عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 30-01-2020, 08:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حقيقة الإيمان المنجي من شقاء الدنيا والآخرة

حقيقة الإيمان

المنجي من شقاء الدنيا والآخرة


تقي الدين

وإنما يرغب الناس في التقليد لعدم تحملهم مشقة التعليم فيظنون أن الإيمان يحصل لهم بغير مشقة ولو أمكن حصوله كذلك لزم أن تكون الشريعة عبثا يستغنى عنها بكون الشخص مولودا بين أبوين مسلمين؛ ولو أن الله لم يكلف عباده تفهم كتابه وتدبر آياته لزم إلغاء قوله تعالى ï´؟ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ ï´¾ [ص: 29] فإنه تعالى لم يقل: ليدَّبره - أي ليفهمه أربعة من المجتهدين فقط؛ بل جعل تدبره مطلوباً من عموم الخلق وقد أفاد سبحانه أن فهم معانيه إنما يكون لأجل العمل به وهو المقصود الأصلي الذي أنزل القرآن لأجله؛ وإذا شرع الناس لأنفسهم دينا جديداً غير دين محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا من عند أنفسهم بلسان الحال أن المقصود من إنزاله مجرد قراءته باللسان فقط؛ فعلاوة على أنه يصدق علينا قوله تعالى ï´؟ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ï´¾ [الشورى: 21] الآية، يكونون حينئذ قد عطلوا شريعة الإسلام ونقضوها عروة عروةً بافترائهم على الله تعالى الكذب.

فإن قال جاهل: قد أجاز لنا الشرع التقليد وهو الأخذ بقول العالم من غير أن نطلع على دليله عملاً بقوله تعالى ï´؟ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ï´¾ [النحل: 43] [الأنبياء: 7]الآية، فالجواب: إن رئيس المفسرين وإمامهم ابن جرير الطبري قد فسر هذه الآية بأنها خاصة بسؤال أهل الكتاب عن كون الأنبياء كانوا ملائكة أم بشراً؟ بدليل أول الآية وهي قوله تعالى ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ï´¾ [النحل: 43] وكذا التي في سورة النمل فإنهما صريحتان في السؤال عن حال المرسلين؛ وقد ذكر غيره من المفسرين والعلماء أن المراد سؤال أهل القرآن والحديث عن أدلة الشريعة. وأجاب عنها كثير من العلماء بأجوبة تفيد القطع الجازم بفساد دلالتها على جواز التقليد وأبطلوا جميع أدلة جواز التقليد فضلا عن وجوبه. وألفوا في ذلك كتبا كثيرة منها كتاب إعلام الموقعين ذكر فيه نحو ثمانين دليلا من الكتاب والسنة على إبطال التقليد. ومنها القول المفيد في الاجتهاد والتقليد. ومنها رسالة الإمام أبو شامة شيخ الإمام النووي المسماة بالمؤمل للرد إلى الأمر الأول ومنها الرد على من أخلد إلى الأرض وأنكر أن الاجتهاد في كل عصر فرض ومنها الروض الباسم. ومنها إرشاد النقاد. ومنها الطريقة المثلى. ومنها ما ذكر السيد رشيد رضا في تفاسيره لكثير من الآيات؛ وما ذكره الشوكاني في تفسير كثير من آيات الله تعالى وبيان صلاحيتها لإبطال التقليد بوجه يقطع العذر لكل منصف يحمله ذلك على الاعتراف بأن التقليد لا يمكن أن يكون من دين الإسلام ولو لم يكن في القرآن إلا قوله تعالى ï´؟ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ï´¾ [التوبة: 31] وقوله تعالى حاكياً عن المشركين وراداً عليهم قولهم ï´؟ إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ï´¾ [الزخرف: 23] فإنه سبحانه قد وبخ المشركين في أمثال هذه الآيات على هذه الاحتجاجات الصادرة منهم وأشار إلى أن مقصود المتمسكين بها إحياء البدع وإماتة السنن والصد عن سبيل الله تعالى. فحكم ببطلان الاحتجاج بها وبين ذلك لأمته صلى الله عليه وسلم محذراً لهم عن الاقتداء بالمشركين مصرحا بأنها حجة داحضة لا تكون عذراً لقائلها في هجران كتابه تعالى وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم ومثل ذلك احتجاج كثير من الجهلة عند ما يسمعون آيات الله وأحاديث رسوله تتلى عليهم وتأمرهم بالانتقال من البدع التي وجدوا عليها آباءهم في عبادة القبور وعمل الموالد والأعياد باسم أهلها والتعلق بالمقبورين إلى النور المبين الذي كان عليه خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم من إخلاص الدين لله وشدة التعلق بالله؛ وجعل القبور لاصقة بالأرض وعدم اتخاذها عيداً ولا وثنا فإنهم يقولون للداعي الذي أفنى عمره في تحصيل العلوم وقاسى بذلك الشدائد والأهوال عكس ما هم عليه من إفناء عمرهم بالجهل والضلال وجمع المال من حرام وحلال مخاطبين له بغاية الجفاء: هل أنت أعلم من العالم الفلاني والشيخ الفلاني؟؟ من طواغيتهم التي ليست في العير ولا في النفير ولا تعرف بعلم ولا تحقيق ولماذا لم يبين العلماء قبلك مثل بيانك هذا؟؟ فإننا ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين. ولا يخفى أن هذه الأقوال من جنس مدافعة المشركين بها عن وثنيتهم وضلالاتهم التي ألفوها ووجدوا عليها آباءهم ولكن الجاهلين لا يفهمون أن هذه المدافعات هي مدافعات المشركين في صدهم عباد الله عن دين الله ولا يعلمون أن الله قد حذرنا من مثل ذلك بما نقله لنا عن الجاهلية من قولهم ï´؟ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ ï´¾ [ص: 7] ثم قالوا - مستدلين بهذه الحجة الباطلة على أن ما أمرهم الله به من إلغاء الوسائط لكونها شركاً ليس بحق ï´؟ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ ï´¾ [ص: 7] فبعد هذه التحذيرات كيف يجوز لمسلم أن يحتج بحجة قد أبطلها القرآن وحكم على أهلها بالضلال والخسران؟ وإنما ذلك من بعض ثمرات الجهل والتقليد والإعراض عن القرآن.

