عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-02-2020, 01:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,050
الدولة : Egypt
افتراضي التصرف في الأعيان المملوكة بغير البيع قبل قبضها

التصرف في الأعيان المملوكة بغير البيع قبل قبضها




د. فهد بن خلف المطيري










المقدمة (*)
الحمد لله رب العالمين أحمده وهو للحمد أهل وأشكره وهو للشكر محل، وأصلي على المبعوث رحمة للعالمين، وقدوة للأنام أجمعين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
فإن علم الفقه من العلوم الشريفة الرفيعة، وقد وفق الله طوائف من أهل العلم للغوص في بحوره، واستخراج دره وياقوته، وتسهيله لطالبيه، وإن من أجمل مباحث هذا العلم المبارك، ما يتعلق بمعاقد المسائل، ودقائق العلل، وبواعث الأحكام، وهو علم قل من الفقهاء من يتعرض له ويدخل مضماره، وقد حاولت في هذا البحث اللطيف أن أكتب في مسألة لها تعلق بهذا النوع من العلم وإن كان على وجه ليس بالقريب، إيمانًا مني أن طالب العلم ينبغي له البحث فيما تمس الحاجة إليه ويقل الوالجون فيه لتظهر الملكات الفقهية وتصقل المواهب الربانية لينتفع الباحث ومن ورائه المتخصصون والباحثون.
وقد تفكرت في الموضوعات المهمة فحضر لي كم ليس بالقليل، وكان من أهمها ما يتعلق بمسائل القبض وقواعده وأصوله وتطبيقاته، وكان من تلك المسائل المهمة مسألة التصرف في الأعيان المملوكة بغير البيع قبل قبضها وهل تأخذ حكم ما كان وسيلة ملكه البيع؟ وهل يجوز التصرف بها بكل أنواع التصرف أم لا؟ والحاجة ماسة لمثل هذه الموضوعات لكثرة تطبيقاتها الواقعة بين الناس، وقد اقتصرت على ما ملك بغير البيع لأمور ثلاثة:
الأمر الأول: إن ما ملك بالبيع يكثر بحثه، وتعرض الباحثين له بخلاف ما ملك بغيره.
الأمر الثاني: إن ما ملك بغير البيع من المسائل الدقيقة التي تثري الباحث وتطلعه على دقيق فهم الفقهاء وتطبيقاتهم للفروع على الأصول.
الأمر الثالث: إن طبيعة البحوث المحكمة قلة عدد الصفحات ولو تناولت التصرف بكل ما ملك لأدى ذلك إلى كتابة مئات الصفحات في هذا الموضوع.
الدراسات السابقة:
لم أعثر بعد البحث في فهارس مكتبة الملك فهد الوطنية على بحث خاص في هذا الموضوع بذاته، وكذلك بعد البحث في فهارس بعض الجامعات والرجوع إلى المواقع البحثية على الإنترنت.
أما الدراسات ذات الصلة فقد اطلعت على رسالتي ماجستير ودكتوراه الأولى منهما رسالة ماجستير مقدمة لجامعة أم درمان بعنوان: التقابض في الفقه الإسلامي وأثره على البيوع المعاصرة للباحث: علاء الدين بن عبدالرزاق الجنكو، وقد تكلم الباحث عن بعض المسائل لكن بطريقة وأسلوب وعرض غير ما تكلم به الباحث وبحثه لهذه المسائل جاء بطريقة مختصرة اختصارًا شديدًا يصل لدرجة الإخلال أحيانًا، وجاءت دراسته لمسائل هذا البحث في أربع ورقات وربع الورقة من 250 إلى ص254.
أما الرسالة الثانية: فهي رسالة دكتوراه مقدمة للمعهد العالي للقضاء بعنوان: القبض وأحكامه في الفقه الإسلامي للباحث د/عبدالله بن محمد الربعي وإشراف فضيلة أ.د/عبدالله بن محمد الطيار، وقد تكلم الباحث عن القبض كقضية كبرى، وطريقة البحث وتقسيماته تخالف طريقة الرسالة فلم يتكلم د/الربعي عن التصرف فيما يخشى انفساخ العقد فيه بتلفه قبل قبضه ولا عن ما لا يخشى انفساخ العقد فيه بتلفه قبل قبضه، ولم يتكلم عن هذا المصطلح ويبين المراد منه وهو أمر ضروري ينبني عليه تصور هذه المسألة والوصول إلى الحكم فيها، وهذا الأمر قد أخذ حيزًا كبيرًا من البحث فهو من ص8 إلى ص32.
