مناسك الحج والعمرة وزيارة المسجد النبوي
سماحة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين
المقدمة:
الحمد لله، والصلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آلِه وصحْبِه، وبعد:
فإنَّ الحجَّ إلى بيت الله الحرام ركنٌ من أركان الإسلام، أمر الله - تعالى - بأدائه، فقال سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97]، وفي الحجِّ تتجلَّى صُور العبوديَّة في أبْهى مَظاهِرها، حيثُ يَقوم المسلِمون بأداءِ كثيرٍ من المناسِك التي قد لا يُدْركون من معناها وحكْمتِها إلاَّ أنَّها عبادةٌ لله تعالى، وإقامةٌ لذكره، واتباع لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - وكفى بذلك لهم شرفًا وفخرًا.
ولمَّا كان الواجب على المسلمين أن يحجُّوا كما حجَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - أحبَبْنا أن نُساعِد إخْوانَنا الحجَّاج والمعتمِرين في هذا الأمْر، فكانت فكْرة هذا الكِتاب الصغير الذي تناوَلْنا فيه مناسكَ الحجِّ والعمرة، والأخطاء التي يقَعُ بِها كثيرٌ من الحجَّاج، وكذلك آداب زِيارة مسجِد المُصْطفى - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وذلك بصورةٍ مُبسَّطة وطريقة مبسَّطة.
نسأل الله تعالى أن يكون هذا العملُ خالصًا لوجْهِه، وصلَّى الله على محمَّد وآلِه وصحْبِه.
وجوب الحج:
الحجُّ هو أحدُ أرْكان الإسلام الخمْسة التي بُنِيَ عليْها؛ لقَوْلِ النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بنِي الإسلامُ على خَمس: شهادة ألاَّ إله إلاَّ الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله، وإقامِ الصَّلاة، وإيتاء الزَّكاة، وصومِ رمضان، وحجِّ البيت))؛ متَّفق عليه.
وقد فرضه اللهُ - عزَّ وجلَّ - على عباده في السَّنة التَّاسعة، وحجَّ النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في السَّنة العاشرة، وهو فرْض بالكِتاب والسُّنَّة والإجْماع، فمَنْ أنْكر فرضيَّتَه وهو يعيشُ بين المسلمين فهو كافر، أمَّا مَن ترَكَه مع إقْراره بفرضيَّته فليس بكافرٍ على الصَّحيح، ولكنَّه آثِم مرْتَكبٌ كبيرةً من كبائر الذنوب.
شروط الحج:
والحج لا يَجب إلا بشروط هي:
الأوَّل: الإسلام، فالكافر لا يصحُّ منه الحج.
الثاني: البلوغ، فالصغير لا يجب عليه الحج.
الثَّالث: العقل، والمجنون لا يَجب عليه الحج.
الرابع: الحرية، فالمملوك لا يَجب عليه الحج.
الخامس: الاستطاعة، أي القُدرة على الوصول إلى البيت بالمال والبدن، فالعاجِزُ عن ذلك لا يَجب عليه الحج.
السَّادس: وجودُ المَحْرم للمرأة؛ لقوْلِه - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا تُسافِر امرأةٌ إلاَّ مع ذي مَحرم))؛ متَّفق عليه.
ومتَى تَمَّتْ هذه الشُّروط فقد وجب على الإنسان أن يُبادِر بالحجِّ، ولا يجوز له تأخيرُه؛ لقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [آل عمران: 133] وقوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} [البقرة: 148].
فضائل الحج والعمرة:
1- قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن حجَّ هذا البيتَ فلم يرفُثْ ولَم يفْسُق، رجع كيوم ولدتْه أمُّه))؛ متَّفق عليْه.
2- وقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((العُمرة إلى العُمرة كفَّارة لِما بيْنَهُما، والحجُّ المبْرور ليس له جزاءٌ إلا الجنَّة))؛ متَّفق عليه.
