موانع المحبة "الكفر والشرك والحلف بغير الله تعالى"
محمد محمود صقر
ثالثًا: بغضه -تعالى- مستحلَّ الربا:
قال -تعالى-: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ) إلى قوله: (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)[البقرة: 275-276)].
فلما ذكر الله حال المنفقِين -قبل هاتين الآيتين -وما لهم عند الله من الخيرات، وما يكفر عنهم من السيئات والخطيئات، ذكر الظالمين من أكَلة الربا والمعاملات الخبيثة، وأخبر أنهم يجازون بحسب أعمالهم؛ فكما كانوا في الدنيا في طلب المكاسب الخبيثة كالمجانين، عوقبوا في البرزخ والقيامة بأنهم لا يقومون من قبورهم أو يوم بعثهم ونشورهم: (إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ) أي من الجنون والصرع. وذلك عقوبة لهم وخزي وفضيحة، وجزاء لهم على مراباتهم ومجاهرتهم بقولهم: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) فجمعوا -بجراءتهم على الله وعلى أحكامه- بين ما أحل الله وبين ما حرم، واستباحوا بذلك الربا. فسيماهم التي يعرفون بها بين الخلائق الذين كان بعضهم يتخفى عنهم ويُسيِّر الناس يرابون له، فيفضحهم الله ويهتكهم فيسيرون يتخبطون كالمجانين والمصروعين والمخابيل. وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه مر -ليلةَ أُسْرِيَ به- بقومٍ لهم أجواف كالبيوت فسأل عنهم فقيل: هم أكلة الربا.
وروى البخاري عن سمرة بن جندب -في حديث المنام الطويل-: "فأتينا على نهر -حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم -وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع الحجارة عنده فيفغر فاه له، فيلقمه حجرا، وذُكِر في تفسيره أنه آكلُ الربا"[33].
ما هو الربا؟[34]:
1- تعريفه: الربا -في اللغة-: الزيادة. والمقصود به هنا: الزيادة على رأس المال قلَّت أو كثرت. يقول الله - سبحانه -: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)[البقرة: 279)].
2- حكمه: هو محرَّم في جميع الشرائع السماوية، ومحظورٌ في اليهودية والمسيحية والإسلام.
أ- فقد جاء في العهد القديم: "إذا أقرضتَ مالاً لأحد من أبناء شعبي فلا تقِفْ منه موقف الدائن، لا تطلب منه ربحًا لمالك"[35]؛ إلا أن اليهود لا يرون مانعًا من أخذ الربا من غير اليهودي كما جاء في سفر التثنية، وقد رد عليهم القرآن، قال: (وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ)[النساء: 161)].
ب- وفي كتاب العهد الجديد: "إذا أقرضتم لمن تنتظرون منه المكافأة فأي فضل يُعرَف لكم؟ ولكن افعلوا الخيرات وأقرضوا غير منتظرين عائدتها. وإذًا يكون ثوابكم جزيلاً"[36].
وقد حرم رجال الكنيسة الربا تحريمًا قاطعًا، وقال سكوبار: إن من يقول إن الربا ليس معصية يعد ملحدًا خارجًا عن الدين[37].
ج- وتناول القرآن الكريم الربا في عدة مواضع مرتبة ترتيبًا زمنيًّا. ففي العهد المكي نزل قول الله -سبحانه-: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ)[الروم: 39)].
وفي العهد المدني نزل تحريم الربا صراحة في قول الله -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آل عمران: 130)].
وآخر ما ختم به التشريع في الربا قول الله -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)[البقرة: 278-279)].
د- وقال -صلى الله عليه وسلم-: "اجتنبوا السبع الموبقات.. وأكل الربا.. "[38].
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. قال: "هم سواء"[39].
3- الحكمة في تحريم الربا:
1- أنه يسبب العدواة بين الأفراد ويقضي على روح التعاون.
2- أنه يؤدي لإيجاد طبقة المترفين التي لا تعمل، ومع ذلك تتضخم الأموال في يديها.
3- أنه وسيلة الاستعمار كما حدث في زماننا وقبله.
4- أنه يلغي أبواب الخير؛ كالتصدق والزكاة والإقراض الحلال.. إلخ.
