عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11-02-2020, 04:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الخلاف في نقض الوضوء من مس الذكر

الخلاف في نقض الوضوء من مس الذكر


دبيان محمد الدبيان



أدلة من قال: لا يجب الوضوء من مس الذكر مطلقًا:

الدليل الأول:

(1066-295) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ملازم بن عمرو، عن عبدالله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي، قال: خرجنا وفدًا حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبايعناه، وصلينا معه، فجاء رجل، فقال: يا رسول الله، ما ترى في مس الذكر في الصلاة؟ فقال: ((وهل هو إلا بضعة - أو مضغة - منك))[25].

[إسناده فيه ضعف؛ تفرد به قيس بن طلق، ولم يتابعه عليه أحد] [26].



الدليل الثاني على ترك الوضوء من مس الذكر: من النظر:

قالوا: النظر دال على أنه لا يجب الوضوء من مسه، فقد قال ابن عبدالبر: ذكر عبدالرزاق عن الثوري[27]، وأخرجه البيهقي[28] بسنده إلى علي بن المديني، قال: اجتمع سفيان وابن جريج فتذاكرا مس الذكر، فقال ابن جريج: يتوضأ منه، وقال سفيان: لا يتوضأ منه، فقال سفيان: أرأيت لو أن رجلاً أمسك بيده منيًّا، ما كان عليه؟ فقال ابن جريج: يغسل يده. فقال أيهما أكبر المني أو مس الذكر؟ ولفظ عبدالرزاق: أيهما أنجس المني أم الذكر؟ فقال ابن جريج: ما ألقاها على لسانك إلا شيطان.

قال البيهقي: وإنما أراد ابن جريج أن السنة لا تعارض بالقياس. اهـ



قلت: إيجاب الوضوء ليس متلقى من العقل، وإذا كان الحكم الشرعي يخالف في بادي الرأي نظر الإنسان، دل ذلك على أن المسألة فيها توقيف، وقد ذكرت هذا الدليل من وجوه ترجيح حديث بسرة على حديث طلق، وبسطت الكلام عليه.



الدليل الثالث:

قالوا: وجوب الوضوء من مس الذكر مما تعم به البلوى، وما عمت به البلوى لا يقبل فيه أخبار الآحاد، حتى يكون نقله متواترًا مستفيضًا[29].

قلت: أين الدليل على هذا الشرط؟ وخبر الآحاد يجب العمل به كالخبر المتواتر، وحديث إنما الأعمال بالنيات من أعظم الأحاديث التي يعتمد عليها في الأحكام، ومع ذلك هو فرد غريب، ولم يمنع ذلك من صحته مع عظم الحاجة إليه، وتبليغ الرسالة من أعظم الأمور، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرسل آحاد الصحابة لتبليغها عن طريق المكاتبة وغيرها، وكانت الحجة تقوم بذلك، وأكثر الأخبار التي تعم بها البلوى هي أخبار آحاد، والأخبار المتواترة قليلة، بل إن تقسيم الأحاديث إلى متواتر وآحاد هو تقسيم حادث، لا يعرف عند أئمة الحديث المتقدمين، والله أعلم.



الدليل الرابع:

قالوا: تحمل الأحاديث الآمرة بالوضوء على غسل اليد؛ جمعًا بينها وبين حديث طلق.

وأجيب:

بأن حمله على غسل اليد لا يصح إلا بقرينة، ولا قرينة هنا؛ على أن الألفاظ يجب حملها على الحقيقة الشرعية، فإن تعذر حملت على الحقيقة العرفية، وحملها على الحقيقة الشرعية لا يمنع منه مانع، خاصة أن حديث قيس لا يصح، والله أعلم.



دليل من قال: يستحب الوضوء من مس الذكر:

وجه الاستحباب: قالوا: إن حديث طلق السؤالُ فيه عن وجوب الوضوء من مس الذكر، كما قال في الحديث: (أعليه وضوء، فقال: لا)، وحديث بسرة وغيرها مما فيه الأمر بالوضوء من مس الذكر يحمل على الاستحباب؛ جمعًا بين الأدلة.



