عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 13-02-2020, 03:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,835
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من الآثار الإيمانية لتعليم وتعلم القرآن الكريم على الفرد والمجتمع


من الآثار الإيمانية لتعليم وتعلم القرآن الكريم على الفرد والمجتمع
د. شعبان رمضان محمود مقلد





الفصل الثالث
الآثار الإيمانية على الفرد والمجتمع المسلم من تعليم وتعلم القرآن الكريم

توطئة:
القرآن الكريم فيه تقويم للسُّلوك، وتنظيم للحياة، من استمسك به، فقد استمسك بالعروة الوُثقى لا انفصامَ لها، ومن أعرضَ عنه وطلب الهُدى في غيره، فقد ضَلَّ ضلالاً بعيدًا، فالاشتغالُ بالقرآن من أفضل العبادات، ومن أعظم القُربات، ولِمَ لا، وفي كل حرف منه عشر حسنات، وسواء أكان بتلاوته أم بتدبر معانيه؟!

وقد أَوْدَع اللهُ فيه علمَ كلِّ شيء، ففيه الأحكامُ والشَّرائع، والأمثال والحِكَم، والمواعظ والتأريخ، والقصص، ونظام الأفلاك، فما ترك شيئًا من الأمور إلاَّ وبيَّنه، وما أغفلَ من نظام في الحياة إلا وضَّحه؛ رُوي عن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُم، هو الفصل ليس بالهَزْلِ، هُوَ الَّذِي من تَرَكَهُ من جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الهُدى في غَيْره أَضَلَّهُ اللَّهُ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَة، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَن كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجائبه، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا: ï´؟ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ï´¾ [الجن: 1]، هُوَ الَّذِي مَنْ قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجِرَ، ومن دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))[51].

هذا هو كتابنا، وهذا هو دستورنا، إنْ لَمْ نقرَأْهُ وننتفعْ بِه نحن معاشرَ المسلمين فهل ننتظر من غيرنا من أهل الأديان الأُخرى التي شذَّ أهلها، وأحدثوا، وبدلوا - أن يقرؤُوه، أو ينتفعوا به؟!

وفي القُرآن الكريم بيانٌ لأحوالِ يوم القيامة، وما بَعْدَ الموت من البعث، والحشر، والعَرْض، والحساب، والنعيم، والعذاب، وجمع الناس لذلك اليوم العظيم؛ ï´؟ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ï´¾ [النساء: 87].

وفي القُرآن الكريم دَعوة إلى النظر والتَّفكر في الآيات الكونيَّة والآيات القرآنية؛ ï´؟ قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ï´¾ [يونس: 101]، وقال سبحانه: ï´؟ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ï´¾ [محمد: 24]، وما دام القرآنُ الكريم حبلَ الله المتين، ودستورَ أُمَّة الإسلام، فلا بُدَّ أنَّ هناك آثارًا تعود على مَن يشتغل به تعليمًا وتعلُّمًا، وهذه الآثار أعظمُ من أنْ تَحويَها صفحاتٌ قلائل كهذه.

وعليه؛ فإننا نُحاول أن نعرضَ فقط للآثار الإيمانيَّة التي تعود على المشتغل به كفرد، باعتبارِ أنَّه أول من يتأثر بها تأثيرًا مباشرًا، ومِنْ ثَمَّ الآثار التي تعود على الأُمَّة بوجه عام، باعتبار أنَّ الأُمَّة تتأثر بما يتأثر به أفرادها.


المبحث الأول: من الآثار الإيمانية التي تعود على الفرد المسلم من تعليم القرآن وتعلمه:
الآثار الإيمانيَّة التي تعودُ على الفرد المسلم المشتغل بالقرآن تعليمًا وتعلُّمًا كثيرة جدًّا، ولكنَّنا نُحاول - بمشيئة الله تعالى - أنْ ندقق النظر في آياتِ القرآن الكريم، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه هذا الكتاب الحكيم، وفي بعض المصنفات والمراجع التي لها صلة مُباشرة بالكتاب والسنة وبهذا الموضوع؛ علَّنا نستخلص شيئًا من هذه الآثار، داعين ربَّنا العلي القدير أن ينفعنا بها وينفع بها غيرنا، آمين.