4- أقسام الربا:
أ- ربا النسيئة (الأجل): وهو الزيادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل، وهذا النوع محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأئمة.
ب- ربا الفضل (الزيادة): وهو بيع النقود بالنقود أو الطعام بالطعام مع الزيادة، وهو محرم بالسنة والإجماع لأنه ذريعة إلى ربا النسيئة.. قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين))[40]. وقال: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرّ بالبُرِّ، والملح بالملح، مِثْلاً بمثل، يدًا بيد؛ فمن زاد أو استزاد فقد أربَى. الآخذ والمعطي سواء))[41]... ويشترط في بيع المِثْلَيْنِ من الستة المحرم بيعها بأمثالها شرطان:
1- التساوي في الكمية بصرف النظر عن الجودة والرداءة.
2- عدم تأجيل أحد البَدَلَين[42].
وقال الإمام القرطبي مختصرًا: (الربا) كل مالٍ حرام بأي وجه اكتسب. والربا الذي عليه عرف الشرع شيئان: تحريم النساء (النسيئة)، والتفاضل في العقود وفي المطعومات (ربا الفضل). وغالبه ما كانت العرب تفعله، من قولها للغريم (المدين): أتقضي أم تربي؟ فكان الغريم يزيد في عدد المال ويصبر الطالب عليه، وهذا كله محرم باتفاق الأمة.
الفرق بين أكل الربا وبين استحلاله:
قال ابن كثير: وقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) أي إنما جُوزوا بذلك لاعتراضهم على أحكام الله في شرعه، وليس هذا قياسًا منهم الربا على البيع؛ لأن المشركين لا يعترفون بمشروعية أصل البيع الذي شرعه الله في القرآن، ولو كان هذا من باب القياس لقالوا: إنما الربا مثل البيع، وإنما قالوا: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) أي هو نظيره فلم حُرِّم هذا وأبيح هذا؟ وهذا اعتراض منهم على الشرع؛ أي هذا مثل هذا وقد أحل هذا وحرم هذا. ويحتمل أن يكون من تمام الكلام ردًّا عليهم؛ أي على ما قالوه من الاعتراض مع علمهم بتفريق الله بين هذا وهذا حكمًا، وهو العليم الحكيم الذي لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو العالم بحقائق الأمور ومصالحها وما ينفع عباده فيبيحه لهم وما يضرهم فيهناهم عنه، وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها الطفل؛ ولهذا قال: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) أي من بلغه نَهْيُ الله عن الربا فانتهى حال وصول الشرع إليه فله ما سلف من المعاملة.. لا يأمره برد الزيادة التي أخذ ومن كان تعاقد على أخذ زيادة، ونزل الشرع قبل أخذها، فلا يأخذ إلا رأس ماله[43].
وقال العلامة السعدي: فجمعوا -بجراءتِهم- بين ما أحلّ اللهُ وبين ما حرّم اللهُ، واستباحوا بذلك الربا[44].
أما عن كَفَّار وأثيم وعلاقتهما بآكل الربا وبمستحلّه، ففيه توضيح لا يتأتى إلا ببحث اللفظين "كفار" و"أثيم" بحثا لغويّا -سيأتي- وتبقى النقطة المهمة في جواب هذا السؤال: هل الكفّار الأثيم هو آكلُ الربا من دون استحلاله؟ أم هو مستحلّه؟ أم كلاهما؟ أم أن أحدهما الكفار والآخر الأثيم؟
الحق أن أكل الربا من أكبر الكبائر؛ بل هو من الأخطاء التي لا يستطاع تصحيحها بسهولة.. أما أنه من أكبر الكبائر فلأنه منافٍ للتقوى ومضادٌ للإيمان، قال -تعالى-: (اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)[البقرة: 278)].
وأنه حُرِّم بصيغة حاسمة صريحة: (وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) وأنه أحد صفات وخصائص اليهود والمشركين: (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً)[النساء: 160-161)].
وقد عده النبي -صلى الله عليه وسلم- من الموبقات السبع[45]. ولعن الله ورسوله فيه خمسة.. آكله وموكله وكاتبه وشاهديه[46].