وأجيب:

بأن الجمع إنما يكون بين دليل صحيح ودليل آخر مثله أو أعلى منه، وأما أن يكون أحد الحديثين صحيحًا والآخر ضعيفًا، فإن الواجب هو العمل بالحديث الصحيح وحده وطرح الضعيف؛ لأن الجمع وإن كان فيه إعمال لكلا الدليلين إلا أن إعمالهما معًا سيكون على حساب الحديث الصحيح؛ إما تقييدًا لمطلقه أو تخصيصًا لعمومه، فيخرج أفراد من الحديث الصحيح كان الإطلاق والعموم شاملاً لها مراعاة لحديث غريب لا يصح، فيكون الحديث الضعيف قد جنى على الحديث الصحيح، فهنا الوضوء من مس الذكر مطلق، يشمل ما كان على وجه اللذة وما كان بدونها، ويشمل ما كان متعمدًا وغير متعمد، وظاهر الأمر الوجوب، فإذا قمت بتقييد أحاديث الوضوء من مس الذكر بالشهوة، فمعنى هذا أنني أخرجت الوضوء من مسه بدونها، مع أن الأحاديث مطلقة، فهذا إخراج لبعض أفراد العموم من أجل حديث ضعيف، والكلام نفسه يقال فيمن حمل الأحاديث على الاستحباب، مع أن ظاهرها الوجوب، والله أعلم.



دليل من قال: يجب إن كان المس بشهوة ولا يجب بدونها:

قالوا: إن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما هو بضعة منك)) إيماء لاعتبار الشهوة؛ لأمرين:

الأول: أنك إذا مسست ذكرك بدون شهوة منك، لم يكن هناك فرق بينه وبين أي عضو من أعضائك، أما إذا مسسته بشهوة، فإنه يفارق بقية الأعضاء؛ حيث يجد اللذة بلمسه دون غيره، وقد يخرج منه شيء، وهو لا يشعر، فما كان مظنة للحدث علق الحكم به كالنوم.

ثانيًا: أن حديث طلق فيه سؤال عن الرجل يمس ذكره في الصلاة، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما هو بضعة منك))، ومس الذكر في الصلاة لا يكون بشهوة؛ لأن في الصلاة شغلاً عن مس ذكره بشهوة، بخلاف مسه خارج الصلاة، فقد يقع منه المس بشهوة، والله أعلم.



وأجيب:

أولاً: أن مظنة الخروج سببها الشهوة، وليس المس، ومع ذلك لو انتصب ذكره بشهوة، لم يجب عليه الوضوء مع كونه مظنة لخروج الخارج، ولا ينتقض وضوءه حتى يتيقن الخارج، وهذا دليل على أن انتقاض الوضوء من مس الذكر ليس سببه الشهوة، فإن قيل: إن مس الذكر باليد مع انتشار الذكر قد يساعد في خروج الخارج، قيل: لو انتشر الذكر لشهوة ومسه فخذه أو أي عضو من أعضائه غير يده، لم يجب عليه الوضوء، مع أن ذلك عامل مساعد لخروج الخارج، بل لو مسه بيده مع حائل لم ينتقض وضوءه، فهذا دليل على أن إيجاب الوضوء لم يكن سببه الشهوة، ولا مظنة خروج الخارج من الذكر.

ثانيًا: أن الذكر بضعة منا، سواء مسسناه بشهوة أو بغير شهوة، فهل إذا مس ذكره بشهوة لا يكون بضعة منه؟!

ثالثًا: أن قيد الشهوة لم يرد في الدليلين: الموجب للوضوء وغيره، فحديث بسرة: ((من مس ذكره، فليتوضأ)) أين قيد الشهوة من الحديث؟ وكذا بقية الأحاديث الآمرة بالوضوء من مس الذكر. وحديث طلق: في الرجل يمس ذكره، قال: ((وهل هو إلا بضعة منك؟))، فهو بضعة من الجسد سواء مس بشهوة أو بغير شهوة، فقيد الشهوة قيد لما أطلقه الشارع بغير دليل.



دليل من قال: ينقض مس الذكر بباطن الكف دون ظاهره:

استدل الشافعية بحديث أبي هريرة المتقدم: ((إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب، فقد وجب الوضوء)).

قال الشافعي: الإفضاء باليد إنما هو ببطنها كما تقول: أفضى بيده مبايعًا، وأفضى بيده إلى الأرض ساجدًا، أو إلى ركبتيه راكعًا، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر بالوضوء إذا أفضى به إلى ذَكره، فمعلوم أن ذكره يماس فخذيه، وما قارب ذلك من جسده، فلا يوجب ذلك عليه بدلالة السنة وضوءًا[30].

وقال النووي: قال ابن فارس في الجمل: أفضى بيده إلى الأرض: إذا مسها براحته في سجوده، ونحوه في صحاح الجوهري وغيره[31].

