عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 31-01-2020, 08:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: البيان فيما يركز عليه القرآن

البيان فيما يركز عليه القرآن (3/3)


أ. محمد خير رمضان يوسف



التقوى

ويردُ الأمرُ بالتقوى في القرآن مرّات، ويعني اجتنابَ ما نهى الله، والتحذيرَ من عقوبته، وخشيتَهُ وطاعتَه، ويعني: اجعلْ بينكَ وبينَ عذابِ الله وقايةً وحجابًا، من الإيمانِ والعملِ الصَّالح، فإنه يعاقبُ كما يعفو، ويعذِّبُ كما يرحم.
الشكر.. والاستغفار

أمران مهمّان جداً يردان في القرآن ويُركَّز عليهما: الشكر، والاستغفار. فبهما يزيد الله من نعمته على الناس، ويُبقيها عليهم، و يغفر لهم. الجنة والنار

يعرفُ قارئ القرآن أنه يردُ كثيراً ذكرُ الجنة والنار، بتعبيرات وأساليب شتى، كلها تجبِّب الجنة وتثني على أهلها، وتحذِّرُ من النار وتصف أصحابها بالهلاك والبوار. وفي القرآن ترغيب في الجنة، وبيان أنه لن يدخلها مشرك، أما المؤمن العاصي فيعذب فيها إلا إذا عفا الله عنه، ولن يبقى فيها إلى الأبد، وفي السنَّة كثير من هذا التذكير، حتى تكادُ حياة المرء تمتلئ به، الذي يكرَّرُ في الكتب، وفي المجالس العلمية والدينية، وفي المساجد، وفي الدراسة، وفي محيطِ الأسرة، والأصدقاء....

ومع كلَِّ هذا ترى أكثر الناسِ غافلين، لا يبالون!! والحقُّ أن المستقبل الحقيقي للإنسانِ هو الآخرة، ففيها الحياة، الدائمة، فإما إلى جنة وسعادة، وإما إلى جهنَّم حيث الشقاء. وكم هو عمر الإنسان القصيرُ في الدنيا بالنسبة إلى حياةٍ خالدةٍ في الآخرة؟

فمهما تكرَّر هذا الوعظُ والتذكيرُ فإنه حق، بالنظرِ لما يكون... حيث مرجع الإنسان الأخير، وسيندم حتى المسلم إن أقلَّ العمل الصالح، فإنَّ فوقه درجات من الجنة لإخوانٍ له لا يقدرُ على الارتقاء إليها، فقد وقف به عمله إلى الدرجةِ التي هو فيها. أما الكافر، فيتمنى في خلوده الطويلِ في النارِ شربة ماء طبيعي فلا يُغاث إلا بصديد أهل النار!

وإن في كلام الله لعظةً وعبرةً لمن أراد أن يتفهَّم ويتدبَّر، أما من لم يردْ ذلك، ولم يأبه بكلامه سبحانه، فالخسارةُ تعودُ عليه، والله لا يزيد في ملكه ولا ينقص منه شيءٌ إن أحسن الإنسان أو أساء، وإنما هي أعمال الإنسان، يحصيها الله له، ويجازيه عليها، إن خيراً أو شراً. جناتٌ ...كيف تجري من تحتها الأنهار؟

ويردُ كثيراً وصف الجنات في الآخرة بأنها تجري من تحتها الأنهار، ويوردها كثيرٌ من المفسِّرينَ هكذا دون زيادة، وقد ذكرَ ابنُ كثير في أكثرَ من موضعٍ أنها تعني "خلالها"، أي بين قصورها وبساتينها. وقال في تفسير الآية (24) من سورة الحج: أي تتخرَّقُ في أكنافها وأرجائها وجوانبها، وتحتَ أشجارها وقصورها، يَصرِفونها حيث شاؤوا وأين شاؤوا. اهـ. وهو يفسِّر الأنهار لا بما يجري فيها من ماء سلسبيلٍ فقط، بل بأنواع العصاير والمشارب، من لبن وعسل وخمر وماء غير آسن، وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

ويذكرُ الزمخشري في جريان الأنهار من تحت الجنات بأنه: كما تُرَى الأشجار النابتة على شواطئ الأنهار الجارية.

قال: وأنزه البساتين وأكرمها منظراً ما كانت أشجاره مظلَّلة، والأنهارُ في خلالها مطَّردة.. وأن الجنان لا تروق للنواظر ولا تبهج الأنفس ولا تجلب الأريحية والنشاط حتى يجري فيها الأنهار، وإلا كانت أشجارها كتماثيل لا أرواح فيها، وصورٍ لا حياة فيها.