وقد نقل العلامة ابن حجر الهيثمي علامات وضعها العلماء لمعرفة الكبيرة أغلبها ينطبق على أكلِ الرِّبا.. منها: أن يكون عليها وعيدٌ شديد بنص كتابٍ أو سنة، وأن يُنَصَّ على تحريمها، وأن تكون مما يؤذِنُ بعدم اكتراث في الدِّين، وأن تكون محرمة لذاتها[47].
وأما عن كون أكل الربا مما لا يستطاع التخلص منه بسهولة؛ فلكونه أكلاً يُربي لحماً، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل لحم نبت من حرامٍ فالنار أولى به"[48].
وفي "صحيح ابن حبان"[49] قال: قال أبو حاتم -رضي الله عنه-:... وقوله: "لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت" يريد جنة دون جنة؛ لأنها جنان كثيرة وهذا كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة ولد الزنى[50]، ولا يدخل العاق الجنة[51]، ولا منان[52]".. يريد جنة دون جنة...
[قلت]: وهذا يدل على أن أكل الربا (السحت) كبيرة من وجوه:
أولها: الوعيد الشديد عليها؛ حيث المنع من دخول الجنة.
والثاني: أن صاحبه لابد أن يدخل النار حتى تأكل ما نبت من لحم من الربا، ثم يبدله الله خيرا منه -إن كان من أهل (لا إله إلا الله)- فيدخل الجنة بعد ذلك.
والثالث: أن آكل الربا -ما لم يستحله- ليس بكافر بدليل خروجه من النار بعد التطهر؛ حيث لا يخلد مرتكب الكبيرة في النار، كما هي عقيدتنا معشر أهل السنة والجماعة.
وأما عن استحلال الربا فكفر من وجوه:
أولها: أنه إنكار للمعلوم من الدين بالضرورة؛ فالدين عقائد وعبادات ومعاملات والربا باب مشهور في المعاملات.. معلوم شره ومقته وتحريمه.. قال ابن القيم: وبيان ذلك[53] على وجه الإشارة أن الله -سبحانه وتعالى- حرم الربا والزنا وتوابعهما ووسائلهما؛ لما في ذلك من الفساد، ولابد أن يكون بين الحلال والحرام فرق في الحقيقة؛ وإلا فكان البيع مثل الربا، والنكاح مثل الزنا، ومعلوم أن الفرق في الصورتين مُلغىً عند الله ورسوله، وفي فطرة عباده؛ فإن الاعتبار بالمقاصد والمعاني في الأقوال والأفعال؛ فإن الألفاظ إذا اختلفت ومعناها واحد كان حكمها واحدا؛ فإذا اتفقت الألفاظ واختلفت المعاني كان حكمها مختلفًا، وكذلك الأعمال إذا اختلفت صورها واتفقت مقاصدها، وعلى هذه القاعدة يبنى الأمر والنهي والثواب والعقاب، ومن تأمّل الشريعة علم بالاضطرار صحة هذا[54].
والثاني: أن استحلال الربا إنكار لكثير من القرآن والسنة؛ فقد ورد تحريم الربا وذمه والتشنيع على آكله في آيات كثيرة وأحاديث جمة.. منها قوله -تعالى-: (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)[البقرة: 275)] (اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا)[البقرة: 278)].
(لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً)[آل عمران: 130)].
(وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ)[النساء: 161)].
(وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ)[الروم: 39)].
وفي الحديث نقلنا حديث كعب بن عجرة - رضي الله عنه - الوارد في أكثر من خمسة عشر كتابًا من دواوين السنة المشرفة، وحديث السبع الموبقات وغير ذلك.
وإذًا فمستحل الربا لا يسعه إلا أن ينكر هذه الآيات والأحاديث المصرِّحة والجازمة بتحريم الربا، ومعلوم أن من يجحد شيئًا من القرآن كافر، وهو غير العاصي الذي يقرّ بحرمة الشيء ولو أنه ارتكبه؛ لأن جاحد الشرع يخشى الناس أكثر مما يخشى الله - تعالى -، وهي صفة في أصناف من الكفار؛ خاصة اليهود والمنافقين، قال -تعالى-: (يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) [النساء: 108].
