عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 15-02-2020, 11:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,755
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام جراحة التجميل في الفقه الإسلامي

أحكام جراحة التجميل في الفقه الإسلامي
د. محمد عثمان شبير


وقد حرم العلماء قشر الوجه لما فيه من تغيير خلق الله تعالى، ولما يترتب عليه من أضرار يتأذى بها الجلد فيما بعد. واستدلوا لذلك بما يلي:
1 – ما روي الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن القاشرة والمقشورة،والواشمة والمستوشمة، والواصلة والمتصلة ".
2 – وروى الإمام أحمد أيضا عن كريمة بنت همام قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: " يا معشر النساء إياكن وقشر الوجه، فسألتها عن الخضاب. فقالت: لا بأس بالخضاب، ولكني أكرهه لأن حبيبي صلى الله عليه وسلم كان يكره ريحه ".
فالمعنى الذي لأجله نهى عن القشر هو التغيير للخلقة والتعذيب والإيلام بقشر الوجه، ولا يدخل في هذا النهي ما تستعمله المرأة من أدوية ومراهم لإزالة الكلف وتحسين الوجه.
المطلب الثاني
العمليات الجراحية المستجدة
الخاصة بتغيير لون الجسم
حرم الإسلام الوشم والوسم والقشر لما فيها من تغيير الخلقة الأصلية بما هو باق، وتعذيب الإنسان بلا ضرورة. وأجاز استعمال ما لا يكون باقيا من الأصباغ: كالكحل والحناء والكتم والحمرة وغير ذلك.
كما أجاز العلاج والتداوي بالمراهم والكي بحيث لا يترتب عليها ضرر أكبر.
وبناء على ذلك فلا تجوز عملية " صنفرة الوجه " أو قشره للتحسين والتجمل. وتجوز معالجة ما يحدث في الجسم حدوثا غير طبيعي: كالوشم ودوالي الساقين، والأوردة الجلدية التي تظهر في الوجه، والتشوهات التي تحدث نتيجة الحروق أو الحوادث أو غير ذلك ما لم يترتب عليها ضرر أكبر، وهذه كلها داخلة في التداوي المأذون فيه.
" صنفرة الوجه " أو قشره:
تستعمل لإزالة النمش والبقع الجلدية في الوجه عدة عمليات جراحية منها: عملية " ديرما بريزر ": فيجف الجلد بالصنفرة ويوضع عليه شاش بنسلين بعد تخدير الجزؤ المراد علاجه، ثم يترك حوالي أسبوع حتى يكتسي الوجه بقشرة جديدة.
ومنها: طلاء الوجه بمحلول كبريتي يودي لمدة خمسة أيام، في كل يوم أربع مرات حتى تسقط القشرة ويكتسي الوجه بقشرة جديدة.
إذا علمنا أن هذه العمليات لا تقضي على النمش نهائيا، بل يعود بعد فترة كما يقول الدكتور صبري القباني: " ورغم تعدد الوصفات وثبوت فائدتها في إزالة النمش إلا أنه من الثابت أنها لا تفيد في القضاء عليه نهائيا ما دمت تملكين بشرة حساسة وأخلاطا تجول في دمك فتثير حجيراتك المولدة للصيغ كلما صافحتها أشعة الشمس ".
فإذا ثبت عدم جدوى هذه الطريقة في إزالة النمش والبقع الجلدية وربما أدت إلى ضرر في الجلد، فلا تجوز كما بينا في قشر الوجه، والله أعلم.
المبحث الثالث
تجميل قوام الأعضاء بالجراحة
اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون حياة الإنسان في الدنيا على مراحل تبدأ بالتكوين في الرحم وتنتهي بالموت. وهي مراحل طبيعية يمر بها كل إنسان. ولكل مرحلة منها علاماتها وخصائصها. فينفصل الجنين عن أمه بعد اكتمال نموه ليدخل مرحلة الطفولة، وفيها يكون الإنسان ضعيفا وتتدرج أعضاؤه في النمو والاشتداد فتظهر الأسنان، وتكون محددة فلجاء.
وفي مرحلة البلوغ تظهر علامات القوة والشباب، فينبت الشعر الخشن في لحية الذكر ويغلظ الصوت. وفي مرحلة الشيخوخة يدب الضعف في جسمه، فيشيب الشعر، ويتجعد الوجه وينحني الظهر.
