عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 13-02-2020, 03:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,527
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التقوى والعمران الحضاري في القرآن

التقوى والعمران الحضاري في القرآن


محمد البوزي




3- مفْهوم الحضارة والتحضر في ميزان القرآن:
أ- تعْريف الحضارة:
لفظ (الحضارة) لَم يرد في القرآن الكريم، وإنَّما وردت مشتقَّات (حضر) في عدَّة مواضع منه، بمعنى الحضور والشهود؛ أي: ضد الغياب، ولم يرد بالمعنى الاصطلاحي للحضارة.

وعليه؛ فلا نجد في القُرآن مصطلحًا يدلُّ على مفهوم محدَّد للحضارة بصورة ما، لكن مؤشِّرات المفهوم وعناصره تُستفاد من مفاهيم أخرى تشترك معه في الدلالة، كالأمَّة، والعمران، والاستِخْلاف، والشهود، وغيرها من المفاهيم التي تتأسَّس عليها رسالة الإسلام للبشريَّة منذ آدم إلى خاتم الأنبياء محمَّد - صلَّى الله عليْه وسلَّم - هذا فضلاً عمَّا ورد في القرآن من المبادئ والقِيَم والتَّشْريعات، كلُّها تشكِّل أُسُسًا ومرتكزاتٍ لبناء حضارة إنسانيَّة وإيمانيَّة متميِّزة، كما سيأتي بيانُه لاحقًا.


أمَّا (الحضارة) بِمعناها الاصطِلاحي عند المختصِّين، فلها تعاريف عدَّة، تَختلف باختِلاف مذاهب الباحثين واتِّجاهاتهم، وتتعدَّد بتعدُّد الجوانب الحضاريَّة الَّتي يركِّز عليْها كلُّ باحث، غير أنَّ المهتمِّين بالموضوع - مسلمين وغير مسلمين - يكادون يتفقون على أن الحضارة لا تقوم إلاَّ على فكرة فلسفيَّة أو عقيدة دينيَّة، أو مذهب أخلاقي، تنبثِق عنها مبادئ وقيم وآداب تتجلَّى في أفْكار النَّاس وفي سلوكِهِم وإنتاجاتِهم العلميَّة والفنِّيَّة وغيرها.


يقول المفكِّر والدَّاعية المسلِم مالك بن نبي - رحِمه الله -: "ومن المعلوم أنَّه حينما يبتدِئُ السَّير إلى الحضارة لا يكون الزَّاد بطبيعة الحال من العُلماء والعلوم، ولا من الإنتاج الصناعي، تلك الأمارات التي تُشير إلى درجةٍ ما من الرقيِّ؛ بل إنَّ الزَّاد هو المبدأ الَّذي يكون أساسًا لهذه المنتجات جميعًا[19].


وهو ما يؤكِّدُه المفكِّر الألماني مؤرِّخ الحضارات (ألبرت أشفيتسر)، الَّذي يعرف الحضارة تعريفًا موجزًا بقوله: "الحضارة هي التقدُّم الروحي والمادِّي للأفْراد والجماهير على حدٍّ سواء"[20]، ويضيف قائلاً في مكانٍ آخَر: "ولما بحثت في ماهية الحضارة وطبيعتها تبيَّن لي في ختام المطاف أنَّ الحضارة في جوهرِها أخلاقيَّة"[21].


وعلى منواله درج باحثون ومفكِّرون مسلمون، كالمفكر التربوي د. مقداد يالجن، الَّذي يرى أنَّ أهم ما يميز الحضارة في نظر الإسلام هو: "تقدُّم المجتمع وتفوقه من الناحية المادِّيَّة والمعنويَّة في جميع مناحي الحياة الإنسانية، بروح خيرة، ونحو غاية خيرة في ضوء القيم الإسلاميَّة"[22]، وكذا د. هاشم بن علي بن أحمد الأهدل في قوله: "الحضارة تتمثَّل في تقدُّم المجتمع وتفوُّقه من النَّاحية المادِّيَّة والمعنويَّة والتنظيميَّة، في جميع مناحي الحياة الإنسانيَّة؛ لإعْمار الأرْض وفْق حاجات الأمَّة في ضوء المنهج الإلهي"[23].


وإذا كانت الحضارة أنماطًا ومستوياتٍ، ولها تعاريف عدَّة، فالسؤال الَّذي يفرِضُ نفسَه إذًا هو: ما حقيقة التحضُّر في السُّلوك الإنساني؟ وهل للتحضُّر معيار محدَّد؟


وحيث إنَّ "المقام يحرز" - كما يقال - فلا يَعنينا التحضُّر بمعناه العصري الذي يفيد مواكبة التمدن الصناعي الغربي، وما يرتبط به من القيم الاستهلاكيَّة والمظاهر المادية؛ بل الذي يعنينا هنا هو التحضُّر بالمقياس الإسلامي العميق والشامل لما هو: (فكري، أخلاقي، اجتماعي).


