عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 16-02-2020, 11:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صور من الفسـاد المـــالي بينـتـهـا السنـة النبـويـة

صور من الفساد المالي بينتها السنـة النبـويـة (2) الفسـاد المالي في الصدقات


د. محمد عودة أحمد الحوري

تعد الصدقات من العبادات المالية، ورأسها الزكاة، وهـي ركـن مـن أركـان الإسلام العظيم، ولما كانت كذلك وجب حفظها من كل ما مـن شـأنه تـأخير تحقيـق المصلحة أو منعها، والمتتبع للأحاديث الواردة في الزكاة يجد أنهـا تضـمنت جملـة مـن المبادئ التي تمنع من وقوع الفساد المالي فيها الحال أو المآل، ومما يميز المنهج الإسلامي في محاربة الفساد المالي اعتماده على جانب التربية الإيمانية لمنع وقـوع هـذه الصور، أو علاجها بعد وقوعها.

ومن أبرز صور الفساد المالي التي تقع في الزكاة

أولا: منع الزكاة.

منع الزكاة أعظم صور الفساد المتعلقة بها؛ فالزكاة حق واجب في المال، وهـي طهرة له، وسبب لنمائه، ولكن بعض من يجهل أو يتناسى أن المال مـال الله -جـل وعـز-، وأنه مستخلف فيه، تغلبه نفسه الشحيحة؛ فيعمد إلى منع الزكاة، وقد حذر القرآن الكريم من هذا السلوك الخطأ، وبين عاقبته الوخيمة، فقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}(التوبة: 34 - 3ظ¥).

وأكدت السنة النبوية صورة هذا العذاب الأليم فيما رواه أبو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم : «ما مِن صاحِِب كنزٍ لا يؤدى زكَاتَهُ،ِإلاُ أحِْمى عليهِ في نار جهنم؛ فَيجعل صفاِئح فيكوىِ بهاجنباه وَجبِينه، حتى يحكمَ الله بين عِباِده في يومٍ كان مِقداره خمسِين ألف سنةٍ، ثُم يرى سبِيله، إِما إلى الجنة، وإِما إلى النار، وَمَا مِنْ َصاحِب ِإِبلٍ لا يُؤَدى زكاتها، ِإلا بطِح َلها بِقاع قرقرٍ كأَوفَرِ ما كانت تستَن علَيه كلمَا مَضى عليه أخراها رُدتَْ عليه أولاهَا،حَتىَ يحكم الله بين َعِباِدهِ في يومٍ كان مِقدارهُ خمسين ألف سنة».

سبب العقوبة

وبين العراقي -رحمه الله- سبب هذه العقوبة؛ لأن في منع الزكاة منعا للانتفاع بها وتعطيلا للحقوق؛ فيقول: «لِأَنه قََصدَ بِمنع ِحق اللهِ فِيهَا الِارتِفاق َوَالِانْتِفَاَع بِمَا مََنعَهُ مِْنهَا؛َ فكَان ذلِكَ الِذي قََصد الِانْتِفَاَع بِهَِ أضر الَْأشياءَ عليهِ،َ وُسلط عليهِ،حتـى باشَـر عُقُوبَتهُ بِنَفْسِهِ»، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.

كيفية العلاج

وأما عن كيفية محاربة هذا النوع من الفساد بعـد التهديـد والوعيـد الأخـروي؛ فجاء العلاج موازيا للضرر الناتج عن الفعل؛ فروي عن َرسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهَ قالَ: «مَنَ ْأعْطَاهَا مُؤَْتجًِراَ فلَه أجرهَا، وَمَنْ مََنَعهَا فَإِنا آِخذُوهاَ وشطرََ مالِهِ، عزمَة مِن عزَمات رَبَنا -عز وجل-، لَْيسَ ِلآلِ محمدٍ منها شيء»، وهذه العقوبة المادية تعد رادعا لهوى النفس وشحها، قال ابـن القـيم-رحمه الله-: «وَِفي ثبُوت شرعية العقوبات الَْمالِية أَحَادِيث عدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لَمْ يَثْبُت َنسْخهَا ِبحجةٍ، َوعَمِلَ ِبهَا اْلخلََفـاء َبعْـده؛ فَـِإن العُقُوبَـة ِإنمَـا تَسُـوغ ِإذَا كانَ المعَاقَب متَعديا بِمَْنعِ وَاجب، أوْ ِارِتكَاب محْظُور».

