عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 11-02-2020, 01:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قيمة الكلمة ومسؤوليتها

قيمة الكلمة ومسؤوليتها


أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي





المبحث الثاني

مسؤولية الكلمة

في المبحث السابق تبيّن لنا قيمة الكلمة وأنها ذات شأن كبير وخطير، وهي سلاح ذو حدين، فإن أحسن الإنسان استغلاله أفاده كثيراً وجنى له خيراً عظيماً، وإن كانت الأخرى فلا تسأل عن الأضرار المترتبة على ذلك.

فإذا عرفنا تلك الأهمية للكلمة، وعرفنا أهدافها، وضوابطها برزت لنا حقيقة جليّة هي أن هذه الكلمة ذات مسؤولية[83]، أي أن عليها تَبِعة ومعنى التَّبِعة: العاقبة وما يترتب على الأمر من أثر[84].

فالكلمة إذن ليست شيئاً يمكن أن يُلفظ فيُهمل، أو يُودع في عالم النسيان، كلا، بل هي ذات شأن جليل، سلب، أو إيجاب، ولها تبعة دنيوية وأخروية، فإنها مسجلة ومكتوبة لن تضيع أبدا.

قال اللّه عز وجل: ï´؟ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ï´¾[85].

وورد أن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأخذ يسأله ويستفتيه عن قضايا عديدة، ثم قال - صلى الله عليه وسلم - «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه، وقال: كُفّ عليك هذا، فقلت: يا نبي الله؟ وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم»[86].

ونظراً لأهمية هذا الموضوع «مسؤولية الكلمة» نُفصلّه وفق أنواع الكلمة حتى تنكشف لنا على الوجه المأمول - بإذن من الله -.

والكلمة في الجملة نوعان: كلمة طيبة، وكلمة خبيثة، ويا بعد ما بين الكلمتين، ولذلك نخصّ كلاً منهما ببحث مستقل.

وإذا قيل: أليس ثمة نوع ثالث بين النوعين ووسط بين الطرفين، وهو: الكلمة الجائزة والمباحة؟.

قيل: بلى، ذلك موجود، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في المطلب الأول من المبحث الأول في معنى قوله تعالى: ï´؟ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ï´¾ [ق: 18] حيث قيل: إنه يكتب على الإنسان كل ما يتكلم به فإذا جاء آخر النهار محي عنه ما كان مباحاً.

غير أنه ينبغي توجيه النظر إلى أن المباح كثيراً ما تعتريه الأحكام التكليفية الأربعة وهي: الوجوب والندب، والتحريم، والكراهة، لأنه إن كان وسيلة إلى أحدها أخذ الحكم نفسه، من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

فإن كان مندوباً فيكون المباح مندوباً، وإن كان وسيلة إلى حرام فيكون حراماً، وإن كان إلى مكروه فيكون مكروهاً، فالوسائل لها حكم المقاصد[87].

وربما تحوّل أيضا المباح إلى أحد تلك الأحكام بسبب النية[88].

فالخطيب مثلا إذا أورد في خطبته بعض الحكايات أو الطرائف من أجل تنشيط الحاضرين، وجذبهم إليه فتكون مشروعة.

والكاتب حينما يورد شعر العرب الغزلي بقصد إثارة شهوة القراء وتشجيعهم على شعر المجون فيكون ذلك محرماً، وهكذا. والآن إلى تفصيل المسؤولية.

المطلب الأول
الكلمة الطيبة:
وأعني بها الكلمة الخيّرة، والخطاب المهذب المتزن، وهي مشروعة كما في الحديث: «كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين صدقة، ويُعين الرجل على دابته فيحمل عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة ويميط الأذى عن الطريق صدقة»[89]. والشاهد من الحديث «والكلمة الطيبة صدقة».

وقد ورد ذكرها في القرآن العظيم في قوله تعالى: ï´؟ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ï´¾[90].

قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: المراد بالكلمة الطيبة في الآية: هي شهادة أن لا إله إلا الله، والشجرة الطيبة قلب المؤمن، أي لا إله إلا الله ثابتة في قلب المؤمن، وقوله: ï´؟ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ï´¾ [إبراهيم: 24]: أي يُرفع بها عمل المؤمن إلى السماء[91].

