الموضوع: العجب العجب
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-01-2020, 08:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,855
الدولة : Egypt
افتراضي العجب العجب

العجب العجب

جهاد حلس




1- ذكر ابن سعد في الطبقات عن عمر بن عبد العزيز: أنه كان إذا خطب على المنبر فخاف على نفسه العجب قطعه.
وإذا كتب كتاباً فخاف فيه العجب مزقه، ويقول: اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي[الفوائد لابن القيم].
وفي ترجمته -رحمه الله- أنه قال: "إني لأدع كثيراً من الكلام مخافة المباهاة [الطبقات (5/368)].
ودواء ذلك في: تذكر أن علمه وفهمه وجودة ذهنه وفصاحته وغير ذلك من النعم، فضل من الله عليه، وأمانة عنده ليرعاها حق رعايتها، وأن العجب بها كفران لنعمتها فيعرضها للزوال؛ لأن معطيه إياها قادر على سلبها منه في طرفة عين: (وما ذلك على الله بعِزيز)، (فأمنوا مكر الله).
ومن أدوية الرياء الفكر في أن الخلق كلهم لا يقدرون على نفعه وضرره، فلم يحبط عمله ويضر دينه ويشغل نفسه بمراعاة من لا يملك له في الحقيقة نفعاً ولا ضراً مع أن الله -تعالى- يطلعهم على نيته، وقبح سريرته [كما صح في الحديث: ((من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به)).
آداب العلماء والمتعلمين
2- سُئِلَ الحافظ عبد الغني المقدسي: "لِمَ لا تقرأ من غير كتاب؟ قال: أخاف العجب"[السير 21/449)].
3- قال مالك بن دينار -رحمه الله-: "إذا طلب العبد العلم ليعمل به كسره، وإذا طلبه لغير العمل زاده فخرا"[اقتضاء العلم العمل(ص33)، للخطيب البغدادي].
قلت: سبحان الله، إذاً فطلاب العلم اليوم قليل، ولن تجدهم في هذا الزمان، إلا في كتاب أو تحت تراب.
4- حُكِيَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: نَظَرَ إلَى الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ يَسْحَبُهَا وَيَمْشِي الْخُيَلَاءَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا هَذِهِ الْمِشْيَةُ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ فَقَالَ الْمُهَلَّبُ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ فَقَالَ: بَلْ أَعْرِفُك، أَوَّلُك نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ، وَآخِرُك جِيفَةٌ قَذِرَةٌ، وَحَشْوُك فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بَوْلٌ وَعَذِرَةٌ[أدب الدنيا والدين].
5- اعلم أنه لا يتكبر إلا من استعظم نفسه، ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال، وجماع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي، فالديني هو العلم والعمل، والدنيوي هو النسب والجمال والقوة والمال وكثرة الأنصار، فهذه سبعة أسباب:
الأول: العلم، وما أسرع الكبر إلى بعض العلماء فلا يلبث أن يستشعر في نفسه كمال العلم فيستعظم نفسه ويستحقر الناس ويستجهلهم ويستخدم من خالطه منهم.
وقد يرى نفسه عند الله -تعالى- أعلى وأفضل منهم فيخاف عليهم أكثر مما يخاف على نفسه، ويرجو لنفسه أكثر مما يرجو لهم، وسبب كبره بالعلم أمران:
أحدهما: أن يكون اشتغاله بما يسمى علما وليس علما في الحقيقة، فإن العلم الحقيقي ما يعرف به العبد ربه ونفسه وخطر أمره في لقاء الله والحجاب منه، وهذا يورث الخشية والتواضع دون الكبر، قال -تعالى-: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) [فاطر: 28].
ثانيهما: أن يخوض في العلم، وهو خبيث الدخلة رديء النفس سيئ الأخلاق، فإنه لم يشتغل أولا بتهذيب نفسه وتزكية قلبه بأنواع المجاهدات فبقي خبيث الجوهر، فإذا خاض في العلم صادف العلم من قلبه منزلا خبيثا فلم يطب ثمره ولم يظهر في الخير أثره، وقد ضرب «وهب» لهذا مثلا فقال: العلم كالغيث ينزل من السماء حلوا صافيا فتشربه الأشجار بعروقها فتحوله على قدر طعومها فيزداد المر مرارة والحلو حلاوة، فكذلك العلم يحفظه الرجال فتحوله على قدر هممها وأهوائها، فيزيد المتكبر كبرا والمتواضع تواضعا، وهذا ; لأن من كانت همته الكبر هو جاهل فإذا حفظ العلم وجد ما يتكبر به فازداد كبرا، وإذا كان الرجل خائفا مع علمه فازداد علما علم أن الحجة قد تأكدت عليه فيزداد خوفا.