أثر القرآن في استقامة العبد:
أول وأهم آثار تعليم وتعلُّم القرآن الكريم: الاستسلام لله تعالى بالتوحيد، والانقياد له بالطَّاعة، والخلوص له من الشِّرك.

فلا يُعبد إلاَّ الله تعالى وحْدَه لا شريكَ له، ولا يُرجى سواه، ولا يُخاف إلاَّ منه، فلا نافعَ إلاَّ هو عزَّ وجلَّ ولا ضارَّ إلا هو وحْدَه، فلا يتعلق بولي - كائنًا من كان - ليجلبَ نفعًا، أو يدفع ضرًّا فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى وحده.

كذلك من الآثارِ الإحسان بمراقبة الله تعالى وحْدَه، فمرتبة المراقبة تدفعُ صاحبها إلى عمل كلِّ خير، والابتعاد عن كل شر؛ أملاً في وعد الله تعالى وخوفًا منه ومِنْ وعيده - عزَّ وجل، سبحانه وبحمده.

إذًا؛ فأهم الآثار وأوَّلها: الإيمان بالله والتصديق بوعده ووعيده، والعمل بهذا الكتاب والدعوة إليه، والصَّبر على الأذى في ذلك، ولا شكَّ أن أثر ذلك هو سعادة الدُّنيا والآخرة؛ لأنَّ المشتغل بالقرآن الكريم هو مَنِ اتَّقى الله تعالى ولا يسعد في الدُّنيا والآخرة إلا من اتقى الله تعالى قال الله عَزَّ وجل: ï´؟ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ï´¾ [الطلاق: 2 - 3].

وفي نَفْس السُّورة يقول أيضًا: ï´؟ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يسرًا ï´¾ [الطلاق: 4]، وقال أيضًا: ï´؟ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ï´¾ [الطلاق: 5].

فماذا بَقِيَ بعد ذلك من خيري الدُّنيا والآخرة يريده المتقي، بعد هذه الوعود من الله الذي لا يخلف الميعاد؟!

فالقرآنُ له أثر عظيم في استقامة العبد المشتغل به؛ ذلك لأنَّه يعيشُ به دومًا، يقوم وينام وهو يتفكر فيه وفي أوامره ونواهيه، فهو يستولي على مَشاعره وأحاسيسه، فيغير مجرياتها، ويُحول طريقها إلى الأفضل، كما أنَّه يعظه ويذكره، ويكشف له حقيقة نفسه وأصلها، فيشعرها بما عندها من أمراض، ويُقدم لها ما يشفيها من تلك الأمراض، كما أنَّ القرآن ينير لصاحبه طريقَ الوصول إلى رَبِّه، فيهديه ويَجعله يخشاه بالغَيْب، يرغبه في ثَوابه وجَنَّته، ويُحذره من عقابه وناره.

ومن أثر القرآن في استقامة العبد ما يلي:

أولاً: سيطرة القرآن على القلب والمشاعر:
القرآن إذا أخلص له صاحبه لا بُدَّ أنَّه سيحدث تحولاً في قلبه، وشاهد ذلك أنَّه بعد بيعة العقبة أرسل صلَّى الله عليه وسلَّم مصعبَ بنَ عمير إلى يثرب، ومعه ما معه من القرآن، فماذا حدث؟

دخل النُّور قلوبَ أهل يثرب، فامتلأتْ بالإيمان، وتغيَّرت التصورات والاهتمامات وتوحد الفرقاء، واجتمعوا جميعًا على كلمة واحدة، وتَمسَّكوا بحبل الله المتين - وهو القرآن - فكان منهم ما كان من المستوى العجيب في البَذْل والتضحية والإيثار، كل ذلك حدث قبل مجيئه صلى الله عليه وسلم إليهم، والدليل على ذلك ما فعلوه مع إخوانهم المهاجرين من تكافُلٍ وإيثار في الدُّور والأموال والثِّمار، مع فقرهم وشِدَّة حاجتهم، وما كان هذا ليحدث لولا المستوى الإيماني الراقي الذي وصلوا إليه من خلال القرآن.

