عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 13-02-2020, 02:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (13/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام

وتحرير هذه المسألة أنَّ لها ثلاث حالات:

1- أنْ يُعلَم من قرينة حالِ الساكت أنَّه راضٍ بذلك، فهذا الإجماعُ يكون مقبولاً قولاً واحدًا.
2- أنْ يُعلَم من حال الساكت أنه ساخط، فهذا ليس بإجماع قولاً واحدًا.
3- ألاَّ يُعلَم منه رضًا أو سخط.

فالحالة الأولى والثالثة تُسمَّيان: "إجماع سكوتي"، وهو مُعتَبَر عند الجمهور.

تتمَّات البحث:
التتمَّة الأولى:
فاتَ الناظم أنْ يُورِد كلامَ صاحب الأصل - رحمه الله - في اشتراط انقِراض العصر لصحَّة الإجماع.

قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 18: ولا يُشتَرَط انقِراض العَصْرِ على الصَّحيح.
فإنْ قُلنا: انقراضُ العَصر شرطٌ فيُعتَبر قولُ مَن وُلِد في حياتهم، وتفَقَّه وصار من أهل الاجتِهاد، ولهم أنْ يرجعوا عن ذلك الحكم"، ا.هـ.
قلت: ورأي الجمهور أنَّه لا يُشتَرط انقِراضُ العصر، وأنَّ الإجماع ينعَقِد من أهله بمجرَّد اتِّفاقهم على الحكم الشرعي، ولا يجوز لهم مخالفته بعد ذلك.

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "شرح نظم الورقات" ص 139: "وهذه المسألة فيها خِلافٌ، هل يُشتَرَط لثُبُوت الإجماع انقِراض العصر، أو أنَّه يحصل الإجماع بأوَّل لحظةٍ أجمَعُوا عليها؟".

المسألة فيها خلاف:
بعضُهم يقول: لا بُدَّ من انقِراض العَصْر؛ وذلك لأنَّه يجوز لأحدِهم أنْ يتغيَّر رأيُه، فلا إجماع حتى ينقَرِض العصر؛ فمثلاً مَن كان من التابعين، متى ينعَقِد الإجماع؟ إذا انقَضَى التابعون، وتابعوهم، وهكذا.
القول الثاني: أنَّه لا يُشتَرط انقِراض العصر.

وهذا هو الصحيح؛ لأنَّه بمجرَّد إجماعهم ثبَت الدليلُ، فلو نقَضُوا فيما بعدُ لصاروا ناقِضين للدليل، فلا عِبرَة بهم"، ا.هـ.

وقد نظَم الشرف العمريطي ذلك في "نظم الورقات" فقال:
ثُمَّ انْقِرَاضُ عَصْرِهِ لَمْ يُشتَرَطْ
أَيْ فِي انْعِقَادِهِ وَقِيلَ مُشْتَرَطْ

وَلَمْ يَجُزْ لِأَهْلِهِ أَنْ يَرْجِعُوا
إِلاَّ عَلَى الثَّانِي فَلَيْسَ يُمْنَعُ

وَلْيُعْتَبَرْ عَلَيْهِ قَوْلُ مَنْ وُلِدْ
وَصَارَ مِثْلَهُمْ فَقِيهًا مُجْتَهِدْ



التتمَّة الثانية:
فات الناظم نظمُ قولِ الصحابي وحجيَّته.
قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 19: "وقولُ الواحدِ من الصَّحابة ليس بحجَّةٍ على غَيْرِه، على القول الجديد"، ا.هـ.

قلتُ: قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "شرح نظم الورقات" ص 141: "أي: على الجديد من مذهب الشافعي؛ لأنَّ الشافعيَّ له مذهبان: مذهب قديم، وهو مذهب العراق، ومذهب جديد، وهو مذهبه في مصر"، ا.هـ.

قلتُ: بل يُؤخَذ به إذا استَوفَى شروطَه وخَلا من الموانع.

