خروج النجس غير البول والغائط من غير السبيلين
دبيان محمد الدبيان
الدليل الخامس:
قالوا: إن الفرائض إنما تجب بكتاب أو سنة أو إجماع، وليس مع من أوجب الوضوء حجة، وقد أجمع العلماء على أن من توضأ فهو طاهر، واختلفوا في نقض طهارته بعد حدوث الرعاف أو القيء أو الحجامة أو غيرها من سائر النجاسات من البدن، وغير جائز أن تنقض طهارة مجمع عليها إلا بإجماع مثله، أو خبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا معارض له[45].
الدليل السادس:
قال الشافعي: لم يختلف الناس في البصاق يخرج من الفم، والمخاط والنَّفس يأتي من الأنف، والجشاء المتغير وغير المتغير يأتي من الفم: أن ذلك لا يوجب الوضوء، فدل ذلك على أنْ لا وضوء من قيء ولا رعاف ولا حجامة ولا شيء خرج من الجسد، ولا أخرج منه غير الفروج الثلاثة: القبل والدبر والذكر؛ لأن الوضوء ليس على نجاسة ما يخرج، ألا ترى أن الريح تخرج من الدبر ولا تنجس شيئًا، فيجب بها الوضوء، كما يجب بالغائط، وأن المني غير نجس والغسل يجب به، وإنما الوضوء والغسل تعبد[46].
وقد نقلنا نحو هذا الكلام فيما تقدم عن ابن المنذر، والله أعلم.
الدليل السابع: من الآثار:
(1031-260) منها ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا عبدالوهاب، عن التيمي، عن بكر - يعني: ابن عبدالله المزني - قال:
رأيت ابن عمر عصر بثرة في وجهه، فخرج شيء من دم، فحكه بين إصبعيه، ثم صلى ولم يتوضأ[47].
[إسناده صحيح] [48].
(1032-261) ومنها ما رواه عبدالرزاق، عن الثوري وابن عيينة، عن عطاء بن السائب، قال:
رأيت عبدالله بن أبي أوفى بصق دمًا، ثم صلى، ولم يتوضأ[49].
[إسناده حسن] [50].
(1033-262) ومنها ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا عبيدالله بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الزبير، عن جابر أنه أدخل إصبعه في أنفه، فخرج عليها دم، فمسحه بالأرض أو التراب، ثم صلى[51].
[إسناده حسن] [52].
(1034-263) ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن نمير، قال: أخبرنا عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان إذا احتجم غسل أثر محاجمه[53].
[إسناده صحيح] [54].
(1035-264) ومنها ما رواه عبدالرزاق، عن معمر، عن جعفر بن برقان، قال: أخبرني ميمون بن مهران، قال:
رأيت أبا هريرة أدخل إصبعه في أنفه، فخرجت مخضبة دمًا، ففته، ثم صلى، فلم يتوضأ[55].
[المحفوظ عن ميمون بن مهران عن من رأى أبا هريرة][56].
وأجاب أصحاب القول الأول عن هذه الآثار:
أجاب الحنابلة بأن النقض مقيد بشرطين:
الأول: أن يكون الخارج نجسًا.
الثاني: أن يكون فاحشًا.
وهذه الآثار دليل على أن الخارج النجس إذا كان يسيرًا لا ينقض الوضوء، أرأيت ابن عمر، فإنه كما ثبت عنه أنه عصر بثرة، فصلى ولم يتوضأ، صح عنه أيضًا أنه كان إذا رعف انصرف فتوضأ، ثم رجع فبنى، ولم يتكلم؛ رواه مالك، عن نافع، عنه، وسبق تخريجه.
ورد عليهم:
بأنه لو كان خروج النجس حدثًا، لما كان هناك فرق بين القليل والكثير، قياسًا على سائر الأحداث من البول والغائط والريح ونحوها.