فقيمة القرآن الحقيقية في قُدرته على التغيير، وهذا بلا شك يستدعي فهم معانيه، والتأثر بها، والعمل بمقتضاها، فالقرآن هو رُوح القلوب التي تَحيا به سلامَتُها وزكاتها منه.

فمَن تَمَسَّك بالقرآن الكريم، فقد نُفخت فيه روح الهداية والتوفيق لكل خير، وقد استنار بالنُّور الذي يبددُ ظلام الجهل، ويهدي صاحبه إلى سواء الصِّراط.


قال تعالى: ï´؟ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ï´¾ [الشورى: 52].

قال الطبري: وكما كُنَّا نوحي في سائر رسلنا، كذلك أوحينا إليك - يا محمد - هذا القرآن روحًا من أمرنا، يقول: وحيًا ورحمةً من أمرنا، واختلفَ أهلُ التأويلِ في معنى الرُّوح في هذا الموضع، فقالَ بعضهم: عَنِي به الرحمة، وقال آخرون: معناه وحيًا من أمرنا، وقوله: ï´؟ مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلاَ الإِيْمَانُ ï´¾ [الشورى: 52]، يقول جلَّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ما كنت تدري - يا محمد - أيّ شيء الكتاب ولا الإيمان اللذين أعْطَيْناكهما؛ ï´؟ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوْرًا ï´¾ [الشورى: 52]، يقول: ولكن جعلنا هذا القُرآن وهو الكتاب نورًا؛ يعني: ضياء للناس يستضيؤون بضَوْئه، وهو بيانه الذي بيَّن فيه مِما لهم فيه: في العَمَل به الرَّشاد، ومن النار النجاة، نهدي به من نشاء من عبادنا، يقول: نهدي بهذا القرآن، فالهاء في قوله: ï´؟ بِهِ ï´¾ [الشورى: 52] مِنْ ذكر الكتاب، ويعني بقوله: ï´؟ نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ ï´¾ [الشورى: 52] نُسدد إلى سبيل الصَّواب وذلك الإيمان بالله مَن نشاء من عبادنا، يقول: نهدي به مَن نشاء هدايته إلى الطريق المستقيم من عبادنا.[52].

فكما أنَّ الروحَ إذا دخلتِ الأبدانَ حرَّكتها وأحيتها، كذلك القُرآن إذا دخل القلوب، فإنَّه يُحييها ويحركها لخشية الله ومَحبته، أمَّا إذا خلت القلوبُ من القرآن، فإنَّها تموت، كما أنَّ الجسمَ إذا خَلاَ من الروح، فإنه يموت.[53].

والقرآنُ يُشعرنا بضآلة ما نقدمه من أعمال، ويظهر ذلك من خلال عرضه الدائم لعباد الكون وما فيه من مخلوقات لله عزَّ وجلَّ كقوله تعالى: ï´؟ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يسبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ ï´¾ [فصلت: 38]، وقوله: ï´؟ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ ï´¾ [الأنبياء: 20].

والقرآن يكشف للإنسان حقيقةَ أصله الحقير، ومدى ضَعْفه وعَجْزه، وجهله وحجم احتياجاته المطلوبة للاستمرار في الحياة، وأنَّه بالله لا بنفسه، ولو تخلَّى عنه طرفة عين، لهلك.

ومع بيانِ هذه الحقيقة فإنَّه كذلك يعرفه بطبيعة نفسه المحبة للشَّهوات، المائلة للفجور والطغيان، الآمرة بالسوء؛ ليشتد حَذَرُه منها، فلا ينسب لها فضلاً، بل يجاهدها، ويروضها على الصدق والإخلاص.