وقد كلف الله العباد بأن يبذلوا جهدهم في تحقيق دينهم. ولذلك نقول: يجب على كل أحد أن يطالع هذه الكتب التي فيها المنع عن التقليد أو يطلب من غيره قراءتها عليه إن كان لا يعرف القراءة ولا ينفعه أن يغالط نفسه أو يقبل قول من يقول زوراً وبهتاناً أو جهلا وعناداً: أن بعض المؤلفين لتلك الكتب مثل الشوكاني وابن القيم من الوهابية. فإن ذلك مع كونه كذباً باتفاق العلماء على أن هؤلاء العلماء كانوا قبل ظهور الوهابية في عالم الوجود غير أن الشوكاني وإن كان في زمانهم فإنه مجتهد مطلق قد حرم التقليد على غيره. فكيف يقلد هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره. وعلى فرض أنهم وهابيون فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها يلتقطها فمن قال لا يلزمني النظر في كتاب؛ ولو كان مملوءاً من آيات الله وأحاديث رسوله لكون مؤلفه على غير مذهبي. فقد استحق عقاب الله تعالى بسبب حرمان نفسه من تفهيم العلماء له معاني كلام الله تعالى وليعلم أن ذلك من وساوس الشيطان التي يخضع بها الجهلاء ليصدهم عن دين الله تعالى فينال مقصوده بإبقاء العباد على الجهل؛ حتى يتمكن من إضلالهم ولا يعتذرون عند الله بجهلهم ولا بتقليدهم. لأنه تعالى يقول ï´؟ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ï´¾ [الأنعام: 116].

ومن المعلوم أن التقليد لا يفيد إلا الظن وقد حكم عليه سبحانه بأنه لا يغني من الحق أي لا يقوم مقامه ولو لم يكن في القرآن مما يدل على إبطال التقليد إلا قوله تعالى ï´؟ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ï´¾ [يونس: 36] لكفى؛ ولو لم يكن فيه من الآيات الدالة على أن خبر الواحد يفيد العلم إلا قوله تعالى ï´؟ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ï´¾ [الإسراء: 36]. لكان في ذلك كفاية فكيف وقد أقام العلماء نحو خمسين دليلاً على إبطال قول من يقول: إن أحاديث الآحاد تفيد الظن ومع ذلك يجب العمل بها فإن هذا القول متناقض في نفسه يرده نحو هذه الآيات التي ذكرناها.

