَ الله، هكذا التطهُّر؟ قال: ((هكَذا أمَرَني ربِّي - عزَّ وجلَّ)).
لم يروِ هذه اللفظةَ عن عطاء، عن ابن عبَّاس، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في: تخليل اللحية في الوضوء إلاَّ نافع أبو هرمز، تفرَّد به: شيبان.
وقال العقيلي:
حدَّثَنا أحمدُ بن إبراهيم قال: حدَّثَنا سليمان بن عبدالرحمن قال: حدَّثَنا سعدان بن يحيى قال: حدَّثَنا نافعٌ مولى يوسف، عن محمَّد بن سيرين، عن ابنِ عباس قال: كان رسولُ الله يتطهَّر، ثم يُخلِّل لحيته، ويقول: ((هكذا أمَرَني ربي - عزَّ وجلَّ))، لا يتابع عليه بهذا الإسناد، والرِّواية في تخليل اللحية فيها مَقال.
قال العقيلي:
نافع مولى يوسف بن عبدالله بصري، حدَّثَني آدمُ بن موسى قال: سمعتُ البخاريَّ قال: نافع مولى يوسف بن عبدالله بصري، منكَر الحديث.
وقال: نافع بن عبدالواحد أبو هرمز؛ الغالِبُ على حديثه الوهْم، حدَّثَنا محمَّد بن عثمان قال: سمعتُ يحيى بنَ معين، وذُكِر له أبو الخشني نافِع أبو هرمز الذي يُحدِّث عن أنس؟ فقال: كان ضعيفًا، لا يُكتب حديثه، حدَّثَنا عبدالله بن أحمد، عن أبيه، قال: نافع السُّلَمي، عن أنس، ضعيفُ الحديث.
وقال أبو حاتم:
متروك الحديث، ذاهب الحديث.
وقال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال أبو زُرعة: هو ذاهب.
وأما نافع مولى يوسف بنِ عبدالله فقال أبو حاتم: متروك الحديث.
وضعَّفه أحمدُ، وغيره.
ومنهم مَن جعلهما واحدًا، وهو الأظهر، والله تعالى أعلم.
وسمَّاه الدارقطني ابن هرمز، وسمَّاه ابن عدي ابن عبدالله.
والحديث بكليهما منكَر.
(13) حديث ابن عُمر:
وله طريقان:
الأول: رواه ابن ماجه (432)، والبيهقي في الكبرى (252253254)، والدارقطني في سُننه (1/15534567)، وابن عساكر في تاريخه مِن طريق: ثنا ابن دحيم، وجماعة، قالوا: ثنا هشام بن عمَّار، ثنا ابنُ أبي العشرين، ثنا الأوزاعي، قال: حدَّثَني عبدالواحد بن قيس، عن نافِع، عن ابن عمر، قال: "كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا توضَّأ عرك عارضيه بعضَ العرك، ثم شبَّك لحيته بأصابعه مِن تحتها".
قال البيهقي: تفرَّد به عبدالواحد بن قيس، واختَلفوا في عَدالته، فوثَّقه يحيى بن معين، وأباه يحيى بن سعيد القطَّان، ومحمَّد بن إسماعيل البخاري، وأخبرنا أبو بكر الفقيه، أنا أبو الحسن الدارقطنيُّ، قال: قال ابنُ أبي حاتم: قال أبي: رَوى هذا الحديثَ الوليدُ، عن الأوزاعي، عن عبدالواحد، عن يَزيد الرَّقاشي، وقتادة، قالا: كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -.... مرسلاً، وهو أشبه بالصواب، قال أبو الحسن: ورواه أبو المغيرة، عنِ الأوزاعي موقوفًا على ابن عُمر، وهو الصواب.
وقال الدارقطني في السنن: وقال ابنُ أبي حاتم: قال أبي: روى هذا الحديثَ الوليدُ عن الأوزاعي، عن عبدالواحد، عن يَزيدَ الرَّقاشي وقتادة، قالا: كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -.... مرسلاً، وهو أشبه بالصواب، قال الشيخ: ورواه أبو المغيرة عن الأوزاعي موقوفًا، حدَّثَني إسماعيل بن محمَّد الصفَّار، نا إبراهيم بن هانئ، نا أبو المغيرة، نا الأوزاعي، نا عبدالواحد بن قيس عن نافِع: أنَّ ابنَ عمر كان إذا توضَّأ نحو قول بن أبي العشرين إلا أنَّه لم يرفعْه، وهو الصواب.
