عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-02-2020, 09:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,047
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي

الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي



علي محمد سلمان العبيدي

وقد ورد في ذلك حديث خاصٌّ بهذا المعنى، فقال الإمام الحافظ أبو جعفر الطبري: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي حدثنا أسباط بن محمد عن عبدالملك بن أبي سليمان العرزمي عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كتاب الله، هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض))؛ رواه الترمذي وأحمد.

وروى ابن مردويه من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري، عن أبي الأحوص، عن عبدالله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن هو حبل الله المتين، وهو النور المُبِين، وهو الشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه))؛ وروي من حديث حذيفة وزيد بن أرقم نحو ذلك.

وقال وكيع: حدثنا الأعمش عن أبي وائل قال: قال عبدالله: "إن هذا الصراط محتضَر، تحضره الشياطين، يا عبدالله، بهذا الطريق هلم إلى الطريق، فاعتصموا بحبل الله؛ فإن حبل الله القرآن".

وقوله: ï´؟ وَلَا تَفَرَّقُوا ï´¾؛ أمرهم بالجماعة ونهاهم عن الفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرُّق، والأمر بالاجتماع والائتلاف؛ كما في صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويسخط لكم ثلاثًا، يرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا، وأن تناصحوا مَن ولاَّه الله أمركم، ويسخط لكم ثلاثًا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)).

وقد ضمنت لهم العصمة - عند اتفاقهم - من الخطأ؛ كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضًا، وخيف عليهم الافتراق والاختلاف، وقد وقع ذلك في هذه الأمة، فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقةً، منها فرقة ناجية إلى الجنة ومسلَّمة من عذاب النار، وهم الذين على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

وقوله: ï´؟ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ï´¾ إلى آخر الآية، وهذا السياق في شأن الأوس والخزرج، فإنه كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية، وعداوة شديدة وضغائن وإحن وذُحُول، طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم، فلما جاء الله بالإسلام فدخل فيه مَن دخل منهم، صاروا إخوانًا متحابِّينَ بجلال الله، متواصلين في ذات الله، متعاونين على البر والتقوى، قال الله تعالى: ï´؟ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ï´¾ [الأنفال: 62، 63]، وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم، فأبعدهم الله منها أن هداهم للإيمان، وقد امتنَّ عليهم بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوم قسم غنائم حنينٍ، فعتب مَن عتب منهم لما فضل عليهم في القسمةِ بما أراه الله، فخطبهم فقال: ((يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلاَّلاً فهداكم الله بي، وكنتم متفرِّقين فألَّفكم الله بي، وعالةً فأغناكم الله بي))، كلما قال شيئًا قالوا: الله ورسوله أمنُّ.

وقال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ï´¾ [الحج: 77، 78].

عن عَرْفَجَة رضي الله عنه: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ستكون هَنَاتٌ وهَنَاتٌ، فمَن أراد أن يُفرِّق أمر هذه الأمة وهي جميعٌ، فاضرِبوه بالسيف كائنًا مَن كان))، وفي رواية: ((فاقتلوه))؛ أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وله في أخرى، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب الناس، فقال: إنها ستكون بعدي هَنَاتٌ وهَنَاتٌ، فمَن رأيتموه فارق الجماعة أو يريد أن يُفرِّق أمةَ محمَّد كائنًا مَن كان فاقتلوه، فإن يدَ الله على الجماعة، والشيطان مع مَن فارق الجماعة يركض)).

والسمع والطاعة لولي الأمر وإن جار، والحج والجهاد معه:
عن العِرْباض بن سارية قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجرَ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظةً بليغة، ذرفت لها الأعين، ووجلت منها القلوب، قلنا - أو قالوا -: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودِّعٍ، فأَوْصنا، قال: ((أُوصِيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبدًا حبشيًّا، فإنه مَن يَعِشْ منكم يرى بعدي اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور؛ فإن كل محدثةٍ بدعة، وإن كل بدعةٍ ضلالة))؛ رواه الإمام أحمد في مسنده.

وحديث جَرِير بن عبدالله قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، فلقَّنَني: (( فيما استطعت، والنصح لكل مسلم))؛ أخرجه البخاري.

وعن تَمِيم الداري رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((الدين النصيحة)) ثلاثًا، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))؛ أخرجه مسلم.

قال المُناوي: ((الدين النصيحة))؛ أي: عِمادُه وقوامه النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين، بُولِغ فيه حتى جعل الدين كلَّه إياها.

قال النووي:
هذا حديثٌ عظيم الشأن، وعليه مدار الإسلام، كما سنذكره من شرحه، وأما ما قاله جماعات من العلماء أنه أحد أرباع الإسلام؛ أي: أحد الأحاديث الأربعة التى تجمع أمور الإسلام، فليس كما قالوه، بل المدار على هذا وحدَه، وهذا الحديث من أفراد مسلم، وليس لتَميم الداري في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم شيءٌ، ولا له في مسلم عنه غير هذا الحديث، وقد تقدَّم في آخر مقدِّمة الكتاب بيانُ الاختلاف في نسبة تميم، وأنه داري أو ديري.

