عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 09-02-2020, 03:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (4/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام



المباحث التي يشتمل عليها البيت:
المبحث الأول: الوسائل لها أحكام المقاصد:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله - في "المنظومة في القواعد الفقهية":
وَسَائِلُ الأُمُورِ كَالمَقَاصِدِ
وَاحْكُمْ بِهَذَا الْحُكْمِ لِلزَّوَائِدِ



ومثالها: الطهر للصلاة:
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((لا تُقبَل صلاةٌ بغَيْر طهور، ولا صدَقةٌ من غلول))؛ أخرجه مسلم[1].

تتمَّات البحث:
التتمَّة الأولى:
فاتَ الناظم أنْ يَذكُر صِيَغ الأمر؛ حيث ذكَرَها المصنِّف - رحمه الله - في أصله، فقال في "الورقات" ص 10: "وصيغته: افعل، وهي عند الإطلاق والتجرُّد عن القرينة تحمل عليه، إلاَّ ما دلَّ الدليل على أنَّ المراد الندب أو الإباحة"؛ ا.هـ.
قلت: وللأمر صِيَغٌ كثيرةٌ أغفَلَها الجُوَيني - رحمه الله - واكتَفَى منها بذِكر الصِّيغة الأصليَّة فقط.
لذا قال العلاَّمة محمد بن صالح العُثَيمين في "شرح نظم الورقات" ص 65: "فقول المؤلف - رحمه الله -: "بصيغة افعَلْ" ليس قيدًا ولا شرطًا، بل هو بيانٌ للأكثر والأغلب أنْ يكون بصيغة (افعل)"؛ ا.هـ.

وصِيَغُ الأمر كثيرةٌ؛ منها:
فعل الأمر؛ قال - تعالى -: ï´؟ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ï´¾ [طه: 14].
اسم فعل الأمر؛ كما في قول المؤذِّن: حيَّ على الصَّلاة.
المصدر النائب عن فعل الأمر؛ قال - تعالى -: ï´؟ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ ï´¾ [محمد: 4].
الفعل المضارع المقترن بلام الأمر؛ قال - تعالى -: ï´؟ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ï´¾ [البقرة: 185].
فهذه الأربع الصِّيَغُ صَرِيحة في الأمر، وقد يُستَفاد طلبُ الفعل من صِيَغ غير صِيَغ الأمر الصَّريحة.
قال العلاَّمة محمد بن صالح العُثَيمين في "الأصول من علم الأصول" ص 29: "وقد يُستَفاد طلبُ الفِعل من غير صِيغة الأمر؛ مثل: أنْ يُوصَف بأنَّه: فرض، أو واجب، أو مندوب، أو طاعة، أو يُمدَح فاعله، أو يُذَم تاركه، أو يترتَّب على فعله ثَواب، أو على تَركِه عقاب"؛ ا.هـ.

التتمَّة الثانية:
الأمر المجرَّد يقتضي الوجوب ما لم يأتِ صارِفٌ عن ذلك:
قال - تعالى -: ï´؟ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ï´¾ [النور: 63].
فالتحذير من الفتنة والعذاب الأليم دليلٌ على وجوب الأمر؛ لترتُّب العِقاب عليه - كما أشار العلاَّمة محمد بن صالح العُثَيمين - رحمه الله - آنفًا.
قال - تعالى -: ï´؟ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ï´¾ [الأحزاب: 36].
وقال - تعالى -: ï´؟ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ï´¾ [المرسلات: 48 - 49].
وقال - تعالى -: ï´؟ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ï´¾ [الأعراف: 12].

التتمَّة الثالثة:
الأمر قد يأتي ويُراد به غير الوجوب، كما نصَّ على ذلك المصنِّف - رحمه الله - حيث قال في "الورقات" ص 10: "وهو عند التجرُّد عن القرينة تُحمَل عليه، إلاَّ ما دلَّ الدليل على أنَّ المراد منه الندب أو الإباحة"؛ ا.هـ.
وهذا ممَّا فات الناظم.

وقد نظمه الشرف العمريطي في "نظم الورقات" حيث قال:
بِصِيغَةِ افْعَلْ فَالوُجُوبُ حُقِّقَا
حَيْثُ القَرِينَةُ انْتَفَتْ وَأُطْلِقَا

لاَ مَعْ دَلِيلٍ دَلَّنَا شَرْعًا عَلَى
إِبَاحَةٍ فِي الفِعْلِ أَوْ نَدْبٍ فَلاَ

بَلْ صَرْفُهُ عَنِ الوُجُوبِ حُتِّمَا
بِحَمْلِهِ عَلَى المُرَادِ مِنْهُمَا



وصِيَغُ الأمر قد تأتي ويُراد بها غيرُ الوجوب؛ لقرينةٍ احتفَّ بها الكلام، ومن هذا:
1- قد تأتي ويُراد بها الندب:
قال - تعالى -: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ï´¾ [البقرة: 282].
فالأمر بالكتابة صُرِفَ إلى الندب بدليلٍ آخَر؛ قال - تعالى -: ï´؟ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُï´¾ [البقرة: 283].