3- وسئل - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أي الأعمال أفضل؟ قال: ((إيمانٌ بالله ورسولِه))، قيل: ثُمَّ ماذا؟ قال: ((جهادٌ في سبيل الله)) قيل: ثُمَّ ماذا، قال: ((حجٌّ مبرور))؛ رواهُ البُخاري.
4- وأخْبر - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ الحجَّ ((يهدِم ما كان قبله))؛ رواه مسلم.
5- وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تابِعوا بين الحجِّ والعُمرة، فإنَّهما ينفِيَانِ الفقْر والذُّنوب، كما ينفِي الكيرُ خَبَثَ الحديد))؛ رواهُ أحْمد وأصْحاب السُّنن، وصحَّحه الألباني.
6- وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وفْد الله ثلاثة: الغازي، والحاجُّ، والمعتمر))؛ رواه النَّسائي والحاكمُ، وصحَّحه الألباني.
7- وقالت عائشةُ: يا رسول الله، نرى الجِهاد أفضلَ العمَل، أفلا نُجاهد؟ قال: ((لا، لكِنْ أفضل الجهادِ حجٌّ مبرور))؛ رواه البخاري.
* إضاءة:
الحجُّ المبرور هو ما كان وفْق هدْي النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسنَّته، مع الإخلاص التَّامِّ لله ربِّ العالمين، وترْك المعاصي والمنكرات، قال تعالى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الحَجِّ} [البقرة: 197].
* تنبيه: الصحيح أنَّ العُمرة تَجب على مَن يَجب عليْه الحجُّ.
أرْكان الحج والعمرة وواجباتهما:
* أوَّلا: أرْكان الحجِّ أربعة:
1- الإحرام، وهو نيَّة الدُّخول في النُّسُك.
2- الوقوف بعرَفة.
3- الطَّواف بالبَيْت (طواف الإفاضة).
4- السَّعي بين الصفا والمروة.
* ثانيًا: واجباتُ الحجِّ سبعة:
1- أن يكونَ الإحْرام من الميقات.
2- استِمْرار الوقوف بعرَفة إلى غُروب الشَّمس يوم التَّاسع من ذي الحجَّة.
3- المَبيت بِمُزدلفة ليْلة عيد النَّحْر.
4- رمْي جَمرة العقبة يوم العيد، ورمْي الجمرات الثَّلاث في أيَّام التَّشْريق.
5- الحلْق أوِ التَّقْصير للرِّجال، والتَّقْصير فقَطْ للنساء.
6- المبيت بِمنى ليلتَيْن؛ ليلة إحْدى عشْرة، وليلة اثنتَي عشْرة لِمن تعجَّل، فإن تأخَّر فليلة ثلاث عشرة أيضًا.
7- طواف الوداع.
* ثالثًا: أرْكان العُمْرة ثلاثة:
1- الإحرام.
2- الطَّواف.
3- السعْي.
* رابعًا: واجبات العمرة اثنتان:
1- أن يكونَ الإحْرام بِها من الحل.
2- الحلْق أو التَّقصير للرجال، والتَّقْصير فقط للنساء.
* تنبيه:
الرُّكْن لا يتمُّ الحجُّ أو العُمرة إلاَّ به، فمَن ترَك رُكنًا لَم يصحَّ حجُّه أو عمرتُه، والواجب يصحُّ النسك بدونِه، ولكن مَن ترك واجبًا جبَره بذبْح شاةٍ توزَّع على فُقراء الحرم، وأمَّا من ترك سنَّة فلا شيءَ عليْه.
آداب الحج والعمرة:
هناك مَجموعة من الآداب الواجِبة والمستحبَّة، ينبغي على الحاجِّ أو المعتمِر معرفتها، والعمل بها وهي:
1- الاستِخارة: وهي لا ترجِع إلى نفس الحج، فإنَّه خيرٌ لا مَحالة، وإنَّما ترجِع إلى تعْيين وقت السَّفر، واختِيار الرُّفقة، ووسيلة النقْل وما شابه ذلك.
2- التَّوبة: إذا استقرَّ عزْمه على الحجِّ فليبدأ بالتوبة النصوح من جَميع المعاصي.
