عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 13-02-2020, 04:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث


الجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث (6)
د. عيد نعيمي آل فيصل




إنَّ الحمدَ لله نحمدُه، ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرورِ أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يَهدِه اللهُ فهو المهتدِ، ومَن يُضلِل فلن تجدَ له وليًّا مُرشدًا، وصَلِّ اللهمَّ على سيِّدنا محمدٍ وعلى آله وصحبِه وسلِّم.

ثم أمَّا بعدُ:
لقد شعرت بصُعوبة الكَلام على الشاذِّ والمنكر في المحاضرة السابقة؛ لذلك سوفُ أوجزُ الكلام عليهما دُون إخلالٍ بالمراد، فأقولُ وبالله التوفيقُ.

عند مَن لا يُفرِّقُ بين الشاذِّ والمنكر:
فالتعريف هو: تفرُّد مَن لا يحتملُ حالُه التفرُّد والمخالفة بمثل هذه الرواية، فانظُر أخي -بارك الله فيك- إلى هذا القيد؛ ألا وهو بمثل هذه الرِّواية؛ أي: "القَرائن التي احتفَّت بهذه الرواية فجعلت التفرُّد بها تفرُّدًا منكرًا".

ذكرنا أنَّ المتقدِّمين يسمُّون المنكر خطأً، ويسمُّون الشاذَّ خطأ، فخطأ = خطأ، إذًا المنكر = الشاذ، كما أنَّ خطأ الثقة = خطأ الضعيف؛ لأنَّ الكلَّ خطأ، والخطأ لا يتعدَّدُ.

عند مَن يُفرِّق بين الشاذِّ والمنكر:
الشاذ هو: مخالفة المقبول لِمَن هو أَوْلَى منه.

المنكر هو: مخالفة الضعيف لِمَن هو أَوْلَى منه.

هذا هو مبحث الشاذ والمنكر.

لا بُدَّ عند دراسة علم مصطلح الحديث أنْ تعرفَ اصطلاحات كلِّ عالِمٍ:
عندما تكلَّمنا سابقًا على مسألة: هل من الأفضل في شُروط الصحيح أنْ نقول: ثقة أو عدل ضابط؟ قلنا: إنَّ الأفضل أنْ نقول: عدل ضابط، رغم أنَّ ثقة تُساوي عدل ضابط في غالب الأمر، لماذا؟ لأنَّه قد ورَد عن بعض الأئمَّة استخدامُ الثقة للعدالة فقط، فإنْ لم تكن تعلم مصطلحَ العالِمِ في هذا الجانب فسوف تخطئُ.

فمثلاً عندما يقول ابن مَعِين عن راوٍ: إنَّه ثقة، وبِناءً على فهمك لكلمة "ثقة" قلت: إنَّه عدل ضابط؛ فتُصحِّح الحديث، فهذا خطأٌ؛ حيث إنَّ ابن مَعِين في كثيرٍ من الأحيان يطلقُ لفظ الثقة على العدالة فقط دون الضَّبط، وذكَرْنا مثال يعقوب بن شيبة؛ حيث قال في الربيع بن صبيح: إنَّه ثقة ليس بأحفظ الناس، فكيف يكونُ ثقةً وليس بأحفظ الناس؟ فيعقوب بن شيبة عندما تحدَّثَ عن الثقة فهو يقصدُ الدِّين (العدالة)؛ أي: إنَّه رجلٌ دَيِّنٌ وَرِعٌ ولم يقصد الحفظَ؛ فيجب أنْ نعلَمَ مصطلحَ كلِّ إمامٍ؛ حتى لا نُقوِّلَ الإمامَ ما لم يَقُلْ.