من هنا كانت هيئة الأعضاء الأصلية دالة على المرحلة التي يكون فيها الإنسان. وفي هذا المبحث سوف أتكلم عن الأحكام التي تتعلق بتغيير هيئة الأعضاء سواء كانت منصوصا عليها أو مستجدة.
المطلب الأول
الأحكام الفقهية المتعلقة بتعديل قوام الأعضاء
يتعلق بتعديل قوام الأعضاء بعض الأحكام الفقهية التي تختص بالمسائل التالية:
1 – تجميل الأسنان بالتفليج.
2 – تجميل الأعضاء بتغيير هيئتها.
3 – تجميل الأعضاء المبتورة بالتركيب والتثبيت والزرع.
4 – تجميل الأعضاء بقطع الزوائد.
5 – تجميل الأذن بثقبها وتعليق الحلق فيها.
أولا: تجميل الأسنان بالتفليج:
التفليج في اللغة: من فلج الأسنان باعد بينها، والفلج في الأسنان تباعد ما بين الثنايا والرباعيات خلقة. فإن تكلف فهو التفليج.
فالتفليج في الاصطلاح: هو برد الأسنان بمبرد ونحوه لتحديدها وتحسينها. ويقال له الوشر: وهو يرد الثنايا والرباعيات لإحداث فرجة بينهم حتى ترجع المصمتة الأسنان خلقه فلجاء صنعة.
والتفليج تفعله العجوز ومن قاربها في السن إظهارا للصغر وحسن الأسنان، لأن هذه الفرجة اللطيفة بين السنان تكون للبنات الصغار. فإذا عجزت المرأة كبرت سنها والتصقت بالأخرى، فتبردها بالمبرد أو نحوه لتصير لطيفة وتوهم كونها صغيرة.
وقد اتفق فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية على تحريم التفليج بقصد التحسن وإظهار صغر السن، لا بقصد المعالجة والتداوي واستدلوا لذلك بما يلي:
1 – حديث ابن مسعود السابق: " لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ".
2 – وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود أيضا قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النامصة، والواشرة، والواصلة، والواشمة إلا من داء ".
المعنى الذي لأجله نهي عن التفليج:
أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في قوله: " المتفلجات للحسن المغيرات خلق الله " فهو التدليس وإظهار صغر السن بتغيير الخلقة الأصلية تغييرا مبالغا فيه.
ثانيا: تجميل الأعضاء بتغيير هيئتها:
الأصل في ذلك عدم جواز تغيير هيئة الأعضاء بالتصغير أو التكبير أو الزيادة أو النقصان إذا كان العضو في حدود الخلقة المعهودة، لحديث اللعن على تغيير خلق الله: " لعن الله الواشمات.. والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ".
قال الطبري: " لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص التماسا للحسن لا للزوج ولا لغيره ".
وقال ابن العربي: " إن الله سبحانه خلق الصور فأحسنها في ترتيب الهيئة الأصلية، ثم فاوت في الجمال بينها. فجعلها مراتب فمن أراد أن يغير خلق الله فيها ويبطل حكمته، فهو ملعون لأنه أتى ممنوعا ".
ثالثا: تجميل الأعضاء المبتورة بالتركيب والتثبيت والزرع:
اتفق الفقهاء على جواز تركيب أعضاء معدنية بدلا من الأعضاء المبتورة. لما روى عن عبد الرحمن بن طرفة أن جده عرفجة بن سعد قطع أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه فأمره النبي فاتخذ أنفا من ذهب. وفي رواية: " فأمره النبي أن يتخذه من ذهب ".
فقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم الذهب للحاجة. أما في حالة وجود مادة أخرى كالبلاستيك تقوم بما يقوم به الذهب فلا يجوز استعمال الذهب.
وفي حالة تحرك السن أجاز الفقهاء شدها بالفضة، واختلفوا في جواز شدها بالذهب: فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة ومحمد بن الحسن الشيباني وأبي يوسف في رواية إلى جواز شد السن المتحركة بالذهب إذا خشي عليها أن تسقط لحديث عرفجة السابق.
وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف في رواية إلى عدم جواز شد السن المتحرك بالذهب لأنه محرم ولا يباح إلا للضرورة، وقد اندفعت في السن بالفضة، فلا حاجة للذهب.
والراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من جواز ربط السن المتحرك بالذهب في حالة عدم وجود معدن آخر يقوم مقامه.
وقد أجاز جمهور الفقهاء وصل عظام الإنسان بعظم الحيوان الطاهر وخياطة الجرح بعصب الحيوان الطاهر.
قال النووي: " إذا انكسر عظمه فينبغي أن يجبره بعظم طاهر قال أصحابنا: ولا يجوز ان يجبره بنجس مع قدرته على طاهر يقوم مقامه ".
وقال أبو حنيفة فيمن سقطت سنه: " يأخذ سن شاة ذكية ويشدها مكانها ".
وقال محمد بن الحسن: " ولا بأس بالتداوي بالعظم إذا كان عظم شاة أو بقرة أو بعير أو فرس أو غيره من الدواب إلا عظم الخنزير والآدمي فإنه لا يمكن التداوي بهما، ولا فرق بين أن يكون ذكيا أو ميتا أو رطبا أو يابسا ".
هذه النصوص تدل على جواز وصل الأعضاء بأجزاء الطاهر ولا يجوز الوصل بأجزاء الحيوان النجس إلا للضرورة.
رابعا: تجميل الأعضاء بقطع الزوائد:
الزوائد إما يولد بها الإنسان، وإما أن تكون حادثة فتوجد نتيجة مرض.
1 – الزوائد التي يولد بها الإنسان:
إذا خلق الله للإنسان أصبعا زائدة أو سنا زائدة، فهل يجوز قطعها أم لا ؟
اختلف الفقهاء في ذلك. ويرجع سبب الاختلاف إلى أن هذه الزوائد هل هي جزء من الخلقة الأصلية التي لا يجوز تغييرها، أم أنها نقص وعيب في الحلقة المعهودة ؟
فنص الإمام أحمد على عدم جواز قطع هذه الزوائد وذهب الطبري إلى أنه لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص التماسا للحسن، لا للزوج ولا لغيره: كمن تكون لها سن زائدة فتقلعها أو طويلة فتقطع منها، وكل ذلك داخل في النهي، وهي من تغيير خلق الله تعالى.
واستثنى الطبري من ذلك ما يحصل به الشرر والأذية: كمن يكون لها سن زائدة أو طويلة تعيبها في الأكل، أو أصبع زائدة تؤذيها فيجوز ذلك. والرجل في هذا الأخير كالمرأة.
وذهب كثير من فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن هذه الزوائد عيب ونقص في الخلقة المعهودة. وقطعها يزيل ذلك النقص والشين، ويزيد الجمال.
جاء في الجوهرة النيرة: " وفي الأصبع الزائدة حكومة عدل تشريفا للآدمي، لأنها جزء من يده، لكن لا منفعة فيها ولا زينة، وكذا السن الزائدة ".
وقال الشيخ عليش في تعقيبه على عبارة الشيخ خليل: " في السن الزائدة " لاجتهاد فيه نظر لأن أرش الحكومة والاجتهاد إنما يتصور في النقص، وربما كان قطع الزائد لا يوجبه ـ أي لا يوجب النقص ـ أو يوجب زيادة فيكون كخصاء العبد يزيد في قيمته، وقد يجري على الأصبع الزائدة وجميع ما في الفم من الأسنان.
وقال ابن قادمة: " لأن هذه الزوائد لا جمال فيها، إنما هي شين في الخلقة، وعيب يرد به المبيع وتنقص به القيمة، فكيف يصح قياسه على ما يحصل به الجمال ؟ ".
يلاحظ من النصوص السابقة أن الاعتداء على الزوائد لا يوجب دية على المعتدي، لأنه لم يذهب منفعة ولا جمالا، وإنما وجبت عليه الحكومة لقطعها من دون إذن صاحبها، ولو قطعها بإذنه أو إذن وليه لا شيء عليه.
