بين يدي رمضان
الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم
اذا يقول عند الإفطار؟
- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله: ((ثلاث دعوات مُستَجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر)).
وهذه الدَّعوة التي لا ترد تكون عند فطره، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عنِ النبي: ((ثلاث لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة مظلوم))، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضيَ الله عنهما - قال رسول الله: ((إنَّ للصائم عند فطره لدعوة ما ترد)).
- وأفضل الدعاء الدُّعاء المأثور عن رسول الله، فقد كان يقول إذا أفطر: ((ذهبَ الظَّمَأ، وابْتَلَّتِ العُرُوق، وثبت الأجر - إن شاء الله)).
- وعن معاذ بن زهرة أنَّ النَّبي كان إذا أفطر قال: ((اللهمَّ لك صُمتُ، وعلى رزقكَ أفطرتُ))؛ رواه أبو داود مرسلاً، وقال الألباني: "لكن له شواهد يَتَقَوَّى بها".
- وكان ابن عمر - رضيَ الله عنهما - يقول عند فطره: ((اللهمَّ إنِّي أسألكَ برحمتكَ التي وسعتْ كل شيء أن تغفرَ لي))؛ رواه أبو داود.
سادسًا: الاستكثار منَ الأعمال الصالحات، فإنَّ من ثواب الحسنة، الحسنة بعدها، ومن ذلك:
1- صيام شعبان: استعدادًا لرمضان، فعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما رأيتُ رسول الله استكملَ صيام شهر قط إلاَّ رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان".
2- تلاوة القرآن الكريم: فإنَّ رمضان هو شهر القرآن، فينبغي أن يُكْثرَ العبد المسلم من تلاوته، وحفظه، وتدبُّره، وعرضه على مَن أقرأ منه.
كان جبريل يُدَارس النَّبيَّ القرآن في رمضان، وعارضه في عام وفاته مرتين، وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يختم القرآن الكريم كل يوم مَرَّة، وكان بعض السَّلَف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، فكانوا يقرؤونَ القرآن في الصلاة وفي غيرها، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وكان الأسود يقرأ القرآن كل ليلتين في رمضان، وكان قتادة يختم في كل سبع دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة، وكان الزُّهري إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومُجَالَسة أهل العلم، ويقْبلُ على تلاوة المصحف.
وكان سفيان الثوري إذا دَخَلَ رمضان ترك جميع العبادة، وأقْبَل على قراءة القرآن، قال الزُّهري: "إذا دخل رمضان فإنَّما هو قراءة القرآن، وإطعام الطعام".
قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: "وإنَّما وَرَدَ النَّهي عن قراءة القرآن في أقلَّ من ثلاث على المُدَوَامة على ذلك، فأمَّا الأوقات المفضلة - كشهر رمضان - خصوصًا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر - أو في الأماكن المُفَضَّلة - كمَكَّة لِمَن دَخَلَها من غير أهلها - فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتنامًا للزَّمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما منَ الأئمَّة، وعليه يدل عمل غيرهم". ا هـ.
3- قيام رمضان: فعَن أبي هريرة - رضيَ الله عنه - قال: "كان رسول الله يُرَغِّب في قيام رمضان، من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول: ((مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفرَ له ما تَقَدَّمَ من ذنبه))"، وجاء رسولَ الله رجلٌ من قضاعة، فقال: يا رسول الله! أرأيتَ إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنَّكَ رسول الله، وصَلَّيت الصلوات الخمس، وصُمتُ الشهر، وقُمت رمضان، وآتيت الزَّكاة؟"، فقال النبي: ((مَن مات على هذا كان منَ الصِّدِّيقينَ والشُّهداء".
4- الصَّدَقة: فقد كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير منَ الرِّيح المُرسَلة، ولا يُسأل شيئًا إلاَّ أعطاه، وقال: ((أفضل الصدقة صدقة في رمضان)).
ومِن صور الصَّدَقة: إطعام الطعام، وتفطير الصوام، قال: ((مَن فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا يَنْقصُ من أجر الصائم شيئًا))، فإن عجز عن عَشائه فطَّره على تمرة أو شربة ماء أو لبن، وقال: ((اتَّقوا النار، ولو بشق تمرة))، وعن عليّ - رضي الله عنه - قال رسول الله: ((إنَّ في الجنَّة غُرفًا، يُرَى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعَدَّهَا الله تعالى لِمَن أطعم الطعام، وَأَلاَنَ الكلام، وتابَعَ الصيام، وصَلَّى باللَّيل والنَّاس نِيَام))، وقال: ((صنائع المعروف تقي مصارع السُّوء، وصَدَقة السِّر تُطْفئ غَضَب الرَّب، وصِلة الرَّحم تزيد في العمر))،
وقال رسول الله: ((أيما مؤمن أطعمَ مؤمنًا على جوع، أطْعَمَه الله مِن ثمار الجنَّة، ومَن سقى مؤمنًا على ظمأ؛ سقاهُ الله منَ الرَّحيق المختوم)).
وقال بعض السَّلَف: ((لأن أدعو عشرة من أصحابي، فأطعمهم طعامًا يشتهونه أحب إليَّ من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل)).
وكان كثير منَ السَّلَف يؤثر بفطوره وهو صائم، منهم: عبدالله بن عمر، وداود الطَّائي، ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل، وكان ابن عمر لا يفطر إلاَّ مع اليتامى والمساكين، وربَّما علم أنَّ أهله قد ردوهم عنه، فلم يفطر في تلك الليلة.
وكان منَ السَّلَف من يطعهم إخوانه الطعام وهو صائم، ويجلس ليخدمهم، منهم: الحَسَن، وابن المبارك، وقال أبو السوار العدوي: "كان رجال من بني عَدِي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد مَن يأكل معه أَكَل، وإلاَّ أخرج طعامه إلى المسجد، فأكله مع الناس وأكل الناس معه"، قال الإمام الماوردي - رحمه الله -: "ويُستَحَبُّ للرَّجل أن يوسع على عيالِه في شهر رمضان، وأن يحسنَ إلى أرحامه وجيرانه، لا سيما في العشر الأواخر منه". ا هـ.
وإذا دُعي المسلم الصائم عليه أن يجيبَ الدَّعوة؛ لأن مَن لم يجب الدَّعوة فقد عصى أبا القاسم، وينبغي عليه أن يعتقدَ جازمًا أنَّ ذلكَ لا يضيع شيئًا من حسناته، ولا ينقص شيئًا من أجره،
ويُستَحب للمدعو أن يدعوَ للدَّاعي بعد الفراغ منَ الطعام بما جاء عن النَّبي، وهو أنواع؛ كقوله: ((أكل طعامَكم الأبرارُ، وصَلَّت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون)).
((اللهمَّ أطعم مَن أطعمني، واسقِ مَن سقاني)).
((اللهمَّ اغفر لهم وارحمهم، وبارِك لهم فيما رزقتهم)).