أيام معلومات
حسام جابر
4- أن الله تعالى أقسم بها:
وإذا أقسم الله بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم، قال تعالى ï´؟ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ï´¾ [الفجر: 1، 2]. قال ابن كثير: (والليالي العشر: المراد بها عشر ذي الحجة. كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف).
♦ ما الحكمة من التعبير بالليالي عن الأيام؟
يجيب على ذلك الإمام محمد أبو زهرة فيقول: "ذهب موسى إلى جبل الطور ليتلقى تعاليم ربه على موعد منه، وكانت المدة ثلاثين ليلة، أي ثلاثين يوما، وذكرت في القرآن الليالي دون الأيام؛ لأن الأشهر القمرية أمارة ظهورها بالليل، إذ يبزغ القمر هلالا، ويتدرج في النمو حتى يصير بدرا، وتعرف الأوقات من الشهر بمقدار الهلاك"[8].
كما أن اللغة العربية واسعة، قد تطلق الليالي ويراد بها الأيام، والأيام يراد بها الليالي، والغالب في ألسنة الصحابة والتابعين غلبة الليالي للأيام، حتى إن من كلامهم: " صمنا خمسا " يعبرون به عن الليالي، وإن كان الصوم في النهار. والله أعلم.كما نص على ذلك جمع من العلماء منهم ابن العربي في "أحكام القرآن" (4/ 334)، وابن رجب في "لطائف المعارف" (470)[9].
5- يوم التَّروية:
قال ابن قدامة: يَوْمُ التَّرْوِيَةِ: الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَرَوَّوْنَ مِنْ الْمَاءِ فِيهِ، يُعِدُّونَهُ لِيَوْمِ عَرَفَةَ. وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأَى لَيْلَتئِذٍ فِي الْمَنَامِ ذَبْحَ ابْنِهِ، فَأَصْبَحَ يَرْوِي فِي نَفْسِهِ أَهُوَ حُلْمٌ أَمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَسُمِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ رَأَى ذَلِكَ أَيْضًا، فَعَرَفَ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَسُمِّيَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ[10].
وفي هذا اليوم تبدأ أعمال الحج.. روى مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، مَعَنَا النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ» قَالَ قُلْنَا: أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: «الْحِلُّ كُلُّهُ» قَالَ: فَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَمَسِسْنَا الطِّيبَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ. [رقم: 1213].
6- يوم عرفة:
فضائل يوم عرفة[11]:
أ. في يوم عرفة نزل قوله سبحانه وتعالى:
ï´؟ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ï´¾ [المائدة: 2]. هذه الآية العظيمة التي قال عنها اليهود وقد فهموا معناها.. قالوا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إنكم معشر المسلمين تقرءون في كتابكم آية لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا.. فقال عمر لهم: وما تلك؟ قالوا هي قوله تعالى: ï´؟ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ï´¾ [المائدة: 3]؛ فقال عمر رضي الله عنه: والله إني لأعلم في أي يوم أنزلت وفي أي ساعة أنزلت وأين أنزلت وأين كان رسول الله صلى الله عليه وسلمحين أنزلت: أنزلت ورسول الله فينا يخطب ونحن وقوف بعرفة.. هكذا قال عمر.
وإكمال الدين في ذلك اليوم حصل لأن المسلمين لم يكونوا حجوا حجة الإسلام من قبل فكمل بذلك دينهم لاستكمالهم عمل أركان الإسلام كلها، ولان الله أعاد الحج على قواعد إبراهيم - عليه السلام - ونفى الشرك وأهله فلم يختلط بالمسلمين في ذلك الموقف منهم أحد.
وأما إتمام النعمة فإنما حصل بالمغفرة فلا تتم النعمة بدونها كما قال تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم-: ï´؟ ليَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ï´¾ [الفتح: 2].
ب. أن يوم عرفة يوم أقسم الله به:
والعظيم لا يقسم إلاّ بعظيم، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى: ï´؟ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ï´¾ [البروج: 3]. قال أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: "الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ..."؛ رواه الترمذي وحسنه الألباني.
ويوم عرفة هو الوتر الذي أقسم الله به في قوله: ï´؟ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْر ï´¾ [الفجر: 3]، قال ابن عباس: "الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة".
ج. أن يوم عرفة هو من أفضل الأيام عند الله:
أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف، وهذا ما اخبر عنه الصادق المصدوق سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم-؛ فعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُنَّ أَفْضَلُ أَمْ عِدَّتُهُنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: هُنَّ أَفْضَلُ مِنْ عِدَّتِهِنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا مِنْ يوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ جَاؤُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرُ عِتْقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ))؛ صحيح ابن حبان.
عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ))؛ رواه مسلم.
نعم؛ هكذا يباهي الله بأهل عرفة ملائكة السماء، ويقول لهم بكل حب وفخر: ((انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ جَاؤُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي)).