ب- معيار التحضر الإيماني:

وعليه؛ فالتحضُّر في ميزان الإيمان والتَّقوى هو: بلوغ أقصى درجة من السموّ الروحي والرقيّ الأخلاقي؛ أي: بلوغ درجة (الإحسان) في كل شيء، في العبادة وفي العمل الصَّالح والخلق الحسن، والمحسنون هم الذين يجسِّدون قيم التقوى في أداء الحقوق والواجبات؛ أي: في القيام بالإنجاز الحضاري النَّافع للإنسانيَّة جَمعاء.

4- المتَّقون متحضِّرون وبناة الحضارة:

مَن هم المتَّقون؟
المتَّقون عرَّفهم القُرآن الكريم بأعمالِهم وأخلاقِهم الفاضِلة في مواطن عدَّة من القُرآن الكريم[24] نُوجِزها في القول بأنَّهم: المؤمنون الصَّادقون في إيمانهم، الَّذين اهتدَوا بهدي القرآن، واتَّصفوا بكل أنواع البِرِّ والإحسان، فقاموا بأداء الفرائض والطَّاعات والقرُبات، واتَّصفوا بالأخلاق الحسنة، فصدق عليْهم الحكم بأنَّهم: هم الَّذين آمنوا وعمِلوا الصَّالحات، الموعودون بالتَّمكين والاستِخْلاف في الأرْض، وبرضوان الله - تعالى - في الجنَّة.

الأخلاق الحضارية للمتقين:

لا يشك مؤمن في أنَّ كلَّ أخلاق المتَّقين أخلاق حضاريَّة، إنَّما القصد هنا من التَّمييز هو الاقتِصار على ما له حمولة حضاريَّة بارزة من هذه الأخلاق، وأهمُّها ما يلي:

الصِّدْق في القول والعمل:

لا شكَّ أنَّ الصدق في القول والعمل دليلُ قوَّة الشخصيَّة، والثِّقة في الله وفي النَّفس، وأوَّل ما يتحقَّق لدى المتَّقين هو صدق الإيمان بالله وتقواه؛ اقتداءً بالصَّحابة الكرام الَّذين مدحهم الله بها في قولِه تعالى: ï´؟ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ï´¾ [الفتح: 26].

وتنتج عن هذه التقوى محبَّة الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وطاعته، فما أن يسمع المتَّقون منه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أمرًا من وحي أو سنَّة، حتَّى يسرعوا في الاستجابة والامتثال، فلا يتلكؤون ولا يتردَّدون في الاستجابة لأمر الله ورسوله، وذلك أساس كلِّ الفضائل والقيم التي تجعل دأب المتَّقين هو العمل الصالح، النَّافع للأمَّة دنيا وأخرى.


الاعتِدال والاتِّزان في الشخصيَّة:

إنَّ مما يميِّز شخصيَّة المتَّقي أنَّه ذو شخصيَّة سويَّة معتدلة، يتَّصف بالتَّوازُن والاعتدال بين التكبُّر والتذلُّل، وبين الاعتِزاز بالعبوديَّة لله وحده، والتحرُّر من عبوديَّة المخلوقات، وبين التَّواضُع مع عباد الله الصَّالحين، وعدم التذلُّل للطُّغاة أو ذوي الأموال، وذلك ناتج عن ثِقَتِه في الله والرِّضا بما قسم وقدر له من العطايا والأرْزاق.

السَّمت الحسن والنَّقاء في الظَّاهر والباطن:

المتَّقون يجمعون بين الأناقة المظهريَّة في اللباس النقي والسَّمت الحسن، والأناقة المعنوية في طهارة القلب وصفاء الطوية؛ ï´؟ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ï´¾ [الأعراف: 26]، فكانوا بذلك أفضل الناس؛ مصداقًا لقول الرَّسول لما سئل - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: أي النَّاس أفضل؟ فقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((كل مخْموم القلب صدوق اللسان))، قالوا: صدوق اللِّسان نعرفه، فما مَخموم القلب؟ قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((هو التَّقي النَّقي، لا إثْم فيه ولا بغْي، ولا غلَّ ولا حسد)).[25].

