نظرات في سورة الأنعام
سورة الأنعام جذع مشترك ومرجع لفهم أحكام العقيدة
الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي
ولكون مدار الأمر في سورة الأنعام على أركان الإيمان، فقد كانت أكثرُ آياتها عددًا وانتثارًا في ثناياها - متعلقةً بمفردات عقيدة التوحيد، ومعالجتها من كل أطرافها، وتحصين النفوس من كل آفات الشرك والإلحاد وأصنافها؛ فالله تعالى هو الواحد الأحد لا شريك له: ï´؟ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ï´¾ [الأنعام: 19]، ألوهيَّته تهيمن على السموات والأرض: ï´؟ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ï´¾ [الأنعام: 3]، والحمد المطلَق كله لله وحده لا لسواه، على ما ذرأ من السموات والأرض، وما بث فيهنَّ من خلائق: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ï´¾ [الأنعام: 1]، وله عِلمًا وخَلقًا وهيمنة وتدبيرًا وإحياءً وإماتة كلُّ ما سكن أو تحرَّك بالليل والنهار في الكون كله: ï´؟ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ï´¾ [الأنعام: 13]، وليس للمؤمن أن يَيْئَس من رحمته تعالى وقد كتبها على نفسه؛ لأنه رحمن رحيم، وسِعت رحمته كل شيء: ï´؟ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ï´¾ [الأنعام: 12]، بيده مفاتيحُ غيب السموات والأرض وما فيهن، لا يعلمها إلا هو: ï´؟ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ï´¾ [الأنعام: 59].
فالق الحَبِّ والنوى ومدبِّرهما، وخالق الموت والحياة ومصرِّفهما، وخالق النور والظلمة ومقدِّرهما، والشمس والقمر ومسخِّرهما: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ï´¾ [الأنعام: 95، 96]، له وحده أمرُ الحياة بنظمها وحركاتها وسكناتها، وتقرير ما يباح فيها وما لا يباح، يأذَن بما شاء من مُلكه لمن يشاء من عباده، بحكم ملكيته للكون وما حوى، والأرض وما أقلَّت، والسموات وما أظلَّت: ï´؟ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ * وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ * وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ï´¾ [الأنعام: 119 - 121].
تلك بعضُ صفاته تعالى، وقد وردت مع غيرها منثورة في ثنايا السورة؛ تعريفًا به عز وجل، وإيجابًا لعبادته: ï´؟ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ï´¾ [الأنعام: 102، 103]؛ لذلك فهو سبحانه وتعالى الأحقُّ بالولاء، كما أن البراءَ من الشِّرك وأهله من تمام الإيمان والإحسان: ï´؟ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ï´¾ [الأنعام: 14].
كذلك الأمر فيما يتعلق بأركان التوحيد الأخرى؛ ملائكة وكتبًا ورسلاً، وقدرًا بخيره وشره، وموتًا وحياة، وبعثًا ونشورًا، وحشرًا وجزاءً.
فالملائكة هم رسلُ الله إلى الخَلْق، ويوم يأتون لا رادَّ لأمرِه عز وجل: ï´؟ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ï´¾ [الأنعام: 158].
والقرآن الكريم كتابُ الله الأخيرُ إلى البشرية، سبقَتْه كتبُ أهل الكتاب ونسَخَها: ï´؟ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ï´¾ [الأنعام: 114].
ورُسل الله تعالى وأنبياؤه بشَرٌ مثل جميع البشر، لا يعلمون الغيب، ولا يملِكون خزائن الله، ولكنهم متَّبِعون لأمره تعالى، مبلِّغون لوحيه، دعاة إليه: ï´؟ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ï´¾ [الأنعام: 50]، ينالهم من سُفهاء الناس ما ينال جميعَ دعاة الحق؛ تكذيبًا وأذًى وسخريَّة، ولكن العاقبة الحسنى لهم ولأتباعهم دائمًا: ï´؟ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ï´¾ [الأنعام: 10، 11]، ï´؟ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ ï´¾ [الأنعام: 34].
ويوم القيامة تُحشَر الخلائق لمحاسبتهم ومجازاتهم بأعمالهم: ï´؟ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ï´¾ [الأنعام: 128]، ï´؟ وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ï´¾ [الأنعام: 29 - 31]، ï´؟ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ * وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ï´¾ [الأنعام: 93، 94].
وإرادة الله تعالى قضاءً وقدرًا وابتلاءً بالخير أو الشر مطلَقة، لا يعلَمها ويقدِّر حكمتَها إلا هو عز وجل: ï´؟ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ï´¾ [الأنعام: 17، 18]، ï´؟ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ï´¾ [الأنعام: 125].