ومن خصائص اليهود أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، وهي صفة ملازمة للمستخفي من الناس، وكلا الصفتين مقدمتان لاستحلال الربا؛ حيث يخشى المرابي العار فينكر حرمة الربا حتى لا يلومه الناس إذا ما فعله، وإذا قيل له كفرت قال إنه مؤمن، ويستدل بتمسكه -في الظاهر- ببعض ما يؤمن به المؤمنون.
الثالث: أنه محادة لله -تعالى- ومحاربة، ولا يحادّ الله -تعالى- ويحاربه إلا كافر، وإنما المؤمن يصفُّ نفسَه في حزب الله المفلحين؛ فيأتمر بأمره وينتهي بنهيه ويدعو إليه ويقاتل في سبيله، ومما يدل على أن الربا محادّة لله -تعالى- قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ...)[البقرة: 278-279)].
قال المفسرون: حربًا في الدنيا؛ حيث يستتيب الإمام المتعامل بالربا، فإن تاب وأقلع وإلا ضرب عنقه.. قاله ابن عباس والحسن وابن سيرين.. هذا في الدنيا، وفي الآخرة قال ابن عباس: يقال لآكل الربا يوم القيامة: خذ سلاحك للحرب[55].
إن الربا إفساد في الأرض، بل هو من أكبر الإفساد فيها، والمفسد في الأرض محارب لله -تعالى-، قال -تعالى-: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[المائدة: 33)].
فربما استنبط من قال بضرب عنق المرابي إن لم يتب هذا الحكم من هذه الآية.
ثم إن أخذ السلاح -في قول ابن عباس- حرب لله -تعالى-، وإنما فُعِل بالمرابي ذلك في الآخرة لأنه كان في الدنيا محاربًا، وكل هذا فضلاً عن كونه غير راضٍ برزق الله الحلال وغير مؤمن بالبعث حيث يجازى.
بحث "كَفَّار" و"أثيم" والفرق بينهما:
أ- "كَفّار": هي مفرد على المبالغة من اسم الفاعل كافر، وقد تُحوَّل صيغة اسم الفاعل من الفعل الثلاثي المتعدي واللازم إلى أوزان أخرى تدل على الكثرة والمبالغة -كمًّا وكيفًا- في اتصاف الذات بالحدث، وتسمى صِيَغ المبالغة؛ فنحو كذَّاب أبلغ من كاذب في دلالتها على الكذب. وأشهر صيغ المبالغة خمس هي: فعّال، ومِفعال، وفعُول، وفعِيل، وفَعِل[56].
وفِعْل "كفّار" "كَفَرَ" المتعدي في بعض الاستعمالات واللازم في بعضها.. تقول: كفر الرجل، وكفر نعمة ربه، كما يتعدى اللازم منه بالباء.. تقول: كفر بالله.
فـ"كفّار" صيغة مبالغة[57] من كافر؛ أي كثير الكفر، لمن يكفر مرة بعد مرة، أو بهذه الآية وبتلك، وبهذه النعمة وبتلك. وهو المبالغ في الكفر؛ حيث يُنهى عنه ولا ينتهي، فصفة الكفر ملازمة له.. ملتصقة به.. لا تنفك عنه ولا تبرحه.. يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، ويجحد الشرع، ويستحل الحرام... إلخ. وإذًا فـ"كفار" تعني -والله أعلم بمراده- مكرر الكفر والمستزيد منه، وفي كل منهما تفصيل:
1- إذا كان المعنى تكرار الكفر.. أي الكفر مرة بعد مرة؛ فهل الكفر مرة واحدة لا يمنع من حب الله تعالى؟
عقيدة أهل السنة والجماعة أنه ما لم يغرغر العبد ولم تطلع الشمس من مغربها فإن باب التوبة مفتوح حتى للكافر؛ غير أنه يخشى على من يكرر الكفر أن يطبع الله على قلبه فلا يؤمن -والعياذ بالله- أبدًا؛ فكان دعاء موسى -عليه السلام- على فرعون وملئه: (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ)[يونس: 88)] وقال -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ)[المنافقون: 3)].
ومما يدل على أن "كفَّارًا" قد تعني تكرار الكفر قوله -تعالى- في الآية السابقة على التي عليها الكلام: (وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[البقرة: 275].