نعم، التَّقي النقي هو أفضل النَّاس وأسماهم خلقًا، وأرْفعهم تحضُّرًا؛ لأنَّ قلبه سليم من الحِقْد والحسد ومن التكبُّر واحتقار النَّاس، وغيرها من الأمراض التي تؤدي إلى الحروب والصِّراعات، والاعتِداء على حقوق الآخرين.


وهل هناك تحضُّر أسمى وأرقى من تحضُّر الأتقياء؟! وأيُّ تحضُّر هذا الَّذي يزعُمه صنَّاع المدنيَّة الحديثة المستكبرون في الأرض، المحتكِرون لخيراتها، أو العنصريون الحاقدون على مخالفيهم في العرق أو الملَّة؟!


حب العمل وعدم التَّواكل:

وذلك عملاً بدعْوة القُرآن والسنَّة، واقتِداء بالصَّحابة الكِرام؛ لأنَّ من شأْن التَّقوى أن تدفع صاحبَها لأخذ الحيطة والحذَر من كلِّ ما يضرُّه أو يهدِّد سلامته الجسديَّة والعقليَّة والروحيَّة، ومن شأنِها أيضًا التَّواضُع ومخالطة النَّاس في شؤون الحياة، والصبر على أذاهم.

التَّفكير الصَّائب والقوْل السَّديد:

لأنَّ المتَّقين هم أولو الألباب الَّذين يتفكَّرون في آيات الله الكونيَّة، ويعقلون آياتِه القرآنيَّة، فلا يتبعون الأهواء ولا يقولون عليْه بغير علم؛ بل يلتَمِسون الحجَّة والبرهان، ويَحرصون على القوْل السَّديد؛ عملاً بقولِه تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ï´¾ [الأحزاب: 70].

القُدرة على حلِّ المشكلات وتجاوُز الواقع المهين:

وذلك لأنَّهم يتوكَّلون على الله حقَّ توكُّله، معتمدين على توفيقِه، فيبصِرون الأمور على حقيقتِها بدون تضخيم ولا تحقير، والله يمدُّهم بنورٍ يبصرون به، وفرقانٍ يُميِّزون به الحقَّ عن الباطل، كما ييسِّر أمورهم؛ مصداقًا لقوله تعالى: ï´؟ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ï´¾ [الطلاق: 2]، ولقوله تعالى: ï´؟ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ï´¾ [الطلاق: 4].

الإحسان المستمِر والعفْو عن المسيئِين:

وذلك مصداقًا لقوله تعالى: ï´؟ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمَِينَ الغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ï´¾ [آل عمران: 133، 134].

ج - الصَّحابة هم النَّماذج القدْوة لبناة الحضارة الإيمانيَّة:

الصَّحابة جيلٌ من المؤمنين المتَّقين الَّذين تربَّوا في مدرسة النبوَّة، فنهلوا من معين الوحْي، وأخذوا العِلْم والعمل عن الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فكانوا سادة الأتْقياء المتحضِّرين، وفيما يلي بعض أخلاقهم ومواقفهم الحضاريَّة:

حبُّهم للعلم وإيثاره على متاع الدنيا:

وخاصَّة الفُقَراء منهم، أمثال أبي هُرَيْرة وابن مسعود وغيرِهِما، ممَّن لم يشغلْهم الصَّفَق في الأسْواق عن طلب العلم، ولم يكْتفوا كلهم بعلم القُرآن والسنَّة؛ بل منهم من تعلَّموا العبريَّة، وكذا لغات الأمم المجاورة؛ ليبلغوا رسالة الإسلام لغير العرب.

الإيثار والتَّضحية في سبيل الله:

إنَّهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليْه، لا يهمُّهم الطَّمع، ولا تشغلهم الأموال والأولاد عن تلْبية نداء الجهاد ونصرة الإسلام - مهاجرين وأنصارًا - فلم يصِبْهم ما أصاب عموم المسلمين في العصْر الراهن من الوهن النَّاتج عن حب الدنيا وكراهية الموت؛ بل هُم نصروا الله بالجهاد فنصرَهم، واعتزُّوا بدينهم فأعزَّهم الله.

العمل لصلاح الدين والدنيا:

إنَّهم تربَّوا في مدرسة النبوَّة على الجهاد وعلى العمل للدنيا والآخرة، فهم فرسان بالليل رهبان بالنهار، في حياتهم الخاصَّة يتَّصفون بالزهد في الرفاهة والمتاع المؤدِّي إلى الترف والكسل، وفي حياتهم العامَّة يحرصون على فعل الخيرات والأعمال الصَّالحة، فأخذوا بما كان في عصْرِهم من التقنيات والصِّناعات، فاهتمُّوا بالضروريَّات وبالأولويات في عهدِهم، كصناعة السيوف والأذرع الضروريَّة للجهاد، ولم يهتمُّوا بالمقتنيات الترفيهيَّة، وبالمشتهيات النفسيَّة.

