عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 17-02-2020, 03:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية

حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية (5/6)
محمد بن عبدالله السريِّع





توطئة:
مضى في الحلقات السابقة الفصلُ الأول من هذه الدراسة، وهو المتعلق بجانب الرواية، حيث تحرَّر فيه الخلاف في أسانيد الحديث، وتبيَّن الراجح منها، وأنتقل في هذه الحلقة إلى جانب الدراية، مبتدئًا بشرح غريب الحديث.




الفصل الثاني
دراسة الحديث درايةً
المبحث الأول: شرح غريب الحديث
من الألفاظ الغريبة في الحديث:
1- قوله: ((ولا من بَشَره)):
قال ابن السكيت: ((البَشَر: جمع بَشرَة. وهي ظاهر الجِلد))[1]، وقال الجوهري: ((البَشَرَةُ والبَشَرُ: ظاهرُ جِلد الإنسان))[2]، فالمراد: ألاّ يأخذ من جِلده شيئًا[3].

2- قوله: ((وله ذِبْحٌ يريد أن يذبحه)):
قال الليث: ((ما أُعِدَّ للذَّبْح، وهو بمنزلة الذَّبيح والمذبوح))[4]، وقال الأزهري: ((والذِّبح: المذبوح، وهو بمنزلة الطِّحْن؛ بمعنى المطحون، والقِطْف بمعنى المقطوف؛ قال الله -جل وعز-: ï´؟ وفديناه بذبح عظيم ï´¾، أي: بكبشٍ يُذبح، وهو الكبش الذي فدي به إسماعيل بن خليل الله -صلى الله عليه وسلم-))[5]، وقال الخطابي: (( الذِّبح -بكسر الذال-: الضحية التي يذبحها المضحي))[6]، وقال الجوهري: ((والذِّبْحُ -بالكسر-: ما يُذبَحُ؛ قال الله -تعالى-: ï´؟ وفديناه بذبح عظيم ï´¾))[7]، وقال ابن الأثير: ((الذِّبْحُ -بالكسر-: ما يذبح من الأضاحي وغيرها من الحيوان، وبالفتح: الفعل نفسُه))[8]، وقال النووي: ((بكسر الذال: أي: حيوانٌ يريد ذبحه، فهو فعل بمعنى مفعول، كحِمل بمعنى محمول...))[9]، وفي الحديث: ((فدعا بذِبح، فذبح))[10].

3- قوله: ((من أراد الثَّج)):
قال أبو عبيد -في حديث: ((العج والثج))-: ((وقوله: (والثج) يعني: نحر الإبل وغيرها، وأن يثجوا دماءها، وهو السيلان، ومنه قول الله -عز وجل-: ï´؟ وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجًا ï´¾...))[11]، وقال الجوهري: ((ثَجَجْتُ الماءَ والدمَ أثُجُّهُ ثجًّا، إذا سَيَّلته))[12]، وقال ابن فارس: ((والثَّجُّ: صَبُّ الدم))[13]، وقال ابن الأثير: ((الثج: سَيلان دماء الهدي والأضاحي))[14].



المبحث الثاني: المسائل المستنبطة من الحديث
المطلب الأول: المسائل الحديثية
مسألة: طلب العلو في الإسناد
والعلو ((هو قلة الوسائط في السند))[15].
وقد دلَّ عليه في الحديث أن عمرو بن مسلم لما سمع بعض أهل الحمام يقول: ((إن سعيد بن المسيب يكره هذا -أو: ينهى عنه-))؛ خرج، فأتى سعيد بن المسيب، فذكر ذلك له، فلم تقتصر همَّته، ويكتفِ بما سمع من أولئك، بل ذهب يطلب العلو، ويسمع الحديث من مصدره المعزوِّ إليه.

وقد قرر بعض العلماء أن طلب العلو من السنة[16].



المطلب الثاني: المسائل الفقهية
المسألة الأولى: حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد الأضحية
استُدل بالحديث على مشروعية اجتناب من أراد الأضحية الأخذَ من شعره وأظفاره وبشرته، وهو المعنى الرئيس في الحديث، لكن اختَلَف العلماء في حكم ذلك؛ قال ابن حزم: ((واختلفوا فيمن أخذ من شعره وظفره شيئًا؛ أعصى أم لا؟))[17]، وقال ابن رشد: ((واختلفوا؛ هل يلزم الذي يريد التضحية ألا يأخذ في العشر الأول من شعره وأظفاره؟))[18].