د. أن يوم عرفة صيامه يكفر ذنوب سنتين:
وهذا ما أخبرنا به نبينا العظيم - صلى الله عليه وسلم- بأن صيامه فيه الأجر العظيم والثواب الكبير، هذا الأجر وهذا الثواب هو مغفرة ذنوب سنتين، ولنسمع سويا إليه - صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: ((صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ))؛ رواه مسلم.
وهذا إنّما يستحب لغير الحاج، أمّا الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة؛ لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم- ترك صومه، وروي عنه أنّه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة؛ فليحرص المسلم على صيامه، وليأمر كل منا أهله، ولنجعله يوما رمضانيًّا من أجل أن ننال مغفرة الله تعالى.
هـ. إن يوم عرفة يوم يغيظ الشيطان:
يوم يعم الله عباده بالرحمات ويكفر عنهم السيئات، ويمحو عنهم الخطايا والزلات، مما يجعل إبليس يندحر صاغرا؛ يقول حبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم- وهو يصف الشيطان وحاله في ذلك الموقف يقول: ((مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ قِيلَ وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ))؛ رواه مالك والبيهقي وعبدالرزاق وابن عبدالبر.
و. إن يوم عرفة يوم يرجى إجابة الدعاء فيه:
وهذا اخبرنا به نبينا - صلى الله عليه وسلم-؛ فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))؛ رواه الترمذي وحسنه الألباني، فعلى المسلم أن يتفرغ للذكر والدعاء والاستغفار في هذا اليوم العظيم، وليدع لنفسه ولِوالديْه ولأهله وللمسلمين...
لقد كان لسلفنا الصالح في موقف عرفة مآثر لا تنسى ومواقف خالدة، فقد وقف مطرف بن عبدالله وبكر المزني بعرفة فقال أحدهما: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي. وقال الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لأهله لولا أني فيهم.
ووقف أحد الصالحين بعرفة فمنعه الحياء من ربه أن يدعوه فقيل له: لم لا تدعو؟ فقال: أجد وحشة، فقيل له: هذا يوم العفو عن الذنوب، فبسط يديه ووقع ميتاً!
وروي عن الفضيل بن عياض أنه نظر إلى تسبيح الناس وبكائهم عشية عرفة فقال أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقاً. - يعني: سدس درهم - أكان يردهم؟ قالوا: لا، قال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق.
وقال ابن المبارك جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاث على ركبتيه وعيناه تذرفان فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له.
7- يوم النحر:
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: أَيُّمَا أَفْضَلُ: يَوْمُ عَرَفَةَ أَوْ الْجُمْعَةِ أَوْ الْفِطَرِ أَوْ النَّحْرِ؟
فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ يَوْمُ الْجُمْعَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. وَأَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " (أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ) لِأَنَّهُ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " (يَوْمُ النَّحْرِ هُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ). وَفِيهِ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا لَا يُعْمَلُ فِي غَيْرِهِ: كَالْوُقُوفِ بمزدلفة وَرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَحْدَهَا وَالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَإِنَّ فِعْلَ هَذِهِ فِيهِ أَفْضَلُ بِالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ[12].
8- يعقب يوم النحر يوم القر:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ»[13].
يوم القر هو اليوم الثاني الذي يلي يوم النحر، لأن النَّاس يقرون فيه بمنى بعد أن فرغوا من طواف الإفاضة والنحر، واستراحوا.
9- ويعقب الأيام المعلومات الأيام المعدودات = أيام التشريق:
• قال تعالى ï´؟ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ï´¾ [البقرة: 203].
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هِيَ أَيَّامُ مِنًى، وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَهِيَ أَيَّامُ رَمْيِ الْجِمَارِ[14].
قال السعدي: "يأمر تعالى بذكره في الأيام المعدودات، وهي أيام التشريق الثلاثة بعد العيد، لمزيتها وشرفها، وكون بقية أحكام المناسك تفعل بها، ولكون الناس أضيافا لله فيها، ولهذا حرم صيامها، فللذكر فيها مزية ليست لغيرها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أيام التشريق، أيام أكل وشرب، وذكر الله".
ويدخل في ذكر الله فيها، ذكره عند رمي الجمار، وعند الذبح، والذكر المقيد عقب الفرائض، بل قال بعض العلماء: إنه يستحب فيها التكبير المطلق، كالعشر، وليس ببعيد.
ï´؟ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ ï´¾ [البقرة: 203] أي: خرج من "منى "ونفر منها قبل غروب شمس اليوم الثاني ï´؟ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ ï´¾ [البقرة: 203] بأن بات بها ليلة الثالث ورمى من الغد ï´؟ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ï´¾ [البقرة: 203] وهذا تخفيف من الله [تعالى] على عباده، في إباحة كلا الأمرين، ولكن من المعلوم أنه إذا أبيح كلا الأمرين، فالمتأخر أفضل، لأنه أكثر عبادة.