وأجاب العلماء القائلون بعدم النقض عن الآثار الواردة في الرعاف، بما قاله ابن عبدالبر: قال: حمله أصحابنا على أنه غسل الدمَ ولم يتكلم، وبنى على ما صلى، قالوا: وغسل الدم يسمى وضوءًا؛ لأنه مشتق من الوضاءة، وهي النظافة، قالوا: فإذا احتمل ذلك، لم يكن لمن ادعى على ابن عمر أنه توضأ للصلاة في دعواه ذلك - حجةٌ؛ لاحتماله الوجهين.
وكذلك تأولوا حديث سعيد بن المسيب؛ لأنه قد ذكر الشافعي وغيره عنه أنه رعف فمسحه بصوفة، ثم صلى ولم يتوضأ، قالوا: ويوضح ذلك فعل ابن عباس أنه غسل الدم عنه وصلى، وحملُ أفعالهم على الاتفاق منهم أولى.
وخالف في ذلك أهل العراق في هذا التأويل، فقالوا: إن الوضوء إذا أطلق ولم يقيد بغسل دم وغيره، فهو الوضوء المعلوم للصلاة، وهو الظاهر من إطلاق اللفظ.... إلخ كلامه - رحمه الله[57].
قلت: الأصل حمل الكلام على الحقيقة الشرعية، فإن تعذر أو ليس له حقيقة شرعية، قدمت الحقيقة اللغوية، فإن تعذر حُمل على الحقيقة العرفية، والله أعلم.
الراجح من الخلاف:
بعد استعراض أدلة الفريقين الذي يظهر - والله أعلم - أن القول بأن خروج النجس من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، إلا أن يكون بولاً أو غائطًا أو ريحًا، وقد انسد المخرج المعتاد - هو القول الراجح، وأما الآثار التي وردت عن ابن عمر وعن غيره بسند صحيح عن الوضوء من الرعاف، والبناء على الصلاة بعده، فمع أن الدم من الإنسان ليس نجسًا - كما حررت ذلك والحمد لله في قسم النجاسات من هذه السلسلة - فهو على خلاف القياس؛ لأن إيجاب الوضوء من الرعاف يعني: بطلان الطهارة، وبطلان الطهارة يلزم منه بطلان الصلاة كخروج البول والريح إذا خرجا من المصلي أثناء الصلاة، فإنه يجب استئناف الصلاة بعد إعادة الطهارة، فصحة الآثار من الصحابة لا نقاش فيه عند اجتماعهم، فإن ثبت الخلاف عن الصحابة كان الأمر واسعًا، وتقديم قول الصحابي الذي يوافق القياس أولى من غيره، وإن لم يثبت الخلاف بينهم، بحيث لا يعلم مخالف لقول من قال بالبناء، فإنا نقول به، ولو خالف القياس، لكن لا نتعداه إلى غيره، ولا نقول بوجوبه من كل خارج نجس، وإنما يقتصر على ما ورد عن الصحابة، والله أعلم.
قال ابن عبدالبر: وأما بناء الراعف على ما قد صلى، ما لم يتكلم، فقد ثبت في ذلك عن عمر، وعلي، وابن عمر، وروي عن أبي بكر أيضًا، ولا مخالف لهم في ذلك من الصحابة إلا المسور بن مخرمة وحده، وروي أيضًا البناء للراعف على ما صلى ما لم يتكلم عن جماعة من التابعين بالحجاز والعراق والشام، ولا أعلم بينهم في ذلك اختلافًا إلا الحسن البصري، فإنه ذهب في ذلك مذهب المسور بن مخرمة، إلاَّ أنه لا يبني من استدبر القبلة في الرعاف... إلخ كلامه - رحمه الله تعالى.
ولم ير ابن عبدالبر من الآثار السابقة من خروج الدم من أنف أبي هريرة، وابن عمر وجابر وعدم الوضوء من ذلك - أن ذلك مخالف للآثار الواردة عن الصحابة في الانصراف من الصلاة للرعاف؛ وذلك ربما لأنه يرى أن خروج الدم من الأنف يسير لا ينقض الوضوء، والله أعلم.