وكما تَعرِضُ السورةُ لقواعد التوحيد وأركان الإيمان، تتطرق أيضًا لمختلف ضلالات المشركين والكفار؛ اعتقادًا وتصرُّفًا؛ قال ابن عباس: (إذا سرَّك أن تعلَمَ جهل العرب، فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام: ï´؟ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ï´¾ [الأنعام: 140]، تعرض كلَّ ذلك لتُبطلَه، وتبيِّن فساده وخَطَلَه وعاقبته في الآخرة، وتُنذِر المتمسِّكين به وتحذِّرهم من أن يَحُلَّ بهم ما حلَّ بمن سبقهم من القرون الأولى:
ï´؟ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ ï»؟مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ï´¾ [الأنعام: 123، 124]، ï´؟ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ï´¾ [الأنعام: 47]، ï´؟ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ï´¾ [الأنعام: 100]، ï´؟ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ï´¾ [الأنعام: 119]، ï´؟ وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ï´¾ [الأنعام: 138 - 140].
ثم يُجْمِل الحق سبحانه عقيدة التوحيد مرتبطةً بلوازمها القلبية والسلوكية لدى المؤمن السَّويِّ الرَّضيِّ، ومشخصة في تجارِبِ الرسل والأنبياء مع أقوامهم مؤمنين وكفارًا، وينزلها منهجًا أخلاقيًّا لا تقوم الحياة الاجتماعية السويَّةُ إلا به، ضمن عشر وصايا في ثلاثِ آيات هن القاسم المشترك بين جميع رسالات الأنبياء والرسل عليهم السلام، قال فيهن ابنُ عباس رضي الله عنهما: (هذه آياتٌ محكَمات لم ينسَخْهنَّ شيءٌ في جميع الكتب السماوية)، وقال أيضًا: (في الأنعام آياتٌ محكَمات هن أمُّ الكتاب، ثم قرأ: ï´؟ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ï´¾ [الأنعام: 151])، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (مَن أراد أن ينظر إلى وصيةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتَمُ النُّبوة، فليقرأ هذه الآيات: ï´؟ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ï´¾ [الأنعام: 151] إلى قوله تعالى: ï´؟ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ [الأنعام: 153])، وعن عُبادة بن الصَّامت قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيُّكم يبايعني على ثلاثٍ؟))، ثم تلا صلى الله عليه وسلم: ï´؟ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ... ï´¾ [الأنعام: 151 - 153]، حتى فرَغ من الآيات، ثم قال: ((فمن وفَّى فأجرُه على الله، ومن انتقص منهن شيئًا فأدركه اللهُ به في الدنيا، كانت عقوبتَه، ومن أُخِّر إلى الآخرة، فأمره إلى الله؛ إن شاء عذَّبه، وإن شاء عفا عنه))".
في هذه الآيات أُمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يدعوَ جميع الخَلْق - جنًّا وإنسًا - إلى سماع ما حرَّم الله في شريعة الإسلام، وقد صُنِّفت فيها المحرَّمات إلى ثلاث درجات في ثلاث وصايا، حسب مستوى المخاطَبين تعقُّلاً وتذكُّرًا وتقوى، خمسُ محرَّماتٍ منها لا يرتكبها مجردُ العاقل الذي يميِّزُ النافعَ من الضارِّ بداهةً، وأربع محرمات منها لا يرتكبها مَن يتذكَّر ويتفكَّر ويشعُر بالمسؤولية أمام ربِّه، وإزاء نفسه والخَلْق أجمعين، وعاشرة يتجنَّبُها مَن عزَم على ركوب جادة الصواب كاملة، وبذل الجُهد لبلوغ مرتبة التقوى؛ ولذلك خُتِمت الفئة الأولى بقوله تعالى: ï´؟ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ï´¾ [الأنعام: 151]، والفئة الثانية بقوله عز وجل: ï´؟ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ï´¾ [الأنعام: 152]، والعاشرة بقوله تعالى: ï´؟ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ [الأنعام: 153].
فكانت هذه الآيات الكريمة بمضمونها المشتركِ لدى جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام، تجسيدًا عمليًّا لِما ينبغي أن يتحلى به المؤمنُ في حياته الشخصية؛ عقيدة وسلوكًا، وإعدادًا مبكِّرًا لقيام الأمة الواحدة؛ بنَهْيِها عن التفرُّق في الدِّين، وأمرِها باتباع الصراط المستقيم؛ تمهيدًا لمرحلة الهجرة؛ حيث كان تركيز الوحيِ على الأحكام الشرعية العملية، والتفكير في بناء دولة المدينة؛ قال تعالى:
ï´؟ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ [الأنعام: 151 - 153].
ولئن كانت سورة الأنعام قد تميزت عن جميع السور المكية بنزولها جملة واحدة على طولها، واحتفال الملائكة بها؛ إذ شيَّعها منهم عشرات الآلاف، وبشرحها وتفصيلها لجميع مفردات العقيدة وأركان الإيمان التي أجملها حديث جبريل عليه السلام إذ سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: "يا رسول الله، أخبرني عن الإيمان قال: ((الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت، والجنة والنار، وتؤمن بالقدر خيره وشره)) - فليس بغريب أن تُعَدَّ لأهميتها مرجعًا ودعامة لفهم عددٍ من آيات سورٍ نزلت بعدها؛ كما في إشارة قوله تعالى في الآية 140 من سورة النساء: ï´؟ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ï´¾ [النساء: 140]، إلى قوله عز وجل في الآية 68 من سورة الأنعام: ï´؟ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ï´¾ [الأنعام: 68].