ولأن ظهر الكف ليس بآلة لمسه، فالتلذذ لا يكون إلا بالباطن، فالباطن هو آلة مسه.



قال الحافظ في التلخيص: "احتج أصحابنا بهذا الحديث في أن النقض إنما يكون إذا مس الذكر بباطن الكف لما يعطيه لفظ الإفضاء؛ لأن مفهوم الشرط يدل على أن غير الإفضاء لا ينقض فيكون تخصيصًا لعموم المنطوق، لكن نازع في دعوى أن الإفضاء لا يكون إلا ببطن الكف غير واحد، قال ابن سيده في المحكم: أفضى فلان إلى فلان: وصل إليه، والوصول أعم من أن يكون بظاهر الكف أو باطنها. وقال ابن حزم: الإفضاء يكون بظهر اليد كما يكون ببطنها، وقال بعضهم: الإفضاء فرد من أفراد المس، فلا يقتضي التخصيص"[32]. اهـ.

وهذا هو الحق؛ لأن اليد تطلق على الكف كلها، قال - تعالى -: ï´؟ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ï´¾ [33]، والقطع إنما هو للكف.

وقال - تعالى -: ï´؟ فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ï´¾ [34]، وإنما يمسح الكف كما دل عليه حديث عمار في الصحيح، فإذا ذكر الإفضاء بباطن الكف، وهو فرد من أفراد المطلق لم يقتضِ تقييدًا للمطلق.



قال ابن حزم: وحتى لو كان الإفضاء بباطن اليد، لما كان في ذلك ما يسقط الوضوء عن غير الإفضاء إذا جاء أثر بزيادة على لفظ الإفضاء، فكيف والإفضاء يكون بجميع الجسد؟ قال - تعالى -: ï´؟ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ï´¾ [35] [36].



دليل من اشترط العمد في المس:

الدليل الأول:

قوله تعالى: ï´؟وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ï´¾ [37].

فدلت الآية على عدم النقض بالنسيان والخطأ.

وليس في الآية دليل على عدم النقض بالعمد؛ لأن الآية ليس فيها إلا نفي الجناح، والمقصود به الإثم، ونفي الإثم لا يدل على بقاء الطهارة.



الدليل الثاني:

قالوا: إن الشرط في مس الذكر أن يمس بقصد وإرادة؛ لأن العرب لا تسمي الفاعل فاعلاً إلا بقصد منه إلى الفعل، وهذه الحقيقة في ذلك، ورجح ذلك ابن عبدالبر[38]، واختاره ابن تيمية في الفتاوى، وقال: إذا لم يتعمد ذلك لم ينتقض وضوءه[39].



الدليل الثالث:

قالوا: الوضوء المجمع عليه لا ينتقض إلا بإجماع أو سنة ثابتة غير محتملة للتأويل، وعليه فلا يجب الوضوء إلا على من مس ذكره قاصدًا مفضيًا[40].



ويجاب:

بأن اشتراط العمد فيه إشكال؛ لأن معناه أنه حكم تكليفي، فإذا مسه عن طريق الخطأ لم ينتقض الوضوء، ويلزم من ذلك ألا ينتقض وضوء الصبي بمسه ذكره؛ لأن عمد الصبي بمنزلة الخطأ، ولعدم توفر القصد الصحيح، والراجح عندي أن المس حكم وضعي، فإذا كان مس الذكر مفسدًا للطهارة استوى فيه العمد والخطأ كباقي الأحداث، فكما أنه إذا خرجت منه ريح أو بول لم يفرق بين العامد وغيره، فكذلك مس الذكر، والله أعلم.

هذه خلاصة الأقوال في المسألة، وأدلة كل قول، وأجد القول الراجح في المسألة هو القول بوجوب الوضوء من مس الذكر؛ لضعف حديث طلق بن علي، وصحة الأحاديث الواردة في وجوب الوضوء من مس الذكر وكثرتها، والله أعلم.



تنبيه: يُشترط في النقض بمس الذكر شرطان:

الأول: أن يكون مسه بالكف، وسبق ذكر دليله.

الثاني: أن يكون مسه بلا حائل، ودليله حديث أبي هريرة المتقدم: ((إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب، فقد وجب الوضوء))، وسبق تخريجه.

وقال ابن حزم: والماس على الثوب ليس ماسًّا[41].






[1] انظر تبيين الحقائق (1/ 12)، البحر الرائق (1/ 45)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 10)، مراقي الفلاح (ص: 38)، شرح فتح القدير (1/ 56).




[2] انظر مواهب الجليل (1/ 299)، حاشية الدسوقي (1/ 121).