3- الإخلاص لله تعالى: والحذَر من الرِّياء والسُّمعة.
4- تفرُّغ القلب: يُستحبُّ أن يكون خاليَ اليد من تِجارةٍ تشغل قلبَه.
5- الفقْه: ينبغي أن يتعلَّم كيفيَّة الحجِّ والعمرة وصفة المناسك وآدابها.
6- الكسْب الحلال: يَجب على الحاج أن يَختار المال الحلال لحجِّه وعمْرتِه.
7- الوصيَّة: يستحبُّ له أن يكتُب وصيَّته ويقضي ما عليْه من ديون، ويردَّ الودائع إلى أهلها.
8- توديع الأهل: يستحبُّ له أن يودِّع أهلَه وأقاربَه وجيرانه وأصحابَه.
9- التزوُّد: يستحبُّ له أن يتوسَّع في حَمل الزَّاد والنَّفقة ليواسيَ إخْوانَه من فُقراء الحجيج، كما يَجب عليْه أن يترُك لأهله ما يكفيهم أثناء حجِّه.
10- السَّفر يوم الخَميس: يستحبُّ أن يَجعل سفره يوم الخميس؛ لفعل النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم.
11- الدُّعاء: الالتِزام بالأدْعية النبويَّة عند السَّفر وفي كلِّ مُناسبة، والإكْثار من الأدْعية المُطْلقة.
12- الاجتِهاد: ينبغي على الحاجِّ أن يَحرِص على القيام بِما أوجب الله عليْه منَ الطَّاعات واجتِناب المحرَّمات، ويحرص على إقامة الصلاة جماعةً في أوْقاتِها.
13- التأدُّب: ينبغي أن يَتخلَّق بالأخلاق الفاضلة.
14- ماء زمزم: يستحبُّ أن يستصْحِب معه من ماء زمزم شيئًا.
الإحرام:
الإحرام: هو أوَّل أعمال الحجِّ أو العمرة، وهو نيَّة الدُّخول في النُّسك، ووقْت الإحْرام في الحجِّ يبدأ من دُخول شهْر شوَّال؛ لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]، وهي الأشْهُر الحرُم، وأوَّلُها شهرُ شوَّال، وآخِرُها شهْر ذي الحجَّة.
أماكن الإحرام (المواقيت):
حدَّد النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمكِنة لا يَجوز لِمَن مرَّ بِها - وهو يُريدُ الحجَّ أو العمرة - أن يتعدَّاها إلى مكَّة إلا وهو مُحرم، وهي:
1- ذو الحُليفة: ويُسمِّيه العامَّة (أبيار علي) وهو ميقات أهْلِ المدينة، ومن جاء عن طريقهم برًّا أو جَوًّا.
2- الجحفة: موضع قريب من رابغ، وهو ميقاتُ أهْلِ المَغْرِب والشَّام ومِصْر، ومن جاء عن طريقهم برًّا أو جوًّا أو بحرًا.
3- يَلَمْلم: وهو ميقات أهْلِ اليَمن ومَن جاءَ عن طريقِهم.
4- قرن المنازل: ويسمَّى بالسيل، وهو ميقات أهل نجد ومَن جاء عن طريقهم.
5- ذات عرق: وهو ميقات أهْلِ العِراق ومَن جاء عن طريقِهم.
* تنبيه:
مَن كان منزِلُه دون هذه المواقيت مِمَّا يلي مكَّة، فإنَّه يُحْرِم بالحجِّ أو العُمرة من منزِله، إلا مَن كان منزلُه في مكَّة، فإنَّه يخرج إلى الحلِّ للإحرام بالعمرة، وأمَّا الحج فيُحْرِم به من مكَّة.
* ما ينبغي على الحاج فعله قبل الإحرام:
1- تقليم الأظفار، وقص الشَّارب، وأخْذ شعْر الإبطين والعانة.
2- الاغتِسال.
3- لبْس إزار ورِداء، ويستحبُّ أن يكونا أبْيضيْن نظيفيْن.