وقال ابن التركماني: ذكر الطحاوي في اختلاف العلماء البناء عن عليٍّ وابن عمر وعلقمة، ثم قال: ولا نعلم لهؤلاء مخالفًا من الصحابة إلا شيئًا يروى عن المسور بن مخرمة، فإنه قال: يبتدئ صلاته، ثم ذكر كلام ابن عبدالبر المتقدم قريبًا[58]. اهـ
والعجب كيف يعتبر الكلام مبطلاً للصلاة، ولا يرون إبطال الطهارة بالرعاف مبطلاً للصلاة، مع العلم أن الطهارة شرط من شروط الصلاة، يلزم من عدمها عدم الصلاة، والكلام من محظورات الصلاة، ولكن ليس بمثابة الطهارة من الصلاة، وفعل المأمورات أشد من ترك المحظورات، فإن الإنسان لو تكلم ناسيًا في صلاته أو جاهلاً صحت صلاته، ولو صلى بدون طهارة ناسيًا أو جاهلاً لم تصح منه الصلاة، ولكن لا بد من التسليم للصحابة إن كان لم يحفظ خلاف في المسألة بينهم، فإن قول الصحابي حجة إذا لم يعلم له مخالف، وما ينسب للمسور بن مخرمة لم أقف على إسناده.
وهذا مالك - رحمه الله تعالى - وهو لا يرى خروج النجس من غير السبيلين ناقضًا للوضوء - يقول بالرعاف خاصة.
قال ابن رشد: واختار مالك - رحمه الله تعالى - البناء على الاتباع للسلف وإن خالف ذلك القياس والنظر، وهذا على أصله أن العمل أقوى من القياس؛ لأن العمل المتصل لا يكون أصله إلا عن توقيف، وقال أيضًا: ليس البناء في الرعاف بواجب، وإنما هو من قبيل إما الجائز أو المستحب[59].
[1] بدائع الصنائع (1/24)، البحر الرائق (1/33)، تبيين الحقائق (1/8)، مراقي الفلاح (ص: 36)، الاختيار لتعليل المختار (1/9)، شرح فتح القدير (1/39).
ويشترط الحنفية أن يكون الدم والقيح سائلاً، وفي القيء ونحوه أن يملأ الفم، وفي الدم إذا كان من الفم إذا غلب على البزاق أو ساواه.
[2] كشاف القناع (1/124)، الفروع (1/176)، شرح العمدة (1/295)، الإنصاف (1/179)، التحقيق في أحاديث الخلاف (1/185)، تنقيح التحقيق (1/469)، شرح الزركشي (1/256).
واشترط الحنابلة حتى يكون الخارج ناقضًا للوضوء أن يكون الخارج فاحشًا، واختلفوا في تفسير الفاحش:
فقيل: كل أحد بحسبه، وهو المشهور من المذهب. قال الخلال في الإنصاف (1/198): الذي استقرت عليه الروايات عن أحمد: أن حدَّ الفاحش ما استفحشه كل إنسان في نفسه. وقال جماعة - منهم ابن تيمية -: هي ظاهر المذهب.
ويشكل عليه أن الناس متفاوتون، منهم الموسوس الذي يستكثر القليل، والمتهاون الذي يعد الكثير يسيرًا، فلا ينضبط.
وقيل: ما فحش في نفس أوساط الناس؛ أي: المرجع العرف في ذلك. ورجحه جماعة من الحنابلة. قال صاحب الإنصاف (1/198): والنفس تميل إلى ذلك.
وعن الإمام أحمد روايةٌ أن الكثير قدر عشر أصابع.
وقيل: ما لو انبسط جامده، أو انضم متفرِّقه كان أكثر من شبر في شبر.
وقيل: ما لا يعفى عنه في الصلاة. القولان الأولان هما أرجح من غيرهما.