وقال البغوي في تفسير الآية: «ألم تعلم، والمثل قول سائر لتشبيه شيء بشيء ï´؟ كَلِمَةً طَيِّبَةً ï´¾ [إبراهيم: 24] وهي قول لا إله إلا الله ï´؟ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ï´¾ [إبراهيم: 24] وهي النخلة يريد كشجرة طيبة الثمرة»[92].

نعم، فالكلمة الطيبة ذات أثر عظيم في الدنيا والآخرة.

فما آثارها في الدنيا؟ وما آثارها في الآخرة؟

إن من العسير على الباحث أن يُحصي الآثار كلها، ولكنها الأمثلة وبالمثال يتضح المقال.

أولاً: آثار الكلمة الطيبة في الدنيا:
1- عصمة الدم والمال والعرض:
فالإنسان إذا قال لا إله إلا الله، أو أعلن توبته من كلمة كفر فإنَّ ذلك يعصم نفسه وماله وعرضه (وذلك من الكلم الطيب).

قال - صلى الله عليه وسلم -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم»[93].

2- الذكر الحسن وجريان الصدقة:
فالكلمة الطيبة تبقى خالدة للإنسان، يتذكرها الناس ويرددونها جيلاً بعد جيل، سواء أكانت حكمة، أم خطبة، أم كتاباً مصنفاً، أم نحو ذلك، والذكر للإنسان عمر ثانٍ كما قال المتنبي.

وها هي ذي أشعار الحكمة والأمثال السائرة والخطب البليغة والكتب المفيدة للسابقين يحرص الناس على حفظها وروايتها والاستفادة منها، مع الثناء العاطر على أصحابها، والدعاء للمسلمين منهم بالمغفرة والرحمة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «أصدق كلمة قالها شاعر، كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل»[94].

3- استمالة العقول والنفوس:
إذ كلما كان الكلام طيباً شد العقول ووطن النفوس على الاستماع، وعمل فيها عمل السحر.

وفي قصة نفر الجن الذين وفدوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - لاستماع القرآن، دليل وأي دليل! فإنهم بمجرد سماعهم قال بعضهم لبعض أنصتوا كما قال الله عنهم: ï´؟ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ï´¾[95].

وكان على العكس منهم مشركو قريش، فقد كانوا يعرفون أثر كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقراءته، ولذلك كانوا يحذرون من الاستماع خشية أن يتأثروا قال الله عنهم: ï´؟ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ï´¾[96].

وهكذا يتبين أثر الكلم الطيب على كل ذي عقل سليم.

4- تأليف القلوب:
قال الله عز وجل: ï´؟ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ï´¾[97] فالكلمة الطيبة تَسلُّ السخيمة من القلوب، حتى أباح الإسلام الكذب بقصد الإصلاح بين المتشاحنين كما في الحديث: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمّي خيراً ويقول خيراً»[98].

5- إحقاق الحق وإبطال الباطل:
وهذا إنما يتحقق غالباً بالكلمة الطيبة، ولذلك جاء في الحديث: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر»[99].

6- وذكر الله تعالى وهو أفضل الكلم فيه راحة للنفس والقلب وحياة لهما.

قال سبحانه: ï´؟ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ï´¾[100].

وروى أبو موسى الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت»[101].

7- والكلمة الطيبة تقع في موقعها اللائق بها، حيث تصعد إلى السماء وتحضى بالقبول الحسن، قال الله عز وجل: ï´؟ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ï´¾[102]

يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في تفسيره للآية ï´؟ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ï´¾ [فاطر: 10] أي من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل، وكل كلام حسن طيب فيرفع إلى الله ويعرض عليه ويثني الله على صاحبه بين الملأ الأعلى، (والعمل الصالح) من أعمال القلوب وأعمال الجوارح (يرفعه) الله تعالى إليه أيضا كالكلم الطيب»[103].