كما أنَّ من أخطاء الإخوة الذين يعمَلُون في المصطلح أنهم يفهَمُون كلامَ الأئمَّة بِناءً على الاصطِلاح الذي فَهِموه، دون النظَر والتقيُّد بتطبيقاتهم العمليَّة[1]؛ فمثلاً عندما يأتي يحيى بن مَعِين ويقولُ: ثقة، فتقول أنت: ولقد صحَّح الحديثَ يحيى بن مَعِين، وتسكتُ، فأنت فهمتَ من كلام يحيى بن مَعِين أنَّ قوله: ثقة؛ أي: عدل ضابط، فنقلت الكلام بالمعنى فقلت: إنَّ يحيى بن مَعِين صحَّح الحديث، مع أنَّ يحيى بن مَعِين لم يقصدْ تصحيحَ الحديث، بل يقصد أنَّ الرجل هذا عدلٌ، فابحث أنت عن ضبطه.

فمهمٌّ جدًّا أنْ تتقيَّد بألفاظ الأئمَّة، وكما قال الشيخ أبو معاذ طارق بن عوض الله في "لغة المحدث":
اعْلَمْ بِأَنَّ اللَّفْظَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ
فِي غَيْرِ مَا عِلْمٍ فَلا يُسْتَشْكَلُ

فَكُلُّ عِلْمٍ وَلَهُ اصْطِلاحُهُ
مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِهِ وَشَرْحُهُ

يُدْرَى بِالاسْتِقْرَاءِ أَوْ بِنَصِّ
صَاحِبِهِ أَوْ عَالِمٍ مُخْتَصِّ

وَرُبَّمَا تَعَدَّدَتْ مَعَانِي
الاصْطِلاحِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّانِ

لذلك من الانتِقادات على كتاب الحافظ الذهبي "ميزان الاعتدال" أنَّه كان ينقلُ بالمعنى -في بعض المواضع- عن الأئمَّة، رغم أنَّ الحافظ الذهبي كان إمامًا في علم الحديث، ففهمه مُعتَبر، ومع ذلك من ضِمن الانتقادات عليه أنَّه كان ينقل بالمعنى.

بهذا نكونُ أنهينا الحديث الصحيح لذاته، وننُهِي في هذه المحاضرة -بإذن الله- أقسامَ القَبول، وهي: الصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره.


الحديث الحسن لذاته

المفروض أنْ نبدأ حسَب ترتيبِ شجرة الحديث بالصحيح لغيره، ولكنَّنا سوف نبدأُ -بإذن الله- بالحسن لذاته، وسنعرفُ لماذا بدأنا بالحسن لذاته.

سوف نبدأ -بإذن الله- بالحسن لذاته لأنَّنا عندَ تعريفنا للحديث الصحيح لغيره سوف نقولُ: هو الحديث الحسن لذاته إذا تعدَّدت طرقُه؛ وعليه فلا بُدَّ من دِراسة الحديث الحسن لذاته أولاً.

للحسن لذاته تعاريف كثيرةٌ؛ كتعريف الترمذي، والخطابي، وابن الجوزي، والتعريف الراجع للحسَن لذاته هو تعريف الحافظ ابن حجر.

• الفرق بين الحسن لذاته والصحيح لذاته خفَّة الضبط، حيث إنَّ الضبط في الصحيح لذاته لا بُدَّ وأنْ يكون ضبط الراوي (ضبطًا تامًّا)، أمَّا في الحسن لذاته فيكون الراوي خفيفَ الضبط.

تعريف الحسن لذاته: هو ما اتَّصل سنَدُه بنقل العدل (خفيف الضبط)، وألا يكون الحديث شاذًّا ولا معلاًّ.

سؤال لأحد الإخوة: التعريف السابق هل من الممكن أنْ يكون ما اتَّصل سندُه بنقل العدل خفيف الضبط (عن مثله إلى منتهاه) من غير شُذوذٍ ولا علة قادحة؟

الإجابة: نعم؛ من الممكن أنْ يكون ما اتَّصل سنده بنقل العدل خفيف الضبط (عن مثله إلى منتهاه) من غير شذوذٍ ولا علة قادحة.