4- تَخلع المرأةُ ما على وجْهِها من برْقُع ونِقاب ممَّا خيط للوجْه خاصَّة، وتجعل مكانَه خِمارًا تستُر به رأسَها ووجْهَها عن الرِّجال الأجانِب، وكذلك تَخلع القُفَّازَين من يديْها.
5- يستحبُّ للحاجِّ أن يطيّب قبل الإحرام في بدنه خاصَّة، ولا يطيب ملابسَ الإحرام.
6- إذا وصلت المرأة الميقات وهي حائض أو نُفَساء أو مستحاضة، فيُشْرع لَها أن تغْتَسِل وتُحْرِم مع النَّاس بما أرادتْ من نُسُك، وتفعل ما يفعله الحاجُّ غير أنَّها لا تطوف بالبيت حتَّى تطهر، أمَّا المستحاضة فلها أن تطوفَ بالبيْت إذا أمِنَتْ من تلويثِها للمسْجِد.
محظورات الإحرام:
1- إزالة الشعر من جَميع البدَن بحلق أو غيره بلا عذر.
2- قص الأظفار أو خلْعها من اليدين أو الرجلين بلا عذر.
3- تغطية الرجل رأسَه بِمُلاصق كالعمامة والغترة والطاقية.
4- لبس الرجُل للمخيط عمدًا، والمخيط هو ما كان مفصَّلاً على هيئة البدن، كالقميص والسراويل والقفَّازين.
5- لبس المرأة للنِّقاب والقفَّازين.
6- استِعْمال الطيب بعد الإحرام في البدن أو الثياب.
7- مباشرة النِّساء بشهوة.
* تنبيه:
وفدية كلِّ واحدٍ من هذه المَحْظورات إذا فعلَها الحاج عالمًا معتمِّدًا إمَّا ذبْح شاةٍ أو طعام ستَّة مساكين، أو صيام ثلاثة أيَّام.
8- الجِماع في الفرج: وله حالان:
* الأول: إذا وقع قبل التحلُّل الأوَّل ترتَّب عليه:
أ- فساد النسك وبطلانه.
ب- وجوب المضي فيه.
ج- وجوب قضائِه في العام القادم.
د- فدية، ينحرها ويوزِّعها على فقراء الحرم.
* الثاني: إذا حصل الجماع بعد التحلُّل الأوَّل، فإنَّه لا يبطل حجُّه، وعليه ذبْح شاة، والمرأة كالرَّجُل في الفدية إذا كانت مُطاوعة.
9- عقد النكاح: يفسد، وليس فيه فدية.
10- قتل الصيد: وهو كل حيوان برِّي حلال متوحِّش، كالظِّباء والأرانب والحمام.
* إضاءة: إذا فعل شيئًا من مَحْظورات الإحْرام ناسيًا أو جاهلا أو مُكرهًا أو نائبًا فلا شيء عليْه، لا إثْم ولا فِدْيَة، ولا فساد نُسُك.
أنواع النسك:
* الأنْساك ثلاثة: التمتُّع - القِران - الإفراد
*فالتَّمتُّع: أن يُحْرِم بالعُمْرة وحْدها في أشْهُر الحجِّ - أي بعْد دُخول شوَّال - بنيَّة أن يحجَّ هذا العام، فيقول: لبَّيْك عمرة، ثُمَّ يتحلَّل منها ويُحرم بالحجِّ في وقْتِه، وهو أفضل الأنْساك.
*والقِران: أن يُحْرِم بالعُمرة والحجِّ جميعًا، فيقول: لبَّيْك عُمرةً وحجًّا، أو يُحْرم بالعُمرة أوَّلاً ثُمَّ يدخل الحجُّ عليها قبل الشُّروع في طوافِها.
*والإفراد:أن يُحْرِم بالحجِّ مُفْردًا فيقول: لبَّيْك حجًّا.
صفة العمرة:
1- إذا أرد المسلم الحجَّ على صفة التمتُّع، فإنَّه يُحْرِم بالعُمرة في أشهُر الحجِّ.