لم يتكلم د/الربعي عن التصرف في الأعيان بالميراث قبل قبضها.


أوجه المشابهة بين البحث والرسالة:
تكلم د/الربعي عن التصرف في الأعيان المملوكة في عقد الفرض، والهبة والوصية، والوقف، لكن بطريقة وأسلوب غير ما ذكر في البحث، والباحث لا يوافقه على بعض استدلالاته، ولا في طريقة بحثه، وذكره للأقوال، لاختلاف منهج كل من الباحثين عن الآخر، وما من موضوعين في موضوع متقارب إلا وبينهما أوجه مشابهة، لكن المهم هل أضاف الباحث الثاني إضافة وجاء بشيء جديد؟ وهذا ما أظن أني قد أتيت به في هذا البحث، وباطلاعي على رسالة الباحث الربعي فإن إمكانية الإضافة على ما كتب ممكنة، وواردة في مواضع كثيرة، وليس هذا تقليلًا من جهد الباحث، لكن لطبيعة البحث واختلاف وجهات النظر الكثيرة فيه، فقد بذل جهدًا كبيرًا، وفتح أبوابًا كثيرة للباحثين فيه.


المطلب الأول:
المراد بالتصرف
وفيه فرعان:
الفرع الأول: تعريف التصرف لغة:
التصرف لغة: مصدر تصرف يتصرف، وأصل هذه الكلمة يدل على رد الشيء عن وجهه يقال: صرفه يصرفه صرفًا فانصرف(1)، قال في «معجم مقاييس اللغة»: «الصاد والراء والفاء معظم بابه يدل على رَجْع الشيء، من ذلك صرفت القوم صرفًا وانصرفوا، إذا رجعتهم فرجعوا»(2).
ويطلق التصرف على الاحتيال، قال في القاموس: «والصيرفي المحتال في الأمور»(3)، يقال: فلان يتصرف أي: يحتال، ومنه على أحد التفاسير: ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلاَ نَصْرًا﴾(4)، وهو أي الاحتيال الحذق وجودة النظر والقدرة على التصرف(5).
يظهر من التعريف اللغوي لكمة تصرف أنها تدل على تقليب الشيء، وجودة النظر، والقدرة على التصريف، سواء أكان مالًا، أم غيره، ومنه سمي الصيرفي صيرفيًّا؛ لأنه يقلب المال بحذق ومهارة وجودة نظر حتى تصبح الأمور في صالحه، وهذا المعنى الذي ينطبق على ما نحن بصدده فإن المشتري يتصرف في المال غالبًا بقصد الربح والتجارة وتنمية المال، إذًا فهو التقلب في الأمور والسعي في طلب الكسب(6).
الفرع الثاني: تعريف التصرف اصطلاحًا:
من خلال النظر في كتب الفقه لم أجد من تعرض لتعريف التصرف من الفقهاء المتقدمين، وإن كانت هذه الكلمة كثيرة الاستعمال في الفقه؛ ويبدو أن الفقهاء لم يحتاجوا إلى إيجاد تعريف اصطلاحي لهذه الكلمة وذلك لوضوحها ووضوح المقصود منها، والتصرف عند الفقهاء قولي وفعلي، ولهذا يرى المتصفح لكتبهم كثرة إطلاقهم هذه اللفظة على القول والفعل، قال أحمد بن علي الجصاص (ت370هـ): «تصرف المريض جائز عندنا في جميع ماله بالهبة، والصدقة، والعتق، وسائر معاني التصرف ووجوهه»(7).
وقد عرفه بعض المعاصرين بقوله: «إن التصرف يفهم من كلام الفقهاء أنه ما يصدر عن الشخص بإرادته، ويرتب الشرع عليه أحكامًا مختلفة»(8).
وعرف أيضًا بأنه: «ما يصدر عن الشخص المميز بإرادته، ويرتب عليه الشارع نتيجة من النتائج سواء كانت في صالح ذلك الشخص أو لا»(9).