ثانيا: إخراج الزكاة من الرديء دون الجيد

يعمد بعض الناس إلى تعطيل دور الزكاة في بناء المجتمع؛ وذلك بمنع مسـتحقيها من امتلاك حقهم كاملا، وهي حِيَلٌ، منهـا: أن يعمـد إلى الـرديء مـن الأصـناف فيجعله زكاة المال؛ ولمنع ذلك حددت السنة النبوية مـا ُيخْـرج زكاةً بـأن يكـون مـن أوسط المال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأعطى زكاةَ ماله طيبَـةً بهـا نفسُه راِفدةً عليه كل عامٍ، ولم يعطهِ الهرِمَة، ولكن مـن وسـط أمـوالكم؛ فـإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره»، ويؤيده حديث أَنس رضي الله عنه ، َحدثَ َأن أَبا بكرٍ رضي الله عنه كتبَ لَه ُالصدَقَةَ التِي أَمَرَ الله َُرسُولَه صلى الله عليه وسلم، وَلا يخْـَرُج ِفـي الصـدَقَةِ هَرمة، وَلا ذات عَوار، وَلا تَْيسٌ ِإلا ماشاءَ المصدق».

وفي منع إخراج الناقص والمعيب مراعاة واضحة لمنفعة المسـتحقين، كمـا أن في منع أخذ التيس مراعاة لمنفعة صاحب المال. قـال الطـبري-رحمه الله: جعـل الـنبي المشيئة إلى المصدق في أخذ ذلك وتركه؛ فالواجب عليـه أن يعمـل بما فيـه الصلاح لأهل الصدقة، ورب الماشية، بما يكون عدلا للفريقين».

ثالثا: أخذ الزكاة من أجود أنواع المال دون إذن صاحبه.

كما يعد إخراج رديء المال نوعا من أنواع الفساد؛ لما فيه من تعد على منفعة المستحق؛ فإن إخراج أجود أنواع المال دون إذن صاحبه، يعد نوعا من إفسـاده؛ لما فيـه من إضرار برب المال، يدل على ذلك صراحة –غير ما ذكر آنفا وأوضـح منـه- قـول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه : «فَأَخْبِرْهُم َْأن اللهَ افْتَـرَضَ َعلَـْيهِمْ َزكاةًِ في أَمْوَاِلهِمْ؛ فَإَِذا أقَرواِ بذَلِكََ فُخذْ مِْنهُمْ، وَتََوق كَرَاِمَ أَمْوَالِ الناس».

توجيه نبوي

فهـذا توجيـه نبـوي شـريف بوجـوب مراعـاة مصـلحة رب المال، يقـول الخطابي-رحمه الله- تعليقا على نهيه صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ الصدقات من راضع لبن، قوله: لا تأخذ مـن راضع: الراضع ذات الـدر؛ فنهيـه عنهـا يحتمـل وجهين: أحدهما ألا يأخذ المصدق عن الواجب في الصدقة؛ لأنها خيار المال».

ويلتحق بهذه النوع أن يطلب من المزكي فوق ما يجب عليـه، أو يطلب منـه زكاة ما لم تجب فيه الزكاة؛ فجاءت السنة النبوية ببيان أنه لا يؤخذ من المزكي أكثر مما وجب عليه، أو زكاة ما لم تجب زكاته، ينص على ذلك حديث أَنس رضي الله عنه أن أَباَ بكْرٍ رضي الله عنه كتب له هـَذا اْلكِتَـاب لَما وَجهَـهُ إلى الَْبحْـرَيْن: «بسْـمِ الله الرحْمَن ِالرحِيمِ،َ هِذه فَرِيضَةُ الصدَقَةِ التي فَرَضََ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم َعَلىالْمُْسلِمِين، التي أَمَرَ الله ِبهَاَ رسُولَه؛ فَمَنْ سُِئَلهَامِـنَ الْمسـلِمين عَلـى وَْجِههَـا فليعِطهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوَْقهَاَ فلا يعط، ومن لم يكن معهِ إلا أربـع مِـنَ الإبِـل ِفلَـْيسَ فِيهَا صدَقَةٌ ِإلا أنْ يشاءَ رَبهَا...)، قال الطيبي-رحمه الله-: «إلا أن يشاء ربها» أي: صاحبها، أن يتبرع ويتطـوع، مبالغة في نفي الوجوب.