وقال في العلل:
يَرويه الأوزاعي، واختلف عنه؛ فرواه ابنُ أبي العشرين عنِ الأوزاعي، عن عبدالواحد بن قيس، عن نافِع، عن ابن عمر.
ورواه أبو المغيرة عن الأوزاعي، عن عبدالواحد بن قَيْس، عن نافِع، مِن فعل ابن عمر لم يرفعْه، وهو الصواب.
ورُوِي عن الأوزاعي، عن عبدالواحد بن قيس، عن يَزيد الرَّقَاشي، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مرسلاً.
والطريق الثاني:
أخْرجه الطبراني في الأوْسط (6363) قال: حدَّثَنا أحمدُ قال: نا أحمدُ بن محمَّد بن أبي بزَّة قال: نا مؤمَّل بن إسماعيل قال: نا عبدالله بن عمرَ العُمري، عن نافع، عن ابن عمر، أنَّه كان إذا توضَّأ خلَّل لحيتَه وأصابع رِجليه، "ويزعُم أنَّه رأى النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفْعَل ذلك".
لَم يروِ هذا الحديثَ عن عبدالله بن عمرَ إلا مؤمَّل".
والعمري ضعيف، والصواب فيه الوقْف؛ ذكَرَه عبيدُالله بن نمير وأسامة والليث عن نافع عن ابنِ عمرَ موقوفًا.
(14) حديث وائل بن حجر:
أخْرجه الطبراني (118)، والبزار (4488)، والبخاري في تاريخه؛ قال البزار: حدَّثَنا إبراهيمُ بن سعيد، قال: حدَّثَنا محمَّد بن حُجر، قال: حدَّثَني سعيد بن عبدالجبار بن وائل بن حُجر، عن أبيه، عن أمِّه عن وائل بن حُجر - رضي الله عنه - قال: شهدتُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأُتي بإناء فيه ماءٌ، فأكفأه على يمينه ثلاثًا، ثم غمس يمينه في الماء فغسل بها يساره ثلاثًا، ثم أدْخل يمينه في الماء فحفَن بها حفنةً من الماء فمضمض واستنشق ثلاثًا واستنثر، ثم أدْخل كفَّيه في الإناء فرفَعها إلى وجهه فغسل وجهه ثلاثًا، وغسل باطنَ أُذنيه، وأدخل أصبعيه في داخل أُذنيه ومسح ظاهرَ رقبته وباطن لحيته ثلاثًا، ثم أدْخل يمينه في الماء فغسَل بها ذراعَه اليمنى حتى جاوز المرفق ثلاثًا، ثم غسَل يسارَه بيمينه حتى جاوز المرفق ثلاثًا، ثم مسح على رأسه ثلاثًا وظاهرِ أذنيه ثلاثًا وظاهرِ رقبته، وأظنُّه قال: وظاهر لحيته ثلاثًا، ثم غسَل بيمينه قدمَه اليمنى ثلاثًا وفصل بين أصابعه، أو قال: خلَّل بين أصابعه، ورفَع الماء حتى جاز الكعْب، ثم رفَعه في الساق، ثم فعَل باليُسرى مثل ذلك، ثم أخَذ حفنةً من ماء فبلَّ بها يده، ثم وضعها على رأسه حتى انحدَر الماء مِن جوانبه، وقال: هذا تمامُ الوضوء ولم أرَه تنشَّف بثوب، ثم نهَض إلى المسجد فدخَل في المحراب - يعني: موضع المحراب - فصفَّ الناس خلفه، وعن يمينه، وعن يساره، ثم رفَع يديه حتى حاذتَا بشحمة أذنيه، ثم وضَع يمينه على يسارِه عندَ صدره، ثم افتتح القراءةَ فجَهر بالحمد، ثم فرَغ من سورة الحمْد، ثم قال: آمين حتى سمِع مَن خلفه، ثم قرأ سورة أخرى، ثم رفَع يديه بالتكبير حتى حاذتَا بشحمة أذنيه، ثم ركَع فجعل يديه على