وعرف أيضًا بأنه: «ما يصدر عن الشخص بإرادته، ويرتب عليه المشرع أحكامًا مختلفة»(10).
وعرف أيضًا: «بأنه كل ما يصدر عن شخص بإرادته، ويرتب عليه المشرع نتائج حقوقية»(11). وهذه التعاريف يظهر لي والله أعلم أنها تعريفات صحيحة تخدم المعنى المقصود في هذا البحث؛ لأن التصرف في البيع لا يمكن أن يكون تصرفًا صحيحًا حتى يكون تصرفًا صادرًا ممن يملك أهلية التصرف في العقود المالية، وليس الغرض هنا هو التعرض لكل تصرف ينتج عن الإنسان حتى يتم إطلاقه عن قيد الإرادة والتمييز.
أقسام التصرف: ينقسم التصرف إلى قسمين:
القسم الأول: تصرف فعلي: وهو «ما كان قوامه عملًا غير لساني»، كإحراز المباحات، والغصب، والإتلاف، واستلام المبيع، وقبض الدين، وما أشبه ذلك.
القسم الثاني: تصرف قولي، وهو: «ما كان قوامه عملًا لسانيًا»، مثل الطلاق، والرجعة. والتصرف القولي يتنوع إلى نوعين:
تصرف قولي عقدي، وهو: «الذي يتكون من قولين من جانبين يرتبطان»، أي: ما يكون فيه اتفاق إرادتين، مثل البيع، والشراء، والإجارة، والشركة ونحوها.
النوع: الثاني: تصرف قولي غير عقدي، وهو نوعان:
النوع الأول: نوع يتضمن إرادة إنشائية وعزيمة مبرمة من صاحبه، على إنشاء حق، أو إنهائه، أو إسقاطه، وهذا مثل الوقف، والطلاق، والإبراء، ونحوها، وهذا النوع يسمى عقدًا عند بعض الفقهاء لكنه عقد من جهة واحدة لوجود الإرادة المنشئة.
النوع الثاني: نوع لا يتضمن إرادة إنشاء حقوق أو إسقاطها، لكنه أقوال من أصناف أخرى تترتب عليها نتائج حقوقية، مثل الدعوى، والإقرار، والإنكار، ونحوها، وهذا النوع تصرف قولي محض ليس فيه شبه عقدي(12).
والمملوكات التي يتصرف فيها قبل قبضها في العقود على نوعين: نوع يخشى انفساخ العقد فيه بالتلف قبل القبض، ونوع لا يخشى انفساخ العقد فيه بالتلف قبل القبض، وهذه التصرفات هي محل البحث والنظر.
المطلب الثاني:
المراد بالقبض
وفيه فرعان:
الفرع الأول: المراد بالقبض لغة:
القبض بمعنى: الأخذ.
القبض: خلاف بمعنى: التوفي.
القبض بمعنى: تناول الشيء.
القبض بمعنى: تناول الشيء.
القبض بمعنى: التملك(13).
قال في «أساس البلاغة»: «قبض المتاع وأقبضته إياه وقبضته، وتقابض المتبايعان، وقابضته مقابضة، واقتبضته لنفسي...»(14).
الفرع الثاني: المراد بالقبض اصطلاحًا:
ليس في كتب الفقهاء رحمهم الله تعريف خاص للقبض اصطلح عليه أهل مذهب معين، وإنما هم في الجملة يردونه إلى أعراف الناس، ولهذا الأمر فإن الأفضل هو نقل بعض نصوص الفقهاء ليتبين من خلالها معنى القبض.
قال أبو بكر بن مسعود الكاساني (ت578هـ): «وأما تفسير التسليم، والقبض، فالتسليم والقبض عندنا هو التخلية والتخلي، وهو أن يخلي البائع بين المبيع وبين المشتري برفع الحائل بينهما على وجه يتمكن المشتري من التصرف فيه، فيجعل البائع مسلمًا للمبيع، والمشتري قابضًا له»(15).
قال خليل بن إسحٰق الجندي (ت776هـ): «وقبض العقار بالتخلية، وغيره بالعرف...»(16).
قال يحيى بن شرف النووي (ت676هـ): «قال أصحابنا: الرجوع في القبض إلى العرف»(17).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728هـ): «الأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع كالصلاة، وتارة بالعرف كالقبض والتفرق»(18).

