
07-02-2020, 05:12 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة :
|
|
حكم المرتد في الإسلام
حكم المرتد في الإسلام
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
قوله: "باب حكم المرتد، وهو الذي يكفر بعد إسلامه طوعًا، ولو مميزًا أو هازلًا بنطق أو اعتقاد أو شك أو فعل..." إلى آخره[1].
قال في "المقنع": "باب حكم المرتد، وهو الذي يكفر بعد إسلامه، فمن أشرك بالله، أو جحد ربوبيته، أو وحدانيته، أو صفة من صفاته، أو اتخذ لله صاحبة أو ولدًا، أو جحد نبيًا، أو كتابًا من كتب الله تعالى، أو شيئًا منه، أو سب الله تعالى أو رسوله؛ كفر، ومن جحد وجوب العبادات الخمس أو شيئًا منها، أو أحل الزنى أو الخمر أو شيئًا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها لجهل عُرِّف ذلك، وإن كان ممن لا يجهل ذلك كَفر، وإن ترك شيئًا من العبادات الخمس تهاونًا لم يكفر.
وعنه[2]: يكفر إلا الحج لا يكفر بتأخيره بحال، فمن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء وهو بالغ عاقل دُعي إليه ثلاثة أيام وضيق عليه، فإن لم يتُب قُتل.
وعنه[3]: لا تجب استتابته، بل تُستحب، ويجوز قتله في الحال، ويُقتل بالسيف، ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه، فإن قتله غيره بغير إذنه أساء وعزِّر، ولا ضمان عليه، سواء قتله قبل الاستتابة أو بعدها.
وإن عقل الصبي الإسلام صح إسلامه وردته، وعنه[4]: يصح إسلامه دون ردته، وعنه[5]: لا يصح شيء منهما حتى يبلغ[6] "1026ب"، والمذهب[7]: الأول.
وإن أسلم ثم قال: لم أدر ما قلت، لم يُلتفت إلى قوله، وأجبر على الإسلام، ولا يُقتل حتى يبلغ يجاوز ثلاثة أيام من وقت بلوغه، فإن ثبت على كفره قُتل، ومن ارتد وهو سكران لم يقتل حتى يصحو وتتم له ثلاثة أيام من وقت ردته، فإن مات في سُكره مات كافرًا، وعنه[8]: لا تصح ردَّته.
وهل تُقبل توبة الزنديق ومن تكررت ردته أو من سبَّ الله تعالى أو رسوله والساحر؟ على روايتين:
إحداهما[9]: لا تُقبل توبته ويقتل بكل حال.
والأخرى[10]: تقبل توبته كغيره.
وتوبة المرتد إسلامه، وهو أن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، إلا أن تكون ردته بإنكار فرض، أو إحلال محرم، أو جحد نبي أو كتاب، أو إلى دين من يعتقد أن محمدًا بُعث إلى العرب خاصة، فلا يصح إسلامه حتى يُقر بما جحده، ويشهد أن محمدًا بُعث إلى العالمين، أو يقول: أنا بريء من كل دين يُخالف دين الإسلام.
وإذا مات المرتد فأقام وارثه بينته أنه صلى بعد الردة حُكم بإسلامه، ولا يبطل إحصان المسلم بردته، ولا عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إلى الإسلام.
فصل: ومن ارتد لم يزل ملكه، بل يكون موقوفًا وتصرفاته موقوفة، فإن أسلم ثبت ملكه وتصرفاته، وإلا بطلت، وتُقضى ديونه وأروش جناياته، ويُنفق على من تلزمه مؤنته، وما أتلف من شيء ضمنه، ويتخرج في الجماعة الممتنعة ألا تضمن ما أتلفته.
وقال أبو بكر: يزول ملكه بردته، ولا يصح تصرفه، وإن أسلم رُد إليه تمليكًا مستأنفًا، وإذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات؟ على روايتين[11] "1027أ".