الثاني العمل والعبادة: وليس يخلو عن رذيلة الكبر واستمالة قلوب الناس العباد فيترشح منهم الكبر في الدين والدنيا، أما في الدنيا فهو أنهم يتوقعون ذكرهم بالورع والتقوى وتقديمهم على سائر الناس، وكأنهم يرون عبادتهم منة على الخلق، وأما في الدين فهو أن يرى الناس هالكين ويرى نفسه ناجيا، وهو الهالك تحقيقا مهما رأى ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم)) وإنما قال ذلك; لأن هذا القول منه يدل على أنه مزدر بخلق الله مغتر آمن من مكره غير خائف من سطوته، وكيف لا يخاف ويكفيه شرا احتقاره لغيره، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((كفى بالمرء شرا أن يحقر أخاه المسلم)).
وكثير من العباد إذا استخف به مستخف أو آذاه مؤذ استبعد أن يغفر الله له، ولا يشك في أنه صار ممقوتا عند الله، وذلك لعظم قدر نفسه عنده، وهو جهل وجمع بين الكبر والعجب والاغترار بالله.
وقد ينتهي الحمق والغباوة ببعضهم إلى أن يتحدى ويقول: «سترون ما يجري عليه»، وإذا أصيب بنكبة زعم أن ذلك من كراماته، وأن الله ما أراد إلا الانتقام له مع أنه يرى طبقات من الكفار يسبون الله ورسوله، وعرف جماعة آذوا الأنبياء صلوات الله عليهم فمنهم من قتلهم، ومنهم من ضربهم، ثم إن الله أمهل أكثرهم، ولا يعاقبهم في الدنيا، بل ربما أسلم بعضهم فلم يصبه مكروه في الدنيا، ولا في الآخرة: أفيظن هذا الجاهل المغرور أنه أكرم على الله من أنبيائه، وأنه قد انتقم له بما لم ينتقم لأنبيائه به، ولعله في مقت الله بإعجابه وكبره، وهو غافل عن هلاك نفسه، فهذه عقيدة المغترين، وأما الأكياس من العباد فيقولون ما كان يقوله السلف بعد انصرافه من عرفات: «كنت أرجو الرحمة لجميعهم لولا كوني فيهم» فانظر إلى الفرق بين الرجلين: هذا يتقي الله ظاهرا وباطنا، وهو وجل على نفسه مزدر لعمله، وذاك يضمر من الرياء والكبر والغل ما هو ضحكة للشيطان به، ثم إنه يمتن على الله بعمله.
ومن آثار الكبر في العابد أن يعبس وجهه كأنه متنزه عن الناس مستقذر لهم، وليس يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تقطب، ولا في الرقبة حتى تطأطأ، ولا في الذيل حتى يضم، إنما الورع في القلوب، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التقوى هاهنا)) وأشار إلى صدره، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- أكرم الخلق وأتقاهم، وكان أوسعهم خلقا وأكثرهم بشرا وتبسما وانبساطا كما قال -تعالى-: (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) [الشعراء: 215].
الثالث: التكبر بالحسب والنسب، فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب وإن كان أرفع منه عملا وعلما، وقد يتكبر بعضهم فيأنف من مخالطة الناس ومجالستهم، وقد يجري على لسانه التفاخر به فيقول لغيره: من أنت ومن أبوك فأنا فلان ابن فلان، ومع مثلي تتكلم.
وقد روي أن «أبا ذر» -رضي الله عنه- قال: ((قاولت رجلا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت له: يا ابن السوداء، فغضب -صلى الله عليه وسلم- وقال: ((يا أبا ذر، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل)) فقال أبو ذر: فاضطجعت وقلت للرجل: قم فطأ على خدي)).
فانظر كيف نبهه -صلى الله عليه وسلم- على أن ذلك جهل، وانظر كيف تاب وقلع من نفسه شجرة الكبر إذ عرف أن العز لا يقمعه إلا الذل.
الرابع: التفاخر بالجمال، وذلك أكثر ما يجري بين النساء ويدعو ذلك إلى التنقص والثلب والغيبة وذكر عيوب الناس.
الخامس: الكبر بالمال وذلك يجري بين الأمراء والتجار في لباسهم وخيولهم ومراكبهم فيستحقر الغني الفقير ويتكبر عليه، وكل ذلك جهل بفضيلة الفقر وآفة الغنى.
