
18-01-2020, 01:09 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة :
|
|
ما أورده الحسن البصري من الآداب ومكارم الأخلاق
ما أورده الحسن البصري من الآداب ومكارم الأخلاق
د. أحمد عبدالوهاب الشرقاوي
رُوِيَ عن الحَسَنِ - رَحِمَهُ اللهُ - أنَّهُ كانَ يقولُ: قضاءُ حاجَةِ أخٍ مسلمٍ أحبُّ إليَّ مِنِ اعْتكافِ شهرٍ.
وسألَهُ رجلٌ عن حُسْنِ الخُلُقِ ما هو؟ فقالَ: البَذْلُ، والعَفْوُ، والاحْتِمَالُ.
وَكَانَ يَقُولُ: مروءةُ الرَّجُلِ: صِدْقُ لِسانِهِ، واحْتِمَالُهُ مُؤْنَةَ إخْوانِهِ، وبذْلُهُ المعروفَ لأهلِ زمانِهِ، وكَفُّهُ الأذى عن جيرانِهِ.
وَكَانَ يَقُولُ: لو شاءَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لجعلَكُمْ أغنياءَ لا فقيرَ فيكم، ولو شاءَ لجعلَكُمُ فقراءَ ولا غَنِيٌّ فيكم، ولكنِ ابْتَلَى بعضَكُمْ ببعضٍ لِيَنْظُرَ كيفَ تَعْمَلُونَ.
ثم دلَّ عِبادَهُ على مكارِمِ الأخلاقِ، فقالَ - جلَّ جلالُهُ -: ﴿ ويُؤْثِرُونَ عَلَى أنْفُسِهِم وَلَوْ كَانِ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمِنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ﴾[1].
وقالَ: عِدَة الكريم: فِعْلٌ وتَعْجِيلٌ، وعِدَة اللَّئيمِ: تَسْويفٌ وتطويلٌ.
وَكَانَ يَقُولُ: ما أنصفك من كلَّفكَ إجلالهُ، ومَنَعَكَ مالَهُ.
وقالَ: كُنَّا نعد البخيل مِنَا الذي يُقْرِضَ أخاهُ الدِّرْهَمْ؛ إذْ كُنا نُعامِلَ بالمُشَارَكَةِ والإيثار. واللهِ! لقد كانَ أحدُ من رأيتُ وصَحِبْتُ يَشُقُّ إزارَهُ فَيُؤْثِرْ أخاهُ بنصفِه، ويبقى له ما بَقي، ولقد كانَ الرجلُ مِمَّنْ كانَ قبلَكُم يصوم، فإذا كانَ عندَ فِطْرِهِ، مَرَّ على بعضِ إخوانِهِ، فيقول: إني صُمْتُ هذا اليومَ للهِ، وأردْتُ إنْ تَقَبَّلَهُ اللهُ مني أن يكونَ لكَ فيه حظٌ، فهلم شيئاً من عشائِكَ، فيأتيه الآخرُ ما تَيَسَّرَ مِنْ ماءٍ وتمرٍ يُفْطِر عليه يبتغي أن يُكْسِبَهُ أجراً، وإنْ كان غَنياً عن الذي عندَهُ.
وَكَانَ يَقُولُ: أدركتُ أقواماً، وإنَّ الرجلَ منهم لْيَخْلُفُ أخاهُ في أهلِهِ وَوَلَدِه أربعينَ سنةً بعد مَوْتِهِ.
وَكَانَ يَقُولُ: إذا دخلَ الرجلُ بيتَ صديقِه، فلا بأسَ عليه أن يتناولَ مما حضَرَ من طعامِهِ وفاكهتِه بغيرِ إذْنِهِ.
وَكَانَ يَقُولُ: ما من نفقةٍ إلا والعبدُ يُحاسَبُ عليها، إلا نفقَتَهُ على والِدَيْهِ فَمَنْ دُونهما، أو نفقَتهُ على أخيه في الله، وصاحبِهِ في طاعتِهِ؛ فإنه رُوِيَ أنَّ اللهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يَسْتَحْيي أن يُحاسِبَهُ عليها.
وَكَانَ يَقُولُ: ليسَ من المروءةِ أن يربحَ الرجلُ على أخيهِ.
وَكَانَ يَقُولُ: احْذَرْ مِمَّنْ نَقَلَ إليكَ حديثَ غَيْرِكَ، فإنَّهُ سينقلُ إلى غيرِك حديثَكَ.
وَكَانَ يَقُولُ: ابنَ آدّمّ! عملُكَ لكَ، انظُرْ على أيِّ حالٍ تُحِبُّ أن تلقَى عليها رَبَّكَ؟
وَكَانَ يَقُولُ: إن لأهلِ الخيرِ علامةً يُعرَفون بها: صِدْقُ الحديثِ، وأداءُ الأمانةِ، والوفاءُ بالعهدِ، وقِلَّةُ الفَخْرِ والخُيلاءِ، وصِلَةِ الرَّحِمِ؛ وَرَحْمَةُ الضعفاءِ، وبَذْلُ المعروفِ، وحُسْن الخُلُقِ، وسَعَةُ الحِلْمِ، وبثُّ العِلْمِ، وقِلَّةُ مُثَافَنَةِ النِّساءِ[2].
وَكَانَ يَقُولُ: ابنَ آدم! عِفَّ عنْ محارِمِ اللهِ تَكُنْ عابداً، وارْضَ بما قَسَمَ اللهُ تكنْ غَنِياً، وأَحْسَنُ جِوارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُؤْمِناً، وأحْبِبِ للناسِ ما تُحبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ عَدْلاً، وأقلِلِ الضَّحِكَ؛ فإنَّه يُميتُ القلبَ كما يموتُ البدنُ.