جاء في فتاوي قاضيخان: " وفي الفتاوى إذا أراد أن يقطع أصبعا زائدة أو شيئا آخر قال أبو النصر رحمه الله: إن كان الغالب على من قطع مثل ذلك الهلاك فإنه لا يفعل، لأنه تعريض النفس للهلاك. وإن كان الغالب هو النجاة، فهو في سعة من ذلك. رجل أو امرأة قطع الأصبع الزائدة من ولده. قال بعضهم: لا يضمن، لأنه معالجة ولهما ولاية المعالجة،ولو فعل ذلك غير الأب والأم فهلك كان ضامنا لعدم الولاية. وقال بعضهم: ليس للأب والأم أن يقطع وإن قطع وأوجب وهنا في يده كان ضامنا. والمختار هو الأول: إلا أن يخاف التعدي أو وهنا في اليد ".
وخلاصة القول في ذلك أن الزوائد التي يولد بها الإنسان عيب ونقص في الخلقة المعهودة ويجوز قطعها بشروط وهي:
أ – أن تكون زائدة على الخلقة المعهودة كوجود إصبع سادس في اليد أو الرجل.
ب – أن تؤدي إلى ضرر مادي أو نفسي لصاحبها.
ج – أن يأذن صاحبها أو وليه في القطع.
د – أن لا يترتب على قطعها ضرر أكبر كتلف عضو أو ضعفه.
2 – الزوائد الحادثة:
أباح الفقهاءقطع السلعة والتالول والخراج، لأنها لم تكن موجودة في أصل الخلقة، وإنما حدثت نتيجة مرض. فيدخل قطعها في التداوي المأذون به . ويشترط لذلك عدم الخوف من السراية.
خامسا: تجميل الأذن بثقبها وتعليق الحلق فيها:
اختلف العلماء في ثقب أذن البنت لتعليق الحلق فيها فذهب الحنفية والحنابلة إلى جواز ذلك.واستدلوا بما يلي:
1 – روى البخاري عن عبد الرحمن بن عابس قال: سئل ابن عباس أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم ولولا منزلتي منه ما شهدته من الصغر، فأتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت، فصلى ثم خطب، ولم يذكر أذانا ولا إقامة، ثم أمر بالصدقة، فجعل النساء يشرن إلى آذانهن وحلوقهن، فأمر بلالا فأتاهن، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي لفظ للبخاري عن ابن عباس أيضا قال: " أمرهن النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة فرأيتهن يهوين إلى آذانهن وحلوقهن ".
وفي لفظ للبخاري أيضا: " فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها ".
فالخرص: هو الحلق الموضوعة في الأذن.
ووجه الاستدلال: أن الناس كانوا يفعلون ثقب الأذن، فلو كان مما ينهى عنه لنهي عنه القرآن، أو النبي صلى الله عليه وسلم، فعدم النهي يدل على الجواز. وظاهره أن المراد به الأنثى، فلا يحل للذكور.
2 – ما روى الشيخان في حديث أم زرع حيث قالت: زوجي أبو زرع. فما أبو زرع ؟ أناس من حلي أذني، وملأ من شحم عضدي.. ". قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كنت لك كأبي زرع لأم زرع ".
فقولها: " أناس من حلي أذني " أي ملأ أذني بما جرت به عادة النساء من التحلي به في الآذان من القرط أو الحلق، فعبرت بأناس لتبين أن زوجها أثقل أذنها بالقرط، حتى تدلى وتحرك. وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم ما فعله أبو زرع، كما أقر التحلي بالقرط في الأذن. وهذا لا يكون إلا بعد ثقبها.
3 – ما روى الطبراني في الأوسط في ترجمة أحمد بن القاسم من حديث عطاء عن عباس قال: " سبعة من السنة في الصبي يوم السابع: يسمى، ويختن، ويماط عنه الأذى، وتثقب أذنه، ويعق عنه، ويحلق رأسه، ويلطخ بدم عقيقته، ويتصدق بوزن شعره في رأسه ذهبا أو فضة ".
فقد نص الحديث على أن ثقب الأذن سنة.
4 – ولأن المرأة تحتاج إليه في التجميل والتزين، وهما حاجة من حاجاتها الأساسية، فيجوز لها ثقب الأذن للزينة.
وذهب الشافعية إلى عدم جواز ثقب الأذن، فقال الغزالي: "لا أرى رخصة في تثقيب آذان الصبية، لأجل تعليق حلق الذهب فيها، فإن هذا جرح مؤلم ومثله موجب للقصاص، فلا يجوز إلا لحاجة مهمة كالفصد والحجامة والختان، والتزين بالحلق غير مهم، بل تعليقه على الأذن تفريط، وفي المخانق والإسورة كفاية وهو حرام،والمنع منه واجب.