السادس: الكبر بالقوة وشدة البطش والتكبر به على أهل الضعف.
السابع: التكبر بالأتباع والأنصار والعشيرة والأقارب.
فهذه مجامع ما يتكبر به العباد بعضهم على بعض.
نسأله –تعالى- العون بلطفه ورحمته [موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين ص264].
6- قال الحافظ ابْنِ الْجَوْزِيِّ -رحمه الله-: إذا تم علم الإنسان، لم ير لنفسه عملًا؛ وإنما يرى إنعام الموفق لذلك العمل، الذي يمنع العاقل أن يرى لنفسه عملًا، أو يعجب به، وذلك بأشياء: منها: أنه وفق لذلك العمل: (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ)[الحجرات: 7]، ومنها: أنه إذا قيس بالنعم، لم يف بمعشار عشرها، ومنها: أنه إذا لوحظت عظمة المخدوم، احتقر كل عمل وتعبد، هذا إذا سلم من شائبة، وخلص من غفلة.
فأما والغفلات تحيط به؛ فينبغي أن يغلب الحذر من رده، ويخاف العتاب على التقصير فيه، فيشتغل عن النظر إليه.
وتأمل على الفطناء أحوالهم في ذلك: فالملائكة الذين يسبحون الليل والنهار، لا يفترون، قالوا: ما عبدناك حق عبادتك، والخليل -عليه السلام- يقول: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي) [الشعراء: 82]، وما أدل بتصبره على النار، وتسليمه الولد إلى الذبح.
ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما منكم من ينجيه عمله"، قالوا: ولا أنت؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته" وأبو بكر -رضي الله عنه- يقول: "وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟!)) وعمر -رضي الله عنه- يقول: "لو أن لي طلاع الأرض، لافتديت بها من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر"، وابن مسعود يقول: "ليتني إذا مت لا أبعث"، وعائشة -رضي الله عنها- تقول: "ليتني كنت نسيًا منسيًا" وهذا شأن جميع العقلاء، فرضي الله عن الجميع [صيد الخاطر ص 393].
7- قال الأحنف بن قيس: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر، وقد وصف بعض الشعراء الإنسان، فقال:
يا مظهر الكبر إعجابا بصورته *** انظر خلاك فإن النتن تثريب
لو فكر الناس فيما في بطونهم *** ما استشعر الكبر شبان ولا شيب
هل في ابن آدم مثل الرأس مكرمة *** وهو بخمس من الأقذار مضروب
أنف يسيل وأذن ريحها سهك *** والعين مرفضة والثغر ملعوب
يا ابن التراب ومأكول التراب غدا *** أقصر فإنك مأكول ومشروب
قال ابن السماك لعيسى بن موسى:
تواضعك في شرفك أشرف لك من شرفك.
وكان يقال:
اسمان متضادان بمعنى واحد: التواضع والشرف [أدب الدنيا والدين].
8- قال خالد بن معدان -رحمه -: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى الناس في جنب الله أمثال الأباعر، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أحقر حاقر [حلية الأولياء].
9- قال محمد بن واسع -رحمه الله-: لو كان للذنوب ريح ما جلس إلي أحد[السير (6/120)].
10- عن مطرف -رحمه الله- قال: "لأن أبيت نائما وأصبح نادما، أحب إلي من أن أبيت قائما وأصبح معجبا"[المجالسة وجواهر العلم (6/327)].
11- كيف تُداوي "العُجب" يا طالب العلم؟ للإمام ابن حزم الأندلسي.
قال الإمام ابن حزم -رحمه الله تعالى- في كتابه: "الأخلاق والسير": من امتحن بالعجب فليفكر في عيوبه فإن أعجب بفضائله فليفتش ما فيه من الأَخْلاَق الدنيئة فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنه لا عيب فيه فليعلم أن مصيبته إلى الأبد وأنه لأتم الناس نقصاً وأعظمهم عيوباً، وأضعفهم تمييزاً، وأول ذلك أنه ضعيف العقل جاهل.
ولا عيب أشد من هذين لأن العاقل هو من ميز عيوب نفسه فغالبها وسعى في قمعها، والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه، إما لقلة علمه وتمييزه وضعف فكرته، وإما لأنه يقدر أن عيوبه خصال، وهذا أشد عيب في الأرض.
وفي الناس كثير يفخرون بالزنا واللياطة والسرقة والظلم، فيعجب بتأتي هذه النحوس له وبقوته على هذه المخازي.