2- وهذا أيضًا يدل على أن "كفّارًا" تعني زيادة الكفر؛ أي شدته؛ أي الكفر الأكبر الذي يخلد صاحبه في النار.
وقال الإمام القرطبي -عند قوله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) معناه عند جميع المتأوِّلين في الكُفّار، ولهم قيل: (فَلَهُ مَا سَلَفَ) ولا يقال ذلك لمؤمنٍ عاصٍ بل ينقض بيعه ويرد فعله وإن كان جاهلا؛ فلذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))[58]، لكن قد يؤخذ العصاة في الربا بطرفٍ من وعيد هذه الآية[59].
ب- "أثيم"[60]: "أثيم" هي الأخرى مفرد على المبالغة في الإثم والزيادة منه، بحسب صيغة المبالغة "فَعِيل"، فما يقال في "كفّار" يقال في "أثيم"؛ فهي أيضًا مبالغة في الإثم وزيادة فيه، وتلزم صاحبها كما لا يلزمه اسم الفاعل "آثم"، وتمنع من محبّة الله -تعالى- عبده كما تمنع "كفار"، وذلك موضوع المانع الثالث من محبة الله -تعالى-.
جـ- الفرق بين "كفّار" و"أثيم": قال القرطبي: ووصف كفار بأثيم مبالغة؛ من حيث اختلف اللفظان، وقيل لإزالة الاشتراك في "كفّار"؛ إذ قد يقع على الزارع الذي يستر الحب في الأرض.. قاله ابن فورك[61].
وقال ابن كثير: أي لا يحب كفور القلب أثيم القول والفعل، ولابد من مناسبة في ختم هذه الآية بهذه الصفة، وهي أن المرابِيَ لا يرضى بما قسم الله له من الحلال ولا يكتفي بما شرع له من الكسب المباح فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة، فهو جَحود لما عليه من النعمة ظلوم آثم يأكل أموال الناس بالباطل[62].
ولا يعني -والله أعلم- أنه يشترط الصفتان في المرء؛ أي "الكَفّارية" و "الأثيميّة"، حتى يبغضه الله تعالى؛ إذ الكفر وحده مانع من محبّة الله - تعالى -عبده كما سبق، و"الأثيمية" -ولا نقول الإثم حيث قد يكون لممًا- وحدها مانعة من محبته -تعالى- عبده كما سيأتي. فلا يلزم اجتماعهما في شخص حتى لا يحبه الله -تعالى-، والله أعلم.
رابعًا: كفر القاتلِ غدرًا وخيانة، وكفر النعمة:
يقول -تعالى-: (إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)[الحج: 38)].
قال القرطبي -في سبب نزول هذه الآية-: روي أنها نزلت بسبب المؤمنين لما كثروا بمكة وآذاهم الكفار وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة، أراد بعض مؤمني مكة أن يقتل من أمكنه من الكفار ويغدر ويحتال[63].
وقال بدر الدين العيني: إن المشركين كانوا يؤذون المؤمنين بمكة فشكوا إلى النبي وسألوه أن يغتالوا من أمكنهم منهم ويغدروا به فنزلت: (إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) فنهوا عن ذلك وأمروا بالصبر إلى أن هاجر النبي فنزلت: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) الآية؛ فأباح الله قتالهم فكان إباحة القتال مع الهجرة التي هي سبب النصرة والغلبة وظهور الإسلام[64].
وقال بعض العلماء: إن سورة الحج مكية إلا ثلاث آيات من أول قوله -تعالى-: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ)[الحج: 109)].
وليست هذه الآية من الآيات الثلاث المدنيّة، وقد وردت في سياق النهي عن القتال قبل الإذن به في الآية التي تليها مباشرة، وهي قوله -تعالى-: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)[الحج: 39)[65].
ومعلوم أن الجهاد في سبيل الله مر بثلاث مراحل تشريعية[66] الأولى: حظره قبل آية الإذن هذه، والثانية: الإذن به قبل فرضه كما في هذه الآية، والثالثة: فرضه على الكفاية أو على التعيين على تفصيل ليس هاهنا مكانه.