وإشارته في الآية 13 من سورة الشورى بقوله: ï´؟ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ï´¾ [الشورى: 13] إلى قوله سبحانه في الآيتين 153 - 154 من سورة الأنعام: ï´؟ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ï´¾ [الأنعام: 153، 154].
ثم يختم الحقُّ تعالى سورة الأنعام بخلاصة عقيدة التوحيد ولبابها؛ ألوهية وربوبية مطلَقتين لله تعالى، شعورًا ووجدانًا، وحجَّة وبرهانًا، إخلاص نيةٍ، وصفاءَ قلب، وصوابَ عبادة، وصدقَ توجُّهٍ لله تعالى على صراطه المستقيم صلاة ونُسُكًا وقرباتٍ، وبِرًّا وإيمانًا، وعملاً صالحًا في الحياة وعند الممات، ضمن ابتهالٍ خاشع مَهِيبٍ لُقِّنَه الرسولُ صلى الله عليه وسلم من ربه؛ كي يكون قدوة ونموذجًا للمؤمن الحق - بقوله تعالى له: ï´؟ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [الأنعام: 161 - 165].
كل ذلك بأسلوبٍ رشيق دقيق شفاف، متقَن المبنى، بديع المعنى، رائق العبارة والإشارة، تشعُّ معانيه إشعاعَ النور في الزَّهْر، وتنعكس في القلوب انعكاس البدرِ على البحر والنهر، تركن إليه الفِطَر السليمة، وتألَفه الطباع السوية والأسماع المرهفة؛ فهو كالعسل حلاوةً، والماء الزلال سلاسة، والشمس في رابعة النهار بهجة وطلاوة، يُحيل أولُه على آخره متانة وتماسكًا، ويُرَدُّ آخِرُه على أوله تكاملاً وتعاضدًا، يبدو ذلك للمتأمل الحصيفِ في مواطن، منها:
تكامُلُ الآيتين في أولها وآخِرها بقوله تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ï´¾ [الأنعام: 1]، وقوله عز وجل: ï´؟ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ï´¾ [الأنعام: 150].
وتماسُكُ الآيتين في أولها وآخرها، بقوله سبحانه: ï´؟ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ï´¾ [الأنعام: 19]، مع قوله تعالى في آخرها: ï´؟ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ ï´¾ [الأنعام: 150].
وتعاضُدُ الآيتين في أولها وآخرها بقوله تعالى: ï´؟ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ï´¾ [الأنعام: 6]، مع قوله عز وجل: ï´؟ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [الأنعام: 165].
كل ذلك يجعل سورةَ الأنعام جِذْعًا مشتركًا، ومرجعًا لفهم كثيرٍ من أحكام العقيدة الواردة فيما نزَل بعدها من القرآن المكيِّ والمدَنيِّ، ويجعل مدارستَها وتثويرها والتعبُّد بتلاوتها ركنًا ركينًا في عملية بناء الشخصية المسلمة، وحمايتِها من الضَّعْف والخَوَرِ، وإقامة المجتمع المسلم المعتز بدينه والمستعلي بإيمانه، وتأسيس الدولة المسلمة القوية المستعصية على الذِّلَّة والخنوع والركوع لغير الله تعالى.
[1] قسم القرآن حسب طول السور وقصرها إلى أربعة أقسام:
السور الطوال: وهي سبع: سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف، أما السورة السابعة فقيل: إنها سورة الأنفال والتوبة معًا؛ لعدم الفصل بينهما بالبسملة، وقيل: سورة يونس.
والمئون: وهي كل سورة تزيد آياتها على مائة.
والمثاني: وهي التي تلي المئين؛ أي: ما كان عدد آياتها أقلَّ من مائة، وفوق المفصل، وسميت بالمثاني؛ لأنها تثنى (أي: تكرر) أكثر مما تثنى الطوال والمئون.
والمفصل: وهي أواخر القرآن، ابتداءً من سورة (ق) أو (الحجرات)، وانتهاءً بسورة الناس.
[2] كذلك سورة المرسلات مكية، نزلت جملة واحدة قبل الأنعام، على أرجح الروايات، ولكنها ليست من السور الطوال، وإنما من المثاني؛ لما في المستدرك عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غارٍ، فنزلت عليه: ï´؟ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا ï´¾ [المرسلات: 1]، فأخذتُها مِن فِيهِ، وإن فَاهُ رَطْبٌ بها، فلا أدري بأيها ختم: ï´؟ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ï´¾ [المرسلات: 50]، أو: ï´؟ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ ï´¾ [المرسلات: 48].
[3] في صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك: أن أهلَ مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريَهم آيةً؛ فأراهم انشقاقَ القمر.
وفي صحيح الترمذي عن أنس بن مالك - وصححه الألباني -: سأل أهلُ مكة النبي صلى الله عليه وسلم آيةً، فانشق القمر بمكة مرتين، فنزلت: ï´؟ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ï´¾ [القمر: 1]، إلى قوله: ï´؟ سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ï´¾ [القمر: 2]، يقول: ذاهب.