والاستئجار عليه غير صحيح.
والأجرة المأخوذة عليه حرام إلا أن يثبت من جهة النقل فيه رخصة، ولم يبلغنا إلى الآن فيه رخصة ".
وأيد هذا الرأي ابن الجوزي الحنبلي، وقاسه على الوشم، فقال: " النهي عن الوشم تنبيه على منع ثقب الأذن، وكثير من النساء يستجزن هذا في حق البنات، ويعللن بأنه يحسنهن ، وهذا لا يلتفت إليه؛ لأنه تعجل أذى لا فائدة منه فليعلم فاعل هذا أنه آثم معاقب ".
وقال ابن عقيل الحنبلي في الفصول: " ويفسق في الذكر وفي النساء يحتمل المنع. واستدل لذلك بقوله تعالى: (ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان النعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ). فقوله: (فليبتكن آذان الأنعام) أي يقطعونها، وهذا يدل على أن قطع الأذن وشقها وثقبها من أمر الشيطان، فإن البتك هو القطع، وثقب الأذن قطع لها، فهذا ملحق بقطع آذان الأنعام.
مناقشة واختيار:
أولا: مناقشة أدلة الحنفية والحنابلة:
1 – يجاب عن حديث ابن عباس بأنه لا يدل على جواز نقب أذن الأنثى من وجهين.
الأول: لا يلزم من لبس الحلق تعليقه في ثقب الأذن، بل يجوز أن يشبك في الرأس بسلسة لطيفة، حتى تحاذي الأذن وتنزل عنها.
والثاني: عدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على ثقب الأذن لا يدل على الجواز، بل يحتمل أنهن ثقبن آذانهن قبل الشرع، فيغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء.
ويجاب عن الأول بأن عادة النساء في الحلق تعليقه في ثقب الأذن لا شبكه في سلسلة.
ويجاب عن الثاني بأن عادة ثقب الأذن مستحكمة بين النساء في القديم والحديث، فلو كانت ممنوعة لنبه النبي صلى الله عليه وسلم على منعها، أو نزل فيها قرآن.
2 – وأجابوا عن حديث أم زرع بمثل ما أجابوا عن الحديث السابق.
3 – وأما حديث ابن عباس: " سبعة من السنة.. " فهو ضعيف، لأن فيه رواذ بن الجراح وهو ضعيف.
4 – وأما القول بأن المرأة تحتاج إليه في التزين فأجابوا عنه بأن ثقب الأذن جرح مؤلم لا يجوز إلا لحاجة مهمة كالختان.
فيجب عنه بأن ثقب أذن الصغيرة لا يحصل منه إلا ألم خفيف وهو يباح لحاجة التزين.
ثانيا: مناقشة أدلة الشافعية ومن معهم:
1 – القياس على بتك آذان الأنعام قياس فاسد: فإن الذي أمرهم الشيطان به أنهم كانوا إذا ولدت لهم الناقة خمسة أبطن فكان البطن السادس ذكرا شقوا أذن الناقة وحرموا ركوبها والانتفاع بها، ولم تطرد عن ماء ولا عن مرعى وقالوا هذه بحيرة فشرع لهم الشيطان في ذلك شريعة من عنده. وهذا يختلف عن ثقب أذن الأنثى للحلية.
2 – وأما القياس على الوشم فلا يصح، لأن الوشم تغيير لخلق الله بما هو ثابت، وهو إيلام للحي بلا فائدة.وثقب الأذن ليس فيه تغيير لخلق الله تعالى، وقد أجيز لحاجة التزين.
بهذا يتبين أن الراجح ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة من أن ثقب أذن الأنثى جائز؛ لسلامة أدلتهم، ولأن فيه سد حاجة فطرية عند المرأة: وهي التزين ولأن الألم الذي يحصل نتيجة الثقب خفيف جدا.
المطلب الثاني
العمليات التجميلية المستجدة المتعلقة
بتعديل قوام الأعضاء
العمليات التجميلية التي يمارسها جراحو التجميل اليوم قسمان: عمليات تعرض الفقهاء لها بالتكييف الشرعي والحكم: كالتفليج: " تباعد الأسنان " وبناء الأعضاء من المعادن: كبناء من ذهب أو فضة، وإزالة الزوائد والتشوهات الخلقية، وثقب الأذن.