ثانياً: آثار الكلمة الطيبة في الآخرة:
وإذا كانت للكلمة الطيبة تلك الآثار العظيمة في الدنيا، فإن لها في الآخرة آثاراً أعظم، ومن ذلك:
1- أن لا إله إلا الله وهي رمز الكلم الطيب ومفتاحه، هي سبب لدخول الجنة.

كما في الحديث: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة»[104].

والمقصود بذلك إذا كان قلبه مؤمناً مصدقاً بمضمونها.

2- والكلمة الطيبة سبب في النجاة من عذاب النار.

قال الترمذي في سننه[105] باب ما جاء في الذبّ عن عرض المسلم، ثم روى بسنده إلى أبي الدرداء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ردّ عن عرض أخيه ردّ الله عن وجهه النار يوم القيامة».

وروى البخاري عن محمود بن الربيع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله»[106].
3- ورب كلمة طيبة رفعت صاحبها إلى أعلى الدرجات.

كما في الحديث: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات»[107].

وفي الحديث الآخر: «سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله»[108].

المطلب الثاني
الكلمة الخبيثة:
وهي المضادة للكلمة الطيبة، وقد جاء ذكرها في كتاب الله الكريم في قوله: ï´؟ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ï´¾[109].

قال القرطبي: الكلمة الخبيثة: كلمة الكفر، وقيل: الكافر نفسه، والشجرة الخبيثة شجرة الحنظل[110].

وقال الراغب الأصفهاني: وقوله تعالى: ï´؟ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ ï´¾ [إبراهيم: 26]: إشارة إلى كل كلمة قبيحة من كفر وكذب ونميمة وغير ذلك[111].

وعلى هذا الرأي فالكلمة الخبيثة شاملة لكل كلام قبيح وهذا ما أعنيه هنا.

وإن كان هذا الخبث يتفاوت في حجمه وأثره، فكلمة الكفر والكذب على الله أعظم من الكذب على الناس، والكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم من الكذب على غيرهم. وهكذا فما آثار هذه الكلمة في الدنيا وفي الآخرة؟.

أولاً: آثار الكلمة الخبيثة في الدنيا:
1- أنها إذا كانت كلمة كفر - وقال بها المتكلم معتقداً - فإنها تُخرجه من جماعة المسلمين ومن دائرة الإسلام، ويكون مرتداً.

ويترتب على ذلك ما يترتب على الردة من الاستتابة، والقتل، وانفصام عقد الزوجية، وقطع التوارث، وغير ذلك.

2- وإذا كانت تلك الكلمة قذفاً بالفاحشة فإنها تُوجب حداً شرعياً وهو ثمانون جلدة، إلا أن يأتي بأربعة شهداء عدول، قال تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ï´¾[112].

3- الذكر السيئ للإنسان: فإن الناس متى تذكروا صاحب الكلمة الخبيثة ذموه وحقروا من شأنه، وقد قال أهل العلم: لا غيبة لفاسق[113].

4- وهي من علامات النفاق وتقلّب الشخصية، ففي الحديث: «آية المنافق ثلاث إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان»[114]، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن من شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه»[115].

5- نفرة القلوب وفساد ذات البين، فالكلمة الخبيثة أياً كانت تباعد بين القلوب وتُفرّق بين المجتمعين، وفي مقدمة ذلك: النميمة والغيبة والتطاول على أعراض المسلمين، سباً وسخرية.

6- وصاحب الكلمة الخبيثة لا يجني إلا الإثم، ويُعرض عمله الصالح للبطلان، قال عليه الصلاة والسلام: «من حلف على ملة غير الإسلام كاذباً فهو كما قال»[116].

ويقول عليه الصلاة والسلام في حق الصائم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»[117].

وروى مسلم عن جندب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدّث أن رجلاً قال: «والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: «من ذا الذي يتألى عليّ ألاّ أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك»[118].

7- وصاحب الكلمة الخبيثة ممقوتٌ عند الناس، بغيض إلى قلوبهم، ينفر منه القريب قبل البعيد، ومهما جامله الناس وداروه فإنه يعيش على هامش المجتمع، بل إن قلوبهم تلعنه.