فإذا ما ربط العبدُ بين هذه المعارف وبين ما يحدث له في حياته، تأكدَّت لديه حقيقة نفسه، وعاش عبدًا ذليلاً منكسرًا لله متحررًا مما سواه.

كذلك القُرآن يُحذِّرنا من عاقبة العُجب والكِبْر والغُرُور، ويعرض الكثير من نماذج الذين استسلموا لهذه الأمراض، فأهلكتهم، كإبليس وقارون وفرعون وصاحب الجنتين.

فالقرآن يُقدِّم وصفاتِ العلاج لأهل الكِبْر والغُرُور والإعجاب بالنَّفس:


فعلى سبيل المثال: خطاب القرآن لليهود، وتذكيرهم بما فعلوه يَحمل في طيَّاته أيضًا وصْفَ علاج لهم، إذا ما أرادوا الشِّفاء مما هم فيه، ومن ذلك مُطالبتهم بذكر نِعَمِ ربِّهم عليهم؛ ليكفوا عن طُغيانهم؛ قال تعالى: ï´؟ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العَالَمِينَ ï´¾ [البقرة: 122].

ومع ذكر النِّعم عليهم كذلك تذكر الآخرة وما فيها من أهوال؛ ï´؟ وَاتَّقُوا يَوْمًا ï´¾ [البقرة: 48] [البقرة: 123] [البقرة: 281].

فالدَّور الهام للقرآن، والذي يتمثل في قُدرته على التأثير في مشاعر قارئه، واستثارتها بمواعظه البليغة، وقُوة سلطان ألفاظه على النَّفس، مما يزيد الإيمان، ويُولد الطَّاقة الدافعة للقيام بأعمال البر المختلفة بسهولة ويسر؛ قال تعالى: ï´؟ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ï´¾ [الإسراء: 107 - 109].


من هنا تتَّضح لنا أهمية القرآن في استقامة العبد على أمر الله، وتَجَلْبُبِه الدَّائم بجلباب العبودية له.[54].

أمَّا عن سيطرة القُرآن على المشاعر، فنلمس ذلك بوضوح من خلال السيرة النبوية، فحينما رجع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصَّحابة من غزوات ذات الرقاع، وبعد جهد جهيد جاء الليل، وأراد الجميع النوم، وكان لا بد من حراس يحرسون المسلمين عند نومهم، فقام بهذه المهمة الصحابيَّان: عباد بن بشر، وعمار بن ياسر، وتناوب الاثنان على الحراسة، وبدأ بها عباد ونام عمار، فلَمَّا رأى أنَّ المكان آمن صلَّى، فجاء أحد المشركين فرماه بسهم، فنَزَعه وأكمل صلاته، ثم رماه بسهم ثانٍ، فنزعه وأكمل صلاته، ثم رماه بثالثٍ، فنزعه وأنهى التلاوة، وأيقظ عمارًا وهو ساجد، فلما سأله عمَّارٌ: لِمَ لَمْ يوقظه أول ما رُمي؟ فأجاب بقوله: كنت في سورة أقرؤها، فلَمْ أحب أنْ أقطعها حتَّى أنفدها، فلما تتابع عليَّ الرمي ركعت فآذنتك، وايمُ الله، لولا أنْ أضيِّعَ ثغرًا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه؛ لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفدها.[55].

فإن كنت في شك من قُدرة القرآن على الهيمنة على مَشاعر الإنسان والسَّيطرة عليها، فسل نفسك: لماذا ظل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يُردِّد قول الله تعالى: ï´؟ فَتَعَالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ï´¾ [طه: 114] في ليلةٍ حتَّى أصبح؟ ولماذا استمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه يردد في الفاتحة طيلة الليل؟[56] وغيرهم وغيرهم.

إنَّها حلاوة الإيمان، وخشوع القلب، ولَذَّة القرب الحقيقي من الله، والشعور بالتغيير الذي يَحدث لهم كلما ردَّدوا الآية التي تحركت معها قلوبهم، فهل مَن يعيش في هذه الأجواء، ويرى النور بعينه، يعود إلى الوراء، ويستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فيقرأ القرآن بلسانه وهو غافل عنه؟!

