الموضوع: أحكام التلبية 5
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-02-2020, 02:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,835
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام التلبية 5

أحكام التلبية 5
د.عبود بن علي بن درع




المطلب الثاني : التلبية في الأمصار:
قال ابن تيمية رحمه الله: " يكره إظهار التلبية [في الأمصار والحلل ؛ قال أحمد ـ في رواية المروذي[20] ـ: " التلبية] [21]إذا برز عن البيوت " ، وقال ـ في رواية أبي داود[22]ـ " ولا يجب أن يلبي في مثل بغداد حتى يبرز" ، وقال ـ في رواية حمدان[23]بن علي ـ : " إذا أحرم في مصره ، لا يعجبني أن يلبي" ، وفي لفظ : " يلبي الرجل إذا رأى الجدران قول ابن عباس: ولا يعجبني من المصر" .
وحمل أصحابنا قوله : على إظهار التلبية وإعلانها ، وعبارة[24] كثير منهم : لا يستحب إظهارها ، وربما قالوا[25] : لايشرع ذلك ، كما قالوا: لا يستحب تكرارها في حال واحدة ، وذلك يقتضي التسوية بين المسألتين ؛ إما في الكراهة ، أو في أن الأولى تركه ، وذلك لما احتج به أحمد[26]، ورواه بإسناده ، عن عطاء ، عن ابن عباس : أنه " سمع رجلاً يلبي بالمدينة ، فقال: إن هذا لمجنون ، ليست التلبية في البيوت ، وإنما التلبية إذا برزت ". وعلله القاضي[27] : بأن التلبية مستحبة، وإخفاء التطوع أولى من إظهاره [28]لمن لا يشركه فيه ، ولهذا لم يكره ذلك في الصحراء ، وفي أمصار الحرم؛ لوجود الشركاء ، وهذا ليس بشيء ، ويحتمل أن يكون ذلك ؛ لأن المقيم في مصر ليس بمسافر ولا متوجه إلى الله تعالى ؛ والتلبية إجابة الداعي ، وإنما يجيبه إذا شرع في السفر ؛ فإذا فارق البيوت ، شرع في السفر ؛ فيجيبه ، وكلام ابن عباس وأحمد يحتمل هذا ، فعلى هذا لو مر بمصر آخر في طريقه ، لبى منه.
وعلى هذا ، فلا يستحب إخفاؤها ولا إظهارها ، وهو ظاهر كلام أحمد وابن عباس.
فأما المساجد : فقال القاضي وأبو الخطاب [29] : " لا يستحب إظهارها في الأمصار، ومساجد الأمصار" ، ومساجد الأمصار: هي المبينة في المصر؛ وذلك لأن حكمها حكم المصر، وأولى؛ من حيث كره رفع الصوت فيها ، لا من إظهارها في مساجد الحل وأمصاره ؛ فعلى هذا : المساجد المبينة في البرية ؛ مثل : مسجد ذي الحليفة .. ونحوه ، لا يظهر فيه ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- " نهى[30] عن رفع الصوت في المسجد " ، وإنما خص من ذلك الإمام خاصة والمأموم إذا احتيج إلى تبليغ تكبير الإمام .
فيبقى رفع الصوت بالتلبية على عمومه ، وهذا قوي على قول من لا يرى.
وحديث ابن عباس في إهلال النبي -صلى الله عليه وسلم- بمسجد ذي الحليفة عقيب الركعتين ، وقول أحمد وغيره بذلك يخالف هذا القول .
قال أصحابنا[31]: " ويستحب إظهارها في المسجد الحرام وغيره من مساجد الحرم ؛ مثل: مسجد منى ، وفي مسجد عرفات ، وإظهارها في مكة ؛ لأنها مواضع المناسك"[32]
المطلب الثالث : رفع الصوت بالتلبية للمرأة بحضرة الأجانب :
تقدم الكلام على حكم رفع الصوت بالتلبية إلا أن هذا الرفع استثنى العلماء منه المرأة فقالوا لا ترفع المرأة صوتها بالتلبية إلا بمقدار ما تسمع به رفيقاتها ، قال الشافعي:
وبما أمر به جبريل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأمر الرجال المحرمين ن وفيه دلالة على أصحابه هم الرجال دون النساء ، فأمرهم أن يرفعوا جهدهم ما لم يبلغ ذلك أن يقطع أصواتهم فكان يكره قطع أصواتهم ، وإذا كان الحديث يدل على أن المأمورين برفع الأصوات بالتلبية الرجال ، فكان النساء مأمورات بالستر، فإن لا يسمع صوت المرأة أحد أولى بها ، وأستر لها ، فلا ترفع المرأة صوتها بالتلبية وتسمع نفسها"[33].
