مصارف الزكاة
الشيخ صلاح نجيب الدق
الحمد لله ﴿ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 61، 62]، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد، الذي أرسله ربُّه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:
فسوف نتحدث عن المصارف الشرعية للزكاة، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
المصارف الشرعية للزكاة ثمانيةٌ، ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].
(1) (2) الفقراء والمساكين:
هم المحتاجون الذين لا يجِدون ما يكفيهم.
تنبيه مهم: مَن كان مِن الفقراء أو المساكين قادرًا على كسب كفايته وكفاية مَن يَعولُهم، لا يجوز له الأخذ من الزكاة، ولا يحلُّ للمزكي إعطاؤه من الزكاة، ولا تُجزِئه لو أعطاه وهو يعلم بحاله.
روى النسائي عن عُبيدالله بن عدي بن الخيار أن رجلينِ حدَّثاه أنهما أتَيَا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانِه من الصدقة، فقلَّب فيهما بصَرَه فرآهما جَلْدينِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن شئتما، ولا حظَّ فيها لغنيٍّ ولا لقوي مكتسب))؛ (حديث صحيح، صحيح النسائي للألباني، ج 2ص 228)، (الموسوعة الفقهية الكويتية ج 23ص 315).
(3) العاملون على الزكاة:
العاملون على الزكاة هم السُّعاة الذين يبعثهم إمام المسلمين أو نائبُه لجمعِ الزكاة، ويدخل في ذلك أيضًا: كاتبُها، وقاسمها، والخازن، والحارس، ولا يشترط أن يكون العاملون على الزكاة من الفقراء؛ لأنهم يأخذون من الزكاة في مقابل عملهم، وليس لفقرهم.
روى أبو داود عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحلُّ الصدقةُ لغني، إلا لخمسة: لغازٍ في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارمٍ، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جارٌ مسكين فتصدَّق على المسكين، فأهداها المسكين للغنيِّ))؛ (حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني، حديث 1440)، (الموسوعة الفقهية الكويتية ج 23ص 315)، (المغني لابن قدامة، ج4 ص107، ص108).
(4) المؤلَّفة قلوبُهم:
المؤلَّفة قلوبُهم الذين يُعطَون مِن الزكاة، هم الرؤساء المُطاعون في قومهم، إذا كان يُرجَى بذلك إسلامهم، أو قوة إيمانهم إن كانوا مسلمين، أو كفُّ شرِّهم، أو إسلام نظرائهم.
(5) الرقاب:
هم المكاتَبون والعبيد والأُسارى المسلمون، يُعطَون من الزكاة لتحرير رقابهم من العبودية والأَسْر.
(6) الغارمون:
لقد ذكر الله تعالى المستحِقِّين للزكاة، ومنهم الغارمون، والغارِمون قسمان:
قسم غرم لإصلاح ذات البَيْن، ما أخمد به فتنةً وقعت بين جماعة، حصل بسببها التزاماتٌ مالية مثلًا، فالتزم بدفعها على نيَّة الرجوع بها على زكاة المسلمين، فهذا الصِّنفُ مِن الغارمين يُعطَى ما غرِمه من الزكاة، وإن كان غنيًّا.
القسم الثاني الغارم لإصلاح نفسِه وحاله في مباحٍ؛ كمَن يستدين لنفقته ونفقة مَن تلزَمُه مُؤْنَتُه، أو تجب عليه التزامات مالية ليس الظلم والعدوان سببَها؛ فإنه يُعطَى مِن الزكاة ما يُقابِل به ما غرمه.
(7) سبيل الله:
المقصودُ بقوله تعالى: ﴿ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 60] هم المجاهدون والمرابِطون في الثغور.
(8) ابن السبيل:
المقصودُ بابن السبيل هو المسافر المُجتَاز في بلدٍ ليس معه شيء يستعين به على سفره، فيُعطَى مِن الصدقات ما يكفيه إلى بلده؛ نظرًا لِما عرض له من الفقر والحاجة أثناء سفره؛ (تفسير ابن كثير، ج7 ص224).
