عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 30-01-2020, 08:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,181
الدولة : Egypt
افتراضي حقيقة الإيمان المنجي من شقاء الدنيا والآخرة

حقيقة الإيمان

المنجي من شقاء الدنيا والآخرة


تقي الدين


الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين. وبعد. فهذه نصائح دينية أردت بها نصح إخواني المسلمين؛ وفاء بعهد الله الذي أخذه على المؤمنين.

فمن النصيحة: إعلامهم بأن حق الله على عباده: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ولما كان أداء هذا الحق لا يمكن الوفاء به إلا بعد معرفة العبادة ما هي؟ وقد شاهدت كثيراً من الرجال والنساء لا يعلمون معنى العبادة ولا غيرها من معاني "الإله" و"الرب" و"الرسول" و"الرسالة" و"الإيمان" وشروطه أردت أن أذكرهم بأن حالتهم هذه في غاية الخطر الذي يؤدي بهم إلى العطب وأبين لهم أن السبب الذي أوقفهم في هذه الحالة هو أنهم رضوا بالحياة الدنيا بدل الآخرة فظنوا أن الفوز بالجنة يحصل لهم بمجرد الانتساب إلى الإسلام. فكانت النجاة حاصلة - بزعمهم - مع ما هم عليه من الجهل بالدين والافتتان بالدنيا فأخذوا بتحصيل شهوات الدنيا وجمع المال لكي ينالوا الدنيا والآخرة جميعا - بزعمهم - وربما ظن بعضهم سكوت العلماء عن إرشادهم؛ دليلا على حسن حالهم وليس الأمر كذلك؛ فإن العلماء المحققين متفقون على أن أساس الإيمان: تصديق القلب وخوفه ورجاؤه وخضوعه ومحبته لله رب العالمين كما أنهم قد أجمعوا على أن من نطق بالشهادتين من غير تصديق بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بالاعتقاد والعمل فهو منافق مخلد في جهنم فإذا كان كثيرا من أولاد المسلمين لا يعلمهم أهلوهم ولا علماؤهم معنى الإيمان ولا شروطه ومفسداته ولا معنى الشهادتين ولا هم يتعلمون ذلك بأنفسهم بل هم في الجهالة غارقون اقتداء بآبائهم ويستمرون على هذه الحالة إلى الممات فكيف يؤملون مع ذلك أن يدخلهم الله في رحمته.

توضيح ذلك: أن الإنسان إذا تعبد ربه بألفاظ لا يفهم معانيها؛ فلا بد أن يكون قلبه خالياً من التصديق بها؛ لأن القلب إنما يتعلق بالمعاني فإذا كانت المعاني معدومة فلا بد أن يكون الإيمان الذي هو لبها وخلاصتها معدوما أيضاً. ويكون حينئذ التلفظ بألفاظ مجهولة المعنى عبثاً ومثله كالببغاء أو الحاكي والفوتغراف وذلك مما أنكره الله على عباده بقوله ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾ [المؤمنون: 115] وقوله ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾ [القيامة: 36] فعلى من نصح نفسه أن يحقق الإيمان في قلبه ولا يتم له ذلك؛ إلا بعد أن يصدقه بالعمل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "الإيمان ما وقر في الصدر وصدقه العمل" فأما زعم الجاهل بأنه يدخل الجنة بغير علم ولا عمل ولا مجاهدة النفس والشيطان فزعم باطل يكذبه القرآن؛ وينادي على صاحبه بالخسران. فإنه تعالى يقول ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 142] والمعنى المستفاد من هذه الآية بيان غلط من يحسب أن يدخل الجنة بغير مجاهدة وصبر على تعلم العلم وتحمل المشاقات التي تحصل له سبيل العمل. والمخالفة لعادات المبتدعين وتقليد الجاهلين؛ ولا يكمل له الإيمان بذلك حتى يمتحن بأنواع الأذيات والمصائب كما قال تعالى ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 1 - 3] وقال تعالى ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 214] ومثل ذلك في القرآن كثير جداً. بيان ذلك: أن الإله معناه الحقيقي في لغة العرب المعبود. ومعنى المعبود في لغتهم: الذي يتعلق القلب بمحبته والتذلل له والاعتماد عليه ونحو ذلك. فيكون حاصل معنى "لا إله إلا الله" معاهدة العبد لربه بأنه لا يحب غير الله تعالى إلا بالتبع له ولا يعظم سواه ولا يتذلل لغيره والمقصود من جميع العبادات امتحان العبد في صدقه ووفائه بهذا العهد. وذلك العهد لا يمكن الوفاء به إلا بواسطة أعمال قلبية وبدنية ومالية. ولا بد مع ذلك من مخالفة النفس فيما تهواه. قال تعالى ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41] فشرط سبحانه لدخول الجنة شرطين (1) أن يخاف العبد مقام ربه (2) أن ينهى النفس عن كل ما تحبه وتهواه؛ مما يخالف الشرع فإذا كان العبد جاهلا بمعنى هذه الآية فكيف يتصور أن يعمل بها؟؟؟.