رُكبيتيه وفرَّج بين أصابعه، وأمهل في الرُّكوع حتى اعتدلَ وصار صلبُه لو وُضِع عليه قدحٌ من الماء ما انكفأ، ثم رفَع رأسه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بخشوع، وقال: سمِع الله لمن حَمِده، ثم رفَع يديه حتى حاذتَا بشحمةِ أذنيه، ثم انحطَّ للسُّجود بالتكبير فرفَع يديه إلى أن حاذتَا بشحمة أذنيه، ثم أثبت جبهتَه في الأرض حتى إنِّي أرَى أنفَه في الرمل، وقوَّس بذراعيه ورأسه وبسَط فخِذه اليسار ونصَب اليمين، كما أثبت أصابع رِجليه ولم يمهلْ بالسجود ورفَع رأسه فرفَع يديه بالتكبير إلى أنْ حاذتَا بشحمة أُذنيه وجلَس جلسةً خفيفة، فوضَع كفَّه اليمين على رُكبته وبعض فخِذه وحلَّق بأصبعه، ثم انحطَّ ساجدًا بمِثل ذلك، ثم رفَع رأسه بالتكبير بيديه إلى أن حاذتَا بشحمة أُذنيه وإلى أنِ اعتدل في قيامه ورجَع كلُّ عظْم إلى موضعه، ثم صلَّى أربع ركعاتٍ يفعل فيهنَّ ما يفعل في هذه، ثم جلس جلسةً في التشهد مِثل ذلك، ثم سلَّم على يمينه حتى يُرَى بياض خدِّه الأيسر، وسلم عن يساره حتى يُرَى بياض خدِّه الأيمن.
وهذا الحديث لا نَعلمه يُروى بهذا اللفظ إلا عن وائل بن حُجر بهذا الإسناد.
وقال الطبراني:
حدَّثَنا بشر بن موسى، ثَنا محمَّد بن حُجر بن عبدالجبار بن وائل الحَضرمي، حدَّثَني عمي سعيد بن عبدالجبار، عن أبيه، عن أمِّه أمِّ يحيى، عن وائل بن حُجر قال: "حضرتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد أُتي بإناء فيه ماء، فأكفأ على يمينه ثلاثًا، ثم غمَس يمينه في الإناء فأفاض بها على اليسرى ثلاثًا، ثُم غمَس اليمنى في الماء فحفن حفنةً مِن ماء فتمضمض بها واستنشق واستنثر ثلاثًا، ثم أدْخل كفيه في الإناء فحمَل بهما ماءً فغسل وجهه ثلاثًا وخلَّل لحيته ومسح باطن أذنيه، ثم أدْخل خنصره في داخل أذنه ليبلغ الماء، ثم مسح رقبته وباطن لحيته مِن فضْل ماء الوجه، وغسل ذراعَه اليمنى ثلاثًا حتى ما وراء المرفق، وغسل اليسرى مِثل ذلك باليُمنى حتى جاوز المرفق، ثم مسَح على رأسه ثلاثًا ومسح ظاهر أذنيه، ومسَح رقبته وباطن لحيته بفضل ماءِ الرأس، ثم غسَل قدمَه اليُمنى ثلاثًا، وخلَّل أصابعها وجاوز بالماءِ الكعب، ورفَع في الساق الماء، ثم فعَل في اليُسرى مِثل ذلك، ثم أخَذ حفنةً مِن ماء بيده اليُمنى فوضعَه على رأسه حتى تحدَّر مِن جوانب رأسه، وقال: ((هذا تمامُ الوضوء)) فدخَل محرابه فصفَّ الناس خلفه ونظَر عن يمينه ويساره، ثم رفَع يديه بالتكبير إلى أنْ حازتَا شحمة أذنيه، ثم وضع يمينه على يسارِه على صدره، ثم جهَر بالحمد حتى فرَغ مِن الحمد، ثم جهَر بآمين عندَ فراغه مِن قراءة الحمد حتى سمِع مَن خلفه، ثم قرأ سورةً أخرى مع الحمد، ثم رفَع يديه بالتكبير إلى أنْ حازتَا شحمة أذنيه، ثم انحطَّ راكعًا فوضع كفَّيه على