فهل في سورة الحج آياتٌ أخرى مدنية غير الآيات الثلاث المشار إليها؟ أم أن الجهاد قد أُذِن به قبل الهجرة؟ إنه يستحيل هنا الجمع بين القولين.. فلابد أن أحدهما صحيح والآخر خطأ، ولكن اتفق العلماء على أن الجهاد لم يؤذن به في مكة بدليل آيات الصفح الكثيرة في السور النازلة أوّلا بالمدينة كالبقرة وغيرها؛ مثل قوله -تعالى-: (... فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ... وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ...)[البقرة: 109-110)].
وقوله: (... فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[المائدة: 13).
قال ابن تيمية: وسورة المائدة مدنية بالإجماع[67]، وقال أيضًا عن سورة الحج: وسورة الحج بعضها مكي بلا شك وأكثرها أو باقيها مدني متقدم[68]؛ فإذن القول بأن سورة الحج مكية إلا ثلاثا ليس صحيحا.
يقول السعدي عند آية الحج هذه: كان المسلمون في أول الإسلام ممنوعين من قتال الكفار ومأمورين بالصبر عليهم لحكمة إلهية؛ فلما هاجروا إلى المدينة وأوذوا، وحصل لهم منعة وقوة، أذن لهم بالقتال، كما قال -تعالى-: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ) يفهم منه أنهم كانوا قبلُ ممنوعين؛ فأَذن الله لهم بقتال الذين يقاتلونهم[69]. قال: (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ) أي خائن في أمانته التي حمّله الله إيّاها، فيبخس حقوق الله عليه ويخونها، ويخون الخلق.. (كَفُورٍ) لنعم الله؛ يوالي اللهُ عليه الإحسان ويتوالى منه الكفر والعصيان، فهذا لا يحبه الله بل يبغضه ويمقته وسيجازيه على كفره وخيانته، ومفهوم الآية أن الله يحب كل أمين قائم بأمانته شكور لمولاه[70].
ويقول ابن كثير -عن زيد بن أسلم ومقاتل بن حبان وقتادة وغيرهم-: هذه أول آية نزلت في الجهاد. واستدل بهذه الآية بعضهم على أن السورة -أي سورة الحج- مدنية.
كما روى ابن كثير سببًا آخر لنـزول الآية -عن ابن جرير الطبري في تفسيره[71]- عن ابن عباس قال: لما أُخرِج النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون، ليهلكُنَّ. قال ابن عباس: فأنزل الله -عليه السلام-: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) قال أبو بكر - رضي الله عنه -: فعرفت أنه سيكون قتال[72]. قال: وقوله: (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)؛ أي لا يحب من عباده من اتصف بهذا، وهو الخيانة في العهود والمواثيق لا يفي بما قال، والكفر: الجحد للنعم فلا يعترف بها[73].
وبهذا الاستعراض يتضح أن للمفسرين -في المناسبة بين قوله -تعالى-: (إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا) وقوله: (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)
ثلاثة أقوال:
الأول: أن "الخوَّانيّة" و"الكَفُورية" هاتين في حق المؤمنين إن غدروا بالمشركين فقتلوا من أمكنهم منهم، كما يقول القرطبي والعيني.
الثاني: أن "الخوانية" و"الكفورية" في حق المؤمنين إن هم خانوا أمانتهم التي حملوها من الإيمان بالله -تعالى- بحقوقه وحقوق الخلق، وأن أعظمهم في المحافظة على هذه الحقوق أعظمهم في دفاع الله -تعالى- عنه؛ فمستقِلٌّ من هذا وذاك ومستكثِرٌ منهما، كما يقول العلامة السعدي.
الثالث -وهو أشهرها-: أن "الخوانية" و"الكفورية" في حق كل أحدٍ؛ أي أنّ كل خوان وكل كفور جاحد النعمة لا يحبه الله، كما يقول ابن كثير وغيره.
لكن ينبغي أن يعلم أن كفر النعمة إذا كان وحده فهو كفر أصغر غير مخرج من الملة ولا مخلدٍ في النار، ومن ثم لا يبغض الله صاحبه كما يبغض صاحب الكفر الأكبر، فيُشعِر هذا بأن الآية إما محمولة على الكفار الخائنين، أو تحذيرٌ للمؤمنين من أن يصبحوا مثلهم إذا تعاملوا بأخلاقهم، أو هما معا.