ومن الشُّروط التي اشتَرَطها العُلَماء في قبول قول الصحابي، وإعطائه حكمَ الرَّفع:
1- ألاَّ يُعارِض عموميَّات الكتاب والسنَّة.
2- ألاَّ يكون مُعارَضًا بقول غيره من الصحابة، فقول بعضهم ليس بحجَّةٍ على بعض، وكلٌّ يُؤخَذ منه ويردُّ.
3- أنْ يكون فيما لا مجال فيه للرأي، كإثبات الحلال والحرام، وترتيب الثَّواب والعِقاب على الأفعال، وذكر الأمور الغيبيَّة كتلك المتعلِّقة بالآخِرة ونحوها.

التتمَّة الثالثة:
شُرُوط انعِقاد الإجماع:
قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "الأصول من علم الأصول" ص 92: "للإجماع شروطٌ منها:
1- أنْ يَثبُت بطريقٍ صحيح: بأنْ يكون إمَّا مشهورًا بين العُلَماء، أو ناقِله ثقة واسِع الاطِّلاع.
2- ألاَّ يَسبِقه خلافٌ مستقرٌّ، فإنْ سبَقَه ذلك فلا إجماع؛ لأنَّ الأقوال لا تبطل بموت قائليها.

فالإجماع لا يَرفَع الخلاف السابق، وإنما يمنع من حُدُوث خِلاف.

هذا هو القول الراجح لقوَّة المَأخَذ، وقيل: لا يُشتَرَط ذلك، فيصح أنْ يَنعَقِد في العصر الثاني على أحد الأقوال السابقة، ويكون حجَّة على مَن بعده"، ا.هـ.

التتمَّة الرابعة:
تعذُّر وقوع الإجماع بعد عصر الصحابة:
وسبَبُ تعذُّره تفرُّق العلماء في الأمصار، وعدَم إمكان حصرهم، خِلافًا للصحابة الذين لم يتفرَّقوا بعيدًا، وأمكن حصرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله -: "لا يُعلَم إجماعٌ بالمعنى الصحيح إلاَّ ما كان في عصر الصَّحابة، أمَّا بعدَهم فقد تعذَّر غالبًا"، ا.هـ.
وقال أيضًا في "مجموع الفتاوى" 11/ 341: "ولكنَّ المعلوم منه هو ما كان عليه الصحابة، وأمَّا ما بعد ذلك فتعذَّر العلم به غالبًا"، ا.هـ.

التتمَّة الخامسة:
أقسام الإجماع:
الإجماع على قسمين:
أ- قطعي:
وهو ما يُعلَم وقوعُه من الأمَّة بالضرورة؛ كالإجماع على وجوب الصلوات الخمس، وتحريم الزنا.
وهذا النَّوع معلومٌ ثبوتُه، ولا أحد يُنكِر حجيَّته، ويَكفُر مُنكِرُه.

ب- ظني:
وهو الذي يُعلَم بالتتبُّع والاستِقراء.
وهذا النَّوع اختُلِف في حجيَّته، وأرجَحُ الأقوال على حجيَّته، ولكن المُنكِر لثبوته لا يَكفُر.

التتمَّة السادسة:
إذا اختَلَف الصَّحابة في مسألةٍ على قولَيْن ثم اتَّفَق التابعون على واحدةٍ منهما، هل يُسمَّى ذلك إجماعًا أو لا؟


فيه قولان:
1- قال القاضي أبو يَعلَى من الحنابلة وبعض الشافعيَّة: لا يَكون إجماعًا؛ لأنَّ الذين ماتوا لا يَسقُط قولهم بموتهم.
أمَّا إذا اختَلَف الصحابة في مسألةٍ ثم اتَّفقُوا على واحدٍ منها؛ كاختلافهم على إمامة أبي بكر الصدِّيق، ثم اتِّفاقهم بعد ذلك بأنْ رجَع بعضُهم إلى قولِ الآخرين فصار إجماعًا.
وكذا غيرُ الصحابة إذا اختلَفُوا ثم اتَّفَقُوا كان اتِّفاقهم إجماعًا.