من هنا ندرك أثر القرآن كمنهج أساسي للتغيير الذي حدث لجيلِ الصَّحابة رضوان الله عليهم.

ثانيًا: القرآن يعرف العبد بربه، ويربطه به سبحانه؛ ومن تأثير القرآن: أنَّه يعرف العبد بربه إلى أقصى ما يُمكن أن تتحمله قدراته العقلية، ويصل به إلى أقرب ما يمكن أن يكون عليه بشر بعد الأنبياء - عليهم صلوات الله وسلامه - ويقوم القرآن كذلك بربطِ تلك المعرفة بمُجريات الحياة، فلا يرى العبد إلاَّ حكمة الله وراء أفعاله ومشيئته سبحانه، فينعكس ذلك على تعامله معه، حتى يصلَ إلى درجة الإحسان بأنْ يعبدَ الله كأنه يراه، فيناجيه من قريب، ويستشعر قربه منه، وقيُّومِيَّته عليه، فيأنس به، ويزداد شوقه إليه.

ثالثًا: القرآن باعث على خشية الله والفزع إلى ذكره:
وهذا أثر إيماني مُهم؛ لأنَّه يبعث على استقامة العبد في شتى أموره، وفي كل تصرفاته؛ قال سبحانه: ï´؟ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ï´¾ [الزمر: 23].

قال ابن كثير: هذا مدح من الله عزَّ وجلَّ لكتابه القرآن العظيم المُنَزَّل على رسوله الكريم.[57].

وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي: فأحسن الحديث كلام الله، وأحسن الكتب المنزلة من كلام الله هذا القرآن، وإذا كان هو الأحسن، عُلِمَ أنَّ ألفاظه أفصح الألفاظ وأوضحها، وأن معانيَه أجلّ المعاني؛ لأنَّه أحسن الحديث في لفظه ومعناه، متشابهًا في الحسن والائتلاف وعدم الاختلاف بوجه من الوجوه، حتى إنَّه كلما تدبره المتدبر، وتفكر فيه المتفكر، رأى من اتفاقه حتى في معانيه الغامضة ما يَبْهَرُ الناظرين، ويجزم أنَّه لا يَصْدُرُ إلاَّ من حكيم عليم.[58].

رابعًا: القرآن هداية لأهله:
والقرآن كتاب هداية، والهداية على قسمين: هداية توفيق وعمل، وهي خاصَّة بالمؤمنين، وهداية دلالة وإرشاد، وهذه عامَّة لجميع الناس، والقرآن الكريم يَشتمل على هذين القسمين من الهداية.

فمن القسم الأوَّل قول الله تعالى: ï´؟ ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ï´¾ [البقرة: 2].

ومن القسم الثاني قوله تعالى: ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ ï´¾ [البقرة: 185][59].

وأي هداية تساوي هذه الهداية؟! إنَّها الهداية للتي هي أقوم، والبشارة للمؤمنين، المتبعين لهدي القرآن، المستمسكين به، وفي ذلك يقول الله تعالى: ï´؟ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ï´¾ [الإسراء: 9 - 10].

قال ابن جرير: "يقول تعالى ذكره: إنَّ هذا القرآن الذي أنزلناه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يرشد ويُسدد مَن اهتدى به، ï´؟ للتي هي أَقْوَمُ ï´¾ [الإسراء، 9] يقول: للسبيل التي هي أقوم من غيرها من السُّبل، وذلك دين الله الذي بعث به أنبياءه وهو الإسلام، يقول جلَّ ثناؤه: فهذا القرآن يهدي عبادَ الله المهتدين به إلى قَصْد السَّبيل التي ضل عنها سائرُ أهل الملل المكذبين به".[60].

وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره لهذه الآية: "يخبر تعالى عن شرف القرآن وجلالته، وأنَّه ï´؟ يهْدِي للتي هي أَقْوَمُ ï´¾ [الإسراء، 9]؛ أي: أعدل وأعلى، من العقائد، والأعمال، والأخلاق، فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآن، كان أكمل الناس، وأقومهم، وأهداهم في جميع الأمور؛ ï´؟ ويُبَشِّرُ المُؤْمِنِيْنَ الذِيْنَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ ï´¾ [الإسراء، 9] من الواجبات والسنن، ï´؟ أنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ï´¾ [الإسراء، 9]، أعدَّه الله لهم في دار كرامته، لا يعلم وصفه إلا هو - سبحانه وتعالى".[61].

قال تعالى: ï´؟... الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النور وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ï´¾ [الطلاق: 10 - 11].

قال الطبري: "وقوله ï´؟ قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولاً ï´¾ [الطلاق: 10 - 11] اختلف أهلُ التأويل في المَعْنِي بالذِّكر والرسول في هذا الموضع، فقال بعضُهم: الذكر هو القرآنُ والرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقال آخرون: الذِّكر هو الرسول - ثُمَّ يقول -: والصواب من القول في ذلك أنَّ الرسولَ ترجمة عن الذكر، وذلك نصب لأنَّه مردود عليه على البيان عنه والترجمة، فتأويل الكلام إذًا: قد أنزل الله إليكم يا أولي الألباب ذكرًا من الله لكم، يذكركم به ويُنبهكم على حظكم من الإيمان بالله والعمل بطاعته، رسولاً يتلو عليكم آيات الله التي أنزلها عليه، ï´؟ مُبَيِّنَاتٍ ï´¾ [الطلاق: 11] يقول: مبينات لمن سمعها وتدبرها أنَّها من عند الله، يقول تعالى ذكره: قد أنزل الله إليكم أيها الناس ذكرًا رسولاً يتلو عليكم آيات الله مبينات؛ كي يخرج الذين صدقوا الله ورسوله، ï´؟ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ï´¾ [الطلاق: 11] يقول: وعملوا بما أمرهم الله به وأطاعوه، ï´؟ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النور ï´¾ [الطلاق: 11]؛ يعني: من الكفر وهي الظلمات، إلى النُّور يعني إلى الإيمان.[62].

سئلت أم المؤمنين السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها عن خُلُقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان خُلُقُه القرآن"[63].

والقرآن يُعوِّد صاحبه الورع في مطعمه ومشربه ومكسبه، ويجعله بصيرًا بزمانه وفساد أهله، فهو يَحُثُّهم على دينه، ويجعل المسلم مُقبلاً على شأنه، مهمومًا بإصلاح ما فسد من أمره، حافظًا للسانه، مميِّزًا لكلامه، إن تكلَّم تكلَّم بالحقِّ والخير، وإن أنصت كان إنصاتُه ابتغاءَ رضوان الله، قليلَ الخوض فيما لا يعنيه، لا يَحْسُد ولا يَغِشُّ، يحفظ - تقديرًا للقرآن - جوارحَه، يتواضع في نفسه، يقبلُ الحقَّ من الصغير والكبير، يطلب الرفعة من الله تعالى لا من المخلوقين.

يُلزمه القرآن بِرَّ والديه، فيخفضُ لهما جَنَاح الذُّل من الرحمة، ويخفض لصوتهما صوته، ويبذل لهما ماله، ويشكر ويدعو لهما عند الكِبَر.

وبالقرآن يصل رَحِمَه وينفع مَن صحِبه، ويحسن مجالسة من يجالسهم، ويرفق بمن يُعلِّمه، لا يعنِّف من أخطأ ولا يُخجِله، وهو رفيقٌ في أموره، صبورٌ على تعلم الخير وتعليمه.

خامسًا: القرآن يرغب في الجنة ويحذر من النار:

ومع الآخرة، فالقرآنُ يرغب في الجنة، ويعرض للعبد ألوان نعيمها، كأنها رأي العين، ويزهد في الدُّنيا، ويصفها بأوصاف عجيبة مُنفردة حتى تتجافى عنها القلوب، وفي المقابل - أيضًا - يحذر من النَّار، ويعرض لقارئه صنوفَ عذابها، كأنها ماثلة أمامه رأي العين، فتقشعر القلوب والأبدان، وتعود للخضوع لبارئها.