واعلم يقيناً: أنه لا يسلم إنسي من نقص حاشا الأنبياء -صلوات الله عليهم-، فمن خفيت عليه عيوب نفسه فقد سقط، وصار من السخف والضعة والرذالة والخسة وضعف التمييز والعقل وقلة الفهم بحيث لا يتخلف عنه مختلف من الأرذال، وبحيث ليس تحته منزلة من الدناءة، فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه، والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها، وعن عيوب غيره التي لا تضره في الدنيا ولا في الآخرة.
وما أدري لسماع عيوب الناس خصلة إلا الاتعاظ بما يسمع المرء منها فيجتنبها، ويسعى في إزالة ما فيه منها بحول الله -تعالى- وقوته.
وأما النطق بعيوب الناس فعيب كبير لا يسوغ أصلاً.
والواجب اجتنابه إلا في نصيحة من يتوقع عليه الأذى بمداخلة المعيب أو على سبيل تبكيت المعجب فقط في وجهه لا خلف ظهره ثم يقول للمعجب ارجع إلى نفسك فإذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك.
ولا تمثل بين نفسك وبين من هو أكثر عيوباً منها فتستسهل الرذائل وتكون مقلداً لأهل الشر وقد ذم تقليد أهل الخير فكيف تقليد أهل الشر! لكن مثل بين نفسك وبين من هو أفضل منك فحينئذ يتلف عجبك وتفيق من هذا الداء القبيح الذي يولد عليك الاستخفاف بالناس وفيهم بلا شك من هو خير منك.
فإذا استخففت بهم بغير حق استخفوا بك بحق لأن الله -تعالى- يقول: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا).
فتولد على نفسك أن تكون أهلاً للاستخفاف بك بل على الحقيقة مع مقت الله -عز وجل- وطمس ما فيك من فضيلة.
فإن أعجبت بعقلك ففكر في كل فكرة سوء تحل بخاطرك وفي أضاليل الأماني الطائفة بك فإنك تعلم نقص عقلك حينئذ.
وإن أعجبت بآرائك فتفكر في سقطاتك واحفظها ولا تنسها وفي كل رأي قدرته صواباً فخرج بخلاف تقديرك وأصاب غيرك وأخطأت أنت، فإنك إن فعلت ذلك فأقل أحوالك أن يوازن سقوط رأيك بصوابه فتخرج لا لك ولا عليك والأغلب أن خطأك أكثر من صوابك وهكذا كل أحد من الناس بعد النبيين صلوات الله عليهم.
وإن أعجبت بعملك فتفكر في معاصيك وفي تقصيرك وفي معاشك ووجوهه فو الله لتجدن من ذلك ما يغلب على خيرك ويعفي على حسناتك فليطل همك حينئذ وأبدل من الْعُجْب تنقصاً لنفسك.
وإن أعجبت بعلمك فاعلم أنه لا خصلة لك فيه وأنه موهبة من الله مجردة وهبك إياها ربك -تعالى- فلا تقابلها بما يسخطه فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها تولد عليك نسيان ما علمت وحفظت.
ولقد أخبرني عبد الملك بن طريف وهو من أهل الْعِلْم والذكاء واعتدال الأحوال وصحة البحث أنه كان ذا حظ من الحفظ عظيم لا يكاد يمر على سمعه شيء يحتاج إلى استعادته وأنه ركب البحر فمر به فيه هول شديد أنساه أكثر ما كان يحفظ وأخل بقوة حفظه إخلالاً شديداً لم يعاوده ذلك الذكاء بعد.
وأنا أصابتني علة فأفقت منها وقد ذهب ما كنت أحفظ إلا ما لا قدر له فما عاودته إلا بعد أعوام.
واعلم أن كثيراً من أهل الحرص على الْعِلْم يجدون في القراءة والإكباب على الدروس والطلب ثم لا يرزقون منه حظاً. فليعلم ذو الْعِلْم أنه لو كان بالإكباب وحده لكان غيره فوقه فصح أنه موهبة من الله - تعالى -فأي مكان للعجب ها هنا! ما هذا إلا موضع تواضع وشكر لله -تعالى- واستزادة من نعمه واستعاذة من سلبها.
