عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-01-2020, 02:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,610
الدولة : Egypt
افتراضي هل وحدها ترحل الأجساد؟!

هل وحدها ترحل الأجساد؟!






د. خاطر الشافعي







أول ما يتبادر إلى الذهن عندما نسمع كلمة "الرحيل"، أننا أمام حالة افتقاد أو مُغادرة شخصٍ ما أو مجموعة من الأشخاص، فهل وحدها ترحل الأجساد؟!





أمرٌ بديهي أن يكون تفكيرنا في كلمة "الرحيل" مرتبطًا بالغياب المادي، ولكن ثمة معانٍ كثيرة ستَنبثِق من رحِمِ الكلمة لو نظرنا إليها من منظور آخر.





إن مُعطيات ما يَحدث الآن على الأرض يَخلق آفاقًا أرحب لمعاني الكلمات؛ إذ لم يعد الرحيل مقتصرًا على الأشخاص، بل تعداها إلى المعاني والقِيَم، فنظرة بسيطة جدًّا حولنا ستخبرنا عن الكم الهائل من الصفات والمعاني والمبادئ الجميلة الراحلة.





والغريب أننا ندَّعي التقدم والرقي بمرور الزمن، ونمضي على قدمٍ وساق في طريق الرحيل لمعانٍ كثيرة، وإلا فأين نجد قيم العدل والحق والوفاء والإخلاص والأخلاق الفاضلة؟!





وكم من المفردات الجميلة رحل وسط زحام ما حلَّ من مفردات كثيرة تعودتْها الأذن، ومشاهدَ تعودتها العين، ونحن نرى ما هو كائن من ظلمٍ وغدرٍ وخيانة وكذب وغشٍّ وتدليس، وكافة أشكال الافتقار البشري للقيَم التي اختصَّ بها الله جِنسنا بالعقل والحكمة، فادَّعينا الرقي، مع أن نظرة إلى المخلوقات الأخرى بفِطرتها، تضعنا موضع اتهامٍ وتقصير، بعدما رحلت عن عالمنا المعاني الفاضلة، فهل حقًّا رحلَتِ المعاني الفاضلة؟!





محزنٌ جدًّا أن ترحل المعاني الفاضلة، وبات الباحث عنها وكأنه يبحَث عن المستحيل في جوٍّ يجبر القابض عليها على الشعور بالغربة؛ فهل نحن نعيش زمن المعاني المستحيلة؟!






مِن المخجل أن ندَّعي التقدم والرقي ونحن نَسير على مُنحدَرِ القِيَم بأقصى سرعة، فرحلت المبادئ التي عليها قامت الأمم وشيدت الممالك!





عن أي تقدُّمٍ نتحدَّث وقد قلَّ الصالحون والمُصلحون، وزاد الفاسِدون والمفسدون؟!


عن أي تقدم نتحدث ونحن نرى نشرات الأخبار تتصدَّرها مشاهد الدم والقهر والتنكيل والجَبروت؟!


عن أي تقدُّم نتحدَّث ونحن نرى الصدارة للجلاَّدين، ولا حظَّ للمَظلومين؟!


عن أي تقدُّم نتحدَّث ونحن نرى سيرك الزيف، ونسمع تصفيق الأفَّاكين الكاذبين؟!





عن أي تقدُّم نتحدَّث ونحن نرى "المثاليَّة" قد خُرِقَ ثوبها في "وصلة رقص" قميئة ضجَّت منها واشتكت "أمهات" المبادئ والقِيَم والأخلاق؟!





نحن حقًّا نعيش "عصر الرحيل"؟!


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 15.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 15.10 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.99%)]