والقسم الثاني من هذه العمليات: هي العمليات الجراحية المستجدة التي لم يتعرض لها الفقهاء بأحكام تفصيلية، وتحتاج هذه العمليات إلى حكم شرعي، ويكون ذلك بالتخريج وتطبيق القواعد العامة. ومن هذه العمليات:
1 – تغيير هيئة الأعضاء بالزيادة والنقصان.
2 – بناء الأعضاء بحيث يستقطع جزء من الآدمي ويزرع في محل العضو المبتور.
3 – شد التجاعيد.
4 – إزالة الشحوم بعملية جراحية.
أولا: تغيير هيئة الأعضاء بالزيادة والنقصان:
تلجأ بعض النساء وبخاصة القينات والممثلات إلى تغيير أشكال الأعضاء الظاهرة: كالأنف والأذن الفك والشفة والفك والذقن والثديين؛ رغبة في الحسن والجمال ولفت نظر المشاهدين إليهن.
تقول ( ياولا يندسكو) وهي ممثلة إيطالية: لقد أقدمت على عملية تجميل الأنف بوصفي ممثلة، وليس بوصفي امرأة، وقد انقضى الآن شهران على ذلك.. كان الجميع قبل ذلك يقولون: إن عيبي الوحيد هو ذلك التقوس البسيط الذي يظهر في أنفي، فما أن لاحت لي فرصة إجراء العملية حتى أقبلت عليا بنفس مطمئنة وخاصة أن الطبيب أكد لي أنه ليس هناك أي خطر منها على أن الشيء الذي أود أن أسر به إلى سائر النساء هو أنه لو لم تكن مهنتي هي التمثيل في السينما لما جرؤت على هذه العملية خاصة أن فيها بعض المتاعب.. ومن ذلك: أني أمضيت أسبوعين أتنفس ليلا ونهار من فمي، ولا أستطيع أن أنقلب على الوسادة عند النوم يمينا أو يسارا، وإلا ضاع أثر العملية.
وتقول (شبيلا جابل): كنت في بداية العمل في السينما، وكان ذلك حوالي عام 1960 م ولم أكن اسمع من المخرجين الذين قدموني إلا العبارة التالية: " لن مهري في السينما ولك هذا الأنف " فإذا كان أنفي يحد من انطلاقي ويمنعني من الظهور أمام الجمهور،وفكرت طويلا في الأمر، ثم عزمت على الإطاحة بهذا الأنف، وأسلمت نفسي لجراح مشهور وأجريت لي الجراحة.
وعن الدوافع التي تحمل النساء على طلب تدخل العلم الحديث لتغيير هيئة الأعضاء الظاهرة يقول ( البورفسور جان فرانكو كوريجا) وهو متخصص في جراحات التجميل: إنها اساسا رغبة المرأة في إشباع نزعة غرور تعتريها، أو تطلعها إلى فترة ثانية من الشباب بعد تقدمها في العمر.
وقبل أن أبين حكم الشرع في مثل هذه العمليات أذكر قصة الفتاة الأمريكية (كاثي ليوك) التي نشرتها جريدة الأخبار القاهرية. إن هذه الفتاة استبدلت بوجهها وجها آخر ياباني حتى تستطيع أن تتزوج من الشاب الياباني الذي أحبته.. وكانت (كاثي( قد تقابلت مع هذا الشاب في مدينة (يوكوهاما) حيث كانت ترافق والدها في رحلة عمل وأحبته إلى حد العبادة إلا أن أسرته كانت من الأسر اليابانية المحافظة فرفضت أن تزوجه إلا من إحدى الفتيات اليابانيات.. وإزاء ذلك: وحتى تستطيع أن تتزوجه ذهبت إلى أحد جراحي التجميل وطلبت منه أن يغير ملامح وجهها حتى تبدوا كاليابانيات، فقام الطبيب بتعريض أنفها وتغيير شكل حاجبيها حتى تصبح عيونها ضيقة وبعد كل هذا رفضت الأسرة الزواج.
أما عن حبيبها فلم يعجبه وجهها الجديد وتركها وتزوج من فتاة يابانية، وهكذا تلقت كاثي صفعة قوية في حبها، ولجأت مرة أخرى لجراحة التجميل لاستعادة وجهها الأمريكي.