[3] حاشية الدسوقي (1/ 121).



[4] الأم (1/ 19-20)، المجموع (2/ 38)، روضة الطالبين (1/ 75)، مغني المحتاج (1/ 35).



[5] كشاف القناع (1/ 126)، شرح منتهى الإرادات (1/ 71)، المبدع (1/ 160)، الفروع (1/ 179) الإنصاف (1/ 202)، شرح الزركشي (1/ 243)، التحقيق (1/ 176)، المحرر (1/ 14).



[6] يرى المغاربة من أصحاب مالك: أن من مس ذكره فإنه يعيد الوضوء ما لم يُصلِّ، فإن صلى أمر بالإعادة في الوقت، فإن خرج الوقت فلا إعادة عليه، وظاهر هذا القول استحباب الوضوء منه؛ لأنه لو كان واجبًا أعاد مطلقًا في الوقت وبعده. انظر مواهب الجليل (1/ 299)، الخرشي (1/ 156)، الاستذكار (3/ 25)، حاشية الدسوقي (1/ 121)، الكافي في فقه أهل المدينة (ص: 12)، المقدمات الممهدات (1/ 101).



[7] انظر المراجع السابقة.



[8] انظر المراجع السابقة.



[9] الموطأ (1/ 42).



[10]) في إسناده مروان بن الحكم، اختلف العلماء فيه:

قال ابن حبان: عائذ بالله أن نحتج بخبر رواه مروان بن الحكم وذووه في شيء من كتبنا؛ لأنا لا نستحل الاحتجاج بغير الصحيح من سائر الأخبار، وإن وافق ذلك مذهبنا. صحيح ابن حبان (3/ 397).

وقال الذهبي: له أعمال موبقة، نسأل الله السلامة، رمى طلحة بسهم، وفعل وفعل. الميزان (4/ 89).

وقال في سير أعلام النبلاء: كان كاتب ابن عمه عثمان، وإليه الخاتم، فخانه، وأجلبوا بسببه على عثمان - رضي الله عنه - ثم نجا هو، وسار مع طلحة والزبير للطلب بدم عثمان، فَقَتَلَ طلحةَ يوم الجمل ونجا - لا نُجِّي. اهـ

وقال الحافظ ابن حجر: عد من موبقاته أنه رمى طلحة - أحد العشرة - يوم الجمل، وهما جميعًا مع عائشة، فقتل، ثم وثب على الخلافة بالسيف، واعتذرت عنه في مقدمة شرح البخاري. اهـ تهذيب التهذيب (10/ 92).

وسوف أسوق اعتذاره قريبًا - إن شاء الله.

هذا قول من جرح مروان بن الحكم - عفا الله عنه.

وأما من وثقه، فقد أخرج البخاري حديثه في صحيحه، واحتج به مالك في الموطأ، وكفى بهما في معرفة الرجال وتنقيتهما لهم، وصحح ابن معين حديث مروان بن الحكم من هذا الطريق خاصة، وتصحيح الحديث من طريقه خاصة توثيقًا له، وقال الدارقطني: لا بأس به، وكذلك صحح حديثه الإمام أحمد وابن عبدالبر، وسوف أنقل ذلك عنهم - إن شاء الله تعالى.

واعتذر ابن حجر في هدي الساري، فقال: "يقال له رؤية، فإن ثبتت فلا يعرج على من تكلم فيه. وقال عروة بن الزبير: مروان لا يتهم بالحديث، وقد روى عنه سهل بن سعد الساعدي الصحابي اعتمادًا على صدقه، وإنما نقموا عليه أنه رمى طلحة يوم الجمل بسهم، فقتله، ثم شهر السيف في طلب الخلافة، حتى جرى ما جرى، فأما قتل طلحة فكان متأولاً فيه، كما قرره الإسماعيلي وغيره، وأما بعد ذلك فإنما حمل عنه سهل بن سعد، وعروة، وعلي بن الحسين، وأبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث، وهؤلاء أخرج البخاري أحاديثهم عنه في صحيحه لما كان أميرًا عندهم بالمدينة، قبل أن يبدو منه في الخلاف على ابن الزبير ما بدا، والله أعلم، وقد اعتمد مالك على حديثه ورأيه، والباقون سوى مسلم. اهـ

وقال البيهقي: هذا الحديث وإن لم يخرجه الشيخان، فقد احتجا بجميع رواته، واحتج البخاري بمروان بن الحكم في عدة أحاديث، فهو على شرط البخاري بكل حال، وقال الإسماعيلي: يلزم البخاري إخراجه بعد إخراج نظيره.

