تحليل مسألة القَسَمِ وتوجيهات الفرَّاء لها في قوله تعالى:
﴿ وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَملأَنَّ جَهَنَّمَ ﴾
د. سعد الدين إبراهيم المصطفى
في قَولُهُ تَعالَى: ﴿ وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَملأَنَّ جَهَنَّمَ ﴾.[1] صَارَ قَولُهُ -عزَّ وجلَّ: ﴿ وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ﴾ يمِيناً، كَمَا تَقُولُ: حَلفِي لَأَضرِبَنَّكَ، وبَدَا لِي لَأَضْرِبَنَّكَ. وكُلُّ فِعلِ كَانَ كَتَأوِيلِ بَلَغَنِي، وقِيلَ لِي، وانتَهَى إلَيَّ، فَإنَّ " الَّلامَ وأنْ " تَصلُحانِ فِيهِ. فَتَقُولُ: قَدْ بَدَا لِي لأَضرِبَنَّكَ، وبَدَا لِي أنْ أَضرِبَكَ. فَلَو كانَ: وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ أَنْ يَملأَ، كَانَ صَواباً، وكَذلِكَ: (ثُمَّ بَدَا لَهُم مِنْ بَعدِ ما رَأَوا الآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ)[2]، ولو كانَ: أنْ يَسجُنُوهُ، كانَ صَوَابَا[3].
تعليق ومقارنة:
امتازَ القَصَصُ القُرآنيُّ هُنا بِأُسلُوبٍ مُتفرِّدٍ في عَرضِهِ لِأُسلُوبِ القَسَمِ، فهذِهِ التراكيبُ التي استُعملَتْ في القَسَمِ إنَّما جاءت لبيانِ معانٍ تَشتَمِلُ علَيها دُونَ غيرِها، فَقَولُ اللهِ، سُبحانَهُ: وتَمَّتْ: الواوُ حَسَبُ ما قَبلَها. وتَمَّتْ: فعلٌ ماضٍ، وكلِمةُ: فاعِلٌ مَرفُوعٌ، وربِّ: مُضافٌ إلَيهِ، والكافُ ضَميرٌ مُتَّصلٌ مبنيٌّ فِي محلِّ جرٍّ مُضافٌ إلَيهِ. هذا في إعرابه أمَّا في دلالتِهِ فأفادَ القَسَمَ، ومثلُهُ في الدِّلالةِ علَى القَسَمِ قولهم: بَلَغني لَأَفعلّنَّ، وانتَهَى الأَمرُ لَأَكتُبَنَّ، وقِيلَ لِي لتَأتِيَنَّ.
﴿ وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَملأَنَّ جَهَنَّمَ منَ الجِنَّةِ والنَّاسِ أَجمعِينَ ﴾، فَهذِهِ الجملةُ ضُمِّنَتْ مَعنَى القسَمِ كقولِهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ﴾، ثمَّ عقَّبَ بِقَولِهِ: (لَتُؤمِنُنَّ بِهِ). فهذا الأُسلُوبُ القرآنيٌّ لا يَرقَى النَّثرُ ولا الشِّعرُ لِمِثلِهِ مُطلَقاً.ومثلُهُ مِن الأَفعالِ في أداءِ معنَى القسَمِ: " وإذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ"، وقوله: ﴿ وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ ﴾ [الأحزاب: 15]، وقوله: ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الإسراء: 4]، وقوله: (كَتَبَ اللهُ).
[1] الآية 119 من سورة هود.
[2] الآية 35 من سورة يوسف.
[3] معاني القرآن 2: 31.