يلاحظ مما سبق عرضه أن دوافع عمليات تغيير هيئة الأعضاء هي:
1 – إشباع نزعة غرور عند المرأة فتتطلع إلى تحسن مبالغ فيه بتغيير خلق الله تعالى.
2 – التدليس بأن تتطلع الكبيرة في السن إلى فترة ثانية من الشباب.
فإذا كانت هذه هي دوافع التعديل فلا يجوز إجراء تلك العملية، ويكون الطبيب الذي أجراها والمرأة التي فعل بها ذلك آثمين، لأنه تغيير لخلق الله تعالى وتدليس كما في تفليج الأسنان. والله أعلم.
ثانيا: بناء الأعضاء بحيث يستقطع جزء من الآدمي ويزرع في محل العضو المبتور:
إذا تعرض عضو من الأعضاء لبتر نتيجة حادث مروري، فهل يجوز بناؤه من جديد ؟ بحيث يستقطع جزء من الآدمي ويزرع في مكان العضو المبتور. ومن الأمثلة على ذلك بناء الأنف حيث يستخدم في بنائه شرائح جلدية تنقل إلى الأنف إما من الجبهة أو من جدار البطن، ثم تقوى بعظم يؤخذ إما من القفص الصدري أو الحوض.
لم يتعرض الفقهاء لمثل هذه العلميات وإنما عرضوا لحكم بناء الأعضاء من المعادن كالذهب والفضة، كما تعرضوا لحكم استقطاع قطعة من الفخذ ليأكلها المضطر، حيث قال النووي: " ولو أراد المضطر أن يقطع قطعة من فخذه أو غيرها ليأكلها، فإن كان الخوف منه كالخوف في ترك الأكل أو اشد حرم، وإلا جاز على الأصح بشرط ألا يجد غيره، فإن وجد حرم قطعا ".
فإذا جاز أخذ القطعة من الجسم للأكل،وهو إتلاف لها بالكلية جاز أخذ الجلدة لزرعها في موضع من جسمه لإزالة شين فاحش، لا سيما وأن الشين الفاحش في العضو الظاهر كخوف طول المرض كما قال الزركشي.
وينبغي أن يقيد جواز الاستقطاع بقصد الزرع بالقيود التالية:
1 – أن يتعين عليه استعمال ذلك الجزء من الآدمي، بحيث لا يوجد غيره يقوم مقامه.
2 – أن يكون الضرر المترتب على عدم الزرع بقصد التجميل أعظم من الضرر المترتب على عدم مراعاة المحظور.
3 – أن يغلب على ظنه نجاح العملية الجراحية.
4 – أن لا يترتب على الاستقطاع ضرر أكبر ككسر أية عضو أو تلفه.
ثالثا: شد التجاعيد:
التجاعيد تظهر في الجسم نتيجة فقدان مرونة الجلد، ووقف حيوية بعض خلاياه، فتبدوا ثنيات خفيقة على سطح البشرة، ثم تتضاعف هذه الثنيات، وتتعمق في داخل الجلد، فتظهر التجاعيد.
فالتجاعيد في الشيخوخة تكون طبيعية حيث نقل مرونة الجلد، وتقف حيوية بعض الخلايا وتظهر في الشباب نتيجة أسباب غير طبيعية منها: الإسراف في تعاطي الخمور والمنبهات والأمراض الباطنية التي تؤثر على الجهاز الهضمي والبولي وأعضائه المختلفة، والأمراض العصبية والأمراض النفسية الكثيرة كالحزن والكدر والتعب، والأمراض الجلدية المختلفة مثل حب الشباب، والأرق وعدم النوم الكافي للجسم، ومواد الزينة المصنوعة من المواد الكيماوية وغير ذلك.
وعملية شد تجاعيد الوجه تجري داخل شعر الرأي وخلف الأذن، ويستغرق إجراء العملية حوالي سبعة أيام. يكون الوجه فيها متورما بعض الشيء. ونتيجة هذه العلمية ليست نهائية، بل تعود التجاعيد بعد خمس سنوات.
والحكم في عملية شد التجاعيد يختلف تبعا لسن المرأة التي تفعل بها تلك العملية.
فإ كانت كبيرة في السن وحدثت فيها التجاعيد نتيجة الشيخوخة، فلا يجوز لها فعل تلك العملية لما فيها من التدليس وإظهار صغر السن وتغيير خلق الله.