وقال الدارقطني: صحيح ثابت.

قلت: من طعن في مروان إنما طعن فيه لأمرين:

الأول: رميه طلحة بسهم، فقتله.

وثانيًا: أنه شهر السيف في طلبه للخلافة حتى جرى منه ما جرى.

فأما رميه طلحة - رضي الله عنه - بسهم، فقد كان في ذلك متأولاً - كما نقله الحافظ ابن حجر.

وأما إشهاره السيف في طلب الخلافة، فإنه حدث بهذا الحديث قبل أن يحصل منه ما يطعن فيه، وذلك حين كان أميرًا على المدينة، فقد أخرج عبدالله بن أحمد بن حنبل في المسند (6/ 407) قال عبدالله: وجدت في كتاب أبي بخط يده: ثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عبدالله بن أبي بكر بن حزم الأنصاري أنه سمع عروة بن الزبير يقول: ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر... وذكر الحديث، فهذا صريح في أن حديثه كان في زمن إمارته على المدينة.

قال ابن حزم: لا نعلم لمروان شيئًا يجرح به قبل خروجه على ابن الزبير، وعروة لم يلقه إلا قبل خروجه على أخيه.

وقال ابن حجر في التقريب: لا تثبت له صحبة، قال عروة بن الزبير: مروان لا يتهم في الحديث. اهـ

فالذي يظهر لي أن حديثه لا ينزل عن رتبة الحديث الحسن لذاته، والله أعلم، وباقي الإسناد رجاله كلهم ثقات، والله أعلم.

والحديث يرويه عروة بن الزبير، ويرويه عن عروة جماعة، منهم:

الأول: عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة.

أخرجها مالك في الموطأ كما في إسناد الباب، ومن طريق مالك أخرجه الشافعي في الأم (1/ 19)، وأبو داود (181)، والنسائي (163)، وابن حبان في صحيحه (1112)، والبيهقي (1/ 128) وغيرهم.

وقد تابع مالكًا جماعة، منهم:

الأول: سفيان بن عيينة، كما في مسند أحمد (6/ 406)، بلفظ: ((من مس فرجه فليتوضأ))، قال: فأرسل إليها رسولاً وأنا حاضر، فقالت: نعم، فجاء من عندها بذاك. اهـ فذكر سفيان مس الفرج بدلاً من مس الذكر. وزاد على مالك قوله: "فأرسل إليها رسولاً..." إلخ.

وأخرجه الحميدي (352) عن سفيان به بمس الذكر كرواية مالك، إلا أنه ذكر في متنه قصة إرسال الرسول إلى بسرة.

وأخرجه ابن الجارود في المنتقى (16) من طريق سفيان بنحو رواية الحميدي.

واختلف على سفيان في إسناده، فرواه أحمد والحميدي وابن المقرئ عن سفيان، عن عبدالله بن أبي بكر، عن مروان، عن بسرة، كرواية الجماعة.

ورواه النسائي (444) أخبرنا قتيبة، عن سفيان، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن بسرة، فأسقط ذكر مروان، ولا شك أن رواية الجماعة هي الصواب، خاصة أن النسائي قال: ولم أتقنه يعني: عن شيخه قتيبة. وصدق أبو عبدالرحمن - رحمه اللهُ.

الثاني: ابن علية كما في المسند (6/ 406)، وابن أبي شيبة (1/ 150).

الثالث: شعبة، كما في مسند أبي داود الطيالسي (1657)، بلفظ "الذكر" بدلاً من الفرج.

الرابع: محمد بن إسحاق، كما في سنن الدارمي (725)، بلفظ "من مس فرجه".

الخامس: الزهري، أخرجها عبدالله بن أحمد (6/ 406) قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده، ثنا أبو اليمان، قال: أنا شعيب، عن الزهري، قال أخبرني عبدالله بن أبي بكر بن به.

وقد اختلف الرواة فيه على الزهري اختلافًا كثيرًا جدًّا، وهذا الطريق هو أرجحها؛ لموافقته رواية مالك وسفيان وإسماعيل ابن علية، وشعبة ومحمد بن إسحاق، وسوف أتكلم عليها في طريق مستقل - إن شاء الله تعالى.

فتبين لي من خلال طريق عبدالله بن أبي بكر ما يلي:

أولاً: أن الحديث يرويه مالك وشعبة وابن علية والزهري عن عبدالله بن أبي بكر بمس الذكر، ويرويه ابن عيينة عن عبدالله بن أبي بكر واختلف عليه فيه:

فرواه أحمد عن ابن عيينة بلفظ: "من مس فرجه".