وإذا ارتد الزوجان ولحقا بدار الحرب ثم قُدر عليهما لم يجز استرقاقهما، ولا استرقاق أولادهما الذين وُلدوا في دار الإسلام، ومن لم يُسلم منهم قتل، ويجوز استرقاق من ولد بعد الردة، وهل يُقرون على كُفرهم على روايتين[12]"[13].
قال في "الحاشية": "قوله: أو صفة من صفاته، قال ابن عقيل في "الفصول": أو جحد صفة من صفاته المتفق على إثباتها.
قوله: أو سبَّ الله أو رسوله... إلى آخره.
قال الشيخ تقي الدين[14]: وكذا لو كان مُبغضًا لرسوله، أو لما جاء به، اتفاقًا.
تنبيه: إنما يكفر إذا أتى بذلك طوعًا ولو هازلًا، وكان ذلك بعد أن أسلم طوعًا، وقيل: وكرهًا.
فوائد: قال الشيخ تقي الدين[15]: وكذا الحكم لو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم، إجماعًا، قال جماعة من الأصحاب[16]: أو سجد لشمس أو قمر.
قال في "الترغيب": "أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين، وقيل: أو كذب على نبي، أو أصرَّ في دارنا على خمر أو خنزير غير مُستحل".
قال في "الإقناع": "أو ادعى النبوة أو صدق من ادعاها، أو جحد الملائكة".
قال في "شرحه": "أو واحدًا ممن ثبت أنه ملك أو البعث أو استهزأ بالله أو كتبه أو رسله، أو وجد منه امتهان القرآن، أو طلب تناقضه، أو دعوى أنه مُختلف أو مختلق، أو مقدور على مثله، أو إسقاط لحرمته، أو أنكر الإسلام أو الشهادتين، أو إحداهما، كفر لا من حكى كفرًا سمعه، ولا يعتقده، أو نطق بكلمة الكفر ولا يعلم معناها، ولا من جرى على لسانه سبقًا من غير قصد لشدة فرح أو دهش، أو غير ذلك، كقول من أراد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، فقال: عبدي وأنا ربك "1027ب".
قال: ومن أطلق الشارع كفره كدعواه لغير أبيه، وكمن أتى عرَّافًا فصدقه بما يقول، تشديد، وكفرٌ دون كفر لا يخرج به عن الإسلام، قال شارحه: وقيل: كفر نعمة، وقيل: قارب الكفر، وعنه[17]: يجب الوقف، ولا يُقطع بأنه لا ينقل عن الملة.
وقال القاضي وجماعة من العلماء في قوله: "من أتى عرافًا فصدقه فقد كفر بما أنزل الله على محمد"[18]، أي: جحد تصديقه بكذبهم، وقد يكون على هذا إذا اعتقد تصديقهم بعد معرفته بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم لهم كفر حقيقة. انتهى.
ومنهم: من حمل ذلك على من فعله مُستحلًا، وأنكر القاضي جواز إطلاق كفر النعمة على أهل الكبائر.
وقال الشيخ[19]: من اعتقد أن الكنائس بيوت الله، أو أن الله يُعبد فيها، أو أن ما يفعل اليهود والنصارى عبادة لله، وطاعة له ولرسوله، أو أنه يُحب ذلك أو يرضاه، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم، واعتقد أن ذلك قربة وطاعة فهو كافر.
وقال[20]: من اعتقد أن لأحد طريقًا إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم، أو لا يجب عليه اتباعه وأن له أو لغيره خروجًا عن اتباعه وعن أخذ ما بعث به، أو قال: أنا محتاج إلى محمد في علم الظاهر دون علم الباطن، أو إلى علم الشريعة دون علم الحقيقة، وقال: إن من الأولياء من يسعه الخروج عن شريعته، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، أو أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، فهو كافر.
