والمقصود أنه جعل دية الحر بمقدار لا يزيد ولا ينقص، فلا يفضل عالم على جاهل، ولا عاقل على عادمه، ولا حسن الخلق والخلق على ضده، ولا من اتصف بصفات الكمال والعقلية والبدنية على من هو دونه، بل جعل الجميع في الدية سواء، وفي الفطرة وفي المواريث والأوقاف والوصايا وغيرها؛ لأن هذه التعددات[92] تشبه العبادات والتكليفات التي يشترك الناس فيها، ولأنه لو جعلت بحسب القيم والصفات، فالأحرار لا يقومون شرعاً، ولو فرض التقويم لحصل من الهوى والحيف والغلط والنزاع والشقاق ما يوجب اشتباك الناس في شرور كثيرة، فتولى الحكيم الرحيم تقديرها، فقدرها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وأراح الناس، وقطع منازعتهم.
ثم إن الصفات الموجودة في الأحرار فيها من التفاوت والفرق العظيم ما عد واحد بأمة عظيمة، فلا يمكن انضباط ذلك، وأيضاً فإن ما هم عليه من الصفات والأخلاق والأعمال ليس القصد تقويمها وتثمينها، وإنما القصد اتصاف العبد بصفات الفضل والكمال، ونيله من ربه على ذلك الفضل والثواب والأجر العظيم، وهذا بخلاف العبيد المماليك، فإنه جارون مجرى الأموال، وقيمهم مضبوطة معروفة، فالحكمة في تفاوتهم في الدية كالحكمة في إتلاف بقية الأموال، فكما أنه مركوز في فطر الناس الفرق بين الأموال النفيسة والدنية في الإتلافات، مركوز في فطرهم الفرق بين العبد النفيس والعبد الدنيء، وهذا ظاهر ولله الحمد.
ويدل على هذا المعنى أن الشارع أيضاً قدر في الأعضاء والأطراف كل شيء بحسب منافعه، فما في البدن منه شيء واحد ومنفعته واحدة، أوجب فيه دية كاملة، وما فيه جنس متعدد جعل الدية بحسب تعدده وذلك مفصل.
وقد يجني عليه جناية واحدة تذهب عدة منافع، فيكون عليه ديات بحسب تلك المنافع، مع أنه إذا قتله وأذهب جملة منافعه وأطرافه فليس عليه إلا دية واحدة، والله أعلم"[93].
وقال البخاري: "باب قول الله تعالى: ï´؟ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ï´¾ [النساء:92]"[94].
قال الحافظ: "قوله: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ)، ذكر ابن إسحاق في "السيرة" سبب نزولها (عن) عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش - أي: ابن ربيعة المخزومي - قال: قال القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق: نزلت هذه الآية في جدك عياش بن أبي ربيعة والحارث ابن يزيد من بني عامر بن لؤي، وكان يؤذيهم بمكة وهو كافر، فلما هاجر المسلمون أسلم الحارث، وأقبل مهاجراً حتى إذا كان بظاهر الحرة لقيه عياش بن ربيعة، فظنه على شركه، فعلاه بالسيف حتى قتله، فنزلت.
قوله: ï´؟ إِلاَّ خَطَأً ï´¾ هو استثناء منقطع عند الجمهور إن أريد بالنفي معناه، فإنه لو قدر متصلاً لكان مفهومه: فله قتله، وانفصل من قال: إنه متصل بأن المراد بالنفي: التحريم، ومعنى: ï´؟ إِلاَّ خَطَأً ï´¾ بأن عرفه بالكفر فقتله، ثم ظهر أنه كان مؤمناً، وقيل: نصب على أنه مفعول له أي: لا يقتله لشيء أصلاً إلا للخطأ، أو حال:، أي: إلا في حال الخطأ، أو هو نعت مصدر محذوف أي: إلا قتلاً خطأ (897ب)، وقيل: (إلا) هنا بمعنى: الواو، وجوزه جماعة، وجوزه الفراء بشرط مفقود هنا، فلذلك لم يجزه هنا.
واستدل بهذه الآية على أن القصاص من المسلم مختص بقتله المسلم، فلو قتل كافراً لم يجب عليه شيء، سواء كان حربياً أو غير حربي؛ لأن الآيات بينت أحكام المقتولين عمداً ثم خطأ، فقال في الحربي: ï´؟ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ï´¾ [النساء:89]، ثم قال في من لهم ميثاق: ï´؟ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ï´¾ [النساء:90].
وقال في من عاود المحاربة: ï´؟ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ï´¾ [النساء:91]، وقال في الخطأ: ï´؟ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً ï´¾ [النساء:92]، فكان مفهومها أن له أن يقتل الكافر عمداً، فخرج الذمي بما ذكر قبلها.
وجعل في قتل المؤمن خطأ الدية والكفارة، ولم يذكر ذلك في قتل الكافر فتمسك به من قال: لا يجب في قتل الكافر ولو كان ذمياً شيء، وأيده بقوله: ï´؟ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ï´¾ [النساء:141]"[95].
[1] الروض المربع ص478.
