وقولنا: (ويستحق فاعلُه العقاب): أي: إن فعَلَ المكلَّفُ المحرَّمَ، فإنه يكون مستحِقًّا لعقاب الله، وفي هذا ردٌّ على من يُوجب على الله سبحانه وتعالى العقابَ لأهل المعاصي.
وأهل السنة يقولون فيمن فعَل معصية: هو تحتَ مشيئةِ الله سبحانه وتعالى؛ إن شاء الله عذبه، وإن شاء عفا عنه، ولا يوجبون على الله عقاب العاصي.
قال الله تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ï´¾ [النساء: 48].
وقال الله تعالى: ï´؟ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ï´¾ [النساء: 14].
قال الإمام القرطبي: (العصيانُ إنْ أُريدَ به الكفرُ فالخلودُ على بابِه، وإن أُريدَ به الكبائرُ وتجاوزُ أوامرِ اللهِ تعالى، فالخلودُ مستَعارٌ لمدَّةٍ ما، كما تقولُ: خَلَّدَ اللهُ مُلْكَهُ)[16].
4- (وَالكَرَاهَةُ): الكَرَاهة لُغَةً: مصدر كَرُهَ، وهو البُغض، وهو عكس الحُبِّ[17]، ومنه قول الله تعالى: ï´؟ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ï´¾ [الصف: 8].
والمكروه اصطلاحًا: هو ما نهى الشارع عن فِعله ليس على سبيل الحتم والإلزام، بحيث يثاب تاركه امتثالًا، ولا يعاقب فاعله[18].
فقولنا: (ما نهى الشارع عن فعلِه): خَرَج به الواجب، والمستَحب، والمباح كما تقدم في الحرام.
وقولنا: (ليس على سبيل الحتم والإلزام): خَرَج به الحرام، فإنه مَنهيٌّ عنه على سبيل الحتمِ والإلزامِ.
وقولنا: (بحيث يثاب تاركه امتثالًا): خَرَج به ما تُرك على سبيل العادةِ، فلو ترَكَ أكلَ الثومِ والبصلِ لأجلِ أنه لا يُحبُّهما، فلا يُثابُ على تركه.
وقولنا: (ولا يعاقب فاعله): فلو فعلَ المُكلَّفُ المكروهَ لم يعاقبْ على فعلِه إلا أنه يُلام على الفعلِ.
5- (وَالإِبَاحَةُ): الإباحة لُغَةً: مصدر أباح، ومنه أباح السر؛ أي: أظهره وجهَر به، وأباح المحظور؛ أي: جعَله حلالًا[19].
واصطلاحًا: كما سيأتي في كلام شيخنا حفظه الله.
فائدة: الفرق بين (الإيجاب، والوجوب، والواجب)، والفرق بين (الندب، والمندوب)، والفرق بين (التحريم، والحرمة، والمحرم)، والفرق بين (الكراهة، والمكروه)، والفرق بين (الإباحة، والمباح)[20]:
الحكم
أثره في فعل المكلف
الفعل المطلوب على هذا الوجه
الإيجاب
الوجوب
الواجب
الندب
الندب
المندوب
التحريم
الحرمة
المحرم
الكراهة
الكراهة
المكروه
الإباحة
الإباحة
المباح
قال الدكتور الأشقر: (الإيجاب: هو التعبير السليم، وهو طريقة الأصوليين لا الوجوب، ولا الواجب؛ لأن الحكم خطاب الله فمنه (الإيجاب).
ومن قال: (الوجوب) فقد نظر إلى أن الفعل إذا أوجَبه الله فقد وجب وجوبًا.
فالوجوب: صفة الفعل الذي وجب، فهو أثرُ الإيجاب.
ومن قال: (الواجب) فقد نظر إلى الوصف الذي ثبَت للموجب نفسه؛ أي: قد وجب، فهو واجبٌ.
وهكذا يقال في: التحريم، والاستحباب، والكراهة، والإباحة، والمحرم، والحرمة، والمستحب، والمكروه، والمباح على الترتيب)[21].
[1] انظر: تاريخ التشريع الإسلامي، د. مناع القطان، صـ (60).
[2] انظر: مقاييس اللغة، مادة «سقط».
[3] انظر: المفردات في غريب القرآن، للأصفهاني، صـ (854).
[4] انظر: شرح الكوكب المنير (1 /349)، ومذكرة في أصول الفقه، صـ (12).
[5] متفق عليه: رواه البخاري (1)، ومسلم (1907)، عن عمر رضي الله عنه.
[6] انظر: شرح صحيح مسلم، للنووي (13/54).
[7] صحيح: رواه البخاري (7280).
[8] انظر: عمدة القاري، للعيني (25/27).
[9] انظر: لسان العرب، وتاج العروس، مادة «حبب».
[10] انظر: المفردات في غريب القرآن، صـ (215).
[11] انظر: شرح الكوكب المنير (1/402-403)، ومذكرة في أصول الفقه، صـ (17-18).
[12] انظر: مسائل الإمام أحمد بن حنبل برواية صالح، صـ (66).
[13] انظر: العين، مادة «حرم».
[14] انظر: لسان العرب، مادة «حرم».
[15] انظر: شرح الكوكب المنير (1 /386)، ومذكرة في أصول الفقه، صـ (24).
[16] انظر: تفسير القرطبي (5 /82).
[17] انظر: لسان العرب، مادة «كره».
[18] انظر: شرح الكوكب المنير (1 /413-414)، ومذكرة في أصول الفقه، صـ (22).
[19] انظر:العين، ومقاييس اللغة، وتاج العروس، مادة «بوح».
[20] انظر: الوجيز في أصول الفقه، د. عبدالكريم زيدان، صـ (29).
[21] انظر: الواضح في أصول الفقه، د. محمد سليمان الأشقر، صـ (26).