سادسًا: القرآن سبب لجلب الطمأنينة ونزول الرحمة وحضور الملائكة:

فالمعلم والمتعلم حينما يعيش كلٌّ منهما في كنف القرآن، ويقدر مجلسه؛ لأنه يدرك تمامًا أن هذا المجلس أرفع مقامًا من أي مجلس دُنيوي، وأعلى ذكرًا من تلك المجالس الدنيوية؛ ولذا جَعَلَ الله لهذا المجلسِ ما جعل من الفضائل والمزايا، التي حين يستشعرها صاحبُها تطمئن نفسه ويهدأ فكره، فيكثر من ذكره لربِّه، ويكثر من فعل الطاعات، ويتقرَّب بالنَّوافل، فيرسخ يقينه ويزداد إيمانه؛ فعن أبِي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلاَّ نزلت عليهم السَّكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده))[64].

وعن البَرَاء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: كان رجلٌ يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مَربوط بشَطَنَيْن، فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: ((تلك السكينة تنزلت للقرآن)).[65].

قال النووي: "قد قيل في معنى السَّكينة هنا أشياء، والمختار منها أنَّها شيء من مخلوقات الله تعالى فيه طمأنينة ورحمة، ومعه الملائكة، وفي الحديث فضيلة القراءة وأنَّها سبب نزول الرَّحمة وحضور الملائكة، وفيه فضيلة استماع القرآن"[66].

أقول: ولا بُدَّ أن ذلك كله سوف ينعكس على نفس المعلم والمتعلم، ويجعله يقبل على عبادة الله بخشوع وخضوع.

سابعًا: القرآن شفاء ورحمة لصاحبه:

ومن الآثار التي تعودُ على العالم والمتعلم أنَّ القرآن شفاء للأبدان والصدور، ففيه الشفاء الحسي والمعنوي.

قال ابن القيم - رحمه الله: فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كلُّ أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به بصدق وإيمان وقبول تام، واعتقاد جازم واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبدًا.

وكيف تقاوم الأدواء كلامَ ربِّ الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال لصدعها، وعلى الأرض لقطعها؟! فما من مرض من أمراض القُلُوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهمًا في كتابه.

وأمَّا الأدوية القلبية، فإنَّه يذكرها مفصلة، ويذكر أسباب أدوائها وعلاجها[67].

قال تعالى: ï´؟ أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ï´¾ [العنكبوت: 51].

قال ابن كثير: "أي: إنَّ في هذا القرآن لرحمة؛ أي: بيانًا للحق وإزاحة للباطل وذكرى بما فيه حلول النقمات، ونزول العقاب بالمكذبين والعاصين لقوم يؤمنون"[68].

فمن لم يشفه القرآن، فلا شفاه الله، ومن لم يكفه، فلا كفاه الله.

قال الله تعالى: ï´؟ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ï´¾ [فصلت: 44].

فالقرآن شفاء وعافية ورحمة وهدى للمؤمنين المتمسكين به، فالتمسك بكتاب الله تعالى يمد المؤمن بالشِّفاء والعافية والرحمة في الدُّنيا والآخرة.

وأول من يُشفى به ويُرحم هو العالم والمتعلم، الذين يبذلون فيه جهدًا، ويجعلون هذا الجهد ابتغاء وجه ربهم.

قال تعالى: ï´؟ وَنُنَزِّلُ مِنَ ظ±لْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ظ±لظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا ï´¾ [الإسراء: 82].