وإن كانت صغيرة في السن وحدثت فيها التجاعيد نتيجة أسباب مرضية فيجوز لها معالجة المرض والآثار المترتبة على المرض كالتجاعيد. بشرط أن لا تؤدي تلك العملية إلى ضرر أكبر. والله أعلم.
رابعا: عملية سحب الدهون من الجسم:
من العمليات الجراحية التجميلية عملية سحب الدهون المتراكمة نتيجة السمنة في مناطق معينة في الجسم، حيث يتم إدخال أنبوبة امتصاص تحت الجلد ويسحب بواسطتها كميات كبيرة من الدهن.
لم يتعرض الفقهاء لمثل هذه العملية وإنما ذكورا حكم الأكل بقصد السمن، والتداوي بقصد السمن، ومن هذه الأحكام:
جاء في فتاوى قاضيخان: " امرأة تأكل الفتيت وأشباه ذلك لأجل السمن قال أبو مطيع البلخي: لا باس به ما لم تأكل فوق الشبع ".
وجاء في فتاوي قاضيخان أيضا: " ويجوز الحقنة للتداوي للمرأة وغيرها كذا الحقنة لأجل الهزال؛ لأن الهزال إذا فحش يؤدي إلى السل ".
وجاء في الفتاوى الهندية: "سئل أبو مطيع عن امرأة تأكل القبقبة وأشباه ذلك تلتمس السمن. قال: لا بأس ما لم تأكل فوق الشبع وإذا أكلت فوق الشبع لا يحل لها ".
وفي الفتاوى الهندية أيضا: " والمرأة إذا كانت تسمن نفسها لزوجها فلا بأس به "
يلاحظ من نصوص الفقهاء السابقة أن تعديل قوام الجسم بتناول الأطعمة أو بالامتناع عنها أو بالتداوي جائز، ما لم يؤد إلى ضرر.
وبناء عليه فإن علمية سحب الدهون من الجسم بقصد التداوي والعلاج جائزة ما لم تؤد إلى ضرر أكبر.
أما سحب الدهون بقصد تخفيف الوزن وتعديل قوام الجسم فيجوز بشرطين:
1 – أن تتعين عملية سحب الدهون بحيث لا توجد وسيلة أخرى تقوم مقامها.
2 – أن لا يترتب عليها ضرر أكبر.
الخاتمة
هذه هي الأحكام المتعلقة بجراحة التجميل حاولت جهدي في استخراج مسائلها وتحرير عللها واستخلاص القواعد الكلية الضابطة لها. وهذه القواعد هي:
1 – الجراحة تعذيب وإيلام للإنسان الحي، فلا تجوز إلا لحاجة أو ضرورة.
2 – أن يتعين على الإنسان إجراء العملية الجراحية، بحيث لا توجد وسيلة أخرى تقوم مقام تلك العملية في سد الحاجة أو دفع الضرورة.
3 – أن يغلب على ظن الطبيب نجاح تلك العملية، فلا يجوز له اتخاذ جسم الإنسان محلا لتجاربه.
4 – أن لا يكون فيها تغيير للخلقة الأصلية المعهودة، فلا يجوز تغيير هيئة عضو من الأعضاء بالتصغير أو التكبير إذا كان ذلك العضو في حدود الخلقة المعهودة.
5 – أن لا يكون فيها مثلة وتشويه لجمال الخلقة الأصلية المعهودة.
6 – أن لا يكون فيها تدليس وغش وخداع، فلا يجوز للمرأة العجوز إجراء عملية جراحية بقصد إظهار صغر السن.
7 – أن لا يترتب عليها ضرر أكبر كإتلاف عضو.
8 – أن لا تكون بقصد تشبه أحد الجنسين ( الذكر والأنثى ) بالآخر.
فلا يجوز للرجال التشبه بالنساء في الزينة التي تختص بالنساء ولا العكس.
9 – أن لا تكون التشبه بالكافرين. فلا يجوز للمسلمين التشبه بالكافرين فيما يختص بهم من أمور الزينة.
10 – أن لا تكون بقصد التشبه بأهل الشر والفجور.
وفي الختام أسأل الله أن يجبر ضعفي، ويقيل عثرتي، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.03 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]