قال محمد بن حسين الجيزاني - حفظه الله - في "معالم أصول الفقه" ص 182: "إذا اختَلَف الصَّحابة في مسألةٍ على قولَيْن لم يَجُزْ للتابعين الإجماعُ على أحدهما؛ لأنَّ في انعِقاد هذا الإجماع نسبة الأمَّة إلى تضييع الحقِّ، والغَفلة عن الدليل الذي أوجب الإجماعَ، ولأنَّ نِزاع الصحابة واختلافَهم لا يُمكِن أنْ يكونَ على خِلاف الإجماع، فلا يصحُّ انعِقاد إجماعٍ يُخالِفه الصحابة"، ا.هـ.

قلت: وهذا القول بُنِي على مقدمات:
أ- أنَّ الذين ماتُوا لا يَسقُط قولهم بموتهم.
ب- نسبة الأمَّة إلى تضييع الحق، والغفلة عن الدليل الذي أوجَبَ الإجماع.
ج- أنَّ نِزاع الصحابة لا يُمكِن أنْ يكون على خِلاف الإجماع.
د- أنَّ شرط حُدُوث الإجماع ألاَّ يَسبِقه خلافٌ مستقرٌّ.
هـ- تعذُّر حدوث الإجماع بعد الصحابة.

2- أنَّ الاتِّفاق بعد ذلك يُسمَّى إجماعًا.

واستدلُّوا بأنَّ العُلَماء في تَعرِيفهم للإجماع لم يُقيِّدوه بعصر الصَّحابة، وإنْ وقَع الخلاف - خارج التعريف - على إمكان وُقوعِه بعد عصر الصَّحابة.
قلت: والقول الأوَّل هو الأرجَحُ.

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "شرح الأصول من علم الأصول" ص 503: "س: فإذا قدَّرنا أنَّ أهل العصر اختَلفُوا في حكمٍ ثم انقرَضُوا فجاء العصر الثاني فأجمَعُوا على أحد القولَيْن فهل يصحُّ الإجماع؟
ج: لا يصحُّ؛ لأنَّ هناك خلافًا مستقرًّا، فإجماع العصر الثاني على أحد قولَي العصر الأوَّل ليس بإجماعٍ لوجود الخلاف المستقرِّ، والأقوال لا تبطل بموت قائليها"، ا.هـ.

التتمَّة السابعة:
إجماع أهل المدينة:
اختُلِف في اعتباره على قولين:
1- أنَّه ليس بحجَّة؛ لأنَّهم بعض الأمَّة، والمُعتَبَر في هذا الباب هو إجماع الأمَّة كلها، وهذا قولُ جمهور العلماء.
2- أنَّه حجَّة، وهو قول الإمام مالك وأتباعه.

وقد توسَّط قومٌ فقالوا باعتباره إذا جمَع شرطين:
أ- أنْ يكون فيما لا مجالَ فيه للرأي.
ب- أنْ يكونَ منقولاً عن الصحابة والتابعين لا غير.

والراجِح أنه ليس بحجَّة، وإنْ كان يُعتَبر من غير إلزامٍ إذا ما وافَق الدليل.

التتمَّة الثامنة:
اتِّفاق الأئمَّة الأربعة ليس بإجماعٍ عند الجمهور.
والصحيح أنَّه حجَّة وليس بإجماعٍ؛ لأنَّ الإجماعَ لا يكون إلاَّ من الجميع، وهم وأتباعهم بعض الأمَّة.

التتمَّة التاسعة:
لكلِّ إجماع مُستَند، عَلِمَه مَن عَلِمه وجَهِلَه مَن جَهِلَه، ولا يُشتَرط معرفة مُستَند الإجماع للعمل به.


[1] صحيح.
أخرَجَه الترمذي في "سننه": (كتاب الفتن/ باب: ما جاء في لزوم الجماعة/ ح 2167)، وصحَّحه العلاَّمة الألباني - رحمه الله - في "صحيح الجامع" برقم 1848.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.64 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.15%)]