وقال ابن عبد البر:
وكذلك أوجب أهل الظاهر رفع الصوت بالتلبية ، ولم يوجبه غيرهم ، وقال مالك: يرفع المحرم صوته بالتلبية قدر ما يسمع نفسه ، وكذلك المرأة ترفع صوتها قدر ما تسمع نفسها [34].
ولا ترفع المرأة صوتها بالتلبية إلا بمقدار ما تسمع رفيقتها ، قال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها ، وإنما عليها أن تسمع نفسها ، وبهذا قال عطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ، وروي عن سليمان بن يسار قال: السنة عندهم أن المرأة لا ترفع صوتها بالإهلال ، وإنما كره لها رفع الصوت مخافة الفتنة بها ، ولهذا لا يسن لها أذان ولا إقامة ، والمسنون لها في التنبيه في الصلاة التصفيق دون التسبيح [35].
وقال النووي :
" فيه استحباب رفع الصوت بالتلبية ، وهو متفق عليه بشرط أن يكون رفعاً مقتصداً ؛ بحيث لا يؤذي نفسه ، والمرأة لا ترفع بل تسمع نفسها ؛ لأن صوتها محل فتنة ، ورفع الرجل مندوب عند العلماء كافة ، وقال أهل الظاهر ، هو واجب ، ويرفع الرجل صوته بها في غير المساجد ، وفي مسجد مكة ومنى وعرفات ، وأما سائر المساجد ففي رفعه فيها خلاف للعلماء ، وهما قولان للشافعي ، ومالك أصحهما : استحباب الرفع كالمساجد الثلاثة ، والثاني : لا يرفع لئلا يهوش على الناس بخلاف المساجد الثلاثة لأنها محل المناسك[36].
المطلب الرابع : التلبية الجماعية :
ومن ظواهر الانحراف المتعلقة بالتلبية " أن بعض الحجاج يلبون بصوت جماعي ، فيتقدم واحد منهم أو يكون في الوسط أو الخلف ويلبي ثم يتبعونه بصوت واحد ، وهذا لم يرد عن الصحابة رضي الله عنهم ؛ بل قال أنس بن مالك : كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ـ يعني في حجة الوداع ـ فمنا المكبر ، ومنا المهلل ، ومنا الملبي . وهذا هو المشروع للمسلمين ، أن يلبي كل واحد بنفسه ، وألا يكون له تعلق بغيره[37].
ويتضح ذلك فيما يلي :
أولا : مخالفة هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ ، فإنهم لم ينقل عنهم شيء من ذلك ، ولاشك أن ما خالف هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهدي أصحابه الكرام ـ رضي الله عنهم ـ فهو بدعة ضلالة . ولو كان خيراً لفعله -صلى الله عليه وسلم- ، ولتبعه في ذلك الصحابة الكرام ، ولنقل ذلك عنهم ولاشك. فلما لم ينقل ذلك عنهم دل على أنهم لم يفعلوه . وما لم يكن ديناً في زمانهم فليس بدين اليوم
ثانياً : الخروج عن السمت والوقار ، فإن التلبية الجماعية قد تتسبب في التمايل ، ثم الرقص ، ونحو ذلك ، وهذا لا يجوز بحال ، بل هو منافٍ للوقار الواجب عند ذكر الله تعالى ، وحال أهل الطرق الصوفية معروف في هذا الباب .
ثالثاً : التشويش على المصلين ، والتالين للقرآن ، وذلك إذا كانت التلبية الجماعية في المساجد ، ولاشك أن المجيزين له يعدون المساجد أعظم الأماكن التي يتم الالتقاء فيها للذكر الجماعي .
رابعاً: أن في التلبية الجماعية تشبهاً بالنصارى الذين يجتمعون في كنائسهم لأداء التراتيل والأناشيد الدينية جماعة وبصوت واحد . وهذا التشبه بأهل الكتاب مع ورود النهي الشديد عن موافقتهم في دينهم دليل واضح على عدم جوازه .