أقول: ولو رأى القارئ متنزهاً أرضه رمل ناعم وحصى صغير، يسيل الماء عليها سيلاناً، ويمشي بين الأشجار الخضراء رقراقًا، فلو تنزه فيه لأبهج نفسه، ولما فترت شفتاه من الابتسام، ولما نسي هذا المنظر، فإنه لا يكاد يماثله جمال طبيعي. نسأل الله جنته.

وقال الآلوسي في الآية (9) من سورة يونس: أي [تجري] من تحت منازلهم، أو من بين أيديهم.

وقال في تفسير الآية (14) من سورة الحج، والآية (11) من سورة البروج، دمجًا بين تفسيريهما: إن أريدَ بالجنات الأشجارُ المتكاثفة الساترةُ لما تحتها، فجريانُ الأنهارِ من تحتها ظاهر، وإن أُريدَ بها الأرضُ المشتملةُ على الأشجار، فاعتبارُ التحتيَّةِ بالنظرِ إلى جزئها الظاهر، فإنَّ أشجارَها ساترةٌ لساحتها، واسمُ الجنةِ يُطلقُ على الكلّ. وقال البغوي: أي بين أيديهم، كقوله عز وجل: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} [مريم : 24] أي بين يديها. وقيل تجري من تحتهم، أي بأمرهم.

قلت: يعني بالأخير كما في قولهِ تعالى:{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الزخرف : 51] ويعني: تحت تصرُّفي.

ويمكنُ تقريبُ نموذجِ قصرٍ تجري من تحته الأنهار كما وردَ في قصة سليمان عليه السلام مع بلقيس، فقوله تعالى: {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ} [النمل: 44] أي أن القصر كان من زجاج يجري من تحته الماء. فلما رأته بلقيس كذلك ظنته ماء كثيرًا، فكشفت عن ساقيها لئلا يبتل ثوبها بالماء، فقال لها سليمان عليه السلام وقد لمح استغرابها ودهشتها: إنه قصر مملَّس مستوٍ من زجاج وليس ماء.

قلت: وإذا كان الاستشهاد بالآية التي في سورة مريم لا يستبعد التأويل حسبما ذُكر، فإن وصف النعيم في الجنة لا يُقاس به في الدنيا، فقد صحَّ وصفُها في الحديث الشريف أن بها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولذلك لا يُستبعد أن تكون الأنهار تجري من تحت القصور في الجنة كما هو ظاهرُ اللفظ، بل ولا يُستبعد هذا حتى في الدنيا، كنهر وسط، يتربع عليه قصر ضخم وأعمدته تنزل في قعر النهر وعلى شاطئه، تماماً كما تنشأ الجسور، وبينها ما هو معلَّق لا يحتاج إلى أعمدة في النهر... بل قد أنشئت قصورٌ حتى في قاعِ البحار! الحساب.. والحرية

يردُ في القرآن كثيراً أنَّ الله يحاسبُ الناس يوم القيامة، لكفرِ من كفرَ وتكذيبهم الرسل، وأن لهم عذاباً أليماً في جهنم.

ولا يقولن قائل: أين الحرية للإنسان هنا، ولماذا يعذَّبُ على أمرٍ اختاره؟

وملخَّصُ الجواب أن الله لم يخلق الإنسان عبثاُ، بل خلقه لعبادته، وهذه مشيئتة سُبحانه، وقد أرسل الرسل وأنزل الكتب يخبر عباده بذلك، وأن من آمن وعمل صالحاً فسيكون مصيره الجنة خالداً فيها، ومن أبى واستكبر عن قبول الحق فسيكون مصيره النارُ خالداً فيها، وقد أودع الله في الإنسان العقل، ووضع في ذاته ما يفرِّق به بين الحقِّ والباطل، كما أيّد رسله بالمعجزات، وأبقى بين الناس كتاباً معجزاً يشهد بالصحة واليقين على الدين القويم، فمن لم يستعمل عقله كما ينبغي، بأن لم يسأل، ولم يبالِ، ولم يتعقل، وجادل وخاصم دون حق، فإنه سيذوق جزاء عمله هذا.

إذاً فالإنسان مسؤول مسؤولية كاملة عما يفعل، وكل جوارحه مسؤولة، قلبه، ويده، ورجله، وسمعه، وبصره...