[3] حاشية الدسوقي (1/117،118)، الخرشي (1/153،154)، القوانين الفقهية (ص: 29)، بداية المجتهد (1/319)، مواهب الجليل (1/291)، الكافي في فقه أهل المدينة (ص:131)، تنوير المقالة في حل ألفاظ الرسالة (1/385).
[4] الأم (1/18)، الحاوي (1/199)، المجموع (2/8)، مغني المحتاج (1/33)، روضة الطالبين (1/72)، نهاية المحتاج (1/113).
[5] البخاري (228)، ومسلم (234).
[6] سنن الترمذي (87).
[7] الحديث ورد فيه اختلاف في سنده ومتنه:
أما المتن، فقد رواه الترمذي كما في إسناد الباب عن شيخه: إسحاق بن منصور، وأبي عبيدة، كلاهما عن عبدالصمد بن عبدالوارث به، بذكر قاء، فأفطر، فتوضأ.
ورواه جماعة منهم: محمد بن المثنى، ومحمد بن يحيى القطيعي، والحسين بن عيسى البسطامي، والحسين بن محمد بن زياد، وأبو قلابة الرقاشي، وإبراهيم بن مرزوق، وأحمد والدارمي، والعباس بن يزيد البحراني، ومحمد بن عبدالملك الواسطي، كلهم رووه بلفظ:
"قاء فأفطر" ولم يذكروا الوضوء من مسند أبي الدرداء، واتفقوا على ذكر الوضوء من مسند ثوبان، بقوله: "أنا صببت له وضوءه".
فقول ثوبان: "صدق؛ أنا صببت له وضوءه" قد يشهد أن الوضوء له أصل من حديث أبي الدرداء، فيكون عدم ذكر الوضوء في حديث أبي الدرداء من بعض الرواة اختصارًا، والله أعلم.
وأما الاختلاف في الإسناد:
فرواه جماعة عن عبدالصمد بزيادة الوليد بن هشام، والد يعيش، ورواه جماعة عنه بدون ذكر الوليد بن هشام، وإليك من وقفت عليهم منهم:
فقد رواه محمد بن المثنى (أبو موسى) كما في سنن النسائي الكبرى (3122)، وصحيح ابن خزيمة (1956)، وابن حبان، كما في الموارد (908)، والحاكم (1/426).
وأبو قلابة الرقاشي، كما في مستدرك الحاكم (1/426) ، والبغوي في شرح السنة
(160).
ومحمد بن يحيى القطيعي، والحسين بن عيسى البسطامي، كما في صحيح ابن خزيمة
(1956)، كلهم رووه عن عبدالصمد، عن أبيه، عن حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، عن يعيش بن الوليد، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء.
فهنا روى يعيش بن الوليد الحديث مباشرة عن معدان دون واسطة؛ أي: بدون ذكر والد يعيش (الوليد بن هشام).
وروى الحديث أحمد كما في المسند (6/443).
والدارمي في سننه (1728).
ومحمد بن يحيى كما في المنتقى لابن الجارود (8).
والعباس بن يزيد البحراني كما في سنن الدارقطني (1/158).
ومحمد بن عبدالملك الواسطي كما في سنن الدارقطني أيضًا (1/158)، والبيهقي (1/144).
وإبراهيم بن مرزوق، كما في الأوسط لابن المنذر (1/189)، وشرح معاني الآثار (2/96).
كلهم رووه عن عبدالصمد، فقالوا: عن يعيش، عن أبيه (الوليد بن هشام)، عن معدان بن طلحة به.
وأظن أن زيادة (أبيه) محفوظة، وهي من قبيل المزيد في متصل الأسانيد؛ لأمرين:
الأول: أن عبدالصمد قد توبع في زيادة (أبيه)، تابعه في ذلك أبو معمر عبدالله بن عمرو، عن عبدالوارث، ثنا الحسين، عن الأوزاعي، عن يعيش بن الوليد، عن أبيه به.