خامساً : أن فتح باب الذكر الجماعي قد يؤدي إلى أن تتبع كل طائفة شيخاً معيناً يجارونه فيما يذكر، وفيما يقول ، ولو أدى ذلك إلى ظهور أذكار مبتدعة ، ويزداد التباعد بين أرباب هذه الطرق يوماً بعد يوم ؛ لأن السنة تجمع ، والبدعة تفرق.
سادساً :أن اعتياد التلبية الجماعية قد يؤدي ببعض الجهال والعامة إلى الانقطاع عن التلبية إذا لم يجد من يشاركه ، وذلك لاعتياده التلبية الجماعية دون غيرها[38] .
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
بعض الحجاج يُلبون بصوت جماعي ، فيتقدم واحد منهم أو يكون في الوسط أو في الخلف ويلبي ثم يتبعونه بصوت واحد ، وهذا لم يرد عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ، بل قال أنس بن مالك : كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني في حجة الوداع ـ فمنا المكبر ، ومنا المهلل ، ومنا الملبي ، وهذا هو المشروع للمسلمين ؛ أن يلبي كل واحد بنفسه ، وألا يكون له تعلق بغيره[39] .
المطلب الخامس : التمايل[40] . عند التلبية :
اتفق الفقهاء [41] . على أن التمايل وما يشبهه كالرقص والدوران عند ذكر الله عز وجل والتلبية بدعة لا أصل لها في الدين ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ " أما السماعات المشتملة على الغناء والصفارات والدفوف والمصلصلات [42] . : فقد اتفق أئمة الدين أنها ليست من جنس القرب والطاعات بل ولو لم يكن على ذلك كالغناء والتصفيق باليد ، والضرب بالقضيب والرقص ونحو ذلك فهذا وإن كان فيه ما هو مباح ، وفيه ما هو مكروه ، وفيه ما هو محظور ، أو مباح للنساء دون الرجال ، فلا نزاع بين أئمة الدين أنه ليس من جنس القرب والطاعات والعبادات ، ولم يكن أحد من الصحابة والتابعين وأئمة الدين وغيرهم من مشايخ الدين يحضرون مثل هذا السماع[43] .
وقال الشاطبي ـ رحمه الله ـ : " ويا ليتهم وقفوا عند هذا الحد المذموم ولكنهم زادوا على ذلك الرقص والزفن[44] . والدوران والضرب على الصدور وبعضهم يضرب على رأسه وما أشبه ذلك من العمل المضحك للحمقى لكونه من أعمال الصبيان والمجانين والمبكي للعقلاء رحمة لهم ، ولم يُتخذ مثل هذا طريقاً إلى الله وتشبيهاً بالصالحين[45] .
والدليل على أن هذا العمل بدعة لا يجوز ما يلي :
1ـ لأن التمايل في أصله فعل اليهود ، كما ذكر الزمخشري عند تفسيره لقول الله تعالى : { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [46] . فقال: " ولما نشر موسى الألواح وفيها كتاب الله لم يبق جبل ولا شجر ولا حجر إلا اهتز ، فلذلك لا ترى يهودياً تقرأ عليه التوراة إلا اهتز وانفض لها رأسه "[47] .
ثم سرت هذه العادة إلى بعض المسلمين ففي تفسير " البحر المحيط " لما ذكر المؤلف كلام الزمخشري السابق قال : " وقد سرت هذه النزعة إلى أولاد المسلمين ، فيما رأيت بديار مصر ، تراهم في المكتب إذا قرؤوا القرآن يهتزون ويحركون رؤوسهم ، وأما في بلادنا ، بالأندلس والمغرب ، فلو تحرك صغير عند قراءة القرآن أدبه مؤدب المكتب وقال له : لا تتحرك فتشبه اليهود في الدراسة "[48] .
فهذا تشبه باليهود وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- " من تشبه بقوم فهو منهم " [49] .
2ـ لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الفعل ولا عن صحابته [50] .
فينبغي للملبين والملبيات ترك هذه البدع المحدثة ، والنهي عمن يفعلها ، ولا يغتروا بما يتمسك به الذين يحرفون الذكر من بعض الطوائف المنحرفة من أدلة لمشروعية الرقص حال الذكر بدليل فعل الحبشة في المسجد بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم ينكر عليه[51] . ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : " لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم"[52].وفي لفظ: " رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- والحبشة يلعبون بحرابهم"[53] .
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.65 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.59%)]