ثم تفكر أيضاً في أن ما خفي عليك وجهلته من أنواع الْعِلْم ثم من أصناف علمك الذي تختص به. فالذي أعجبت بنفاذك فيه أكثر مما تعلم من ذلك فاجعل مكان الْعُجْب استنقاصاً لنفسك واستقصاراً لها فهو أولى وتفكر فيمن كان أعلم منك تجدهم كثيراً فلتهن نفسك عندك حينئذ وتفكر في إخلالك بعلمك وأنك لا تعمل بما علمت منه فلعلمك عليك حجة حينئذ ولقد كان أسلم لك لو لم تكن عالماً.
واعلم أن الجاهل حينئذ أعقل منك وأحسن حالاً وأعذر فليسقط عجبك بالكلية.
ثم لعل علمك الذي تعجب بنفاذك فيه من العلوم المتأخرة التي لا كبير خصلة فيها كالشعر وما جرى مجراه فانظر حينئذ إلى من علمه أجل من علمك في مراتب الدنيا والآخرة فتهون نفسك عليك.
12- قال الذهبي -رحمه الله-: ينبغي للعالمِ أنْ يتكلمَ بنية وحُسن قصدٍ، فإن أعجبهُ كلامهُ فليصمت، فإن أعجبه الصمت فلينطق، ولا يفتر عن محاسبةِ نفسهِ فإنها تحبُ الظهورَ والثناء[سير أعلام النبلاء» (4/494)].
13- قال مسروق -رحمه الله تعالى-: بحسب الرّجل من العلم أن يخشى اللّه -عز وجل- وبحسب الرّجل من الجهل أن يعجب بعلمه [العلم لزهير بن حرب، ص9].
14- عن طالوت: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: ما صدق الله عبد أحب الشهرة.
علق الذهبي -رحمه الله-: علامة المخلص الذي قد يحب شهرة، ولا يشعر بها، أنه إذا عوتب في ذلك، لا يحرد ولا يبرئ نفسه، بل يعترف، ويقول: رحم الله من أهدى إلي عيوبي، ولا يكن معجبا بنفسه؛ لا يشعر بعيوبها، بل لا يشعر أنه لا يشعر، فإن هذا داء مزمن [سير أعلام النبلاء (7/394)].
15- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وقد يحبونه لعلمه أو دينه أو إحسانه، أو غير ذلك، فالفتنة في هذا أعظم إلا إذا كانت فيه قوة إيمانية وخشية وتوحيد تام، فإن فتنة العلم والجاه والصور فتنة لكل مفتون، وهم مع ذلك يطلبون منه مقاصدهم إن لم يفعلها وإلا نقص الحب أو حصل نوع بغض وربما زاد أو أدى إلى الانسلاخ من حبه [المجموع (338/10)].
16- قال رجل: أتينا علي بن بكار فقلنا له حذيفة المرعشي يقرأ عليك السلام، فقال: عليكم وعليه السلام، إني لأعرفه يأكل الحلال منذ ثلاثين سنة، ولأن ألقى الشيطان عياناً أحب إلي من أن يلقاني وألقاه. قلت له في ذلك فقال: أخاف أن أتصنع له فأتزين لغير الله فأسقط من عين الله [حلية الأولياء (4/204)].
17- قال شيخ الإسلام ابن القيم -رحمه الله-: لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فاقبل على الطمع أولا فأذبحه بسكين اليأس وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص فأن قلت وما الذي يسهل علي ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح قلت أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره ولا يؤتى العبد منها شيئا سواه وأما ازهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين ويضر ذمة ويشين إلا الله وحده كما قال ذلك الأعرابي للنبي أن مدحي زين وذمي شين، فقال ذلك الله -عز وجل- فازهد في مدح من لا يزينك مدحه وفي ذم من لا يشنيك ذم وارغب في مدح من كل الزين في مدحه وكل الشين في ذمه ولن يقدر على ذلك إلا بالصبر واليقين فمتى فقدت الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب قال -تعالى- فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون وقال -تعالى- وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون [الفوائد لابن القيم (ص 149)].
18- عن عبيد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب كان جالسا ذات يوم، فمرت به جارية تحمل قربة، فقام، فأخذ منها القربة وحملها على عنقه حتى وداها ثم رجع، فقال له أصحابه: يرحمك الله يا أمير المؤمنين! ما حملك على هذا؟ قال: إن نفسي أعجبتني؛ فأردت أن أذلها [المجالسة وجواهر العلم (6/91)].
19- في ترجمة هشام الدستوائي: قال عون بن عمارة: سمعت هشاما الدستوائي يقول: "والله ما أستطيع أن أقول أنِّي ذهبت يومًا قط أطلب الحديث أريد به وجه الله -عز وجل-".


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.64 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.78%)]