قال ابن جرير: "يقول تعالى ذكره: وننزل عليك - يا محمد - من القرآن ما هو شفاء يُستشفى به من الجهل ومن الضَّلالة، ويبصر به من العمى للمؤمنين، ورحمة لهم دون الكافرين به؛ لأن المؤمنين يعملون بما فيه من فرائض الله، ويُحلون حلاله، ويُحرمون حرامَه، فيدخلهم بذلك الجنَّة، وينجيهم من عذابه، فهو لهم رحمة ونعمة من الله، أنعم بها عليهم؛ ï´؟ وَلاَ يَزِيدُ ظ±لظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا ï´¾ [الإسراء: 82]، يقول: ولا يزيد هذا الذي ننزل عليك من القرآن الكافرين به إلا خسارًا، يقول: إهلاكًا؛ لأنهم كلما نزل فيه أمر من الله بشيء أو نهي عن شيء، كفروا به، فلم يأتمروا لأمره، ولم ينتهوا عما نهاهم عنه، فزادهم ذلك خسارًا إلى ما كانوا فيه قبل ذلك من الخَسَار؛ رجسًا إلى رجسهم قبل".[69].

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: "يقول تعالى مخبرًا عن كتابه، إنَّه شفاء ورحمة للمؤمنين؛ أي: يذهب ما في القلوب من أمراض من شك ونفاق وشرك وزيغ وميل، فالقُرآن يشفي من ذلك كله، وهو أيضًا رحمة يحصل فيها الإيمان، والحكمة وطلب الخير والرَّغبة فيه، وليس هذا إلا لمن آمن به، وصدقه، واتَّبعه، فإنه يكون شفاء في حقه ورحمة، وأمَّا الكافر الظالم نفسه بذلك، فلا يزيده سماعه القرآن إلاَّ بُعدًا وكفرًا، والآفة من الكافر لا من القرآن"[70].

وقال عزَّ وجلَّ: ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ï´¾ [يونس: 57 - 58].

قال ابن كثير: "يقول تعالى ممتنًّا على خلقه بما أنزله من القرآن العظيم على رسوله الكريم: ï´؟ يَا أَيُّهَا ظ±لنَّاسُ قَدْ جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ï´¾ [يونس: 57]؛ أي: زاجرًا عن الفواحش، ï´؟ وَشِفَاءٌ لِمَا في ظ±لصُّدُورِ ï´¾ [يونس: 57]؛ أي: من الشبه والشكوك، وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس، ï´؟ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ï´¾ [يونس: 57]؛ أي: يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى وإنَّما ذلك للمؤمنين به والمصدقين الموقنين بما فيه وقوله تعالى: ï´؟ قُلْ بِفَضْلِ ظ±للَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ï´¾ [يونس: 58]؛ أي: بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا، فإنَّه أَوْلَى ما يفرحون به، ï´؟ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ï´¾ [يونس: 58]؛ أي: من حطام الدُّنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة"[71].

كما جاء في تفسير هذه الآية: "يلفت الله تعالى أنظار الناس إلى أنه: قد جاءتكم موعظة من ربكم تُذكِّركم عقابَ الله وتُخوفكم وعيده، وهي القرآن وما اشتملَ عليه من الآيات والعِظَات لإصلاح أخلاقكم وأعمالكم، وفيه دواءٌ لما في القلوب من الجهل والشِّرك وسائر الأمراض، ورشد لمن اتَّبعه من الخلق، فينجيه من الهلاك، جعله سبحانه وتعالى نعمةً ورحمة للمؤمنين، وخصَّهم بذلك؛ لأنهم المنتفعون بالإيمان، وأما الكافرون فهو عليهم عمًى"[72].

وأخرج الإمامُ البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها "أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى، يقرأ على نفسه بالمُعوِّذات وينفث، فلما اشتد وجعه، كنت أقرأ عليه وأمسح بيده؛ رجاء بركتها"[73].

وعن عائشة - رضي الله عنها -: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كلَّ ليلة، جمع كفَّيه، ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: ï´؟ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ï´¾ [الإخلاص: 1]، وï´؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ ï´¾ [الفلق: 1]، وï´؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ï´¾ [الناس: 1]، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات"[74].




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.57%)]