وإن أقرب مثال يضرب للإنسان في ذلك: مؤسسة، ذات إدارة ومهام دقيقة جداً، بحيث لو لم يقم بمهمته واحد من موظفها لترتب على ذلك مضرةٌ تلحق بالمؤسسة، وعليهم مسؤول كبير حازم دقيق، يراقبهم في أداء أعمالهم، وتنتهي إليه جميع ما يفعلونه، أليس له الحق في أن يحاسبهم إن قصَّروا؟

ومثل ذلك مدرسة، أو جامعة، هل الأساتذة أحرارٌ فيما يفعلونه، من إنجاح طلاب ولو كانوا كسالى مجرمين، وعدم اعتبار الدرجات العلمية للمجتهدين والأذكياءِ والموهوبين؟

ورئاسة الدولة، ووزراؤها، وخبراؤها، ومديروها، وجنودها، هل هم أحرار فيما يفعلونه مما يخالف توجيهات الحاكم الأعلى بينهم؟

أقول هذا لأذكِّر بأن الإيمان يترتب عليه الاستسلام لأوامر الله، فإذا كفرَ بها كان كافراً برسالته وأنبيائه، فلا يعتدُّ بهذا الإيمان.

ولله المثل الأعلى فيما ضربته من أمثال. لا ناصر للكافرين يوم الدين

يُذكر في القرآن كثيراً أن الذين يدخلون جهنم لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين.

وهذا تذكيرٌ لهم بأن الأمر في الآخرة لا يكون كما كان في الدنيا، فقد يَدَعُ الله المرءَ ليحتال لنفسه ويهربُ مدة من الذي اعتدى عليه، أو يحتالَ على دائنه فيزوِّر، أو يقتل، أو يختبئَ وهو مطلوب... أما في الآخرة فلا مهربَ له من عذاب الله، ولا أحد من أصحابه وأولاده ينتصر له ويدفع عنه العقوبةَ المقدَّرةَ عليه، ولا ولي له يحميه أو يشفع له ويخلصه مما هو فيه. (تُرجَعون)

ورد كثيراً في كتابِ ربِّنا "تُرجَعونَ" بالبناء للمجهول، كقولهِ تعالَى: {هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يونس : 56] يعني أن الناس يُردُّون إلى الله يوم القيامة، فليسوا هم الذين يَرجعون، بل الله يُرجِعهم، بأن يبعثهم من قبورهم ويجمعهم في أرض المحشر للحساب والجزاء. إخفاء الحق

وفي القرآنِ تركيز على أهل الكتاب الذين أخفوا أو زوَّروا صفة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ووقت خروجه ومكانه وصفه أمته... الخ؛ حتى يبعدوا الناس عن اتِّباع رسالة الإسلام، ظلماً وبغياً، وحسدًا وعنادًا.

وعلى من عرف الحقَّ ولم يتَّبعه، من أهلِ الكتابِ وغيرِهم.

وعلى ما أخفاهُ اليهود من التوراة، أو حرَّفوه أو أوَّلوه على غير مراده. والتوراة أساسُ ما عند اليهود والنصارى معاً، ولو لم يفعلوا ذلك لأسلم الكثيرُ منهم، فعلى هؤلاءِ المزوِّرينَ إثمُ أجيالٍ وأُمم! التعبير بالماضي

التعبير بالماضي لتحقُّق الوقوع، وأكثر أحوال القيامة يعبَّر عنها بذلك في القرآن الكريم، لبيان تأكده، والجزم بصدقِ وعدِ الله بذلك. تذكير مستمر

في معظم سور جزء عمّّ حديثٌ عن اليوم الآخر وأحواله (في 24 سورة من أصل 37 سورة)، وهي كثيراً ما تقرأ في الصلاة وغيرها، وفي ذلك حكمة؛ ليتذكر الإنسان باستمرارٍ ويعتبر.

بعد الانتهاء من تفسير كتاب ربِّ العالمين، كان الأثر الأول والبارز الذي بقي ينبضُ في قلبي، ويطنُّ في أذني، ويحرِّكُ شعوري، هو أنه "نداء وإنذار"، كأن منادياً قوياً ينادي بصوت مرتفع من الأفق، أن احذروا الحساب، احذروا الجزاء، احذروا جهنم، فإن عذابها شديد، لا تستهينوا بما تقدِّمونه من أعمال، فإنَّ الحساب على الذرَّة، التي لا ترونها، فكيف بما ترون، وكيف بما يكون مثلَ الجبال؟

إلهكم واحد.. هذا كتاب الله بينكم ينطق بالحق، يدعوكم إلى الخير، والعمل الحسن، والخلق الكريم، والنظام العادل، انبذوا التقليد، اتركوا التعصب، لا تُعاندوا ولا تُخاصِموا، انظروا في كتاب الله وتفكروا فيه واعتبروا، لتؤمنوا وتهتدوا ...

لا تغرَّنكم الدنيا وزينتها، وشهواتها، وزخارفها، نساؤها، وأسواقها، وأمانيُّها التي لا تنتهي، والتي لا يشبع منها الإنسان... فهل من مجيب.. وهل من معتبر؟

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.17 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.75%)]