[2] فتح القدير 8/ 302، وحاشية ابن عابدين 6/ 611. والشرح الصغير 2/ 396، وحاشية الدسوقي 4/ 266. وتحفة المحتاج 8/ 451-452، ونهاية المحتاج 7/ 315، وشرح منتهى الإرادات 6/ 94، وكشاف القناع 13/ 354. وانظر: الإجماع 668.
[3] الشرح الصغير 2/ 396، وحاشية الدسوقي 4/ 266.
[4] تحفة المحتاج 8/ 452، ونهاية المحتاج 7/ 316.
[5] شرح منتهى الإرادات 6/ 75، وكشاف القناع 13/ 359.
[6] فتح القدير 8/ 322-323، وحاشية ابن عابدين 6/ 569.
[7] فتح القدير 8/ 302، وحاشية ابن عابدين 6/ 611.
[8] شرح منتهى الإرادات 6/ 95، وكشاف القناع 13/ 356.
[9] تحفة المحتاج 8/ 452، ونهاية المحتاج 7/ 316.
[10] الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 25/ 375.
[11] فتح القدير 8/ 302، وحاشية ابن عابدين 6/ 611.
[12] شرح منتهى الإرادات 6/ 95، وكشاف القناع 13/ 356.
[13] المدونة 6/ 306، والمنتقى 7/ 100.
[14] الشرح الصغير 2/ 396، وحاشية الدسوقي 4/ 266-267.
[15] تحفة المحتاج 8/ 454، ونهاية المحتاج 7/ 317.
[16] فتح القدير 8/ 303، وحاشية ابن عابدين 6/ 611.
[17] شرح منتهى الإرادات 6/ 95، وكشاف القناع 13/ 356.
[18] الشرح الصغير 2/ 395-396، وحاشية الدسوقي 4/ 266.
[19] تحفة المحتاج 8/ 452، ونهاية المحتاج 7/ 316.
[20] فتح القدير 8/ 304-305، وحاشية ابن عابدين 6/ 611.
[21] شرح منتهى الإرادات 6/ 94، وكشاف القناع 13/ 354.
[22] فتح القدير 8/ 305، وحاشية ابن عابدين 6/ 611، وشرح منتهى الإرادات 6/ 94، وكشاف القناع 13/ 354.
[23] المبسوط 26/ 75، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 25/ 368.
[24] الشرح الصغير 2/ 397، وحاشية الدسوقي 4/ 267.
[25] تحفة المحتاج 8/ 455، ونهاية المحتاج 7/ 319.
[26] تحفة المحتاج 8/ 455، ونهاية المحتاج 7/ 319.
[27] تحفة المحتاج 8/ 456، ونهاية المحتاج 7/ 319.
[28] انظر: فتح القدير 8/ 304، وحاشية ابن عابدين 6/ 611.
[29] الشرح الصغير 2/ 397، وحاشية الدسوقي 4/ 267.
[30] تحفة المحتاج 8/ 455، ونهاية المحتاج 7/ 319.
[31] شرح منتهى الإرادات 6/ 94، وكشاف القناع 13/ 354.
[32] فتح القدير 8/ 305، وحاشية ابن عابدين 6/ 611.
[33] الشرح الصغير 2/ 397، وحاشية الدسوقي 4/ 267.
[34] تحفة المحتاج 8/ 455، ونهاية المحتاج 7/ 319.
[35] شرح منتهى الإرادات 6/ 94، وكشاف القناع 13/ 354.
[36] الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 25/ 370-371.
[37] الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 25/ 370
[38] حاشية ابن عابدين 6/ 611.
[39] الشرح الصغير 2/ 396، وحاشية الدسوقي 4/ 266-267.
[40] الشرح الصغير 2/ 397، وحاشية الدسوقي 4/ 267.
[41] الشرح الصغير 2/ 396، وحاشية الدسوقي 4/ 267.
[42] الشرح الصغير 2/ 397، وحاشية الدسوقي 4/ 267.
[43] الشرح الصغير 2/ 397، وحاشية الدسوقي 4/ 267.
[44] انظر: المنتقى شرح الموطأ 7/ 106-107.
[45] تحفة المحتاج 8/ 452-453، ونهاية المحتاج 7/ 316-317.
[46] تحفة المحتاج 8/ 453، ونهاية المحتاج 7/ 317.
[47] تحفة المحتاج 8/ 456، ونهاية المحتاج 7/ 319.
[48] شرح منتهى الإرادات 6/ 99، وكشاف القناع 13/ 380.
[49] شرح منتهى الإرادات 6/ 99، وكشاف القناع 13/ 380-381.
[50] تحفة المحتاج 8/ 453، ونهاية المحتاج 7/ 317.
[51] شرح منتهى الإرادات 6/ 99، وكشاف القناع 13/ 380-381.
[52] الإفصاح 4/ 185-190.
[53] فتح القدير 8/ 303، وحاشية ابن عابدين 6/ 611. والشرح الصغير 2/ 395-396، وحاشية الدسوقي 4/ 266. وتحفة المحتاج 8/ 452، ونهاية المحتاج 7/ 316. وشرح منتهى الإرادات 6/ 95، وكشاف القناع 13/ 356.