أصناف لا يجوز إخراج الزكاة لهم:
الذين تحرم عليهم الزكاة هم:
(1) غير المسلمين:
روى الشيخانِ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعَث معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن، فقال: ((ادعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأَعلِمْهم أن الله قد افتَرَض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلِمْهم أن الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخَذ مِن أغنيائهم وتُرَد على فقرائهم))؛ (البخاري حديث 1395 / مسلم حديث 19).
والمقصود بهم أغنياء المسلمين وفقراؤهم دون غيرهم، قال ابن المنذر رحمه الله: "أجمع كلُّ مَن نحفظ عنه من أهل العلم أن الذِّمِّيَّ لا يُعطَى مِن زكاة الأموال شيئًا"؛ (الإجماع لابن المنذر، ص 46، رقم 118).
ويُستثنَى مِن ذلك المؤلفة قلوبهم.
ويجوز إعطاء غير المسلمين مِن صدقة التطوُّع:
روى الشيخان عن أسماءَ بنتِ أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "قدِمَتْ عليَّ أمي وهي مشركةٌ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قلت: وهي راغبةٌ أَفَأَصِلُ أمي؟ قال: ((نعم، صِلِي أُمَّك))؛ (البخاري، حديث 2620 / مسلم حديث 1003).
(2) آل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب:
وهم: آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس، وآل الحارث، وكذلك آل المطلب.
قال ابن قدامة رحمه الله: "لا نعلم خلافًا في أن بني هاشم لا تحلُّ لهم الصدقة المفروضة"؛ (المغني لابن قدامة، ج 4 ص 109، ص 111).
روى مسلم عن أبي هريرة قال: أخذ الحسنُ بن عليٍّ تمرةً مِن تمرِ الصدقة، فجعلها في فِيهِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كِخْ كِخْ، ارمِ بها، أمَا علمتَ أنَّا لا نأكل الصدقة؟))؛ (مسلم حديث 1069).
روى البخاري عن سعيد بن المسيب أن جُبير بن مُطعم أخبره، قال: مشَيتُ أنا وعثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: أعطيتَ بني المطلب مِن خُمُس خيبر، وتركتنا ونحن بمنزلة واحدةٍ منك؟ فقال: ((إنما بنو هاشم وبنو المطَّلِب شيء واحد))؛ (البخاري حديث 3502).
قال ابن حزم رحمه الله - تعليقًا على هذا الحديث -: "فصحَّ أنه لا يجوز أن يُفرق بين حكمِهم في شيء أصلًا؛ لأنهم شيء واحد بنص كلامه عليه الصلاة والسلام، فصح أنهم آل محمد، وإذ هم آل محمد، فالصدقة عليهم حرامٌ"؛ (المحلى لابن حزم ج 6، ص 147).
(3) الآباء والأبناء:
أجمع أهلُ العلم على أنه لا يجوز إعطاءُ الزكاة إلى الآباء والأجداد، والأمهات والجدات، والأبناء وأبناء الأبناء، والبنات وأبنائهن؛ لأنه يجب على المزكِّي أن يُنفِق على آبائه وإن علَوا، وأبنائه وإن نزلوا، وإن كانوا فقراء فهم أغنياء بغِناه، فإذا دفع الزكاة إليهم، فقد جلب لنفسِه نفعًا بمنع وجوب النفقة عليه.
قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدينِ، في الحال التي يجبر الدافعُ إليهم على النفقة عليهم؛ ولأن دفع زكاته إليهم تُغنِيهم عن نفقته، وتُسقطها عنه، ويعود نفعها إليه، فكأنَّه دفعها إلى نفسه، فلم تَجُزْ، كما لو قضى بها دَيْنه"؛ (الإجماع لابن المنذر، ص 46، رقم 119)، (المغني لابن قدامة، ج 4، ص 98، ص 100).
(4) الزوجة:
قال ابنُ المنذر: "أجمع أهلُ العلم على أن الرجلَ لا يُعطِي زوجتَه مِن الزكاة؛ وذلك لأن نفقتَها واجبةٌ عليه، فتستغني بها عن أخذ الزكاة، فلم يَجُزْ دفعُها إليها، كما لو دفعها إليها على سبيلِ الإنفاق عليها"؛ (الإجماع لابن المنذر، ص 46، رقم 120)، (المغني لابن قدامة، ج 4 ص 98).
يتبع