ومحصل الأقوال في هذه المسألة ثلاثة:
القول الأول: وجوب الاجتناب، وتحريم الأخذ:
وهو ظاهر قول ابن سيرين، وسعيد بن المسيب -في رواية-، وربيعة بن أبي عبدالرحمن، وأحمد بن حنبل، وابن راهويه، والطحاوي، وهو قول ابن حزم، وبعض الحنابلة، وبعض الشافعية[19].

• ومن أدلة هذا القول:
1- ظاهر حديث أم سلمة -رضي الله عنها-، وهو نهيٌ من النبي -صلى الله عليه وسلم- ثابتٌ يقتضي التحريم[20].

2- ثبوت النهي عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ قال ابن حزم: ((وهذه فتيا صحَّت عن الصحابة -رضي الله عنهم-، ولا يُعرَف فيها مخالفٌ منهم لهم))[21]، وذُكِرَ منهم: أم سلمة -رضي الله عنها-، وهي زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن خواصِّه[22].

• ونوقش الدليلان بما يلي:
1- أن الراجح عدم ثبوت النهي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه إنما يصح موقوفًا[23].

2- أنه قد جاء عن عائشة -رضي الله عنها- ما يخالف هذا النهي، وسيأتي في أدلة القول الثاني.

وستأتي الإجابة عنه -أيضًا-.

القول الثاني: استحباب الاجتناب، وكراهة الأخذ:
وهو قول الحسن البصري، والشافعي، ومالك -في رواية-، وبعض الحنابلة[24].

• ومن أدلة هذا القول:
1- النهي الثابت في حديث أم سلمة -رضي الله عنها-، وقد صُرف عن التحريم إلى الكراهة لمعارضته حديثَ عائشة -رضي الله عنها-، قالت: ((أنا فتلت قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي، ثم قلدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده، ثم بعث بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أبي، فلم يَحرُم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيءٌ أحلَّه الله له حتى نُحِرَ الهدي))[25].

قال الشافعي: ((فإن قال قائل: ما دَلَّ على أنه اختيارٌ لا واجب؟ قيل له: روى مالك...))، ثم ساق حديث عائشة، ثم قال: ((في هذا دلالةٌ على ما وصفتُ من أن المرء لا يحرم بالبعثة بِهَديه. يقول: البعثة بالهدي أكبر من إرادة الضحية))[26]، وبيَّنه الماوردي بقوله -بعد أن ذكر سوق الهدي-: ((وحكمها أغلظ؛ لِسَوقها إلى الحرم، فلما لم يحرِّم على نفسه شيئًا؛ كان غيره أولى إذا ضحى في غير الحرم))[27].

2- أن أن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- ضحى مرةً بالمدينة، وكان مريضًا، ثم حلق رأسه، وكان يقول: ((ليس حِلاق الرأس بواجبٍ على من ضحى))، وقد فعله ابن عمر[28].

قال الباجي: ((ولعله كان امتنع من حلق رأسه وشيءٍ من شعره من أول العشر حين أراد أن يضحي على وجه الاستحباب، وإن لم يرَ ذلك واجبًا -على ما ذكر في آخر الحديث-))[29].

• ويناقش الدليلان بما يلي:
1- أن الراجح عدم ثبوت الحديث مرفوعًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما يصح عن أم سلمة، وعن الصحابة -رضي الله عنهم-، ومن ثم؛ فإنما يقدَّم الصحيح المرفوع -وهو حديث عائشة- على الموقوف، وهذا يؤيد القول الثالث.

ويجاب عن هذا: بأن قول الصحابي حجة -في الأصح-، ولا يصح إهمال أثره في الخلاف؛ خاصةً أنه نُقل عن جمعٍ من الصحابة، وعُلِمَ منهم أحدُ خواصِّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي زوجته أم سلمة -رضي الله عنها-[30].

2- أنه يمكن الجمع بين حديث عائشة وحديث أم سلمة -رضي الله عنهما-، مع بقائهما على ظاهرهما، دون إحالةٍ للحكم إلى الاستحباب. وهذا يؤيد القول الأول.

وقد جمع العلماء بأوجه، منها:
أ- أن حديث عائشة إذا بعث بالهدي وأقام، وحديث أم سلمة إذا أراد أن يضحي بالمِصْر[31].

ب- أن حديث عائشة عامٌّ في إباحة ما سوى الشعر والأظفار، وحديث أم سلمة خاصٌّ بالمنع منهما[32].

ويشكل على الوجه الأول: أنه لا بدَّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى في تلك السنة في إقامته بالمِصْر، مع بعثه الهدي[33]، وسيأتي في أدلة القول الثالث.