2- إذا وصل إلى الميقات تَجرَّد من ثيابِه واغتَسل وتطيَّب في رأْسِه ولِحْيته، ثُمَّ لبس إزارًا ورداءً أبيضَيْن نظيفَين.
3- تلبَس المرأةُ ما شاءتْ من الثِّياب إلا أنَّها لا تتبرَّج بالزِّينة، ولا تتطيَّب في بدنِها أو ثيابِها.
4- إذا كان وقْتُ صلاة صلَّى الحاجُّ - غير الحائض والنُّفساء - الفريضة, وإلاَّ صلَّى ركعتين ينوي بهما سنَّة الوضوء.
5- فإذا فرغ من الصلاة أحرَم وقال: "لبَّيك عمرة, لبَّيك اللَّهُمَّ لبَّيك, لبَّيْك لا شريك لك لبَّيْك, إنَّ الحمد والنِّعْمة لك والملك, لا شريك لك" يرْفَعُ الرَّجُل صوتَه بذلك, وتُسمِع المرأةُ مَن بِجانبِها من النساء.
6- والتلبية مشروعةٌ في العُمْرة من الإحْرام إلى أن يبتدئَ بالطَّواف, وفي الحجِّ من الإحْرام إلى أن يبتدئَ برمْي جَمرة العقبة يوم العِيد.
7- ولا يزالُ يلبِّي حتَّى يصِلَ إلى مكَّة, فإذا قرب من مكَّة استحبَّ له أن يغتسِل لدخولِها كما فعل النَّبيُّ, فإذا وصل إلى المسجِد الحرام ودخل المسجِد قدَّم رِجْله اليمين، وقال: "بسم الله, والصلاة والسلام على رسول الله, اللهُمَّ اغفر لي ذنوبي وافتَحْ لي أبواب رحْمَتِك, أَعوذ بالله العظيم, وبوجْهِه الكريم, وسُلْطانِه القديم من الشَّيطان الرَّجيم".
8- فإذا شرع في الطَّواف قطع التَّلبية, ثم يتقدَّم إلى الحجر الأسود ليبتدئ الطَّواف منه, فيستَلِم الحجَر بيدِه اليُمنى ويقبِّله, ويقول عند استلامه: "باسم الله, والله أكبر, اللهُمَّ إيمانًا بك, وتصديقًا بكتابِك, ووفاءً بعهْدِك, واتِّباعًا لسُنَّة نبيِّك محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم -" فإذا لم يتيسَّر له تقبيلُ الحجَر استلمَه وقبَّل يده.
9- ثم يجعل البيت عن يسارِه أثْناء الطَّواف, ويطوف سبعةَ أشْواط, يَبْدأ بالحجَر ويَختم به ولا يستلِم من البيتِ سِوى الحجَر الأسود والرُّكن اليماني؛ لأنَّ النَّبيَّ لم يستلِم سواهما.
10- يسنُّ في هذا الطَّواف أن يكشِف عن كتفِه الأيمن, وأن يُسْرِع الخطى في الأشواط الثلاثة الأولى.
11- يُكبِّر كلَّما حاذى الحجر الأسْود, ولا يكبِّر عند الركن اليماني, ويقول في بقيَّة طوافه ما أحبَّ من ذِكْر ودُعاءٍ وقِراءة قُرآن.
12- فإذا أتمَّ الطَّواف سبعةَ أشْواط تقدَّم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، ثُمَّ صلَّى خلْفَه ركعتَين خفيفتَين.
13- إذا فرَغَ من الرَّكعتَين رجع إلى الحجَر الأسود فاستلمه إن تيسَّر له.
14- ثم يخرج إلى المسعى, فإذا دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]، ولا يُعيد هذه الآية بعد ذلك.
15- ثم يرقَى الصَّفا حتَّى يرى الكعبة فيستقبلها ويرفع يديه, فيحمَد الله ويُثْنِي عليْه ويدعو, وكان من دُعاء النَّبيِّ هُنا: "لا إله إلا الله وحْده, أنْجَز وعده, ونصر عبْده, وهزم الأحزاب وحْده" يقوله ثلاثًا.