ولما كان نفي الحرج قد يفهم منه نفي الحرج في ذلك المذكور وفي غيره، والحاصل أن الحرج منفي عن المتقدم، والمتأخر فقط قيده بقوله: ï´؟ لِمَنِ اتَّقَى ï´¾ [البقرة: 203] أي: اتقى الله في جميع أموره، وأحوال الحج، فمن اتقى الله في كل شيء، حصل له نفي الحرج في كل شيء، ومن اتقاه في شيء دون شيء، كان الجزاء من جنس العمل.
ï´؟ وَاتَّقُوا اللَّهَ ï´¾ [البقرة: 203] بامتثال أوامره واجتناب معاصيه، ï´؟ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ï´¾ [البقرة: 203] فمجازيكم بأعمالكم، فمن اتقاه، وجد جزاء التقوى عنده، ومن لم يتقه، عاقبه أشد العقوبة، فالعلم بالجزاء من أعظم الدواعي لتقوى الله، فلهذا حث تعالى على العلم بذلك"[15].
• عنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» [رواه مسلم - باب تحريم صوم أيام التشريق - رقم: 1141].
قال النووي: " قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) وَفِي رِوَايَةٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي رِوَايَةٍ أَيَّامُ مِنًى وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا بِحَالٍ وَهُوَ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قال أبو حنيفة وبن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ صيامها لكل أحد تطوعا وغيره حكاه بن المنذر عن الزبير بن العوام وبن عمر وبن سِيرِينَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أحد قوليه يجوز صومها للمتمتع إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ قَالَا لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَشْرِيقِ النَّاسِ لُحُومَ الْأَضَاحِي فِيهَا وَهُوَ تَقْدِيدُهَا وَنَشْرُهَا فِي الشَّمْسِ وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الْإِكْثَارِ مِنَ الذِّكْرِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مِنَ التَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ"[16].
10- اجتماع أمهات العبادة فيها:
• قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمَكَانِ اجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهِ وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ)[17].
• وَسُئِلَ شيخ الإسلام: عَنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟
فَأَجَابَ: أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ مِنْ رَمَضَانَ وَاللَّيَالِي الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ لَيَالِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمُ: وَإِذَا تَأَمَّلَ الْفَاضِلُ اللَّبِيبُ هَذَا الْجَوَابَ. وَجَدَهُ شَافِيًا كَافِيًا فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ فِيهَا أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَفِيهَا: يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ. وَأَمَّا لَيَالِي عَشْرِ رَمَضَانَ فَهِيَ لَيَالِي الْإِحْيَاءِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحْيِيهَا كُلَّهَا وَفِيهَا لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. فَمَنْ أَجَابَ بِغَيْرِ هَذَا التَّفْصِيلِ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُدْلِيَ بِحُجَّةٍ صَحِيحَةٍ[18].
والذي يجب أن ينتبه إليه العاقل البصير أن أيام العشر من ذي الحجة وما فيها من فضائل معلومة الزمان أما ليلة القدر وهي خير ليال العام فهي غير معلومة نلتمسها في العشر الأواخر.. فعلى العاقل أن يشمر عن ساعديه في العمل الصالح المحبوب إلي الله في هذه الأيام المعلومة.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
[1] فتح القدير - جـ 3 - ص 530.
[2] المرجع السابق. وَالْفَجُّ: الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ، الْجَمْعُ: فِجَاجٌ، وَالْعَمِيقُ: الْبَعِيدُ.
[3] انظر في ذلك: مقال: التجربة الماليزية في إدارة الحج: توفير المال للحج: “طابونج حاجي” مؤسسة فريدة - موقع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
[4] رواه مسلم -باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف - رقم: 1006. (الدثور) جمع دثر وهو المال الكثير.
[5] فتح الباري شرح صحيح البخاري - الحافظ ابن رجب الحنبلي - جـ 9 - ص 5: 6.
[6] الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل - جـ 2 - ص 151.
[7] فتح القدير - جـ 2 - ص
[8] زهرة التفاسير - جـ 6 - ص 2944.
[9] انظر في ذلك: الحكمة من ذكر (ليال عشر) بدل من أيام عشر، موقع الإسلام سؤال وجواب.
[10] المغني - جـ 3 - ص 364.
[11] انظر في ذلك: فضائل يوم عرفة - الشيخ محمد جمعة الحلبوسي - شبكة الألوكة.
[12] مجموع الفتاوى - جـ 25 - ص 288.
[13] رواه أبو داود - باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ - رقم: 1765 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم: 1064.
[14] فتح القدير - جـ 1 - ص 235.
[15] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان - ص 93.
[16] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ 8 - ص 17.
[17] فتح الباري شرح صحيح البخاري - جـ 2 - ص 460.
[18] مجموع الفتاوى - جـ 25 - ص 287.