العدْل في القضاء وفي الشَّهادة على غير المسلمين:

وقد وردتْ في سيرهم وأخبارهم قصص ومواقف عديدة تشْهد بنزاهتهم وعدالتهم، وخاصَّة مع يهود المدينة، سواءٌ في حياة الرَّسول أو بعد مماته - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وأشهرُها حكم القاضي العادل (شريح) في قضيَّة الدرع التي ضاعت من علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وغيرها من الوقائع.

الاستفادة من حضارة الأمم الأخرى:

اشتهر بذلك أيضًا الخليفة الرَّاشد عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - في تدْوين الدواوين، وترتيب الجيش، واتِّخاذ حدث للتَّأريخ وهو (حدث الهجرة النبويَّة)، وإنشاء بيت المال، وتَمصير الأمصار وغيرها، فبالسَّير على المنهجِ القُرآني والهدْي النبويّ يهتدي الإنسان للَّتي هي أقْوم في العبادة والعمل وفي البناء الحضاري والرقي الإنساني وغيرها.

التَّسامح والمعاملة الحسنة لأهل الكتاب:

وخاصَّة المعاهدين والذميِّين منهم، وموقف عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنْه - من وضع الجِزْية عن فقراء الذميين وعجائزهم، وإعطائهم من بيت مال المسلمين - ما زالت مفْخرة للمسلمين ومواقفهم الحضاريَّة، بينما حاملو شعارات (حقوق الإنسان) في العصر الرَّاهن لم يتخلَّصوا بعد من النزعات العنصريَّة والطبقيَّة.

الخلاصة:

في هذه الخلاصة يمكن القول: إنَّ إصلاح حال أمَّتنا الإسلاميَّة وإخراجها من مرْحلة الوهن والنكوص الحضاري، والدَّفع بها إلى استِرْداد عزها ومكانتها الخيرة المتميِّزة - أمر يحتاج إلى جهود ومجاهدة في ميادين عدَّة، أهمُّها - في نظرنا المتواضع - الميدان التربوي التعليمي، وذلك باستقلاليَّة النظم التعليمية من التبعيَّة التي تملي عليْها تجديدًا في المناهج يسعى للتَّخفيف - أو ربَّما للتخلُّص - من قيم الالتزام والتميُّز، وضمنها (قيم التَّقوى والإخلاص والجهاد وما أشبه)، لصالح قيم التَّسامح والاعتدال والانفتاح، التي لم يُقْصَد بها إلاَّ التَّصالُح مع قيم الكفر والمزيد من الانحلال والتبعيَّة، أو الدخول رسميًّا في العولمة والتَّطبيع مع الصهيونيَّة العالميَّة.

والأمَّة لكي تكون مسلمة حقًّا ينبغي لها أن تربِّي ناشئَتَها على قيم التَّقوى بمفهومها الواسع والعميق؛ لتنْقية عقائِدِهم من رواسبِ الفِكْر الإرجائي والخرافي من جهة، وتحرير أخْلاقهم من التَّواكُل وآثار الفكر العلماني/ الإباحي من جهة أخرى.


إنَّ التَّربية على نهج المتَّقين (الرَّسول والصَّحابة) هي الكفيلة بتكْوين جيل قادرٍ على تَجاوز الذَّات وتحمُّل المسؤوليَّات، جيل متحرِّر من عبادة الطَّواغيت والأهْواء، ومن اللهاث وراء المتع والمقتنيات الترفيهيَّة، جيل لا يخاف إلاَّ الله، ولا يخشى فوات الرِّزْق أو المنصب، فلا يحتال ولا يكذب، ولا يخادع، ولا يُساوِم على دينه أو كرامته، جيل يمثِّل أو يحتوي الطَّائفة المنصورة القائمة على الحقِّ لا يضرها من خالفها، كما بشَّرنا ووعدنا الصَّادق المصْدوق، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم، وعلى من اتبعه واهتدى بهدْيِه إلى يوم الدين.



