الموضوع: من ذكريات الحج
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01-01-2020, 02:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,847
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من ذكريات الحج

من ذكريات الحج (2) مقال نادر عن الحج
الشيخ طه محمد الساكت


نشر هذا المقال في مجلة الإسلام
السنة العاشرة - العدد 20 - 18 جمادى الأولى 1360هـ - 13يونية 1941م


أشَرنا في المقال السَّابق إلى اعتدال الوهَّابيِّين، وأنَّهم عدَلوا - أو كادوا - عن خطَط العنف في الدَّعوة، والإسراف في التكفير، والشِّدَّة في المعاملة، إلى غير أولئك ممَّا كنَّا نسمع أو نشاهد، ولعلَّ مرجع ذلك إلى وقوفهم على ما جنته القسوة والغلظة من تنافُر وتحاقُد، وما أَثمره الرِّفقُ واللِّين من تآلُف وسداد، ولا ريب أنَّ في حُسن التفاهم تقليلاً لمواطن الخلاف، وإضعافًا لثَورة النِّزاع، إن لم يكن فيه القَضاءُ عليها.

وفي هذه القصَّة التي وعدتُ القرَّاءَ بها شاهدُ صِدق على ما أقول:
أقامَت البعثةُ بالمدينة المنورة عشرةَ أيَّام كاملة، عدا يومَي الذهاب والإياب، وألقيتُ فيها ثمانية دروس بالرَّوضة الشَّريفة عقب صَلاة الفجر، وكنتُ أنا وفضيلة الأستاذ الشيخ سالم طلبة حجازي أبعدَ النَّاس عن الخلافيَّات ومثار الجدل، كنَّا بعون الله وتوفيقِه نتوقَّى ذلك ما استطعنا، وكان هذا من عوامل النَّجاح التي سأذكرها بعدُ، كانت الدروس الثَّمانية - على عدد أبواب الجنَّة الثمانية - في سورة المزمِّل والمدثر، وأخلاقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وجهاده، وما لاقى هو وأصحابُه في سبيل الدَّعوة إلى الله تعالى، وقد أبى اللهُ أن تمرَّ هذه الدروس دون أن أُبتلى بسائل يثير خلافًا ونِزاعًا على الرغم منِّي؛ سألَني في الدَّرس السَّابع عن رأيي في حياة الأنبياء؟ وأصْغَت الآذان، واشرأبَّت الأعناقُ للجواب عن هذا السؤال، فما كان إلاَّ أن صدعتُ بالحقِّ وقرَّرتُ بأعلى صوتي حياةَ الأنبياء في قبورهم، داعمًا ذلك بكثير من الأدلَّة، إلاَّ أنِّي قلتُ: إنَّها حياة خاصَّة يَحسن ألاَّ نخوضَ في حقيقتها، وبينما أنا بالرَّوضة بين المغرب والعشاء إذا رسولٌ يقول: تفضَّل بمقابلة شَيخ علماء المدينة السيد عبدالله بن جاسر، دُهشتُ لهذا الطَّلب، ولم تسبق لي بشيخ العلماء مَعرفة ولا مخالَطة، ومن هنا علمتُ أنَّ القوم يَبعثون العيونَ والأرصاد يقفون على كلِّ ما يُقال، ذهبتُ إلى الشَّيخ، فحيَّاني هاشًّا وملاطِفًا، وأخذ يمتدح طريقَتي في البُعد عن الخلاف والجدَل، وبيَّن لي أنَّه استمع إلى الدَّرس الأول وبعثَ في بقيَّة الدروس من يَستمع إليها ولم يَأخذ عليَّ إلاَّ أمرين، الأول: أنِّي لم أَستأذِن، والثاني: أنِّي قرَّرتُ في صباح اليوم حياةَ الأنبياء؛ وذلك أمرٌ يَفتن العامَّة، ويمهِّد لهم طريقَ التمسُّح والتوسُّل... إلخ.


فكان جوَابي عن الاعتراض الأوَّل:
أنَّ الدَّعوة إلى الله تعالى لا تَحتاج إلى استئذانٍ، وأنِّي موفَدٌ من الأزهر ومسؤول عن كلِّ ما أقول.

وعن الاعتراض الثاني:
ما ثبتَ من حياة الشهداء، ومن ردِّه صلَّى الله عليه وسلم على من يسلِّم عليه، وإبلاغه صلاةَ من صلَّى عليه، إلى غير ذلك، وأخيرًا اتَّفقنا على أنَّها حياة خاصَّة، فما وسعه إلاَّ أن قال: نعم، هي حياةٌ خاصَّة لا ينبغي أن نَخوض في تحديدها وكيفيَّتها، فقلتُ له: وكذلك قرَّرتُ، قال: إنَّ المبلِّغ لَم يُحسن التبليغ أو لم يُحسن الفهم، فرجائي أن تُعيد الكرَّة مع هذا الموضوع غدًا، وتزيل الشُّبهة عمَّن فَهِم أنَّها حياة مثل هذه الحياة، فوعدتُه أنِّي أفعل.

وفي الدَّرس الثَّامن - وهو الأخير - أعدتُ الموضوعَ مفصَّلاً، وبالغتُ في إِزالة الشُّبهة، وتكلَّمتُ في حُسن التفاهم، وجَمع الكَلمة، ونَبذ هذا الخِلاف الذي جرَّ على المسلمين كلَّ بلاءٍ ونكال.

وبعدُ، فأَعتقِد أنَّنا نستطيع أن نضيِّق شُقَّة الخلاف، ونقرِّب الخُطى بين الفِئات المتقاطِعة والجماعات المتنافِرة، بمثل هذا التَّفاهم الذي جرى بيني وبين شَيخ عُلماء المدينة، وحبَّذا لو جعلنا ذلك أساسًا للبحث وقاعِدة للنَّظر، واللهُ يهدي من يَشاء إلى صراطٍ مستقيم، وسيكون موضوع الحديث التالي: علامة الحجِّ المبرور وأسباب نجاح البعثَة.

والله المستعان ولا حول ولا قوة إلاَّ به.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 16.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.29 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.71%)]