مع الأخْذ في الاعتبار أنَّ كلمة "عن مثله إلى منتهاه" توهمُ إشكالاً؛ حيث إنَّه قد يُفهَم منها أنَّ من شروط الحسن لذاته أنْ يرويَه خفيفُ الضبط عن خفيفِ الضبط، عن خفيفِ الضبط، عن خفيفِ الضبط، فهذا فهمٌ خاطئٌ، فيكفيني في طبقةٍ واحدةٍ أنْ يكون راوٍ واحد خفيفَ الضبط، ونرجع للقاعدة أنَّ الطبقة الدنيا قاضيةٌ على العُليا، وبها يُسمَّى الحديث ويُحكَم على الحديث بها، فيَكفِيني واحد فقط خفيف الضبط في أيِّ طبقةٍ، وباقي الطبقات يكونُ الضبط تامًّا، فيكون الحديث حسنًا لذاته؛ لذلك الأفضل ألا نكتبها (عن مثله إلى منتهاه)، ولا نقولها؛ لكي لا تشتبه، ولكن إذا قُلتها فلا بُدَّ أنْ أكون فاهمًا لهذا الكلام.

شروط الحديث الحسن لذاته خمسة وهي:
1- أن يكون الحديث متَّصل السند.

2- أن يكون الراوي عدلاً.

3- أن يكون الراوي (خفيف الضبط).

4- ألا يكون الحديث شاذًّا.

5- ألا يكون الحديث معلاًّ.

مثال الحديث الحسن لذاته: روى الترمذي عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- أنَّ النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- "نهى عن تناشُد الأشعار في المسجد، وعن البيعِ والشراء فيه، وأنْ يتحلَّق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة"، قال الترمذي: حديث حسن، فللترمذيِّ اصطلاحٌ خاصٌّ في الحسن.


الحديث الصحيح لغيره

تعريف الصحيح لغيره: هو الحديث الحسن لذاته إذا تعدَّدت طرقُه.

أي: "حديثٌ له سند يَروِيه عدلٌ ضابط عن عدلٍ ضابط، عن عدلٍ ضابط، عن عدلٍ ضابط، عن عدل (خفيف الضبط)، فهو حديثٌ حسن لذاته؛ لوجود راوٍ خفيف الضبط في طبقةٍ واحدة، وكذلك (له سندٌ آخر) لنفس الحديث يرويه عدل (خفيف الضابط) عن عدلٍ ضابط، عن عدلٍ ضابط، عن عدلٍ ضابط، عن عدلٍ ضابط، فهو حديثٌ حسن لذاته أيضًا؛ لوجود راوٍ خفيف الضبط في طبقةٍ واحدة، فيُصبح عندنا طريقان لحديثٍ واحد، وكلُّ طريقٍ حسنٌ لذاته؛ فيرتفع الحديث، ويُصبح حديثًا صحيحًا لغيره، كأنهما اعتضدا ببعضِهما، فإذًا نفس المتن لهذا الحديث أتى بسندين، كلُّ الطبقات في السندين أئمَّةٌ حُفَّاظ ثقات؛ أي: نفس شُروط الحديث الصحيح لذاته ما عدا طبقة واحدة فيهما خفيف الضبط، فأصبح عندي سندٌ حسنٌ لذاته وسند آخَر حسنٌ لذاته لحديثٍ واحد؛ فيرتفع مباشرةً للحديث الصحيح لغيره.




تعريف آخَر للصحيح لغيره: هو ما اتَّصل سنده بنقل العدل الذي خفَّ ضبطُه، ولا يكون الحديث شاذًّا ولا مُعللاً، إذا تُوبِعَ (إذا تعدَّدت طرقُه).