[54] المبسوط 26/ 60. والشرح الصغير 2/ 396، وحاشية الدسوقي 4/ 266. وتحفة المحتاج 8/ 451، ونهاية المحتاج 7/ 315. وشرح منتهى الإرادات 6/ 95، وكشاف القناع 13/ 356.
[55] فتح القدير 8/ 302، وحاشية ابن عابدين 6/ 611. والشرح الصغير 2/ 396، وحاشية الدسوقي 4/ 266. وتحفة المحتاج 8/ 451، ونهاية المحتاج 7/ 315. وشرح منتهى الإرادات 6/ 94، وكشاف القناع 13/ 354.
[56] الشرح الصغير 2/ 396، وحاشية الدسوقي 4/ 266-267.
[57] المدونة 6/ 306، والمنتقى شرح الموطأ 7/ 101، والتاج والإكليل 8/ 332.
[58] تحفة المحتاج 8/ 452-454، ونهاية المحتاج 7/ 315-317.
[59] فتح القدير 8/ 300-303، وحاشية ابن عابدين 6/ 611.
[60] الشرح الصغير 2/ 396، وحاشية الدسوقي 4/ 266
[61] الشرح الصغير 2/ 396، وحاشية الدسوقي 4/ 266
[62] الشرح الصغير 2/ 396، وحاشية الدسوقي 4/ 266-267.
[63] الشرح الصغير 2/ 396، وحاشية الدسوقي 4/ 266-267.
[64] المدونة 6/ 306، والشرح الصغير 2/ 396، وحاشية الدسوقي 4/ 267.
[65] تحفة المحتاج 8/ 454، ونهاية المحتاج 7/ 317.
[66] أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 136 و137.
[67] الشرح الصغير 2/ 395-396، وحاشية الدسوقي 4/ 266.
[68] تحفة المحتاج 8/ 452، ونهاية المحتاج 7/ 316.
[69] فتح القدير 8/ 303، وحاشية ابن عابدين 6/ 611.
[70] الاستذكار 8/ 56.
[71] لم أقف عليه عند البخاري، ولعل كلمة البخاري مصحفة عن النسائي. وأخرجه الترمذي 1386، وأبو داود 4545، والنسائي 8/ 43 4802، وابن ماجه 2631، والدارقطني 3/ 173، من طرق عن حجاج بن أرطاة، حدثنا زيد بن جبير، عن خشف بن مالك الطائي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، به.
قال الترمذي: حديث ابن مسعود لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، وقد روي عن عبد الله موقوفاً.
قال الدارقطني: هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث من وجوه عدة انظر: البدر المنير 8/ 415.
[72] أبو داود 4541، وابن ماجه 2630، وأحمد 2/ 178، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود". وانظر: "معالم السنن" 4/ 21 و22.
[73] فتح القدير 8/ 303، وحاشية ابن عابدين 6/ 611. والشرح الصغير 2/ 395-396، وحاشية الدسوقي 4/ 266. وتحفة المحتاج 8/ 452، ونهاية المحتاج 7/ 316.
[74] 4553.
[75] فتح القدير 8/ 303، وحاشية ابن عابدين 6/ 611. والشرح الصغير 2/ 395-396، وحاشية الدسوقي 4/ 266. وتحفة المحتاج 8/ 452، ونهاية المحتاج 7/ 316، وشرح منتهى الإرادات 6/ 95، وكشاف القناع 13/ 356.
[76] تحفة المحتاج 8/ 452، ونهاية المحتاج 7/ 315.
[77] الشرح الصغير 2/ 396-397، وحاشية الدسوقي 4/ 267.
[78] فتح القدير 8/ 304، وحاشية ابن عابدين 6/ 611.
[79] تحفة المحتاج 8/ 456، ونهاية المحتاج 7/ 319.
[80] تحفة المحتاج 8/ 455، ونهاية المحتاج 7/ 319.
[81] المهذب 2/ 252.
[82] أخرجه أبو داود 4542.
قال ابن القيم في زاد المعاد 5/ 27: ثبت عن عمر رضي الله عنه.
وانظر: الإرواء 7/ 305.
[83] الشرح الصغير 2/ 396-397، وحاشية الدسوقي 4/ 266-267.
[84] فتح القدير 8/ 305، وحاشية ابن عابدين 6/ 611.
[85] فتح القدير 8/ 305، وحاشية ابن عابدين 6/ 611.
[86] ابن أبي شيبة 5/ 344 26728
[87] ابن أبي شيبة 5/ 344 26720
[88] بداية المجتهد 2/ 377-380.
[89] ليست في الأصل والمثبت من "الإرشاد".
[90] شرح منتهى الإرادات 6/ 94، وكشاف القناع 13/ 354.
[91] الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 25/ 368.
[92] كذا في الأصل، وفي الإرشاد "المعددات".
[93] الإرشاد ص552-554.
[94] فتح الباري 12/ 212.
[95] فتح الباري 12/ 212-123.