16- ثُمَّ ينزل منَ الصَّفا إلى المَرْوة ماشيًا, فإذا بلغ العلم الأخضر ركض ركضًا شديدًا, فإذا بلغ الأخضَر الثَّاني مشى كعادتِه إلى أن يصِلَ إلى المرْوَة فيرقى عليْها, ويستقبل القِبلة ويرْفَع يديْه, ويقول ما قاله على الصَّفا.
17- ثُمَّ ينزل من المرْوة إلى الصَّفا, فيمْشِي في موْضِع مشْيِه, ويسعى في موضع سعْيِه.
18- فإذا وصل الصَّفا فَعَلَ كما فعل أوَّل مرَّة, وهكذا المرْوة, حتَّى يكمل سبعة أشواط, ذهابه من الصَّفا إلى المروة شوط, ورجوعُه من المرْوة إلى الصَّفا شوْطٌ آخَر.
19- فإذا أتمَّ سَعْيَه سبعةَ أشْواطٍ حَلَق رأْسَه أو قصَّره إن كان رجلاً, والمرأة تقصِّر من كل أطرافِ شعرها قدر أنملة, ويجب أن يَكون الحلق أو التَّقصير شاملاً جَميع جهات الرَّأس.
20- وبِهذه الأعمال تمَّت العمرة, ثم بعد ذلك يحلُّ منها تحلُّلاً كامِلاً, ويفعل ما فعله المحلُّون من اللِّباس الطيِّب وإتْيان النِّساء وغير ذلك.
أعْمال يوم التروية - الثامن من ذي الحجَّة:
1- إذا كان يوم التَّرْوية - وهو اليوم الثامن من ذي الحجَّة - استحبَّ للذين أحلُّوا بعد العمرة - وهم المتمتِّعون - أن يُحرِموا للحجِّ ضحًى من مساكِنهم, وكذلك من أراد الحجَّ من أهل مكة, أمَّا القارن والمفْرِد الذين لم يحلُّوا من إحرامهم, فهم باقون على إحْرامهم.
2- يفعل الحاجُّ عند إحْرامه بالحجِّ كما فعل عند إحْرامه بالعُمرة, من الغسل والطِّيب والصَّلاة على الصِّفة التي ذُكِرَت هُناك.
3- ثم يَنوي الإحْرام بالحجِّ بقَلْبِه ويلبِّي.
4- وصِفَة التَّلبية في الحجِّ أن يقول: "لبَّيْك حجًّا, لبَّيْك اللَّهُمَّ لبَّيك, لبَّيك لا شريك لك لبَّيك, إنَّ الحمد والنِّعمة لك والمُلْك لا شريك لك".
5- إذا كان الحاج خائفًا من عائقٍ يَمنعُه من إتْمام حجِّه، اشترَطَ فقال: "فإن حبَسَني" وإنْ لم يكن خائفًا من عائق لم يشتَرِط.
6- وفائدة الاشتِراط أنَّ المُحْرِم إذا اشترط وأصابَه ما يَمنعُه من إتْمام نُسُكه, جاز له التحلُّل ولا شيْءَ عليْه.
7- يُستحبُّ التَّوجُّه إلى مِنى قبْل الزَّوال, والإكْثار من التَّلبية إلى أن يَرمي جَمرة العقبة.
8- يُصلِّي الحاجُّ بِمنى الظُّهر والعَصر والمَغْرِب والعِشاء والفجْر, قصرًا للصَّلاة الرُّباعية بلا جَمع.
9- يبيت الحاجُّ بِمنى ليلةَ عرَفة؛ لفعْلِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذلك, فإذا صلَّى الفجْر مَكَثَ يذكُر الله حتَّى تطْلع الشَّمس.
10- إذا طلعتِ الشَّمس سار الحاجُّ من منى إلى عرفات.
يتبع