رُكبتيه، وفرَّج أصابعه، وأمْهل في الرُّكوع حتى اعتدلَ رُكوعه وصار متناه كأنَّهما نهرٌ جار لو وُضِع عليه قدحٌ ملآن ما انكفأ، ثم رفَع رأسه بالخشوع ورفَع يديه حتى حازتَا شحمة أذنيه، وقال: ((سمِع الله لمَن حَمِده))، ثم اعتدل قائمًا وأمهل فيه حتى رجَع كلُّ عظم إلى موضعه، ثم انحطَّ بالتكبير ساجدًا فأثبت جبهته في الأرض وأنفه، حتى رأى أثرَ أنفه في الرَّمل، وفرش ذراعيه ورأسه بينهما، ثم رفَع رأسه بالتكبير، وجلَس جلسةً خفيفةً فاستبطن فخِذه اليُسرى ونصَب قدمَه اليُمنى أثبت أصابعهما، ثم انحطَّ ساجدًا مثل ذلك، ثم رفَع رأسه بالتكبير، ثم فعَل مِثل ذلك في جميع الصَّلاة حتى تمَّت أرْبع رَكَعات، ثم جلَس في التشهد فوضَع كفَّه اليُمنى على رُكبته اليُمنى، وخفض فخِذه وحلَّق أصبعه يدْعو به مِن تحت الثوب، وكان ذلك في الشتاء، وكان أصحابُه خلفه أيديهم في ثِيابهم يعملون هذا، وتنفَّل، ثم سلَّم عن يمينه حتى رُؤي بياض خدِّه الأيمن، ثُم سلَّم عن يساره حتى رُؤي بياض خدِّه الأيسر"؛ والحديث مدارُه على محمَّد بن حُجر عن عمِّه سعيد بن عبدالجبار عن أبيه عن أمِّه؛ قال البخاري في التاريخ: فيه نظر.
قال الحافظُ في اللِّسان: محمَّد بن حُجر بن عبدالجبار بن وائل بن حُجر عن عمِّه سعيد، وعنه إبراهيم بنُ سعيد الجوهري له مناكِير، قيل: كُنيته أبو الخنافس، وقال البخاري: فيه بعضُ النظر؛ انتهى، والكُنية المذكورة نقلَها ابنُ عديٍّ عن ابن حمَّاد عن إبراهيم بن سعيد الجَوهري، وهذا سندٌ صحيح، فما أدْري لِمَ لمْ يرضَه؟ وقال أبو حاتم: كوفي شَيْخ، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندَهم، يُكنى أبا بكر، ويقال: أبو جعفر.
قال ابن حبَّان: محمَّد بن حُجر بن عبدالجبار بن وائل بن حُجر الحَضْرمي الكِندي، كُنيته أبو جعفر، مِن أهل الكوفة، يَروي عن عمِّه سعيد بن عبدالجبار، عن أبيه عبدالجبار، عن أبيه وائل بن حُجر بنسخة منكَرة، منها أشياء لها أصولٌ من حديث رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وليستْ مِن حديث وائل بن حُجر، ومنها أشياء مِن حديث وائل بن حُجر مختصرة، جاءَ بها على التقصِّي وأفرَط فيها، ومنها أشياء موضوعة، ليستْ مِن كلام رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يجوز الاحتجاجُ به.
وأمَّا عبدالجبار بن وائل، فإنَّه وُلِد بعد موتِ أبيه بستَّة أشهر، مات وائلُ بن حُجر، وأم عبدالجبار حامِل به، وهذا ضَرْب من المنقطع الذي لا تقوم به الحُجَّة، وقد وهِم فطر بن خليفة؛ حيث قال: عن أبي إسحاقَ، عن عبدالجبار بن وائل قال: سمعتُ أبي.
فالراوي المذكور خُلاصة ترجمته: ضعيف.
وأمَّا عمه فقال البخاري: سعيدُ بن عبدالجبار بن وائل بن حُجر الكِندي، عن أبيه، رَوى عنه محمَّد بنُ حجر، الكُوفي، فيه نظَر.