قال: ومن قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه كفر بلا خلاف، ومن سبَّ غيرها من أزواجه صلى الله عليه وسلم ففيه قولان[21]:
أحدهما: أنه كسب واحد من الصحابة.
والثاني وهو الصحيح: أنه كقذف عائشة "1028أ".
وأما من سبهم سبًا لا يقدح في عدالتهم ولا دينهم مثل وصف ببخل أو جُبن أو قلة علم، أو عدم زهد ونحوه، فهذا يستحق التأديب والتعزير ولا يُكفر، وأما من لعن وقبَّح مُطلقًا فهذا محل الخلاف، يعني: هل يُكفر أو يفسق؟
قوله: وإن ترك شيئًا من العبادات الخمس تهاونًا لم يُكفر - يعني: إذا عزم على ألا يفعله أبدًا - استتيب وجوبًا، فإن أصر لم يكفر ويقتل حدًا.
وعنه[22]: يكفر بالجميع، نقلها أبو بكر واختارها هو وابن عبدوس.
وعنه[23]: يختص الكفر بالصلاة، وهو الصحيح من المذهب[24].
قوله: وإذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات؟ على روايتين:
إحداهما: لا يلزمه، وهو المذهب[25].
والثانية[26]: يلزمه، صححه في "التصحيح"، وجزم به في "الوجيز"، فعلى هذه: لو جُن بعد ردته لزمه قضاء العبادة زمن جنونه على الصحيح من المذهب، فيعايا بها، ومفهومه: يلزمه ضمان ما ترك من العبادات قبل ردَّته، وهو المذهب[27].
وعنه[28]: لا يلزمه، اختاره في "الفائق"[29].
وقال في "الإفصاح": "باب المرتد والزنديق، واختلفوا فيما إذا انتقل الذمي من دين إلى دين آخر من أديان الكفر:
فقال أبو حنيفة[30] ومالك[31]: لا يُتعرض له ويُقر بكل حال.
وقال أحمد في إحدى روايتيه[32]: لا يُقبل منه سوى الإسلام، سواء كان مثل دينه كاليهودي يتنصر، أو أعلى منه كالمجوسي يتهود.
وعه رواية أخرى: أنه إن انتقل إلى مثل دينه أقر، وإن انتقل إلى أنقص من دينه كاليهودي يتمجس لم يُقر[33]، وعن الشافعي[34] قولان:
أحدهما: أنه لا يُقبل منه بعد انتقاله إلا الإسلام أو القتل.
واتفقوا على أن المرتد عن الإسلام يجب عليه القتل[35]، ثم اختلفوا هل يتحتم عليه القتل في الحال، أو يقف على استتابته؟ وهل استتابته واجبة أم لا؟ وإذا استتيب ولم يتب "1028ب" هل يؤجل بعد استتابته أم لا؟
فقال أبو حنيفة[36]: لا تجب استتابته، ويقتل في الحال إلا أن يطلب أن يؤجل فيؤجل ثلاثًا، ومن أصحابه من قال: يُؤجل وإن لم يطلب، استحبابًا.
وقال مالك[37]: تجب استتابته، فإن تاب في الحال قُبلت توبته، وإن لم يتب فإنه يُؤجل للاستتابة ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قُتل.
وعن الشافعي[38] في وجوب الاستتابة قولان: أظهرهما: وجوبها، وعنه[39] في التأجيل قولان:
أحدهما: يُؤجل، والثاني: لا يُؤجل وإن طلب، ويُقتل في الحال، وهو الأظهر منهما.
وقال أحمد في إحدى روايتيه[40] كمذهب مالك والأخرى[41]: لا تجب استتابته ويقتل، وأما التأجيل فلا يختلف مذهب في وجوبه ثلاثًا.
واختلفوا في قتل المرتدة:
فقال مالك[42] والشافعي[43] وأحمد[44]: تُقتل كالمرتد.
وقال أبو حنيفة[45]: تُحبس ولا تُقتل.