فالواجب على كل أحد إن كان عاجزاً عن الاجتهاد أن يسأل العالم عن دليل المسألة ليكون من دينه على بصيرة ويخرج بذلك عن التقليد فيكون بحالة وسطى متبعاً للدليل لا مقلداً ولا مجتهداً وإلا فعمله غير مقبول وإيمانه غير موثوق وهو على خطر الهلاك لأنه جهل دينه والجهل به واعتقاد ما ينافيه جهلا ليس بعذر لما سنذكره من الأدلة. ولو كان الجهل عذراً لكان حال الجاهل أحسن من العالم؛ لأن الجهل أسلم عاقبة إذ يكون في حق الجاهل كل مفعول جائز. ويلزم على ذلك أن يكون إهمال الشرائع وعدم إرسال الرسل وإبقاء الناس يتخبطون في جهالاتهم خيراً لهم من إرسال الرسل وتشريع الشرائع؛ وحين يكون الجهل عذراً لصاحبه يلزم الحكم بتصويب عبادة كل من عبد غير الله جهلاً، وإعطاء العذر لكل ملحد وكافر ومشرك كان شركه وكفره وإلحاده جهلاً. واعتقاد شيء من ذلك خروج من الدين جملة واحدة ومفارقة لجماعة المسلمين.

ومن الآيات الصريحة في إفادة مؤاخذة الجاهل قوله تعالى ï´؟ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ï´¾ [النحل: 25] فإنه سبحانه أفاد أن هذا الإضلال بغير علم؛ وغير العلم جهل. ومع كونهم جاهلين حَكم عليهم بأنهم سوف يحملون أوزار إضلالهم.

ومن الآيات الصريحة في ذلك قوله تعالى ï´؟ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [الأنعام: 54] فإنه سبحانه قيد عمل السوء بكونه بجهالة؛ ومع صدوره بالجهل فقد أفادت الآية أنه يحتاج إلى توبة وإصلاح.

إذا ثبت هذا فقد لزم شرعاً كل من قرأ كتاباً فيه شرك أو ضلال أو اعتقد شيئاً من ذلك ونسيه أن يتذكر جميع ذلك ويراجع جميع ما كان قرأه من الكتب الضالة لأن عمدة التوبة الندم وترك الذنب ولا يمكنان إلا بما قلناه. قال الغزالي في الإحياء (ج4: ص15) في الركن الثاني مما عنه التوبة ما نصه: اعلم أن التوبة ترك الذنب ولا يمكن ترك الشيء إلا بعد معرفته. وقال ابن كثير في تفسيره (ج: ص 242) وقوله تعالى ï´؟ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ï´¾ أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا. انتهى.

وقال ابن القيم في مدارج السالكين (ج 1 ص 97):
ولما كانت التوبة هي رجوع العبد إلى الله ومفارقته لصراط المغضوب عليهم والضالين؛ وذلك لا يحصل إلا بهداية الله إلى الصراط المستقيم؛ ولا تحصل هدايته إلا بإعانته وتوحيده وانتظمتها سورة الفاتحة أحسن انتظام؛ فمن أعطى الفاتحة حقها علماً وشهوداً وحالا ومعرفة علم أنه لا تصح له قراءتها على العبودية إلا بالتوبة النصوح. فإن الهداية التامة إلى الصراط المستقيم لا تكون مع الجهل بالذنوب ولا مع الإصرار عليها. فإن الأول جهل ينافي معرفة الهدى. والثاني غيٌّ ينافي قصده وإرادته. فلذلك لا تصح التوبة إلا بعد الذنب والاعتراف به؛ وطلب التخلص من سوء عواقبه أولا وآخراً. انتهى.

ولما كانت هذه المسألة يدور عليها قبول أعمال الدين كلها فلا جرم تدفع قبولها النفوس وتنفر منها أشد النفرة؛ فلذلك أقول لكل من يبتغي شراء نفسه من الله: تثبت في الأمر واحذر من المغالطة في هذه المسألة العظيمة التي هي فتح باب السعادة وبالعمل بها تغلق عنك أبواب النيران؛ ولا تنخدع لغيرك في قوله: لا يلزمك البحث والتذكر لجميع ما صدر منك من الذنوب والعقائد الفاسدة. فإن وبال ذلك عائد عليك. وكل شبهة ومغالطة تزعمها أنت أو غيرك دليلا على عدم لزوم ما ذكرناه فلا تغتر بهما حتى تعرضهما علينا بواسطة مجلة (الهدي النبوي) فإن عجزتُ عن الجواب الصحيح بالطريق العلمي. على سبيل الإنصاف فأنت وشأنك واعمل بما ظهر لك من الدليل؛ وإلا فالواجب عليك اتباع ما يدل عليه الدليل الشرعي ولا ينفعك غير ذلك عند الله. وبالله التوفيق.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.68%)]