2- قد تأتي ويُراد بها الإباحة:
قال - تعالى -: ï´؟ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا ï´¾ [البقرة: 35]، فالأمر بالأكل من خَيْرات الجنَّة ليس على سبيل الوجوب، وإنما المراد منه الإباحة.

3- وقد تأتي ويُستفاد منها التهديد:
قال - تعالى -: ï´؟ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ï´¾ [فصلت: 40].
فمن غير المعقول شَرعًا ولا عقلاً أنْ يُترَك الإنسان سدًى من غير تكليف؛ قال - تعالى -: ï´؟ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ï´¾ [الذاريات: 56].

4- وقد تأتي ويُراد بها الإرشاد:
قال عمر بن أبي سلمة: كنت غُلامًا في حِجرِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ ممَّا يَلِيك))[2].

5- وقد تأتي ويُستفاد منها التعجيز:
قال - تعالى -: ï´؟ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ï´¾ [البقرة: 23].

6- وقد تأتي ويُستفاد منها الدعاء:
قال - تعالى -: ï´؟ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ï´¾ [البقرة: 286].

التتمَّة الرابعة:
فاتَ الناظم أنْ ينظم مسألة: "الأمر بالشيء نهي عن ضده".
وسيأتي مزيدُ بيانٍ لها في تتمَّات مبحث "النهي"، التتمَّة الرابعة - إن شاء الله.

التتمَّة الخامسة:
الأمر بعد الحظْر يُعِيد الأمرَ إلى ما كان عليه قبلَ الحظر:
قال - تعالى -: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ï´¾ [المائدة: 1].
فهذه الآية أفادَتْ منْع الصَّيد للمُحْرِم.
ثم قال - تعالى -: ï´؟ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ï´¾ [المائدة: 2].
ففعل الأمر في "اصطادوا" لا يدلُّ على الوجوب؛ لأنَّه جاء بعد حظْر، والأمر بعد الحظْر يعود معه الحكم إلى ما كان عليه قبلَ الحظر، والصيد قبل الحظْر مُباحٌ؛ إذًا الأمر هنا يُحمَل على الإباحة، فمَن شاء اصطَادَ ومَن شاء ترَك.

التتمَّة السادسة:
فعل الأمر هل يقتَضِي الإثابة والإجزاء؟
قال محمد بن حسين الجيزاني في "معالم أصول الفقه" ص 411: "الجواب على ذلك أنَّ الإجزاء والإثابة يجتَمِعان ويفترقان.
فالإجزاء: براءة الذمَّة من عهدة الأمر، والسلامة من ذمِّ الرب وعقابه.
والإثابة: الجزاء على الطاعة.
مثال الإجزاء مع عدم الإثابة: إذا اشتَمَل الصيام مثلاً على قول الزور، والعمل به، فتَبرَأ الذمَّة، ويقع الحرمان من الأجر لأجل المعصية.
ومثال الإثابة مع عدم الإجزاء: إذا فعل المأمورَ به ناقصَ الشروط والأركان، فيُثاب على ما فعَل، ولا تَبرَأ الذمَّة إلاَّ بفعله كاملاً بالنسبة للقادر العالم.
ومثال اجتِماع الإجزاء والإثابة: إذا فعَل المأمور على الوجْه الكامل ولم يقتَرِن به معصيةٌ تخلُّ بالمقصود.
فعلم بذلك أنَّ امتِثال الأمر على الوَجْه المطلوب يقتَضِي الإجزاءَ دون الثواب.

قال ابن تيميَّة بعد أنْ ذكَر التفصيل السابق:
"وهذا تحريرٌ جيِّد: أنَّ فعْل المأمور يُوجِب البراءة، فإنْ قارَنَه معصيةٌ بقدره تخلُّ بالمقصود قابل الثواب، وإنْ نقص المأمور به أُثِيب ولم تحصل البَراءة التامَّة، فإمَّا أنْ يعاد، وإمَّا أنْ يجبر، وإمَّا أنْ يأثم"؛ ا.هـ.

التتمَّة السابعة:
كان الأَوْلَى أنْ يقول الناظم في هذا البيت رقم (29):
29- فَالْأَمْرُ لِلْمَشْرُوطِ لِلشَّرْطِ اقْتَضَى
كَالطُّهْرِ وَالصَّلاَةِ فَادْرِ الاقْتِضَا



بدلاً من قوله:
.....................
كَالطُّهْرِ لِلصَّلاَةِ فَادْرِ الِاقْتِضَا





[1] أخرجه في "صحيحه" (كتاب الطهارة/ باب: وجوب الطهارة للصلاة/ ح1).

[2] متفق عليه، أخرجه البخاري في غير موضعٍ من "صحيحه" منها: (كتاب الأطعمة/ باب التسمية على الطعام/ ح5376)، ومسلم في "صحيحه": (كتاب الأشربة/ باب: آداب الطعام والشراب/ ح 108، 109).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.17%)]