[1] - في مقال: دور الإصلاح العقدي في النهضة الإسلامية مجلة (إسلامية المعرفة) العدد الأول، المحرم 1416 ص: 57.
[2] - مفردات ألفاظ القرآن، الرَّاغب الإصفهاني، تحقيق صفوان عدنان داودي، ط دار القلم، دمشق، والدَّار الشَّاميَّة، بيروت 1992 ص: 881.
[3] - ممَّا توصَّل إليه كاتب المقال في بحثه لرسالة الدكتوراه بعنوان: (مفهوم التقوى في القرآن والحديث) دراسة مصطلحيَّة وتفسير موضوعي، تحت إشراف الدكتور الفاضل الشَّاهد البوشيخي - بخصوص النقطة أعلاه ما يلي:
- أوصاف المتَّقين في القرآن والحديث هي أعمال، وعبادات، وأخلاق حسنة شاملة لكل خصال البر.
- ارتفاع نسبة المشتقَّات الفعليَّة لمصطلح التقوى عن المشتقات الاسميَّة منها - (70% من مجموع المشتقات في القرآن، و63% من مجموعها في الحديث) - يدل على أنَّ مصطلح التَّقوى مصطلح عملي وحركي وليس مصطلحًا سكونيًّا.
- تفيد الدراسة الاستقرائيَّة أيضًا أنَّ صيغ (فعل الأمر) من التقوى: (اتَّقُوا، اتق، اتَّقون) تأتي في القرآن مقترنة بالأفعال – أي: بالأوامر - أكثر من اقترانها بالنواهي، ممَّا يؤكِّد رجحان جانب الفعل على جانب الترك في دلالة التقوى، هذا فضلاً عن كون شرائع التقوى هي نفسها شرائع الإسلام والإيمان؛ إذ هي شعبة من شعب الإيمان الكبرى.
[4] - أمثال المرحوم: د. محمد عبدالله دراز، في كتابه القيم: "دستور الأخلاق في القرآن" والمرحوم العلامة الأديب مصطفى صادق الرافعي في كتابه: "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية"، الدكتور محمد عثمان نجاتي في كتابه: "القرآن وعلم النفس" .. وغيرهم.
[5] - إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، ط دار الكتاب العربي، الطبعة التَّاسعة، ص 100 - 102 بتصرُّف.
[6] - القرآن وعلم النفس، ط 5 دار الشروق 1993، ص: 262.
[7] - المرجع السابق، ص: 263.
[8] - محمد إبراهيم الشافعي في مقال: (الإحسان في بيان القرآن سبيل إصلاح الأمة) نشر في مجلة (الأمة) القطرية، ع: 29 فبراير 1983 ص: 30.
[9] - ماجد عرسان الكيلاني في كتابه (فلسفة التربية الإسلامية) ط مؤسَّسة الريان بيروت، 16 - 1998 ص: 349. بتصرف.
[10] - سورة المائدة آية: 8.
[11] - سورة الحجرات آية: 13.
[12] - سورة آل عمران آية: 76.
[13] - سورة التوبة آية: 4.
[14] - مقدمة ابن خلدون، ط دار الفكر، بدون تاريخ ولا تحقيق، ص: 32.
[15] - سورة هود آية: 61.
[16] - اقترحه الدكتور أحمد صدقي الدجاني في بحوثه.
[17] - في بحثه العمران في ظلال القرآن.
[18] - سورة إبراهيم آية: 37.
[19] - شروط النهضة ص 55 عن د. هاشم بن علي بن أحمد الأهدل في كتابه: "أصول التربية الحضارية في الإسلام" طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة ضمن (سلسلة الرسائل الجامعية) المملكة العربية السعودية 1428 هـ / 2007 م ص: 224.
[20] - فلسفة الحضارة، ترجمة د. زكي نجيب محمود، ص 34 عن د. مقداد يالجن في كتيب: "دور التربية الأخلاقيَّة الإسلاميَّة في بناء الفرْد والمجتمع والحضارة الإنسانية"، ط دار الشروق أولى 1983 ص: 83.
[21] - نفس المرجع والصفحة.
[22] - في نفسه.
[23] - في بحثه القيم: "أصول التربية الحضارية" سبق ذكره.
[24] - من هذه المواطن: سورة البقرة، آيات: 2 - 6 و 177 و180 و 194، آل عمران: 76 و133 - 136 و .... إلخ.
[25] - أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - صحَّحه الألباني رقم 4216.
مخموم القلب: لفظ (مخموم) من خمَّ المكان أو البيت إذا كنسه من الأوساخ، ومعناه في الحديث يشرَحُه ما بعده، قلبه سليم وخالٍ من الضَّغائن والأحْقاد، ومن التكبُّر والطماع وكل ما يؤدِّي إلى الصِّراع أو احتِقار النَّاس أو الاعتِداء عليهم، وهل هناك معنى للتحضُّر أسمى من هذا؟! وأيُّ تحضُّر هذا الَّذي يتَّصف به متمدنو الحضارة الماديَّة المعاصرة المتَّصفون بالغرور والتكبُّر والعنصريَّة الحاقدة؟!


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.75 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.94%)]