وإذا لم يعمل بها فمن الممتنع أن يدخل الجنة. فكيف يدخل الجنة إذا عاش ومات ولم يفهم معنى سورة أو آية من القرآن المجيد؟؟ فإنه لا محالة يمتنع في حقه أن يعمل بشيء من كتاب ربه. وهل يمكن أن يدخل أحد الجنة بغير عمل؟ فإن ذلك يرده قوله تعالى ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ [النساء: 123] وقوله ﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [البقرة: 111، 112] وقوله ﴿ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الزخرف: 72] وقد قال تعالى ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6] وهذا خطاب عام لجميع عباده وأعلام لهم بمعاداة الشيطان؛ فليراجع كل إنسان نفسه وليتفكر في عمره: هل امتثل أمر الله له في هذه الآية فعادى شيطانه؟؟ أم هو الآن لم يخطر بباله أن الله قد علق فلاحه وفوزه ونجاته في الدنيا والآخرة على معاداة الشيطان. وعلى تقدير أن يكون قد خطر له ذلك فهل تعلم كيف يعادي الشيطان؟؟ وبأي شيء تكون معاداته؟؟ وهل سأل عن معنى قوله تعالى ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ﴾ [يس: 60] حتى يمكنه التحرز من عبادة الشيطان بعد أن يعرف ما هي عبادته؟؟ ويتخلص بذلك من أسر الشيطان له وتسليطه عليه بسبب طاعة العبد له فيما يأمره به كما أخبرنا الله بقوله تعالى ﴿ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الحج: 4] يعني أنه تعالى قد حكم على من يوافق شيطانه؛ بأنه يضله عن طريق الهدى؛ ويوصله إلى طريق العذاب في نار السعير. وما ذلك إلا بسبب اهتمامهم بالدنيا وإعراضهم عن فهم القرآن وشريعة الإسلام على ما يدل عليه قوله تعالى ﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [الزخرف: 36] وقوله تعالى ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى ﴾ [طه: 124، 125] وقوله ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ﴾ [المجادلة: 19]والمعنى أنساهم فهم كتاب الله والعمل به. فلذلك استولى عليهم الشيطان.

وعليه فيلزم على كل مسلم أن يحقق معنى هذه الآيات ليظهر له أن ما أخبر الله بها من الوعيد الشديد لا يمكن إبطاله بالدعاوى الكاذبة؛ مع تعاطي أسبابه واتباع الهوى. وتحكيم رأيه ورأى غيره وتقديمهما على قول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه صلى الله عليه وسلم يقول "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به". ولما علم سبحانه من عباده أنهم يدعون الكمال ومحبة الرحمن فقد جعل لهم علامة يميزون بها صدق دعواهم حيث قال تعالى ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31] فإنه يستفاد من هذه الآية أن الصادق في محبة الله هو الذي يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم في ما كان عليه من العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات وإذا كان العبد جاهلا بذلك فلا يمكنه أن يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء من ذلك. وإذا لم يتبعه فقد دلت الآية أن دعواه محبة الله كاذبة؛ وأنه لا يستحق مغفرة الله ولا رضوانه ولا رحمته؛ لأنه تعالى قد علق حصول ذلك على اتباع الرسول؛ وقد قال تعالى ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ - أي جهنم - ﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 71، 72] فحكم بهذه الآية حكماً قطعياً بأنه لا نجاة من النار إلا بالتقوى؛ وهي العمل بجميع أمور الدين تعلماً وتعليماً وعلماً وعملا وبهذا يتبين ضلال الجاهلين الذين يحسبون أن النجاة تحصل لهم بتعبدهم بأقوال وأعمال لا يفهمون معانيها ومقاصدها ولا يعرفون ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ومع ذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وأنهم ليسوا بمكلفين بأكثر مما هم عليه وهم وآباؤهم ولا يدرون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن العبد لا يبلغ أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذراً مما به بأس. وقد أخبرنا أيضاً صلى الله عليه وسلم بأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فإذا كان العبد جاهلا بذلك؛ فهو من الفرق التي حكم عليها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها في النار لأنه لا يمكنه أن يعمل أعمالا توافق أعمال النبي صلى الله عليه وسلم وأعمال أصحابه لجهله بها فيحكم عليه الدين الإسلامي بأنه من الهالكين؛ ولا ينفعه مع ذلك تسمية نفسه مسلماً من دون عمل واعتقاد بدليل جازم يفيد اليقين بصحة ما بعث الله به رسوله حتى يمكنه أن يجاوب الملكين في القبر جوابا يكون سبباً لأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة فأما بدون ذلك فلا يثبت له إيمان ولا يتمكن من إجابة سؤال منكر ونكير. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكم على الميت المسؤول في القبر عن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بأنه مرتاب أو منافق بسبب جوابه للملكين بقوله "سمعت الناس يقولون فقلت كما قالوا". يعني سمعت الناس يقولون أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت تقليداً لهم.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.67 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.69%)]