عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-02-2020, 04:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,935
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كيف نقرأ سيرة معاوية رضي الله عنه

ثانياً: كتابته للوحي:
عن ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَلَا يُقَاعِدُونَهُ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا نَبِيَّ اللهِ ثَلَاثٌ أَعْطِنِيهِنَّ، قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: عِنْدِي أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ أُزَوِّجُكَهَا، قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: وَمُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ كَاتِباً بَيْنَ يَدَيْكَ، قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: وَتُؤَمِّرُنِي حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: «نَعَمْ»(28) والشاهد: "وَمُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ كَاتِباً بَيْنَ يَدَيْكَ، قَالَ: «نَعَمْ». قال ابن تيمية رحمه الله: "فإن معاوية ثبت بالتواتر أنه أمره النبي صلى الله عليه وسلم كما أمر غيره، وجاهد معه، وكان أميناً عنده يكتب له الوحي، وما اتهمه النبي صلى الله عليه وسلم في كتابة الوحي"(29).
ثالثاً: روايته للحديث:
معاوية رضي الله عنه من الذين نالوا شرف الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم, ومرد ذلك إلى ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة لكونه صهره وكاتبه(30)، وقد روى معاوية رضي الله عنه: "مائة وثلاثة وستين حديثاً" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حكى ذلك ابن حزم رحمه الله، وذكر الذهبي رحمه الله عدد ما ما رواه البخاري ومسلم له فقال: "اتفق له البخاري ومسلم على أربعة أحاديث, وانفرد البخاري بأربعة, ومسلم بخمسة". سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 162).
رابعاً: منزلة معاوية عند الصحابة رضي الله عنهم:
1- الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يولي معاوية: قال ابن تيمية: "وولاه عمر بن الخطاب الذي كان من أخبر الناس بالرجال، وقد ضرب الله الحق على لسانه وقلبه، ولم يتهمه في ولايته، وقد ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه أبا سفيان إلى أن مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو على ولايته، فمعاوية خير من أبيه، وأحسن إسلاماً من أبيه باتفاق المسلمين، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ولى أباه فلأن تجوز ولايته بطريق الأولى والأحرى"(31)، وقال ابن العربي: "أن عمر جمع له الشامات كلها، وأفرده بها لما رأى من حسن سيرته.."(32).
2- ابن عباس رضي الله عنه وشهادته له بالفقه في الدين: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: أَوْتَرَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ العِشَاءِ بِرَكْعَةٍ، وَعِنْدَهُ مَوْلًى لِابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ "أي أخبره مولاه بما شاهده" فَقَالَ: «دَعْهُ فَإِنَّهُ قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»(33)، وفي رواية أخرى للبخاري: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: "هَلْ لَكَ فِي أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ مَا أَوْتَرَ إِلَّا بِوَاحِدَةٍ؟ قَالَ: «أَصَابَ، إِنَّهُ فَقِيهٌ».
خامساً: كلام علماء السلف على منزلة معاوية(34):
1- سئل الإمام عبد الله ابن المبارك عن معاوية رضي الله عنه(35) فقال: ما أقول في رجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده، فقال خلفه: ربنا ولك الحمد، فقيل له: أيهما أفضل هو أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: لتراب في منخري معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز، وقال ابن المبارك: "قال معاوية: عندنا محنة، فمن رأيناه ينظر إليه شزراً اتهمناه على القوم - يعني الصحابة -".
2- وجاء بإسناد صحيح أنه قيل للإمام أحمد: "مَا تَقُولُ رَحِمَكَ اللَّهُ فِيمَنْ قَالَ: لَا أَقُولُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ كَاتَبُ الْوَحْيِ، وَلَا أَقُولُ إِنَّهُ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ أَخَذَهَا بِالسَّيْفِ غَصْباً؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا قَوْلُ سَوْءٍ رَدِيءٌ، يُجَانَبُونَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، وَلَا يُجَالَسُونَ، وَنُبَيِّنُ أَمْرَهُمْ لِلنَّاسِ"(36)، ونقل ابن كثير عن الإمام أحمد رحمه الله موقفين آخرين(37):
قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يَا أَبَا الْحَسَنِ إِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً يَذْكُرُ أَحَداً مِنَ الصَّحَابَةِ بِسُوءٍ فَاتَّهِمْهُ عَلَى الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ الْفَضْلُ بن زياد: سمعت أبا عبد الله يسأل عَنْ رَجُلٍ تَنَقَّصَ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أيقال له رافضي؟ فقال: إنه لم يجترئ عَلَيْهِمَا إِلَّا وَلَهُ خَبِيئَةُ سُوءٍ، مَا انْتَقَصَ أحد أحداً من الصحابة إِلَّا وَلَهُ دَاخِلَةُ سُوءٍ.
