
22-01-2020, 03:58 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,737
الدولة :
|
|
رد: « مِن مَعَالم التَّوحيد في مَنَاسَكِ الحَجِّ » لِسَمَاحَةِ شيخنا ابن جِبرِينٍ
« مِن مَعَالم التَّوحيد في مَنَاسَكِ الحَجِّ »
لِسَمَاحَةِ شيخنا ابن جِبرِينٍ
(2)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد :
قد اشتهر الدعاء عند رؤية البيت بلفظ :
« اللهم زد هذا البيت تعظيمًا وتكريمًا وتشريفًا، ومهابة ورفعة وبرًا، وزد من عظمه وشرفه ممن حجه أو اعتمره تعظيمًا وتكريمًا وتشريفًا ومهابة ورفعة وبرًا »،
وهذا اللفظ قد روى أوله الطبراني في الكبير مرفوعًا وفيه مقال،
ولكنه دعاء مناسب، فإن البيت الذي هو الكعبة قد رفع الله شأنها، وأمر بالطواف بها، وتطهير المسجد والبيت، بقوله تعالى: ï´؟ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ï´¾ [ البقرة:125] ، وبقوله : ï´؟ وَلْيَطَّوَّفُو ا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ï´¾ [ الحج : 29 ] ، ويقول إبراهيم عليه السلام: ï´؟ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ï´¾ [ إبراهيم : 37 ] ، فمن المناسب أن يتذكر من وقع بصره عليه مكانته في النفوس، وان يدعو الله تعالى أن يزيده في نفوس المؤمنين تشريفًا وتكريمًا، ليعترفوا بقدره، ويحترموه وما حوله، ويطوفوا لله تعالى وحوله، مع أنهم أثناء الطواف إنما يعبدون الله تعالى ويدعونه ويذكرونه ويتلون كلامه، ليزدادوا عبادة وتذللاً وخضوعًا لربهم، فإن الطواف عبادة لله وحده، وكذا بقية المشاعر، كما قالت عائشة رضي الله عنها : « إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله » ، ومعنى ذلك أن هذه المشاعر تذكير بعظمة الرب سبحانه وكبريائه، وأن الطائفين بها يكثرون ذكر الله سبحانه ودعاءه، والتضرع إليه، والتذلل بين يديه، ويستحضر الطائف والساعي والواقف بعرفة ونحوها أنه بمرأى من ربه وإلهه، وأنه يسمع جميع سره ونجواه، ويعلم ما توسوس به نفسه، فيعبد الله كأنه يراه، فيحضر قلبه ولبه في هذه العبادة، فيخضع له ويخشع بقلبه، ويتواضع ويتمسكن، وينسى الدنيا وزينتها وزخرفها، ويقبل على هذه العبادة بتلبيته، دون أن يشرك بربه غيره.
ويستحضر الإخلاص والإنابة في هذه المواقف، ويعتبر ويتذكر أن هذه المشاعر قد تعبد فيها الأنبياء والصالحون من عباد الله تعالى، وقد طافوا بالبيت العتيق، وكرروا التلبية والذكر والتهليل، يرجون رحمة الله تعالى ويخافون عذابه.
وهكذا ينظر إلى هؤلاء الوافدين الذين أتوا للبيت من كل فج عميق، ويشاهد كثرتهم ï´؟ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ï´¾ [ الأنبياء : 96 ] ، مع تباين وتباعد بلادهم، واختلاف ألوانهم وألسنتهم، جاءوا كلهم وتجشموا المشقات، وركبوا الصعوبات، وفارقوا مساكنهم وبلادهم وأولادهم وأموالهم وأهليهم، وأنفقوا النفقات حتى وصلوا إلى هذه البقاع التي شرفها الله تعالى، رغم كونها في واد غير ذي زرع، وبين جبال شاهقات، ولكن الله تعالى شرفها واختارها، وجعل مقر بيته المحرم في هذه الشعاب وهذه الأودية، وحرمها يوم خلق السموات والأرض، وجعل أفئدة الناس تهوي إليها، ويستقبلونها في صلاتهم ودعائهم.
وكل هذه المشاهد مما يرسخ العقيدة في القلوب، ويعرف المؤمنون بذلك عظمة الرب سبحانه، فيعبدونه وحده، ويخلصون له العبادة دون ما سواه، ويكثرون من ذكره بألسنتهم وقلوبهم وأبدانهم، عملاً بقول الله تعالى : ï´؟ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ï´¾ [ البقرة : 152 ]
وقد أمر الله تعالى بكثرة ذكره في هذه المواقف وهذه المواسم، كما قال تعالى: ï´؟ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ï´¾ [ الحج : 28 ] ، يعني أيام العشر من شهر ذي الحجة، لذلك يرغب المسلمون في المشاعر والمناسك وفي سائر البلاد بالتكبير المطلق في كل الأوقات،
وصفته: (الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد)، فيكثرون منه في كل أوقاتهم وحالاتهم، قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، وركبانًا ومشاة، في البيوت والمساكن والخيام، والمساجد والطرق، يرفعون به أصواتهم، ليذكروا من كان غافلاً،
فقد ورد في حديث أو أثر : (ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل بين الفارين)، وهذا الذكر فيه تعظيم الله تعالى وإجلاله، وتذكر أنه سبحانه أكبر من كل شيء، بل إن جميع الموجودات كلها خلقه وملكه وتحت تصرفه وتقديره، لا تملك لأنفسها نفعًا ولا ضرًا، بما في ذلك الملائكة المقربون، والأنبياء والمرسلون، والأولياء والصالحون، فضلاً عن الأصنام والأوثان والأموات والرفاة، فلا يبقى دائمًا في قلب المسلم التفات إلى غير ربه، ولا تعظيم إلا لله سبحانه وتعالى، فيدعوه وحده ويخلص له جميع أنواع العبادة، وينكر على من دعا غير الله تعالى الذي له الكبرياء في السموات والأرض.
قاله وكتبه
شَيخُنَا عَبدُ اللَّـهِ بْنُ عَبدِ الرَّحْمَن بْنِ جِبْرِينٍ
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|