وأما ما أخرجه صاحبه، طيبة به نفسه؛ فيقبل منه، ويرجى له البركة؛ لماروى عن ابن أَبيّْ كعب رضي الله عنه أن رجلا أحب أن يتصدق فوق ما يجب عليه؛ فََقالَ لَهُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم : «هَذا مَا علَيْك؛ فَِإنْ جِئْتَ بِفَوْقِـه ِقَِبلْنَـاه مِنـكَ»، قالَ: يا رسُولَ الله، هذه ناقَة عَظِيمَة سَمِينَة فَمُرْ يِقَبْضهَا؛ فأمَرَ َرسُـول الله صلى الله عليه وسلم بقَبْضهَا، وَدعا لَهُ ِفي مالِهِ ِبالبَركاَةِ.

رابعاً: الجمع بين متفرق، أو التفريق بين مجتمع خشية الزكاة

وفيه حديث ثَُمامَة بْنِ عَْبدِ اللهِ بْنِ َأَنسٍ، أن أَنسًـا حدثَـهُ أن أبَـا بكْـرٍ كَتَـب لَـهُ فَرِيضَةَ الصدَقَةِ التي فَرَضََ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم«ولا يجمع بَيْنَ مُتَفرقٍ، وَلا يُفَرق بَيْنَ مجْتَِمعٍ خَشْيَة الصدَقَةِ».

فأمر كل واحد منهما ألا يحدث في المال شـيئًا مـن الجمـع والتفريـق خشـية الصدقة، وفي هذا النص دلالة واضحة على منع الإضرار، قال العيني -رحمه الله-: «وإنما نهي عنه؛ لأنه هروب عن أداء الحق الواجب عليه، وإجحاف في حق الفقير».

وقال ابن حجر -رحمه الله-: «وََقالَ الُْمَهلب: قََصـدَالُْبخَـاِري أن كل حِيلَـةٍ يََتحَيلُ ِبهَا أَحدٌ ِفي ِإسْقَاط الزكاةِ؛ فَِإن ِإثْمَ ذَلِكَ َعلَيْهِ؛ لَِأن النبي صلى الله عليه وسلم لَما مََنعَ مِن ْجَْمعِ اْلغَنَمَِ أوْ تَفْرِقَِتهَا خَشْيَةَ الصدَقَةُ ِفهِم مِنْـهَ هـَذا الَْمعَْنـى، وَُفهِـمَ مِـنْ حدِيثَِ طْلحَةَ ِفي قَوْلِه: أْفلَحَِ إن صَدَق أن مَنَْ رامَ أن يَـنُْقصَ شَـيْئًا مِـنْ فَـرَاِضِ اللهِ ِبحِيلَةٍ يحَْتاُلهَا أنهُ لَا يُْفلِحُ،َ قالَ: وَمَا أَجَابَ بِه الْفَُقَهاُء مِنْ تَصَرف ِِذي الَْمالِِ فيَ مالِـهِ قُرْبَ ُحلُولِاْ الحَوْلِ، ثُم ُيرِيدُِ بذَلِك الْفَِرارَ مِنَ الزكَاةِ، وَمَنْ نََوى ذَلِكََ فالْإثم عَنه غَيْـرُ سَاقِط».
خامسا: إعطاء الزكاة لمن لا يستحقها.

حددت مصارف الزكاة بقوله -تعالى-: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَبِيلِ فَرِيضَة مِنَ اللهِ واللَه علِيم حَكِيم}(التوبة: 60)، وحذرت السنة النبوية أن تعطى لغير مستحقيها، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «لا تحل الصدقةُ لغني، ولا لذِي مِرةٍ سَوي».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.87 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.79%)]