المبحث الأول:
التصرف في الأعيان قبل قبضها في العقود
وفيه مطلبان:
المطلب الأول:
التصرف في الأعيان بعقود المعاوضات قبل قبضها
وفيه فرعان:
الفرع الأول: التصرف فيما يخشى انفساخ العقد فيه بتلفه قبل قبضه:
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: المراد بما يخشى انفساخ العقد فيه بتلفه قبل قبضه: الأصل في الملك أن يكون مستقرًا غير قابل للسقوط والانفساخ، لكنه يقبل النقل إما عن طريق المعاوضة ببيع، وإما نحوه، وإما عن طريق غير البيع كالهبة، والوصية، ونحوهما، وبناء على ذلك فإن الملك المستقر يؤمن فيه الانفساخ بزوال سببه، وكذلك يؤمن فيه الفسخ بغير رضا المتعاقدين والفرق بين الفسخ والانفساخ أن الفسخ قلب كل واحد من العوضين لصاحبه، والانفساخ انقلاب كل واحد من العوضين لصاحبه.
أما الملك غير المستقر فهو الذي يمكن انفساخ العقد فيه بغير إرادة المتعاقدين كتلف الملك في عقد البيع قبل قبض المبيع وليس هذا محل اتفاق بين الفقهاء أعني العقود التي ينفسخ العقد فيها بالتلف قبل القبض، فالحنفية(19) يرون أن العقد ينفسخ بتلف المبيع مطلقًا، وكذا الشافعية(20)، وأما المالكية(21)، والحنابلة(22)، فيقصرون الانفساخ فيما فيه حق توفيه، لكن الفقهاء في الملة على أن العقد لا ينفسخ إذا هلك المبيع قبل القبض بفعل المشتري(23).
وهذا هو الذي حمل الجمهور على أن قالوا إن علة النهي عن بيع المبيع قبل قبضه هي خشية انفساخ العقد بتلف المبيع قبل قبضه، فإذا كان العقد يخشى انفساخه بتلف المبيع قبل قبضه فلا يجوز التصرف فيه بالبيع(24).
ومن أمثلة الانفساخ: انفساخ عقد الإجارة إذا تلفت العين المستأجرة سواء أكان الانفساخ للعقد كله أم بعضه، ومثل انفساخ عقد الشركة، والمزارعة، والمساقاة بموت أحد المتعاقدين، ويترتب على الانفساخ إعادة العاقدين إلى سابق وضعهما قبل التعاقد(25).
وكذلك يعد المالك غير مستقر إذا كان يمكن فسخه بغير إرادة المالك، ومثل له الفقهاء بمال الكتابة، فإن ملك السيد غير مستقر فيه؛ لأنه يمكن
للمكاتب أن يعجز نفسه(26).
ومما يبين حقيقة الملك المستقر وغيره أن الملك المستقر تكون العين فيه مضمونة على مالكها في عقود المعاوضات أو على متملكها في غير عقود المعاوضات؛ لأن العين ينتقل ملكها من مالكها الأول إلى الثاني، وهذا الانتقال يكون عن طريق القبض على اختلاف صوره وضوابطه.
ومع هذا كله فإن تعليل الجمهور النهي عن بيع المبيع قبل قبضه بخشية انفساخ العقد بالتلف قبل القبض غير متفق عليه، بل هو محل للنقل والاعتراض، فهذه العلة منقوضة بثلاثة أمور:
الأمر الأول: جواز إجازة المنافع المستأجرة على قول جمهور أهل العلم في الجملة(27).
الأمر الثاني: جواز تصرف المشتري في الثمر على رؤوس الشجر مع كونه مضمونًا على البائع، وإذ تلف الثمر أعاد البائع للمشتري ما دفعه؛ لأنه السنة قد جاءت بوضع الجوائح(28).
الأمر الثالث: أن جمهور أهل العلم يرون جواز بيع الدين لمن هو عليه(29).
وبالنظر إلى هذه الأمور الثلاثة يتضح أن تعليل النهي عن بيع المبيع قبل قبضه، وكذا ما قيس عليه من عقود المعاوضات، نرى أن التعليل بخشية انفساخ العقد بتلفها قبل القبض غير مسلم، مع أن لقائل أن يقول إن الأمر الثالث وهو جواز بيع الدين لمن هو عليه لا يصلح ناقضًا؛ لأن الدين في ذمة من هو عليه مستقر لا يتطرق إليه احتمال الانفساخ.