ورواه الحميدي وابن المقرئ عن ابن عيينة كرواية الجماعة بمس الذكر.

ورواه ابن إسحاق عن عبدالله بن أبي بكر بلفظ: "من مس فرجه"، ولا شك أن مالكًا وشعبة والزهري وابن علية مقدمون على ابن عيينة وابن إسحاق؛ وذلك لأن ابن عيينة قد اختلف عليه في لفظه، ولأن ابن إسحاق خفيف الضبط، حديثه من قبيل الحسن.

ثانيًا: إرسال مروان إلى بسرة رسولاً ليتثبت منها صحة الحديث، قد اتفق على ذكره كل من ابن عيينة وشعبة وابن علية، فهو محفوظ من حديث عبدالله بن أبي بكر.

واعلم أن طريق عبدالله بن أبي بكر هو أصح الطرق لحديث بسرة بنت صفوان، فقد احتج به مالك، وصححه يحيى بن معين من هذا الطريق خاصة.

جاء في تلخيص الحبير (1/ 215): وفي سؤالات مضر بن محمد: قلت ليحيى بن معين: أي شيء يصح في مس الذكر؟ قال: حديث مالك، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة، فإنه يقول فيه: سمعت، ولولا هذا لقلت: لا يصح فيه شيء. قال ابن حجر: فأثبت صحته لهذا الطريق خاصة، وصححه ابن عبدالبر من حديث مالك. اهـ

الطريق الثاني: الزهري، عن عروة، وقد ذكرت فيما سبق أن الزهري قد اختلف عليه اختلافًا كثيرًا، سواء في لفظه أو في إسناده، وإليك بيان الاختلاف:

فقيل: عن الزهري، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة.

أخرجه عبدالله بن أحمد في المسند (6/ 407) والنسائي (164) من طريق شعيب.

وأخرجه الطحاوي (1/ 72) من طريق الليث.

وأخرجه البيهقي (1/ 132) من طريق عقيل.

كلهم عن الزهري، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة.

وهذا الطريق هو أصح الطرق؛ لموافقته رواية مالك وشعبة وسفيان بن عيينة وابن علية وابن إسحاق، وقد تقدم الكلام عن هذه الطرق، ولأن هذا الطريق من رواية جماعة من أصحاب الزهري وخاصته، كالليث وشعيب وعقيل؛ ولأن من خالف هؤلاء إما ضعيف وإما مختلف عليه في الحديث مما يدل على عدم ضبطه.

وقيل: عن الزهري، عن عروة، عن بسرة، بدون ذكر مروان.

رواها معمر، عن الزهري، واختلف على معمر فيه:

فرواه النسائي (445) من طريق شعبة، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن بسرة بدون ذكر مروان.

ورواه عبدالرزاق في المصنف (411) ومن طريق عبدالرزاق أخرجها الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 71) عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، قال: تَذَاكَر هو ومروان الوضوء من مس الفرج، فقال مروان: حدثتني بسرة. فذكر هنا الزهري مروان في الإسناد، وكونه أسقط عبدالله بن أبي بكر فهذا من تدليس الزهري، ولذلك لما صرح بالتحديث ذكر عبدالله بن أبي بكر كما في رواية أحمد المتقدمة (6/ 407)، ورواية النسائي (164).

ورواية عبدالرزاق عن معمر أرجح من رواية شعبة عن معمر؛ لثلاثة أمور:

الأول: لموافقتها رواية أصحاب الزهري؛ كالليث وشعيب وعقيل وعبدالرحمن بن نمر، كلهم اتفقوا على ذكر مروان في الإسناد. وهذا وحده كافٍ في ترجيح رواية عبدالرزاق على رواية شعبة.

ثانيًا: ولموافقتها من روى الحديث عن عبدالله بن أبي بكر؛ كمالك وسفيان بن عيينة وابن علية وغيرهم.

وثالثًا: أن عبدالرزاق يمني، وشعبة بصري، وحديث معمر باليمن أرجح منه بالبصرة، قال أبو حاتم - كما في تهذيب الكمال -: ما حدَّث معمر بالبصرة ففيه أغاليط.

ورواه الوليد بن مسلم، عن عبدالرحمن بن نمر، واختلف على الوليد بن مسلم:

فرواه هشام بن عمار كما في سنن البيهقي (1/ 132).





يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.59%)]