وأما شرح هذا الحديث، فقال الإمام أبو سليمان الخطابى - رحمه الله -: النصيحة كلمة جامعة، معناها حيازة الحظ للمنصوح له، قال: ويقال: هو من وجيز الأسماء، ومختصر الكلام، وليس في كلام العرب كلمةٌ مفردة يستوفَى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة، كما قالوا في الفلاح: ليس في كلامِ العرب كلمةٌ أجمع لخير الدنيا والآخرة منه، قال: وقيل: النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبَه إذا خاطه، فشبهوا فعل الناصح فيما يتحرَّاه من صلاح المنصوح له، بما يسدُّه من خلل الثوب، قال: وقيل: إنها مأخوذة من نصحتُ العسل: إذا صفَّيتَه من الشمع، شبهوا تخليصَ القول من الغش بتخليص العسل من الخلط، قال: ومعنى الحديث: عماد الدين وقوامه النصحية؛ كقوله: ((الحج عرفة))؛ أي: عماده ومعظمه عرفة.

وأما تفسير النصيحة وأنواعها، فقد ذكر الخطابي وغيره من العلماء فيها كلامًا نفيسًا، أنا أضم بعضه إلى بعض مختصرًا، قالوا:
أما النصيحة لله تعالى، فمعناها منصرف إلى الإيمان به، ونفي الشريك عنه، وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها، وتنزيهه سبحانه وتعالى من جميع النقائص، والقيام بطاعته، واجتناب معصيته، والحب فيه والبغض فيه، وموالاة مَن أطاعه، ومعاداة من عصاه، وجهاد مَن كفر به، والاعتراف بنعمتِه وشكره عليها، والإخلاص في جميع الأمور، والدعاء إلى جميع الأوصاف المذكورة، والحث عليها، والتلطف مع جميع الناس، أو مَن أمكن منهم عليها.

قال الخطابي - رحمه الله -:
وحقيقة هذه الإضافة راجعةٌ إلى العبد في نصحِه نفسه، فالله تعالى غنيٌّ عن نصح الناصح، وأما النصيحةُ لكتابه سبحانه وتعالى، فالإيمان بأن كلام الله تعالى وتنزيله لا يُشبِهُه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته، وتحسينها، والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة، والذب عنه لتأويل المحرِّفين وتعرُّض الطاعنين، والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، وتفهُّم علومه وأمثاله، والاعتبار بمواعظه، والتفكُّر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابِهه، والبحث عن عمومه وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه، والدعاء إليه وإلى ما ذكرناه من نصيحته.

وأما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتصديقُه على الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه، ونصرته حيًّا وميتًا، ومعاداة مَن عاداه، وموالاة مَن والاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبث دعوته، ونشر شريعته، ونفي التهمة عنها، واستثارة علومها، والتفقُّه في معانيها، والدعاء إليها، والتلطُّف في تعلُّمها وتعليمها، وإعظامها وإجلالها، والتأدُّب عند قراءتِها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابِهم إليها، والتخلُّق بأخلاقه، والتأدُّب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانبة مَن ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه، ونحو ذلك.

وأما النصيحة لأئمة المسلمين، فمعاونتُهم على الحق، وطاعتهم فيه، وأمرهم به، وتنبيهُهم وتذكيرهم برفقٍ ولطفٍ، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتألُّف قلوب الناس لطاعتهم.

قال الخطابي - رحمه الله -:
ومن النصيحة لهم الصلاةُ خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حَيْف أو سوء عِشْرة، وألا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يُدعَى لهم بالصلاح، وهذا كله على أن المراد بأئمة المسلمين الخلفاء، وغيرهم ممن يقوم بأمور المسلمين من أصحاب الولايات، وهذا هو المشهور، وحكاه أيضًا الخطابي، ثم قال: وقد يتأول ذلك على الأئمة، الذين هم علماء الدين، وأن من نصيحتهم قَبول ما روَوْه، وتقليدهم في الأحكام، وإحسان الظن بهم.

وأما نصيحة عامة المسلمين، وهم مَن عدا ولاة الأمر، فإرشادهم لمصالحهم في آخرتِهم ودنياهم، وكف الأذى عنهم، فيُعلِّمهم ما يجهلونه من دينهم، ويُعِينُهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم، وسد خلاَّتِهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، برفقٍ وإخلاص، والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وتخوُّلهم بالموعظة الحسنة، وترك غشهم وحسدهم، وأن يحب لهم ما يجب لنفسه من الخير، ويكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه، والذب عن أموالهم وأعراضهم، وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل، وحثهم على التخلُّق بجميع ما ذكرناه من أنواع النصيحة، وتنشيط هممهم إلى الطاعات، وقد كان في السلف رضى الله عنهم مَن تبلغُ به النصيحة إلى الإضرار بدنياه، والله أعلم، هذا آخر ما تلخَّص في تفسير النصيحة.

قال ابن بطال - رحمه الله - في هذا الحديث:
أن النصيحة تُسمَّى دينًا وإسلامًا، وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول، قال: والنصيحة فرضٌ يجزئ فيه مَن قام به ويسقط عن الباقين، قال: والنصيحة لازمةٌ على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يُقبَل نصحه ويُطاع أمره، وأمِن على نفسه المكروه، فإن خشي على نفسه أذًى، فهو في سَعَة، والله أعلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.79 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]