كما في سنن أبي داود (2381)، وسنن النسائي الكبرى (3120) وسنن الدارقطني (1/181)، وسنن البيهقي (4/220).
ثانيًا: كما توبع عبدالصمد بزيادة (والد يعيش)، توبع أيضًا أبوه عبدالوارث، فقد تابعه حرب بن شداد، فرواه بالإسنادين: تارة يذكر والد يعيش، وتارة يسقطه كما صنع
عبدالصمد.
فقد رواه الدارقطني (1/159) من طريق أحمد بن منصور، نا عبدالله بن رجاء، نا حرب، عن يحيى بن أبي كثير، نا عبدالرحمن بن عمرو، أن ابن الوليد بن هشام حدثه، أن أباه حدثه، نا معدان بن طلحة، أن أبا الدرداء أخبره به.
وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/426) من طريق هشام بن علي السدوسي، ثنا
عبدالله بن رجاء، به بدون ذكر الوليد بن هشام.
فهذا حرب بن شداد تارة يرويه بذكر والد يعيش وتارة يسقطه كما صنع عبدالصمد بن عبدالوارث.
ثالثًا: أن جريرًا رواه عن يحيى بذكر والد يعيش مرة، ومرة بإسقاطه.
قال البيهقي في الخلافيات (2/349): وقال جرير: عن يحيى، عن الأوزاعي، عن يعيش، عن معدان.
وقال مرة: عن يعيش، عن أبيه، عن معدان. اهـ
فخرج بذلك عبدالوارث من عهدته، وصارت الزيادة من قبل يحيى بن أبي كثير.
واختلف علماء الحديث هل ذكر والد يعيش محفوظ في الإسناد، أو يكون ذكره خطأ في الإسناد؟ على قولين:
فذهب ابن خزيمة - رحمه الله تعالى - إلى أن الصواب ليس بينهما عن أبيه.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه؛ لخلاف بين أصحاب عبدالصمد فيه، قال بعضهم: يعيش بن الوليد، عن أبيه، عن معدان، وهذا وهم من قائله، فقد رواه حرب بن شداد وهشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير على الاستقامة.
قلت: هذا وهم من الحاكم؛ فإن يعيش بن الوليد ليس من رجال الشيخين، ولا من رجال أحدهما، بل روى له أصحاب السنن إلا ابن ماجه، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن رواية حرب جاءت بالوجهين كما تقدم؛ أعني بذكر والد يعيش وبإسقاطه، وأما رواية هشام ففيها اضطراب سوف يأتي بيانه - إن شاء الله تعالى.
ورجح البغوي في شرح السنة (1/334) زيادة (أبيه) في الإسناد، فقال: هذا حديث حسن، والصحيح عن يعيش بن الوليد، عن أبيه، عن معدان. اهـ
كما قال الترمذي بعد أن روى الحديث بزيادة (أبيه) قال: وقد جود حسين المعلم هذا الحديث، وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب.
وقال البخاري - فيما نقله عنه الترمذي في العلل الكبير (1/168) -: جود حسين المعلم هذا الحديث.
فالنفس تميل إلى أن ذكر والد يعيش في الإسناد محفوظ، كما قدمت في أول تخريج الكتاب، والله أعلم.
وقال البيهقي (1/144): وإسناد هذا الحديث مضطرب، واختلفوا فيه اختلافًا شديدًا.
فتعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي (1/143) فقال: أخرجه الترمذي، ثم قال: جوده حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب، وقال ابن منده: هذا إسناد متصل صحيح. قال ابن التركماني: وإذا أقام ثقة إسنادًا اعتمد، ولم يبال بالاختلاف، وكثير من أحاديث الصحيحين لم تسلم من مثل هذا الاختلاف، وقد فعل البيهقي مثل هذا في أول الكتاب في حديث ((هو الطهور ماؤه))؛ حيث بيَّن الاختلاف الواقع فيه، ثم قال: إلا أن الذي أقام إسناده ثقة، أودعه مالك في الموطأ، وأخرجه أبو داود في السنن. اهـ
وقال الزيلعي في نصب الراية (1/41) وأعله الخصم باضطراب وقع فيه، فإن معمرًا رواه عن يحيى بن أبي كثير، عن يعيش، عن خالد بن معدان، عن أبي الدرداء، ولم يذكر فيه الأوزاعي، فإن اضطراب بعض الرواة لا يؤثر في ضبط غيره، قال ابن الجوزي: قال الأثرم: قلت لأحمد: قد اضطربوا في هذا الحديث؟ فقال: قد جوده حسين المعلم.
وأخرجه هشام الدستوائي، واختلف عليه فيه:
فقال مرة: عن يحيى عن يعيش بن الوليد، بإسقاط الأوزاعي.
وقال أخرى: عن يحيى، عن رجل من إخواننا عن يعيش.
وقال أيضًا: عن يحيى عن الأوزاعي، عن يعيش كما هي رواية عبدالصمد.
وقال أيضًا: عن يحيى، عن يعيش، أن خالد بن معدان أخبره، عن أبي الدرداء. فأسقط الأوزاعي، وغيّر اسم معدان إلى خالد بن معدان، وإليك تفصيلها:
فرواه أحمد (5/195) حدثنا إسماعيل، أخبرنا هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن يعيش بن الوليد بن هشام، عن بن معدان أو معدان، عن أبي الدرداء به.
ورواه أحمد بالإسناد نفسه في كتاب العلل ومعرفة الرجال رواية عبدالله (3/348) بدون شك، ثم قال أحمد: إنما رواه يحيى، عن الأوزاعي، عن يعيش، عن معدان، عن أبي الدرداء. اهـ
وأخرجه ابن أبي شيبة (2/298) رقم 9201 والنسائي في الكبرى بإثر حديث
(3124) عن يزيد بن هارون، عن هشام به، وقال: عن معدان، بدون شك.
فأسقط هشام هنا ذكر الأوزاعي في الإسناد، وجعل الحديث يرويه يحيى بن أبي كثير، عن يعيش مباشرة، فإن كان الأمر من هشام، فقد قصر في إسناده، وحفظ غيره ذكر الأوزاعي في الإسناد، وإن كان من يحيى، فلعل هذا من تدليسه، فقد ذكر الحافظ في التقريب أنه يدلس ويرسل.
وأخرجه النسائي في الكبرى (3124) من طريق أبي النضر.
وأيضًا (3127) من طريق معاذ بن هشام.
وأخرجه أيضًا (3128) من طريق ابن أبي عدي.
وابن خزيمة (1959) والحاكم (1/426) من طريق أبي بحر عبدالرحمن بن عثمان البكراوي.
والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1674) من طريق عبدالوهاب بن عطاء، خمستهم عن هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل من إخواننا، عن يعيش بن الوليد، عن معدان، عن أبي الدرداء.
وهذا الرجل المبهم قال ابن خزيمة: يريد الأوزاعي.
وأخرجه النسائي في الكبرى (3123) من طريق ابن سهيل، عن هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن الأوزاعي، عن يعيش بن الوليد، عن معدان، عن أبي الدرداء به.
وهذه أمثل رواية رواها هشام للحديث موافقًا فيها رواية عبدالصمد وحرب بن شداد وغيرهما؛ حيث أثبت في الإسناد ذكر الأوزاعي.
وأخرجه النسائي في الكبرى (3126) من طريق يزيد - يعني: ابن زريع - قال: حدثنا هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن يعيش بن الوليد، أن خالد بن معدان أخبره عن أبي الدرداء.
وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه (525) ومن طريقه أحمد في المسند (6/449)، والنسائي في الكبرى (3129) عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن يعيش بن الوليد، عن خالد بن معدان به كرواية يزيد عن هشام، بلفظ: استقاء فأفطر.
يتبع