واتفقوا على أن الزنديق الذي يُسر الكفر و يُظهر الإسلام يقتل[46]، ثم اختلفوا فيما إذا تاب، هل تُقبل توبته كالمرتد أم لا؟
فقال أبو حنيفة[47] في أظهر الروايتين عنه، وكذلك قال مالك[48] وأحمد[49] في أظهر الروايتين عنه: لا تُقبل توبته.
وقال الشافعي[50] وأبو حنيفة[51] وأحمد[52] في الروايتين الأخريين عنهما: تُقبل توبته.
واختلفوا هل تصح ردة الصبي إذا كان مميزًا؟
فقال أبو حنيفة[53] ومالك[54] في الظاهر من مذهبه وأحمد[55]: تصح.
وقال الشافعي[56]: لا تصح، وعن أحمد[57] مثله.
واختلفوا فيما إذا ارتد أهل بلد وجرى فيه حكمهم، هل تصير البلدة التي هم فيها "1029أ" دار حرب؟
فقال أبو حنيفة[58]: لا تصير دار الإسلام دار حرب حتى تجتمع بها ثلاث شرائط: ظهور أحكام الكفر، وألا يبقى فيها مسلم ولا ذمي بالأمان الأصلي، وأن تكون متاخمة لدار الحرب.
والظاهر من مذهب مالك[59]: أن بظهور أحكام الكفر في بلدة تصير دار حرب، وهو مذهب الشافعي[60] وأحمد[61].
واتفقوا على أنه تغنم أموالهم، فأما ذراريهم[62]، فقال أبو حنيفة[63] ومالك[64]: إن ذراريهم الذين حدثوا بعد الردة لا يُسترقون، بل يُجبرون على الإسلام إذا بلغوا، فأما ذراري ذراريهم فيُسترقون.
وقال أحمد[65]: تُسترق ذراريهم وذراري ذراريهم.
وعن الشافعي[66] في استرقاقهم قولان.
فإن لم يُسلموا، فقال مالك[67]: يقتلون، وقال أبو حنيفة[68]: يُحبسون ويتعاهدون بالضرب جذبًا إلى الإسلام"[69].
وقال ابن رشد: "باب في حكم المرتد، والمرتد إذا ظفر به قبل أن يحارب، فاتفقوا على أنه يُقتل الرجل[70]؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "من بدَّل دينه فاقتلوه"[71].
واختلفوا في قتل المرأة، وهل تُستتاب قبل أن تُقتل؟
فقال الجمهور: تُقتل المرأة[72].
وقال أبو حنيفة[73]: لا تُقتل، وشبهها بالكافرة الأصلية.
والجمهور اعتمدوا العموم الوارد في ذلك.
وشذَّ قوم فقالوا: تُقتل وإن راجعت الإسلام.
وأما الاستتابة: فإن مالكًا[74] شرط في قتله ذلك على ما رواه عن عمر[75].
وقال قومٌ: لا تُقبل توبته.
وأما إذا حارب المرتد ثم ظهر عليه فإنه يُقتل بالحِرابة ولا يُستتاب، كانت حرابته بدار الإسلام، أو بعد أن لحق بدار الحرب إلا أن يُسلم، وأما إذا أسلم المرتد المحارب بعد أن أُخذ أو قبل أن يُؤخذ، فإنه يختلف في حكمه "1029ب".
فإن كانت حرابته في دار الحرب فهو عند مالك[76] كالحربي يسلم، لا تباعة عليه في شيء مما فعل في حال ارتداده، وأما إن كانت حرابته في دار الإسلام: فإنه يسقط إسلامه عنه حكم الحِرابة خاصة، وحكمه فيما جنى حكم المرتد إذا جنى في ردته في دار الإسلام ثم أسلم، وقد اختلف أصحاب مالك[77] فيه: فقال: حكمه حكم المرتد، من اعتبر يوم الجناية، وقال: حكمه حكم المسلم، من اعتبر يوم الحكم.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|