3- أن في بعض طرق حديث عائشة -رضي الله عنها-: ((كنت أفتل قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيبعث بهديه إلى الكعبة، فما يحرم عليه شيءٌ مما حَلَّ للرجل من أهله حتى يرجع الناس))[34]، وهذا يبيِّن أن الذي ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يجتنبه؛ هو ما كان يجتنبه من أهله مما يجب على المحرم اجتنابه من أهله في إحرامه، لا ما سواه من حلق شعره، ولا من قص أظفاره))[35].

ويجاب عن هذا: بأن أكثر الرواة لم يذكروا لفظ الأهل، وأن الأصح في الحديث: بقاؤه على عمومه.

4- أن لتقديم حديث أم سلمة على حديث عائشة -رضي الله عنهما- وجهًا؛ من جهتين:
أ- أن ((عائشة تعلم ظاهرًا ما يباشرها به من المباشرة، أو ما يفعله دائمًا، كاللباس والطيب، فأما ما يفعله نادرًا، كقص الشعر، وقلم الأظفار، مما لا يفعله في الأيام إلا مرة؛ فالظاهر أنها لم تُرِده بخبرها، وإن احتمل إرادتها إياه؛ فهو احتمالٌ بعيد...))[36].

ب- أن ((عائشة تخبر عن فعله، وأم سلمة عن قوله، والقول يقدم على الفعل؛ لاحتمال أن يكون فعله خاصًّا له))[37].

ويجاب عن الجهة الثانية: بعدم ثبوت حديث أم سلمة -رضي الله عنها- مرفوعًا.

5- يناقش حديث ابن عمر في حلق الرأس بأن هذا لم ((يُذكر أنه من سنة الأضحى، ويمكن أن يكون فعله لمرضه الذي كان يشكو، وقد أخبر أنه ليس بواجبٍ على الناس، ولا هو عند أحدٍ من أهل العلم من سنة الأضحى))[38]، ويحتمل أنه حلق تعظيمًا لذلك اليوم[39]، فالحديث محتمل.

القول الثالث: الإباحة:
وهو ظاهر قول إبراهيم النخعي، وسعيد بن المسيب -في إحدى الروايتين-، والليث بن سعد، ونَسَبَه إلى ((الناس))، وهو قول أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام -أحد الفقهاء السبعة-، وعطاء بن يسار، وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، ومالك -في رواية-، وأبي حنيفة[40].

• ومن أدلة هذا القول:
1- عدم ثبوت النهي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعارضته بحديث عائشة -رضي الله عنها- المذكور، ((ومجيء حديث عائشة -رضي الله عنها- أحسن من مجيء حديث أم سلمة -رضي الله عنها-؛ لأنه جاء مجيئًا متواترًا، وحديث أم سلمة -رضي الله عنها- لم يجئ كذلك, بل قد طُعن في إسناد حديث مالك؛ فقيل: إنه موقوف على أم سلمة -رضي الله عنها-))[41].

2- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى في السنة التي بعث فيها بالهدي؛ إذ لم يؤثر عنه خلافُ ذلك، وكان من عادته الأضحية، وكان يحثُّ عليها ويأمر بها[42].

وقد نقلت عائشة -رضي الله عنها- أنه لم يحرم عليه شيء في تلك السنة، فدلَّ على أن الأخذ من الشعر والأظفار غير محرَّم على من أراد الأضحية[43].

3- النظر والقياس؛ قال الطحاوي: ((قد رأينا الإحرام ينحظر به أشياء مما قد كانت كلها قبله حلالاً, منها: الجماع, والقبلة, وقص الأظفار, وحلق الشعر, وقتل الصيد, فكل هذه الأشياء تحرم بالإحرام, وأحكام ذلك مختلفة: فأما الجماع فمن أصابه في إحرامه؛ فسد إحرامه, وما سوى ذلك لا يفسد إصابته الإحرام، فكان الجماع أغلظ الأشياء التي يحرمها الإحرام.

ثم رأينا من دخلت عليه أيام العشر وهو يريد أن يضحي؛ أن ذلك لا يمنعه من الجماع، فلما كان ذلك لا يمنعه من الجماع -وهو أغلظ ما يحرم بالإحرام-؛ كان أحرى أن لا يمنع مما دون ذلك))[44].

وقال ابن عبدالبر: ((وقد أجمع العلماء على أن الجماع مباحٌ في أيام العشر لمن أراد أن يضحي؛ فما دونه أحرى أن يكون مباحًا))[45].






يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.38%)]