ولا تعارض بين الأقوال الثلاثة؛ لأنه إذا كان الله لا يحب المؤمنين إن غدروا وخانوا، أو كان لا يحبهم إن كفروا النعمة؛ فمن باب أولى لا يحب الكافرين إذا اتصفوا بالخيانة وكفران النعمة؛ لأنه لا يحبهم ابتداءً على كفرهم الأول.
وقال الطاهر بن عاشور: (إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) استئناف بياني جوابًا لسؤال يخطر في نفوس المؤمنين ينشأ من قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)[الحج: 25] الآية؛ فإنه توعد المشركين على صدهم عن سبيل الله والمسجد الحرام بالعذاب الأليم.
وبشر المؤمنين المخبتين والمحسنين بما يتبادر منه ضد وعيد المشركين وذلك ثواب الآخرة، وطال الكلام في ذلك بما تبعه لا جرم تشوَّفت نفوس المؤمنين إلى معرفة عاقبة أمرهم في الدنيا، وهل ينتصر لهم من أعدائهم أو يدخر لهم الخير كله إلى الدار الآخرة، فكان المقام خليقًا بأن يُطمئِن اللهُ نفوسهم بأنه كما أعد لهم نعيم الآخرة هو أيضًا مدافع عنهم في الدنيا وناصرهم، وحذف مفعول (يدافع) لدلالة المقام؛ فالكلام موجهٌ إلى المؤمنين.
ولذلك فافتتاحه بحرف التوكيد إما لمجرد تحقيق الخبر وإما لتنزيل غير المتردد لشدة انتظارهم النصر واستبطائهم إياه، والتعبير بالموصول لما فيه من الإيمان وجه بناء الخبر، وأن دفاع الله عنهم لأجل إيمانهم... وجملة: (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) تعليل الدفاع بكونه عن الذين آمنوا بأن الله لا يحب الكافرين الخائنين؛ فلذلك يدفع عن المؤمنين لرد أذى الكافرين؛ ففي هذا إيذان بمفعول (يدافع) المحذوف أي يدافع الكافرين الخائنين.
والخوّان: الشديد الخون، والخون كالخيانة: الغدر بالأمانة.
والمراد بالخوّان الكافر؛ لأن الكفر خيانة لعهد الله الذي أخذه على المخلوقات بأن يوحدوه فجعله في الفطرة وأبلغه الناس على ألسنة الرسل فنبه بذلك ما أودعهم في فطرتهم.
والكفُور: الشديد الكفر. وأفادت (كل) في سياق النفي عموم نفي محبة الله عن جميع الكافرين؛ إذ لا يحتمل المقام غير ذلك.
ولا يتوهّم من قوله: (لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ) أنه يحب بعض الخوّانين لأن كلمة (كل) اسم جامد لا يشعر بصفةٍ؛ فلا يتوهم توجه النفي إلى معنى الكلية المستفاد من كلمة "كل"، وليس هو مثل قوله -تعالى-: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)[فصلت: 46)] الموهم أن نفي قوة الظلم لا يقتضي نفي قليل الظلم[74].
فهذا يعني أن الخيانة لا تكون من مؤمن؛ لكن أية خيانة؟ لابد أنها خيانة الأمانة التي عرضت على السموات والأرض والجبال فأبَين أن يحملنها وحملها الإنسان، وهي القيام بأمر الله بالعبادة والخلافة في الأرض طوعًا واختيارا، وليست خيانة الأمانات بين الناس التي هي محرَّمة شرعا لكنها ليست كفرًا، وبهذا يتساوق هذا الفهم مع فهم العلماء لحديث: ((آية المنافق ثلاث... إذا اؤتمن خان...))[75] أنه ليس النفاق الأكبر المخرج من الملة، ولحادثة حاطب الذي نهى رسول الله عمر عن قتله لشهوده بدرًا، وإذًا تكون "كفور" توكيدا لـ"خوَّان" وصرفًا لها إلى معنى الكفر.
وللموضوع تتمة