3- وَقَالَ أَبُو تَوْبَةَ الرَّبيع بْنُ نَافِعٍ الْحَلَبِيُّ: "معاوية ستر لأصحاب محمد صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا كَشَفَ الرَّجُلُ السِّتْرَ اجْتَرَأَ عَلَى مَا وَرَاءَهُ"(38).
4- قال العلامة ابن العربي المالكي في كتابه الرائع (العواصم من القواصم): "معاوية اجتمعت فيه خصال:.. قيامه بحماية البيضة، وسد الثغور، وإصلاح الجند، والظهور على العدو، وسياسة الخلق"(39)
الخاتمة:
في ضوء ما تقرر من النصوص الشرعية، وما ردفها من الفهوم السلفية؛ نخلص إلى نتيجة وهي:
أن توقير الصحابة مقصد شرعي حفظته النصوص من جانبين:
الأول: من جانب الوجود بتقرير فضائلهم على وجه العموم والخصوص.
الثاني: من جانب العدم, وذلك بتقرير حرمة سبهم وتنقصهم، وفيه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَبَيْنَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ، فَسَبَّهُ خَالِدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا أَحَداً مِنْ أَصْحَابِي، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ»(40).
وهذا الحديث وإن كان سببه خاص إلا أن القاعدة الأصولية المقررة عند عامة العلماء(41) تقول: "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"، قال الرازي رحمه الله: "فالحق أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"(42)، وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص الأسباب, فالنصوص العامة الواردة على أسباب خاصة تكون أحكمها عامة، وهذا هو الحق فان قيل: ما الدليل على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟ فالجواب: أن ذلك دل عليه الوحي واللغة أما الوحي فان هذه المسألة سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفتى بذلك, وذلك أن الأنصاري الذي قبَّل الأجنبية، ونزلت فيه: (إن الحسنات يذهبن السيئات) الآية، قال للنبي: أليْ هذا وحدي يا رسول الله, ومعنى ذلك: هل حكم هذه الآية يختص بي لأني سبب نزولها؟ فأفتاه النبي صلى الله عليه وسلم بأن العبرة بعموم لفظ: (إن الحسنات يذهبن السيئات)، لا بخصوص السبب حيث قال له: ((بل لأمتي كلهم))، وهو نص نبوي في محل النزاع.
ومن الأحاديث الدالة على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما أيقظ علياً وأمره وفاطمة بالصلاة من الليل, وقال له علي رضي الله عنه: إن أرواحنا بيد الله إن شاء بعثنا، ولي صلى الله عليه وسلم يضرب فخذه ويقول: وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً, فجعل علياً داخلاً فيها مع أن سبب نزولها الكفار الذين يجالدون في القرآن، وخطابه صلى الله عليه وسلم لواحد كخطابه للجميع كما تقدم ما لم يقم دليل على الخصوص.
وأما اللغة فإن الرجل لو قالت له زوجته: طلقني فطلق جميع نسائه لا يختص الطلاق بالطالبة التي هي السبب.
وجمهور أهل الأصول على أن صورة السبب قطعية الدخول في العام، فلا يجوز إخراجها منه بمخصص وهو التحقيق"(43) قال ابن تيمية رحمه الله محرراً لمصطلح الصحبة: "ولما كان لفظ الصحبة فيه عموم وخصوص: كان من اختص من الصحابة بما يتميز به عن غيره يوصف بتلك الصحبة دون من لم يشركه"(44)، ثم قال رحمه الله: "والمقصود أن أولئك الذين صحبوه قبل الفتح اختصوا من الصحبة بما استحقوا به التفضيل على من بعدهم، حتى «قال لخالد: لا تسبوا أصحابي» فإنهم صحبوه قبل أن يصحبه خالد وأمثاله.
ولما كان لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - من مزية الصحبة ما تميز به على جميع الصحابة خصه بذلك في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبي الدرداء أنه «كان بين أبي بكر وعمر كلام، فطلب أبو بكر من عمر أن يستغفر له فامتنع عمر، وجاء أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ما جرى؛ ثم إن عمر ندم فخرج يطلب أبا بكر في بيته، فذكر له أنه كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما جاء عمر أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - يغضب لأبي بكر؛ وقال: أيها الناس إني جئت إليكم فقلت: إني رسول الله إليكم، فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدقت، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟» فما أوذي بعدها، فهنا خصه باسم الصحبة.."(45).
