عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 27-01-2020, 01:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تذكير الأحباء بفوائد وحكم الابتلاء

تذكير الأحباء بفوائد وحكم الابتلاء




مصطفى مهدي



الحكم البالغة والغايات الربانية من الابتلاء:
النَّاظر في القُرآن الكريم يجد أنَّ الله - تعالى - قد قدَّر الابتِلاء والاختبار للكثير من الحِكَم والغايات، الَّتي إذا ما اطَّلعتْ عليها النّفوس السويَّة، والقلوب المؤمنة، والعقول السليمة أذْعنت بالاستِسْلام لله - تعالى - ورفعتْ راية العبوديَّة والخضوع في عزَّة ورفعة وسموّ، بكوْن المرء عبدًا لله - تعالى - متَّبعًا لشرْعِه من كتاب وسنَّة.

وليُعلم أنَّ الغايات والحِكَم الَّتي يدور عليها الابتِلاء الشَّرعي ترْجِع إلى قاعدة واحدة، وهي: أيوافق المرء مراد الله - تعالى - منه عند الابتِلاء أم لا؟

ومن هذه الحِكَم الإلهيَّة والغايات الرَّبَّانيَّة ما يلي:
1- قال تعالى: ï´؟ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ï´¾ [الكهف: 7]، فالغاية من الخلْق، وتَهيِئة الكون، وكثرة النِّعم: الاختِبارُ لمن يعمل العمَل الصَّالح فيُجازى عليه، ومن يعمل العمل الفاسد فيُؤاخَذ به.


2- قال تعالى: ï´؟ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ï´¾ [العنكبوت: 2 - 3]، فالآية دليلٌ على إظْهار عادة الله - تعالى - في ابتِلاء الأقوام، كما أنَّها دليلٌ في أصْل الابتِلاء والاختِبار ليظهر في المشاهدة المطيع من العاصي.

3- ï´؟ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ï´¾ [محمد: 31]، فالغاية معرفة الصَّادق من الكاذِب، والمؤمن من المنافق والكافر عِلْمَ مشاهدة؛ لتترتَّب عليه المحاسبة والمؤاخذة.

4- قال تعالى: ï´؟ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ï´¾ [البقرة: 214]، فالابتِلاء سبيل لاستنْزال النَّصر وهزيمة الأعداء، وإظهار الخشوع والخضوع والتضرّع في سبيل النَّصر ورفْع راية التَّوحيد، بالإضافة إلى اتّباع السنَن الرَّبَّانيَّة في التَّصفية قبل التَّحلية، والتهيئة قبل التَّمكين.

5- قال الله - تعالى -: ï´؟ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ï´¾ [آل عمران: 140 - 141]، فالله - تعالى - جعل الابتلاء سببًا من أسباب رفْع الدَّرجات كما في شأْن الشُّهداء والمؤمنين، وخفْضها كما في حال الكافِرين.

7- ظهور آثار الأسماء والصّفات الرَّبَّانيَّة من خلال الأقدار الكونيَّة، وهذا يُفيده ما روى مسلم (ح2749) من حديث أبِي هُريْرة مرفوعًا: ((والَّذي نفسي بيده، لو لَم تُذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يُذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم))، فالحديث يفيد أنَّ الله - تعالى - قد يُقدر الذَّنب كونًا مع كراهته له شرعًا؛ ليغفِر لعباده ويمنّ عليْهم بآثار اسمِه الغفور ووصْف المغفرة والستر والعفو.

الواجب على المسلم عند الابتلاء:
1- العمل بمقتضى الإيمان؛ من الاستِسْلام لقضاء الله وقدَره، بصدْر منشرِح مذْعن لأمر الله تعالى، وإن كان يتألَّم بالطَّبع والجبلَّة.

2- الصَّبر في الضَّرَّاء، والشّكْر في السَّرَّاء:
فإذا ما كان الابتِلاء بالضَّرَّاء، فالصَّبر بحبس النَّفس عن الاعتِراض والتسخُّط، وعدم الإتيان بالمخالفات القلبيَّة والقوليَّة والفعليَّة من مظاهر الاعتِراض على قدر الله تعالى، ثمَّ التضرّع واللّجوء إلى الله - تعالى - مصداقًا لمفهوم قولِه - سبحانه -: ï´؟ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ï´¾ [الأنعام: 42 - 43].

فالله - تعالى - أنكر على هؤلاء أنَّهم لمَّا جاءهم الابتِلاء بشيءٍ من الشّدَّة لم يتضرَّعوا ولم يفزعوا إلى الله تعالى، ولم يلتزموا العبوديَّة وإظهار مراسم الطَّاعة والانقِياد والاستِعانة والتوكُّل، فعلِمْنا أنَّ هذا ليس دأبَ المؤمنين، وليس بمحبوب لله ربّ العالمين.

وإذا ما كان بالخير والرَّخاء فالشُّكر، كما في قول الله - تعالى -: ï´؟ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ï´¾ [إبراهيم: 7]، ومن ذلك قوله - عزَّ وجلَّ -: ï´؟ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ï´¾ [البقرة: 185].

ويؤيّد ذلك من السنَّة ما روى مسلم (ح64) من حديث صُهيب - رضِي الله عنْه - مرفوعًا: ((عجبًا لأمْر المؤمن إنَّ أمرَه كلّه خير، وليس ذاك لأحدٍ إلاَّ للمؤمن؛ إن أصابتْه سرَّاء شكَرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضرَّاء صبر، فكان خيرًا له)).

3- إظهار لوازم الصَّبر من كفّ النَّفس وحبس القلب والجوارح عن مظاهر التسخُّط، والفزع إلى الاستِعانة بالصَّلاة والدّعاء والتَّضرّع والابتِهال إلى الله - تعالى.

4- العمل بالشُّكر قلبًا ولسانًا، وإظْهار الشُّكر في صورة أفعال يَعود خيرُها على الفرد والمجتمع.

5- عدم التسرُّع في الحكم على ما به الابتِلاء أنَّه من الخير أو الشَّرّ؛ لأنَّ مقاييس الخير والشَّرّ عند الله - تعالى - وأحوال التَّكريم الرَّبَّانية كثيرًا ما تَختلِف عن الظّنون البشريَّة، كما في قوله - تعالى -: ï´؟ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا ï´¾ [الفجر: 15 - 17].

فالرَّخاء والبأس والشدَّة ليستْ هي العلاماتِ الحقيقيَّةَ على تكريم الله - تعالى - للعبْد، وليستْ هي الدَّلائلَ على رضا الله - تعالى - عن العبْد أو سخطه عليْه.

6- الوقوف مع النَّفس والأخْذ في المحاسبة؛ لأنَّ الله - تعالى - قد أخبر في كتابه أنَّ ما ابتُلي به الإنسان فإنَّه من نفسه وبسبب صنيعه، كما في قوله - تعالى -: ï´؟ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ï´¾ [الشورى: 30]، وقوله - سبحانه -: ï´؟ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ [آل عمران: 165].

7- الاسترشاد بقصَص السَّالفين من الأنبِياء والصّدّيقين والصَّالحين، وكيف كان دأبهم مع الابتِلاء، وكيف كانوا عند مُراد الله - تعالى - إذا ما فُتِنوا واختبروا، وكيف أنَّهم جعلوا الابتِلاء بأنواعه مرقاةً في الدَّرجات، ورفعةً في سُلَّم العبوديَّة وتحصيل رضوان الله - تعالى - مصداقًا لقوله - تعالى -: ï´؟ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ï´¾ [يوسف: 111].

والحمد لله ربّ العالَمين

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.20 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.88%)]