فقد استأذن رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة، فلما دخل ألاَنَ له الكلام، قالت عائشة: يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنْت له الكلام، قال: أي عائشة: عن شر الناس من تركه الناس، أو ودعه الناس اتقاء فحشه»[119].

ولذلك أوصى العباس ابنه عبد الله - رضي الله عنهما - قائلاً: «إني أرى أمير المؤمنين - يعني عمر بن الخطاب - يدنيك ويقربك، فاحفظ عني ثلاثاً: إياك أن يُجرب عليك كذبة، وإياك أن تفشي له سراً، وإياك أن تغتاب عنده أحداً، ثم قال: يا عبد الله ثلاث وأيّ ثلاث!، فقال رجل: يا ابن عباس، كل واحدة خير من ألف، فقال: بل كل واحدة خير من عشرة آلاف[120].

وهكذا ينبغي للمسلم أن يكون بعيداً عن الخطاب الخبيث لما فيه من الآثار الخلقية الذميمة، كما ينبغي على المسلم أن يكون حذراً من هذا الصنف الذي لا يأتي بخير «وحسبك من شر سماعه».

ثانياً: آثار الكلمة الخبيثة في الآخرة.
ليست آثار الكلمة الخبيثة قاصرة على حياة الإنسان الدنيوية، بل إنها شؤم يُلاحقه إلى الأبد.

وحسبك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال»[121].

ومن هذه الآثار:
1- أنها سبب في دخول النار - نسأل الله السلامة منها.

أ‌- فكلمة الكفر موجبة لسخط الله وعقابه، قال سبحانه عن المنافقين:
ï´؟ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ï´¾[122].

ب- ورُبّ كلمة خبيثة زلّ بها اللسان ولم يحسب لها صاحبها حساباً، تهوي به دركات كما في الحديث: «وإنّ العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوى بها في جهنم»[123].

جـ- والاستطالة على أعراض المسلمين توجب عذاباً أليماً لا يُطاق.

قال - صلى الله عليه وسلم -: «لما عرج بي ربي مررت بقوم لهم أظافر من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم»[124]، وإذا كان المسلم من أولياء الله كالعلماء العاملين وأهل التقى والصلاح كانت أعراضهم أشد حرمة، كما في الحديث القدسي: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب[125].

2- وهي سبب لمقت الله وغضبه.

قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ الله ليبغض الفاحش البذيء»[126].

وفي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«........... إنّ الله لا يُحب الفحش ولا التفحش»[127].

وبعد: فتلك من أهم آثار الكلمة ونتائجها.

الأمر الذي يدل دلالة قاطعة على مسؤولية الكلمة، وأن لها تبعات كبيرة سلباً أو إيجاباً، فقد ترفع المتكلم إلى أعلى درجات العزة والنعيم، وذلك إذا كانت من الكلم الطيب.

وقد تضع المتكلم وتردّه إلى أسفل سافلين من الذلة أو العذاب الأليم، وذلك إذا كانت من الكلم الخبيث، وهذا يتطلب من الإنسان الحذر من لسانه فإنّ زلّته أشد من زلة القدم، وفق الحكمة القائلة:
موت الفتى من عثرة بلسانه
وليس يموت المرء من عثرة الرجل

فعثرته من فيه ترمي برأسه
وعثرته بالرجل تبرأ على مهل[128]


فهل يبقى بعد ذلك أدنى شك في عظم مسؤولية الكلمة وضخامتها؟!

وختاماً:
فلله الحمد أولاً وآخراً على توفيقه وعونه.

وقبل أن أطوي هذه الصفحات ويجف مدادها، أتوجه بهذه الكلمة إلى من يعنيهم أمر الدعوة والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فأقول: إن الكلمة هي سلاحكم - معشر الدعاة - سواء كنتم على المنابر أم في قاعات الدروس والمحاضرات، أم في ميدان المناقشات والمحاورات، أم من خلال المكاتبات والمصنفات، أم غير ذلك.

فليكن هذا السلاح قوياً، وليوضع في مكانه اللائق، وليسلط على حزب الباطل وأنصاره.

أما أهل الحق وأهل الفضل فحقهم التقدير والاحترام، وطلاقة الوجه وبشاشته.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.70%)]