ثم هاهنا وقفتان لذي العقول:
الأولى: فمن أراد أن يخرج معاوية رضي الله عنه من عموم النصوص الواردة في الصحبة وفضلها, والنصوص المحرمة لسب أهلها؛ فعليه أن يخرج عمر وعثمان وعلي وغيرهم من كبار الصحابة من فضل الصحبة بدلالة حديث "فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟" ويقصر مفهوم الصحبة على الصديق, وهذا لا يقول به من يفهم مدلول الصحبة، وما فيها من عموم وخصوص.
الثانية: هل من وقع في عرض معاوية رضي الله عنه سلم من الوقوع في عرض غيره من الصحابة؟ تأمل كلام ابن تيمية رحمه الله فيمن يتهم معاوية بالردة: "ولم يكن من أهل الردة قط، ولا نسبه أحد من أهل العلم إلى الردة، فالذين ينسبون هؤلاء إلى الردة هم الذين ينسبون أبا بكر وعمر وعثمان وعامة أهل بدر وأهل بيعة الرضوان وغيرهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان إلى ما لا يليق بهم"(46).
والله أعلم وأحكم
________________________
(1) صحيح مسلم (4/ 1962).
(2) انظر: عصر الخلافة الراشدة, د.أكرم ضياء العمري ص8.
(3) تاريخ التراث العربي, سزكين, 1/409 نقلاً عن مصادر السيرة النبوية بين المحدثين والمؤرخين, د. ياسر بن أحمد نور ص99.
(4) انظر: المصدر السابق.
(5) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي 2/195.
(6) انظر المصدر السابق.
(7) اقتضاء الصراط المستقيم, لابن تيمية (1/543).
(8) اقتضاء الصراط المستقيم, لابن تيمية (2/157).
(9) المقدمة لابن خلدون ص35, وتحقيق مواقف الصحابة في الفتنة,د. محمد أمحزون (1/45).
(10) انظر: الفكر الإسلامي, محمد أركون ص97-99.
(11) جريدة الرياض، عدد (10440) في 14/9/1417هـ, وانظر: مجلة البيان (195/96).
(12) انظر: تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة, د.محمد أمحزون, 1/27-31.
(13) مجموع الفتاوى, لابن تيمية (4/458).
(14) مجموع الفتاوى (4/459).
(15) سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها, للشيخ الألباني (7/688).
(16) صحيح مسلم (4/2010).
(17) سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/165).
(18) انظر المصدر السابق.
(19) صحيح مسلم (4/2007).
(20) صحيح مسلم (4/2009).
(21) سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/165).
(22) المصدر السابق.
(23) صحيح البخاري (4/18).
(24) انظر: فتح الباري لابن حجر (11/73).
(25) صحيح البخاري (4/42).
(26) فتح الباري لابن حجر (6/102).
(27) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (6/118).
(28) صحيح مسلم (4/1945).
(29) مجموع الفتاوى (4/472).
(30) انظر: مرويات خلافة معاوية في تاريخ الطبري د. خالد الغيث ص33.
(31) مجموع الفتاوى (4/472).
(32) العواصم من القواصم لابن العربي ص202.
(33) صحيح البخاري (5/28).
(34) بعض الباحثين يجعل عنواناً بـ"ثناء العلماء على معاوية" وهذا في نظري لا يليق بمكانة الصحابة رضي الله عنهم, إذ كيف نستدل بكلام من هم دونهم - منزلة وفضلاً - بالثناء عليهم.
(35) انظر: البداية والنهاية, لابن كثير (8/148).
(36) السنة لأبي بكر بن الخلال (2/434).
(37) انظر: البداية والنهاية (8/148).
(38) البداية والنهاية (8/148).
(39) العواصم من القواصم لابن العربي ص202.
(40) صحيح مسلم (4/1967).
(41) انظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية (4/158).
(42) المحصول للرازي (3/125).
(43) مذكرة في أصول الفقه للعلامة محمد الأمين الشنقيطي ص 250-252، ونص رحمه الله على أن: "التحقيق عن مالك أنه يوافق الجمهور في هذه المسألة".
(44) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/447).
(45) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/448).
(46) مجموع الفتاوى (4/472).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.25%)]