نلاحظ أنَّ هذا التعريف يُساوي التعريف السابق، لماذا؟
لأنَّ هذا التعريف بدايةً من: "هو ما اتَّصل سنده بنقل العدل الذي خَفَّ ضبطه، ولا يكون الحديث شاذًّا ولا معلَّلاً" = الحديث الحسن لذاته؛ وعليه: لو وضَعْنا جملة "الحديث الحسن لذاته" بدلاً من: "هو ما اتَّصل سنده بنقل العدل الذي خفَّ ضبطُه، ولا يكون الحديث شاذًّا ولا معللاً"، يصبحُ تعريف الصحيح لغيره: هو الحديث الحسن لذاته إذا تعدَّدت طرقُه، وهو نفس التعريف الأوَّل.

لذلك نُنبِّهُ دائمًا أنَّ في علم مصطلح الحديث وجميع العلوم الشرعيَّة وجميع علوم أهل السُّنَّة والجماعة ليس فيها تعقيداتٌ، ما دامت المعلومة وصَلتْ إليك صحيحةً كما يريدُها الله ورسوله فهو الصوابُ، ولا يشترطُ التقعُّر والمصطلحات الصَّعبة، وليس معنى هذا أنَّنا لا نأخُذ باللغة العربيَّة، لا؛ فاللغة العربيَّة الفُصحى هي الأساس.

مثال الحديث الصحيح لغيره: عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: ((لولا أنْ أشقَّ على أمَّتي لأمرتُهم بالسواكِ عند كلِّ صلاةٍ)).

محمد بن عمرو بن علقمة، هذا الراوي قال عنه العلماءُ: صالح الحديث ليس بأحفَظِ الناس؛ أي: إنَّ حاله وسطٌ من حيث الحفظ؛ أي: حديثه حسن لذاته.

قال الترمذي: "وإنما صحَّ الحديث لمجيئِه من طريقٍ آخر"، وكلمة "صحَّ" هنا؛ أي: الحديث صحيحٌ لغيره.

سؤال: لو أنَّ راويًا خفيف الضبط والرُّواة عنه كلُّهم ثقات، هل يرتقي الحديث إلى الصحيح لغيره؟
الإجابة: لا يرتقي إلا في حالاتٍ نادرةٍ جدًّا؛ مثل: أنْ يرويَ عنه يحيى بن سعيد القطَّان مع عبدالرحمن بن مهدي مع مالكٍ، فمثلاً هؤلاء لا يُحدِّثون إلا عن الثقاتِ، فلو اجتمَعُوا فعندها تقول: إنَّ هذا الحديث صحيحٌ لذاته، وهذا في حالاتٍ نادرة، وهؤلاء الثلاثة طبقةٌ واحدة؛ لأنَّ مالكًا تُوفِّي عام 179، ويحيى بن سعيد 198، وعبدالرحمن بن مهدي 198، وكانوا أصدقاء، وسبحان الله، تُوفُّوا في نفس السَّنة!



سؤال: في الحديث الصحيح لغيره هل معنى تعدُّد الطرق أنْ يكون كلُّ طريق حسنًا لذاته، أو أن يكون فيهم طريق صحيح؟
الإجابة: لا بُدَّ أنْ يكون كلُّ طريق حسنًا لذاته، أمَّا إنْ وُجِدَ طريقٌ صحيح مع طريقٍ حسن لذاته ففي هذه الحالة نحكُم على الحديث بالصحَّة؛ لوجود طريقٍ صحيح، وتبقى موافقة الحسن لذاته للصحيح زيادة في الصحَّة.

سؤال: في الحديث الحسن لذاته لو أنَّ الرجل في السند الأوَّل اسمه فلان مثلاً، وكان خفيفَ الضبط، ثم الطريق الثاني الذي تبحث عنه وجدت فيه نفس الرجل، فهل يرتقي الحديث إلى الصحيح لغيره؟
الإجابة: لا يرتقي إلى الصحيح لغيره؛ لأنَّ وجود نفس الرجل في طريقين (إسنادين) يرجعُ الأمر إلى طريق واحد؛ لأنَّ نفس الراوي في الطريقين واحد؛ وعليه: يكون الحديث حسن لذاته.



يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.18%)]