قال ابنُ عدي: سعيد بن عبدالجبار بن وائل بن حُجر، أخبَرني محمَّد بن العبَّاس عن النَّسائي قال: سعيد بن عبدالجبار مِن ولد وائل بن حُجر، ليس بالقوي، قال الشيخ: وليس لسعيدِ بن عبدالجبَّار كثيرُ حديث، إنَّما له عن أبيه عن جدِّه أحاديثُ يسيرةٌ نحو الخمسة أو الستة.
وضعَّفه ابن حجر والذهبي.
(15) حديث عمار بن ياسر:
وله طريقان:
عبدالكريم بن أبي المخارِق، عن حسَّان بن بلال، عن عمَّار.
والثاني: سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن حسَّان به.
انفرَد بهما سفيانُ بن عُيَينة.
والأول ضعيفٌ لضعْف عبدالكريم؛ ولأنَّه منقطِع لم يسمعْ عبدالكريم حديث التخليل من حسَّان ذكَره ابنُ عُيينة.
والإسناد الثاني: ظاهِر الصحَّة والاتِّصال، وقدْ أعلَّه غير واحد بعِلل، هي:
قال البخاري: وحديثُ سعيد لا يصحُّ ولم يبيِّن علَّته، والراجح أنَّه وافق شيخَه ابن المديني في تعليلِ هذا الحديث؛ قال ابن المديني - كما عند ابن حجر في إتحاف الخيرة -: لم يسمعْه قتاده إلا مِن عبدالكريم.
وقال ابن أبي حاتم في العلل:
وسألتُ أبي عن حديثٍ رواه ابن عُيَينة، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن حسَّان بن بلال، عن عمَّار، عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في تخليل اللحية؟
قال أبي: لم يحدِّث بهذا أحدٌ سوى ابن عيينة، عن ابنِ أبي عَروبة.
قلت: هو صحيح؟
قال: لو كان صحيحًا، لكان في مصنَّفات ابن أبي عَروبة، ولم يذكرِ ابن عيينة في هذا الحديثِ الخبر، وهذا أيضًا مما يوهنه.
وقال الحافظُ في التلخيص: لم يسمعْه ابن عيينة من سعيد، ولا قتادة مِن حسَّان.
وهاؤوموا نظَرْنا في علل الحديث:
أما قول أبي حاتم في تعليله أنَّه لم يذكرِ الحديث، وليس في مصنَّفات سعيد فقدْ ذكَره كما عندَ الطبراني وأبي نُعيم في الحليه بإسناد صحيح عن سُفيانَ من رِواية إبراهيم بن بشَّار الرمادي عنه.
وأمَّا الأخرى فسفيان جليلٌ، فلا غرابةَ في انفراده ومِثله الثِّقة فوقَ الثقة المحتمل بالتفرُّد، لا سيما وقد رواه عنه ثلاثةٌ من نجباء الرواة عنه الحميدي وابن أبي عمر العدني وإبراهيم الرمادي؛ ولذلك قال ابنُ دقيق العيد معلِّقًا على قول أبي حاتم: وليستْ بعلَّة قويَّة.
قول ابن المديني لم يسمعْه قتادة إلاَّ من عبدالكريم فغريبٌ لم يعرفْ لأحدهما أخْذ عن الآخر كما أنَّ قتادة صحيحُ السماع من حسَّان، فلا يندفع حديثُه هذا بشبهةِ التدليس.
أمَّا قول الحافِظ لم يسمعْه ابن عُيينة من سعيد فغريبٌ، تلك دعوى يقام عليها الدليل، ثم لوكان دلَّسه فابن عيينة - كما قال هو - لا يُدلِّس إلا عن ثِقة.
فالصواب على الراجح - والله أعلى وأعلم - أنَّ إسناده جيِّد.
قلت: ولا يعلُّ كذلك باختلاط سعيد، فلو كان كذلك لأخبر بها مَن هو أعلم؛ كابن المديني والبخاري وأبي حاتم، فدلَّ ذلك على أنَّ سماع ابن عيينة مِن سعيد قديم.
يتبع