وَكَانَ يَقُولُ: أيُّهَا النَّاسُ! إنكم لا تَنالون ما تُحِبُّون إلا بِتَرْكِ ما تَشْتَهُونَ، ولا تُدْرِكُونَ ما تُأْمُلون إلا بالصبرِ على ما تَكْرَهونَ.
وَكَانَ يَقُولُ: الصبرُ كنزٌ مِنْ كُنوزِ الجنَّةِ، وإنما يُدْرِكُ الإنسانُ الخيرَ كُلَّهُ بِصَبْرِ ساعةٍ.
وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ أُعْطِيَ دَرَجة الرِّضا، كُفِيَ المُؤَنَ، ومن كُفِيَ المُؤَنَ، صبر على المِحَنِ.
وقيلَ: تَسَابَّ[3] رَجُلانِ بِحَضْرَةِ الحَسَنِ، فقامَ المَسْبوبُ وهوَ يَمْسَحُ العرقَ عن وَجْهِهِ، ويَتْلو: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾[4]، فقال الحَسَنُ: للهِ درُّهُ، عَقَلَها - واللهِ - حينَ ضَيَّعَها الجاهِلون.
وقال: ابن آدَمَ! لتَصْبِرَنَّ أوْ لَتهْلِكُنَّ.
وقال: لقد رُوِيَ: أن رجلاً شتم أبا ذر[5] - رَحِمَهُ اللهُ – فقالَ: إن بيني وبينَ الجَنَّةِ عَقَبَةٌ، إن جُزْتُها، فأنا خيرٌ مما تقولُ، وإنْ عُوِّجَ بي دُونَها إلى النار، فأنا أشرُّ مما قُلْت، فانْتهِ أيها الرجلُ؛ فإنكَ تصيرُ إلى منْ يعلمُ خائنةَ الأعيُنِ وما تُخْفي الصدورُ.
وقيل: شتمَ رجلٌ رجلاً، فقالَ: لولا أنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - [يسمعُ، لأجَبْتُكَ].
وَكَانَ يَقُولُ: الصَّبْرُ صَبْران: صبرٌ عند المُصيبةِ، وصبرٌ عنِ المَعْصِيةِ، فمَنْ قَدَرَ على ذلكَ، فقد نالَ أفضلَ الصَّبْرَيْن.
وَكَانَ يَقُولُ: ما مِنْ جُرْعَةٍ أحبُّ إلى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ جُرْعَةِ مُصيبةٍ مُوجِعةٍ يَتَجرَّعُهَا صاحبُها بِحُسْنِ عزاءٍ وصَبْرٍ، أو جُرْعَةِ غيظٍ يحملُها بِفَضْلِ عفوٍ وحلمٍ.
وَكَانَ يَقُولُ: ابنَ آدمَ! إنك لن تجمعَ إيماناً وخِيانةً، كيف تكونُ مؤمناً ولا يَأْمَنُكَ جارُكَ؟ أو تكونُ مسلماً ولا يَسْلَمُ الناسُ منكَ، أليسَ قد رُوِيَ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قالَ: (( لا إيمَانَ لِمَنْ لا أمَانَةَ لَهُ، ولا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ )) [6].
وكان - عَلَيْهِ السَّلامُ - يقولُ: (( ليسَ بمؤمنٍ مَنْ خَافَ جارُهُ بِوائِقَهُ )) [7].
ثم يقولُ الحَسَنُ - رَحِمَهُ اللهُ -: ابنَ آدمَ! إَّنكَ لا تستحقُ حقيقةَ الإيمانِ حتى لا تعيبَ الناسَ بعَيْبٍ هو فيكَ، فأصْلَحَ عيْبَ نفسِك، فإنَّك لا تُصْلِحُ عيباً إلا وجدتَ عَيباً آخرَ أنتَ أوْلى بإصلاحِهِ.
ابنَ آدمَ! إن تكنْ عدلاً، فاجعلْ لكَ عن عُيوبِ الناسِ شُغْلاً؛ فإنَّ أحبَّ العبادِ إلى اللهِ مَنْ كانَ كذلكَ.
وقيل: أنشَدَهُ رجلٌ يوماً:
وأجْرَأُ مَنْ رَأيْتُ بِظَهْرِ غَيْبٍ 
عَلَى عَيْبٍ الرِّجالِ ذوو العُيوبِ[8] 
فقال: للهِ درُّ القائِلِ! إنهُ كما قال.
وَكَانَ يَقُولُ: ابنَ آدمَ! ما أَوْهَنَكَ وأكْثَرَ غَفْلَتَكَ! تعيبُ الناسَ بالذنوبِ، وتَنْساها من نَفْسِكَ، وتُبْصِرُ القَذَى في عينِ أخِيكَ، وتَعْمَى عن الجِذْعِ مُعْتَرِضاً في عَيْنَيِكَ، ما أقلَّ إنْصَافَكَ، وأكثرَ حَيْفَك!
وَكَانَ يَقُولُ: رُوِيَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (( أهلُ المعروفِ في الدُّنْيَا هم أهلُ المعروفِ في الآخرةِ )) [9]. وذلك أنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - غفرَ لهم ذنوبَهُم، بما أسْدَوْهُ من المعروفِ إلى خَلْقِهِ في دارِ الدُّنْيَا، ثم يقولُ لهمْ يَومَ القيامة: هَبُوا حَسَنَاتِكُمْ لِمْنْ شِئْتُم، فقد غَفَرْتُ لكمْ سَيِّئَاتكم، فيَهَبُون حسناتِهِمْ، فيكونونَ أهلَ معروفٍ في الآخرةِ، كما كانوا في الدُّنْيَا.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|