قال عبدالرحمن بن رجب (ت795هـ): «وكذلك التعليل بخشية انتقاض الملك بتلفه عند البائع يبطل بالثمر المشتري في رؤوس الشجر، وبإجارة المنافع المستأجرة، وببيع الدين ممن هو عليه؛ لأن البائع وفّى ما عليه بالتخلية والتمييز، فلم يبق له علقة في العقد»(30).
ومن المهم القول إن بعض الفقهاء يرى أن الملك التام هو الملك المستقر، فإن كان غير مستقر فهو ملك ناقص، كما هو مذهب الشافعية في القول الأظهر(31)، والحنابلة(32)، وبناء على هذا القول فإن الملك يعد تامًّا ولو لم يتمكن الإنسان من التصرف في المملوك.
الخلاصة أن جمهور أهل العلم يرون أن الملك غير المستقر هو الملك الذي يمكن انفساخ العقد فيه من غير إرادة المتعاقدين، أو يمكن فسخه بغير إرادة المالك، ويرى جمهور أهل العلم في الجملة أن الذي يمنع التصرف فيه هو ما كان فيه احتمال انفساخ العقد بتلف المعقود عليه قبل القبض، وأما إن كان احتمال انفساخ العقد؛ بسبب غير التلف سواء أكان من جهة أحد المتعاقدين، أم غيرهما؛ فإنه لا يمنع التصرف في العين سواء كان بالمعاوضة أو غيرها، وهذا ليس على سبيل الإجماع لكن على سبيل الإجماع لكن على سبيل العموم، قال محمد بن القيم (ت751هـ) رحمه الله في معرض ذكر أدلة من عمم النهي عن بيع المبيع قبل قبضه مطلقًا ومن خصص النهي في شيء دون شيء، قال: «قال المخصصون: قد جوزتم بيع الملك قبل قبضه في صور إحداها: بيع الميراث قبل قبض الوارث له... قال المعممون: الفرق بين هذه الصور وبين التصرف في المبيع قبل المبيع قبل قبضه... على أن المعاوضات فيها غير مجمع عليها، بل مختلف فيها(33)»(34).
المسألة الثانية: التصرف فيما يخشى انفساخ العقد فيه بتلفه قبل قبضه بالمعاوضة: عرفنا في المسألة السابقة المراد بما يخشى انفساخ العقد فيه بتلفه قبل قبضه، وفي هذه المسألة أبين حكم المعاوضة عنه قبل قبضه، هذه المسألة اختلف العلماء رحمهم الله فيها.
ويمكن رد أقوالهم إلى قولين:
القول الأول: أن كل ما ملك بعقد ينفسخ فيه العقد بتلف المملوك قبل قبضه تجوز المعاوضة قبل قبضه وإليه ذهب الظاهرية(35) إلا إذا كان قمحًا، والمالكية إن كان غير طعام(36)، والحنابلة إن كان المبيع لا يحتاج إلى حق توفيه(37)، واختار شيخ الإسلام جواز البيع مطلقًا(38).
أدلتهم:
الدليل الأول: قياس جواز المعاوضة عن ما ملك بعقد ينفسخ فيه العقد بتلف المملوك قبل قبضه على جواز عتق العبد قبل قبضه، بل قد حكى بعض العلماء الاتفاق على الجواز، بجامع أن كلًّا منهما تصرف يزيل الملك(39).
نوقش: أن قياس المعاوضة على العتق قياس مع الفارق؛ لأن للعتق من السراية والنفوذ ما ليس لغيره(40).
الدليل الثاني: قياس جواز المعاوضة عمّا ملك بعقد ينفسخ فيه العقد بتلف المملوك قبل قبضه على جواز إجارة العين المستأجرة قبل قبض المنافع(41).
نوقش: بأن هذا القياس لا يصلح لأمرين:
الأمر الأول: أن إجارة العين المستأجرة قبل قبض المنفعة ليس محل اتفاق بين الفقهاء.
الأمر الثاني: أنه على فرض صحة التسليم بجواز إجارة العين المستأجرة قبل المنفعة، فإن قبض العين المستأجرة يقوم مقام قبض المنفعة(42).
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.01 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.05%)]